موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الخامِسُ: الفاسِدُ في مُعارَضةِ الصَّحيحِ كالمَعدومِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الفاسِدُ في مُعارَضةِ الصَّحيحِ كالمَعدومِ" [248] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (24/39)، ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (4/388). ، ويُعَبَّرُ عنها أيضًا بـ "الفاسِدُ في مُقابَلةِ الصَّحيحِ كالعَدَمِ" [249] يُنظر: ((فتح الغفار)) لابن نجيم (ص: 498). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ الاختيارَ الفاسِدَ في مُقابَلةِ الاختيارِ الصَّحيحِ كالعَدَمِ، فكَأنَّه غَيرُ مَوجودٍ، وهذه القاعِدةُ تَتَعَلَّقُ بالإكراهِ؛ فالإكراهُ التَّامُّ على فِعلِ شَيءٍ يُفسِدُ الاختيارَ والرِّضا؛ حَيثُ يَظهَرُ تَأثيرُ الإكراهِ في جَعلِ المُكرَهِ آلةً للمُكرِهِ، فيَصيرُ الفِعلُ مَنسوبًا إلى المُكرِهِ بهذا الطَّريقِ، وجَعلُ المُكرَهِ آلةً ليسَ باعتِبارِ أنَّه بالإكراهِ يَنعَدِمُ الاختيارُ الحَقيقيُّ مِنه، ولكِن لأنَّه يَفسُدُ اختيارُه به، فالمَرءُ مَجبولٌ على حُبِّ حَياتِه، وهذا يَحمِلُه على الإقدامِ على ما أُكرِه عليه، فيَفسُدُ اختيارُه مِن هذا الوَجهِ، ويَكونُ انعِدامُ اختيارِه حُكميًّا، والفاسِدُ في مُعارَضةِ الصَّحيحِ كالمَعدومِ، فيَصيرُ الفِعلُ مَنسوبًا إلى المُكرِهِ لوُجودِ الاختيارِ الصَّحيحِ مِنه، والمُكرَهُ يَصيرُ كالآلةِ للمُكرِهِ؛ لانعِدامِ اختيارِه حُكمًا في مُعارَضةِ الاختيارِ الصَّحيحِ، وتُعتَبَرُ هذه القاعِدةُ أيضًا تَطبيقًا لقاعِدةِ (الباطِلُ لا حُكمَ لهـ) فيَظَلُّ الحُكمُ حينَئِذٍ للصَّحيحِ [250] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (24/39)، ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (4/388)، ((فتح الغفار)) لابن نجيم (ص: 498)، ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (8/10). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ ما سَبَقَ مِن أدِلَّةٍ في قاعِدَتَي (الباطِلُ لا حُكمَ لهـ) وقاعِدةِ (التَّصَرُّفُ الفاسِدُ لا يُفيدُ المِلكَ قَبلَ القَبضِ).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- لو أُكرِهَ أحَدٌ على أكلِ طَعامِ الغَيرِ فأكَله، فالضَّمانُ على المُكرِهِ عِندَ الحَنَفيَّةِ لا الآكِلِ، حتَّى وإن كان جائِعًا وحَصَّل المَنفعةَ؛ لأنَّ هذا الطَّعامَ صارَ في حُكمِ طَعامِ المُكرِهِ، فصارَ تَناوُلُ المُكرَهِ مِنه تَناوُلًا بإذنِ المُكرِهِ؛ لأنَّ المُكرِهَ كَأنَّه قَبَضَه بنَفسِه، وقال له: كُلْ، ولو قَبَضَ بنَفسِه صارَ غاصِبًا، ثُمَّ مالكًا للطَّعامِ بالضَّمانِ، ثُمَّ أذِنَ له بالأكلِ، فلا يَضمَنُ الآكِلُ شَيئًا؛ لأنَّه أكَل هذا الطَّعامَ الغاصِب بإذنِه [251] يُنظر: ((الكافي)) للسغناقي (5/2456)، ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (4/394)، ((فتح الغفار)) لابن نجيم (ص: 499). .
2- لو أُكرِهَ على قَتلِ نَفسٍ عَمدًا، فيَجِبُ القِصاصُ على المُكرِهِ لا على المُكرَهِ، على مَذهَبِ أبي حَنيفةَ [252] يُنظر: ((رد المحتار)) لابن عابدين (6/136)، ((الفقه الإسلامي وأدلتهـ)) لوهبة الزحيلي (6/4446). .

انظر أيضا: