موسوعة القواعد الفقهية

الفرعُ الثَّالثُ: العِلمُ بالحالِ يَقومُ مَقامَ الاشتِراطِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَت القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "العِلمُ بالحالِ يَقومُ مَقامَ الاشتِراطِ" [659] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (8/63)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (14/405)، ((شرح منتهى الإرادات)) لابن النجار (6/177)، ((تيسير مسائل الفقهـ)) لعبد الكريم النملة (3/445). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
نَصَّ الحَنابلةُ على هذه القاعِدةِ، وظَهَرَ العَمَلُ بها عِندَ الحَنَفيَّةِ والمالكيَّةِ والحَنابلةِ، ومَعناها أنَّ العِلمَ بالحالِ يَقومُ مَقامَ الاشتِراطِ اللَّفظيِّ، والعِلمُ بالحالِ له عَلاماتٌ تُعرَفُ على حَسَبِ العادةِ والعُرفِ بَينَ المُتَعاقِدَينِ، كَأن يَتَفاهَمَ المُتَعاقِدانِ بَينَهما تَفاهمًا يَقومُ مَقامَ الاشتِراطِ [660] يُنظر: ((التعليقة الكبيرة)) لأبي يعلى (3/304)، ((شرح التلقين)) للمازري (2/677)، ((المغني)) لابن قدامة (8/63)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/143)، ((عدة البروق)) للونشريسي (ص: 460)، ((تيسير مسائل الفقهـ)) لعبد الكريم النملة (3/445). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِنَ القاعِدةِ الأُمِّ (الأصلُ أنَّ ما ثَبَتَ بالشَّرطِ نَصًّا لا يُلحَقُ به ما ليسَ في مَعناه مِن كُلِّ وَجهٍ)، ووَجهُ تَفَرُّعِها عنها أنَّ العِلمَ بالحالِ يُلحَقُ بالشَّرطِ، فيَتَنَزَّلُ في مَعناه مِن كُلِّ وَجهٍ؛ لذلك كان قائِمًا مَقامَ الاشتِراطِ.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ: القاعِدةُ الأُمُّ (الأصلُ أنَّ ما ثَبَتَ بالشَّرطِ نَصًّا لا يُلحَقُ به ما ليسَ في مَعناه مِن كُلِّ وَجهٍ).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ؛ مِنها:
1- إذا أُطلقَتِ الدَّراهِمُ والدَّنانيرُ وغَيرُها مِنَ العُملاتِ الماليَّةِ فهيَ بمَعنى المَوصوفةِ؛ لأنَّ نَقدَ البَلدِ إذا كان واحِدًا انصَرَف العَقدُ إليه، ويَكونُ بمَنزِلةِ المَشروطِ فيه؛ لأنَّ العُرفَ القائِمَ بَينَهم يَقومُ مَقامَ الشَّرطِ؛ لأنَّ النُّقودَ إذا كانت مُختَلِفةً لا مَزيَّةَ لبَعضِها على بَعضٍ لم يَجُزْ إطلاقُ العَقدِ فيها، وإنَّما يَجوزُ إطلاقُ العَقدِ إذا كان النَّقدُ المُتَعامَلُ به واحِدًا لا يَختَلِفُ، فيُحمَلُ إطلاقُ العَقدِ عليه، ويَكونُ بمَنزِلةِ قَولِه: بعتُك مِن هذا النَّقدِ بكَذا [661] يُنظر: ((التعليقة الكبيرة)) لأبي يعلى (3/304). .
2- إذا استَأجَرَ زَيدٌ مِن عَمرٍو أرضًا، ولم يُذكَرْ عِندَ العَقدِ أنَّ لها ماءً أو ليسَ لها ماءٌ، بَل أُطلقَ في ذلك، فإنَّ الإجارةَ صحيحةٌ بشَرطِ أن يَكونَ المُستَأجِرُ عالِمًا بحالِها، وهو: أنْ لا ماءَ لها، أمَّا إن كان المُستَأجِرُ يَظُنُّ -ظنًّا غالبًا- أنَّ لها ماءً، فبانَ خِلافُ ذلك، فلا صِحَّةَ للإجارةِ للتَّلازُمِ؛ حَيثُ يَلزَمُ مِن عِلمِه بالحالِ -وهو أنَّها لا ماءَ لها- أنَّ عَدَم الماءِ مُشتَرَطٌ؛ لأنَّ العِلمَ بالحالِ يَقومُ مَقامَ الاشتِراطِ [662] يُنظر: ((تيسير مسائل الفقهـ)) لعبد الكريم النملة (3/445). وينظر أيضًا: ((المغني)) لابن قدامة (8/63). .
3- أنَّ نِكاحَ التَّحليلِ مُحَرَّمٌ باطِلٌ بأدِلَّةِ الشَّرعِ المُتَضافِرةِ، حتَّى وإن لم يوجَدْ فيه اشتِراطٌ لفظيٌّ بالتَّحليلِ، والعِلَّةُ فيه ظاهِرةٌ، وهو أنَّه حيلةٌ على ارتِكابِ مَحارِمِ اللهِ بشَتَّى صورِه وأضرُبِه الثَّلاثِ، وهيَ:
- أن يَتَزَوَّجَها بقَصدِ الإحلالِ للأوَّلِ مِن غَيرِ أن يَكونَ هناكَ مواطَأةٌ عُرفيَّةٌ أو لفظيَّةٌ.
- أن يَتَزَوَّجَها بقَصدِ الإحلالِ للأوَّلِ مَعَ المواطَأةِ اللَّفظيَّةِ في صُلبِ العَقدِ أو قَبلَه.
- أن يَتَزَوَّجَها بقَصدِ الإحلالِ للأوَّلِ مِن غَيرِ أن يَحصُلَ بَينَهما اشتِراطٌ على ذلك لفظًا، لا مُتَقدِّمًا ولا مُقارِنًا للعَقدِ، بَل يَدُلُّ الحالُ وتَقومُ القَرائِنُ على ذلك، فهذا قائِمٌ مَقامَ الاشتِراطِ اللَّفظيِّ [663] يُنظر: ((الحيل)) لمحمد المسعودي (ص: 136). .

انظر أيضا: