الفَرعُ الرَّابعُ: التَّصَرُّفُ الفاسِدُ لا يُفيدُ المِلكَ قَبلَ القَبضِ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "التَّصَرُّفُ الفاسِدُ لا يُفيدُ المِلكَ قَبلَ القَبضِ"
[237] يُنظر: ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (32/122). ، ويُعَبَّرُ عنها أيضًا بـ"البَيعُ الفاسِدُ لا يُفيدُ المِلكَ قَبلَ القَبضِ"
[238] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/263)، ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (6/229). ، و"الفاسِدُ لا يُملَكُ فيه شَيءٌ"
[239] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/13). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ اختِلالَ التَّصَرُّفِ لسَبَبٍ مِنَ الأسبابِ، كَفقدِ شَرطٍ، أو صِفةٍ مُعتَبَرةٍ تفقِدُ القُدرةَ على إثباتِ المِلكِ قَبلَ القَبضِ، فإذا تَمَّ عَقدٌ مِنَ العُقودِ بطَريقةٍ فاسِدةٍ ولم يَقبضِ المُشتَري المَعقودَ عليه فإنَّ المِلكَ لا يَثبُتُ؛ لأنَّ هذا العَقدَ يَجِبُ فسخُه لمُخالفتِه الشَّرعَ، فالبُيوعُ الفاسِدةُ لا توجِبُ المِلكَ ولا يَتَعَلَّقُ بها حُكمٌ بنَفسِ العَقدِ، بَل الحُكمُ فيها أن تُفسَخَ، وتُرَدَّ السِّلعةُ إلى صاحِبِها، والثَّمَنُ إلى المُشتَري، وتُعتَبَرُ هذه القاعِدةُ تَطبيقًا لقاعِدةِ (الباطِلُ لا حُكمَ لهـ)
[240] يُنظر: ((الفصول)) للجصاص (2/192)، ((البرهان)) لأبي المعالي الجويني (2/91)، ((مناهج التحصيل)) للرجراجي (6/309)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (32/122). .
قال ابنُ تَيميَّةَ: (التَّحقيقُ في عُقودِ الرِّبا إذا لم يَحصُلْ فيها القَبضُ: أنْ لا عَقدَ، وإن كان بَعضُ الفُقَهاءِ يَقولُ: بَطَل العَقدُ، فهو بُطلانُ ما لم يَتِمَّ، لا بُطلانُ ما تَمَّ)
[241] ((الفتاوى الكبرى)) (5/ 392). ويُنظر أيضًا: ((قواعد ابن رجب)) (1/ 326). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.دَلَّ على هذه القاعِدةِ ما سَبَقَ مِن أدِلَّةٍ في قاعِدةِ (الباطِلُ لا حُكمَ لهـ)، ويُضافُ إليها مِنَ المَعقولِ:
1- أنَّ المِلكَ الواقِعَ بالعَقدِ إنَّما هو حُكمٌ مُتَعَلِّقٌ بإباحةِ اللهِ تعالى إيَّاه وحُكمِه به، فإذا حُكِمَ بنَهيِه فغَيرُ جائِزٍ وُقوعُ الحُكمِ الذي يَتَعَلَّقُ به مِن إيقاعِ المِلكِ، فوجَبَ أن يَقَعَ فاسِدًا لا حُكمَ له
[242] يُنظر: ((الفصول)) للجصاص (2/192). .
2- أنَّ الفاسِدَ ليسَ موافِقًا للشَّرعِ، والأحكامُ تَثبُتُ إذا جَرَت أسبابُها موافِقةً للشَّرعِ
[243] يُنظر: ((البرهان)) لأبي المعالي الجويني (2/91). .
3- أنَّ الفاسِدَ يَجِبُ رَفعُه، والحُكمُ بإفادَتِه المِلكَ قَبلَ القَبضِ يُؤَدِّي إلى زيادةِ تَقريرِه
[244] يُنظر: ((فتح القدير)) لابن الهمام (6/462)، ((الهداية)) للمرغيناني (3/51). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- لو شَرط المُشتَري أن لا يُسَلَّمُ إليه المَبيعُ، فإن قَبَضَ المَبيعَ لم يَملِكْه؛ لأنَّه قَبض في عَقدٍ فاسِدٍ، فلا يوجِبُ المِلكَ
[245] يُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (2/ 23). .
2- لوِ اشتَرى أحَدٌ أرضًا شِراءً فاسِدًا ووقَفَها على الفُقَراءِ والمَساكينِ قَبلَ القَبضِ، لم يَصِحَّ الوقفُ؛ لأنَّ البَيعَ الفاسِدَ لا يُفيدُ المِلكَ قَبلَ القَبضِ
[246] يُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (6/229). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.استِثناءاتٌ:ذَكَرَ بَعضُ العُلماءِ صورًا مُستَثناةً مِنَ القاعِدةِ؛ مِنها:
إذا صالحنا كافِرًا بمالٍ على دُخولِ الحَرَمِ فدَخَل وأقامَ، فإنَّا نَملِكُ المالَ المَأخوذَ مِنه، ومَثَّل الزَّركَشيُّ لذلك بالمالِ المَأخوذِ مِنَ الفِرِنجِ على زيارَتِهم بَيتَ لَحمٍ وكَنيسةَ قُمامةَ؛ فإنَّه يَملِكُه المُسلِمونَ، كَما يملِكونَه بالمُصالحةِ على دُخولِ الحَرَمِ
[247] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/14). .