موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ السَّادِسُ: لا يَجِبُ المُسَمَّى في شَيءٍ مِنَ العُقودِ الفاسِدةِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "لا يَجِبُ المُسَمَّى في شَيءٍ مِنَ العُقودِ الفاسِدةِ" [253] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/307)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (1/465). ، ويُعَبَّرُ عنها أيضًا بـ "الضَّمانُ بالعَقدِ الفاسِدِ يَتَقدَّرُ بالمِثلِ" [254] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (11/79). ، و"المُستَحَقُّ في العَقدِ الفاسِدِ قِيمةُ المَعقودِ عليه لا المُسَمَّى" [255] يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/47). ، و"كُلُّ عَقدٍ وجَبَ المُسَمَّى في صحيحِه وجَبَ المِثلُ في فاسِدِه" [256] يُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (2/272). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ هذه القاعِدةُ أنَّ المُتَعاقِدَينِ حينَما يَتَّفِقانِ على عِوضٍ ويَقَعُ التَّراضي بَينَهما عليه، فإنَّه يَلزَمُهما في العُقودِ الصَّحيحةِ، أمَّا إذا فسَدَ العَقدُ لخَللٍ فيه، وتَمَّ استِهلاكُ العَينِ في البَيعِ، أوِ استيفاءُ المَنفعةِ في الإجارةِ، أوِ البُضعِ في النِّكاحِ؛ فإنَّ المُسَمَّى الذي وقَعَ التَّراضي عليه لا يَجِبُ لكَونِ العَقدِ فاسِدًا، وإنَّما يَجِبُ عِوَضُ المِثلِ لا المُسَمَّى، ويَكونُ الشَّيءُ مَضمونًا ضَمانَ يَدٍ، فإذا هَلَك المَبيعُ في يَدِ المُشتَري بتَفريطٍ مِنه ضَمِنَه بالمِثلِ إن كان مِثليًّا، وبالقيمةِ إن كان قيميًّا، ولا يَجِبُ المُسَمَّى حينَئِذٍ في العَقدِ لفسادِ العَقدِ؛ ففسَدَت تَوابِعُه، وتُعتَبَرُ هذه القاعِدةُ مُكملةٌ لقاعِدةِ (الباطِلُ لا حُكمَ لهـ) [257] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/ 304)، ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/307)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (1/465)، ((معلمة زايد)) (16/411). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ المَعقولُ، وهو:
1- أنَّ القيمةَ هيَ الموجِبُ الأصليُّ في البَيعِ؛ لأنَّها مِثلُ المَبيعِ في الماليَّةِ، إلَّا أنَّه يُعدَلُ عنها إلى المُسَمَّى إذا صَحَّتِ التَّسميةُ، فإذا لم تَصِحَّ وجَبَ المَصيرُ إلى الموجِبِ الأصليِّ، خُصوصًا إذا كان الفسادُ مِن قِبَلِ المُسَمَّى؛ لأنَّ التَّسميةَ إذا لم تَصِحَّ لم يَثبُتِ المُسَمَّى، فصارَ كَأنَّه باعَ وسَكَتَ عن ذِكرِ الثَّمَنِ، ولو كان كذلك كان بَيعًا بقيمةِ المَبيعِ؛ لأنَّ البَيعَ مُبادَلةٌ بالمالِ، فإذا لم يُذكَرِ البَدَلُ صَريحًا صارَتِ القيمةُ أوِ المِثلُ مَذكورًا دَلالةً، فكان بَيعًا بقيمةِ المَبيعِ أو بمِثلِه إن كان مِن قَبيلِ الأمثالِ [258] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/ 304)، ((الاختيار)) للموصلي (3/104). .
2- أنَّ تَسميةَ الثَّمَنِ مِن تَوابعِ العَقدِ، أو رُكنٌ مِن أركانِه، فإذا فسَدَ العَقدُ فسَدَت أركانُه وتَوابعُه، كالصَّلاةِ، وإذا لم يَجِبْ له المُسَمَّى وجَبَ أجرُ المِثْلِ؛ لأنَّه إنَّما عَمِلَ أو بَذَل ليَأخُذَ المُسَمَّى، فإذا لم يَحصُلْ له المُسَمَّى وجَبَ رَدُّ بَذلِه وعَمَلِه إليه، وذلك مُتَعَذِّرٌ؛ فتَجِبُ قيمَتُه، وهو أجرُ مِثلِه [259] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (5/52). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- إذا قال: زَوَّجتُكها على هذا الخَمرِ أو على هذا الخِنزيرِ، فيَفسُدُ المُسَمَّى، ويَجِبُ مَهرُ المِثلِ [260] يُنظر: ((مختصر الخرقي)) (ص: 106)، ((الجمع والفرق)) لأبي محمد الجويني (3/183)، ((التهذيب)) للبغوي (5/502)، ((فتح القدير)) لابن الهمام (10/256)، ((المبسوط)) للسرخسي (5/89)، .
2- إنِ استَأجَرَ عَينًا إجارةً فاسِدةً وقَبَضَها، فإنِ انتَفعَ بها المُستَأجِرُ وجَبَ عليه أُجرةُ المِثلِ عِندَ الشَّافِعيَّةِ والحَنابلةِ؛ لأنَّ ما ضُمِنَ بالمُسَمَّى في العَقدِ الصَّحيحِ ضُمِنَ بجَميعِ القيمةِ في العَقدِ الفاسِدِ [261] يُنظر: ((البيان)) للعمراني (7/333)، ((المغني)) لابن قدامة (5/331). .
3- إذا دَفعَ شَخصٌ مالًا مُضارَبةً إلى إنسانٍ مُضارَبةً فاسِدةً بأن شَرط مَبلَغًا مُعَيَّنًا دونَ نِسبةٍ مِنَ الرِّبحِ، أو شَرَط أن يَكونَ الرِّبحُ نِصفينِ والخَسارةُ نِصفينِ، فإن عَمِل المُضارِبُ في هذه المُضارَبةِ وجَبَ له أجرُ المِثلِ على عَمَلِه، والرِّبحُ كُلُّه لرَبِّ المالِ لفسادِ المُضارَبةِ، والفاسِدُ يَستَوجِبُ أجرَ المِثْلِ [262] يُنظر: ((النتف في الفتاوى)) للسغدي (1/541)، ((الهداية)) للكلوذاني (ص: 286)، ((المبسوط)) للسرخسي (22/22)، ((كفاية النبيهـ)) لابن الرفعة (10/255)، ((الفروق)) للكرابيسي (2/273)، ((القواعد)) لابن رجب (1/246)، ((غمز عيون البصائر)) للحموي (3/82). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استِثناءٌ:
ذَكَرَ السُّبكيُّ وغَيرُه أنَّه لا يَجِبُ المُسَمَّى في شَيءٍ مِنَ العُقودِ الفاسِدةِ إلَّا في مَسألةٍ واحِدةٍ، وهيَ:
إذا بَذَل الكافِرُ مالًا على الدُّخولِ في حَرَمِ مَكَّةَ، فإنَّ الإمامَ لا يُجيبُه، فإن فَعَل فالصُّلحُ فاسِدٌ؛ فإن فعَل أُخرِجَ، وثَبَتَ العِوَضُ المُسَمَّى [263] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/307)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (1/465). .

انظر أيضا: