موسوعة القواعد الفقهية

المَبحَثُ العاشِرُ: العَلاقةُ بَينَ القَواعِدِ الفِقهيَّةِ والتَّقاسيمِ الفِقهيَّةِ


التَّقاسيمُ الفِقهيَّةُ: عِلمٌ يُعنى بكُلِّيَّاتِ الأحكامِ الشَّرعيَّةِ العَمَليَّةِ التي تَقبَلُ التَّجزِئةَ إلى جُملةِ أجزاءٍ مُتَمايِزةٍ بَعدَ حَصرِها باعتِبارٍ مُعَيَّنٍ [123] يُنظر: ((التقاسيم الفقهية وأثرها في الخلاف الفقهي)) لإبراهيم البلوشي (ص: 36). .
وعِبارةُ: "التي تَقبَلُ التَّجزِئةَ إلى جُملةِ أجزاءٍ مُتَمايِزةٍ" تَعني أنَّ جُزئيَّاتِ التَّقاسيمِ الفِقهيَّةِ تَكونُ مُتَمايِزةً؛ مِمَّا قد يُؤَدِّي إلى اختِلافِ الحُكمِ الشَّرعيِّ فيما بَينَها، وإلَّا لما كانَ للتَّقسيمِ مَعنًى.
وتَتَشابَهُ القَواعِدُ الفِقهيَّةُ مَعَ التَّقاسيمِ الفِقهيَّةِ في أنَّ كُلًّا مِنهما عِلمٌ يُعنى بعُلومِ الفِقهِ، ومِنَ العُلومِ المُعينةِ لفَهمِ الأحكامِ الشَّرعيَّةِ، وكِلاهما يَنطَوي على جُزئيَّاتٍ.
لكِنَّ هناكَ فرقًا بَينَهما يَجعَلُهما عِلمَينِ مُختَلِفَينِ، فالقَواعِدُ الفِقهيَّةُ تَبحَثُ في الكُلِّيَّاتِ التي يُتَعَرَّفُ مِنها أحكامُ الجُزئيَّاتِ المُتَشابِهةِ في الحُكمِ الشَّرعيِّ المُندَرِجةِ تَحتَ مَوضوعِها.
أمَّا التَّقاسيمُ الفِقهيَّةُ فيَندَرِجُ تَحتَها جُزئيَّاتٌ مُتَمايِزةٌ قد تَختَلِفُ في الحُكمِ الشَّرعيِّ، واندِراجُها بالنَّظَرِ إلى اعتِبارٍ مُعَيَّنٍ وبِمُراعاةِ اتِّحادِ العِلَّةِ والسَّبَبِ الذي أدَّى إلى اجتِماعِها [124] يُنظر: ((التقاسيم الفقهية وأثرها في الخلاف الفقهي)) لإبراهيم البلوشي (ص: 36، 62). .
فالعَلاقةُ بَينَهما أنَّهما عِلمانِ مُتَبايِنانِ مُختَلِفانِ، فلا القَواعِدُ تَقسيمٌ ولا التَّقسيمُ قَواعِدُ. والتَّقاسيمُ بمَعناها الاصطِلاحيِّ لا يَنطَبِقُ عليه مُصطَلَحُ القاعِدةِ؛ لأنَّها ليسَت قَضيَّةً كُلِّيَّةً مُباشرةً، وإن كانَ مِنَ المُمكِنِ تَأويلُها إلى ذلك، والأصلُ عَدَمُه [125] يُنظر: ((‌‌المعايير الجلية في التمييز بين الأحكام والقواعد والضوابط الفقهية)) ليعقوب الباحسين (ص: 107)، ((القواعد الفقهية)) ليعقوب الباحسين (ص: 88). .
ومِمَّنِ انتَقدَ الخَلطَ بَينَ العِلمَينِ أوِ المُصطَلَحَينِ تاجُ الدِّينِ ابنُ السُّبكيِّ؛ فقد قال: (ومِنَ النَّاسِ مَن يُدخِلُ في القَواعِدِ تَقاسيمَ تَقَعُ في الفُروعِ يَذكُرُها أصحابُنا؛ حَيثُ يَتَرَدَّدُ الذِّهنُ، فهيَ ذاتُ أقسامٍ كَثيرةٍ ولا تَعَلُّقَ لهذا بالقَواعِدِ رَأسًا، فقد أكثَرَ مِنه الشَّيخُ أبو حامِدٍ في الرَّونَقِ ومُتابِعوه، ولَكِن أولَئِكَ لم يَكُنْ قَصدُهم ذِكرَ القَواعِدِ، بَل هذا النَّوع بخُصوصِهِ، فلا لومَ عليهم وإنَّما اللَّومُ على مَن يُدخِلُ ذلك في القَواعِدِ) [126] ((الأشباه والنظائر)) (2/ 306). . وذَكَرَ عِدَّةَ تَقاسيمَ، ثُمَّ قال: (فهذه أمثِلةُ التَّقاسيمِ، كُلُّ مِثالٍ مِنها لنَوعٍ، ولا مَدخَلَ لها مِنَ القَواعِدِ) [127] ((الأشباه والنظائر)) (2/ 308). .

انظر أيضا: