موسوعة القواعد الفقهية

الفرعُ الخامِسُ: الإقدامُ على العَقدِ التِزامٌ لشَرائِطِه


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَت القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الإقدامُ على العَقدِ التِزامٌ لشَرائِطِه" [672] يُنظر: ((العناية)) للبابرتي (7/110)، ((البناية)) للعيني (8/369). ، وبصيغةِ: "الإقدامُ على العَقدِ اعتِرافٌ بصِحَّتِه" [673] يُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (2/21)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (4/269)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (2/362)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/423). ، وبصيغةِ: "الشُّروعُ في العَقدِ بالمُباشَرةِ لبَعضِ مُقدِّماتِه له حُكمُ نَفسِ العَقدِ وتَمامُه" [674] يُنظر: ((تكملة فتح القدير)) لقاضي زاده (9/10). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُعَبِّرُ هذه القاعِدةُ عن أهَمِّيَّةِ الرِّضا في العُقودِ، والإقدامُ على العَقدِ والشُّروعُ فيه له حُكمُ العَقدِ؛ لأنَّه إنَّما يَقتَضي الرِّضا بما هو مِن ضَروريَّاتِ ذلك العَقدِ ولوازِمِه، لا بما هو مِن مُحتَمَلاتِ ذلك، ويَتَرَتَّبُ على العَقدِ التِزامُ كُلِّ واحِدٍ مِنَ العاقِدَينِ بما وجَبَ به للآخَرِ؛ لأنَّ العَقدَ عِبارةٌ عنِ ارتِباطِ الإيجابِ الصَّادِرِ مِن أحَدِ العاقِدَينِ بقَبولِ الآخَرِ على وجهٍ يَثبُتُ أثَرُه في المَعقودِ عليه. والمُرادُ بالإقدامِ على العَقدِ هنا: أي: على العَقدِ الصَّحيحِ؛ لأنَّه لا يَجوزُ الإقدامُ على العَقدِ الباطِلِ لتَحقيقِ حُكمٍ غَيرِ مَشروعٍ [675] يُنظر: ((تكملة فتح القدير)) لقاضي زاده (9/30)، ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/245)، ((مرشد الحيران)) لقدري باشا (ص: 27). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِنَ القاعِدةِ الأُمِّ (الأصلُ أنَّ ما ثَبَتَ بالشَّرطِ نَصًّا لا يُلحَقُ به ما ليسَ في مَعناه مِن كُلِّ وَجهٍ)، ووَجهُ تَفَرُّعِها عنها أنَّ الإقدامَ على العَقدِ يَقتَضي الرِّضا بشُروطِه المَنصوصِ عليها فيه، فدَلَّ على وُجوبِ الالتِزامِ بهذه الشُّروطِ؛ إذِ الإقدامُ عليه في مَعنى الالتِزامِ بهذه الشُّروطِ مِن كُلِّ وَجهٍ.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ (الأصلُ أنَّ ما ثَبَتَ بالشَّرطِ نَصًّا لا يُلحَقُ به ما ليسَ في مَعناه مِن كُلِّ وَجهٍ).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ؛ مِنها:
1- الإقدامُ على عُقودِ المُعاوَضةِ التِزامٌ بشَرائِطِها، كَشَرطِ السَّلامةِ؛ لأنَّ عَقدَ المُعاوَضةِ يَقتَضي السَّلامةَ، فيَكونُ كُلُّ واحِدٍ مِنهما مُلتَزِمًا لوصفِ السَّلامةِ بالإقدامِ على العَقدِ، فإذا لم يسلمْ له صارَ مَغرورًا مِن جِهَتِه، فيَرجِعُ عليه بما لحِقَه [676] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/102). .
2- إذا اختَلف البائِعُ والمُشتَري في رُؤيةِ المَبيعِ، كَأن ادَّعى البائِعُ رُؤيةَ المُشتَري، فأنكَرَها، فالقَولُ قَولُ مُدَّعيها بيَمينِه؛ لأنَّ الإقدامَ على العَقدِ اعتِرافٌ بصِحَّتِه [677] يُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (2/21)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/423). .
3- تَجِبُ على الفقيرِ نَفَقةُ الزَّوجةِ ووَلَدِه الصَّغيرِ؛ لأنَّه التَزَمَها بالإقدامِ على عَقدِ النِّكاحِ؛ إذا المَصالِحُ مِنَ النِّكاحِ -كالتَّوالُدِ والتَّناسُلِ والعِشرةِ وغَيرِ ذلك- لا تَنتَظِمُ دونَ النَّفقةِ، ولا يُلتَفَتُ إلى الإعسارِ في نَفقَتِها؛ لأنَّ نَفقةَ الزَّوجةِ تجري مَجرى الدُّيونِ بدَلالةِ وُجوبِها مَعَ يَسارِ المَرأةِ [678] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (2/293)، ((البناية)) للعيني (5/707). .

انظر أيضا: