موسوعة القواعد الفقهية

المَبحَثُ الأوَّلُ: إعمالُ الكَلامِ أَولى مِن إهمالِه


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلت هذه القاعِدةُ بهذه الصيغةِ المذكورةِ: "إعمالُ الكَلامِ أَولى مِن إهمالِه" [1] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/171)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (2/142)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 128). ، وصيغةِ: "لا يَجوزُ إلغاءُ اللَّفظِ مَعَ إمكانِ إعمالِه" [2] يُنظر: ((الفروق)) للكرابيسي (2/297). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
إذا تَرَدَّدَ لفظُ العاقِلِ المُمَيِّزِ بَينَ مَعنَيَينِ، وكان حَملُه على أحَدِ المَعنَيَينِ يَقتَضي إلغاءَه وعَدَمَ الاعتِدادِ به ولا بناءِ الأحكامِ عليه، وحَملُه على الآخَرِ يَقتَضي إعمالَه بأن تَتَرَتَّبَ عليه الأحكامُ؛ فإنَّه يُحمَلُ ويُفسَّرُ بما يَقتَضي الإعمالَ وبناءَ الأحكامِ عليه؛ صَونًا لكَلامِ العاقِلِ عنِ الإلغاءِ، وإذا تَرَدَّدَ اللَّفظُ بَينَ الحَقيقةِ والمَجازِ فإنَّه يُحمَلُ على الحَقيقةِ، فإنِ انسَدَّت طُرُقُ الحَقيقةِ حُمِل على المَجازِ؛ صَونًا له عنِ الطَّرحِ والإلغاءِ [3] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (3/123)، ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/171)، ((المنثور)) للزركشي (1/183)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (2/142)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 128)، ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 114)، ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/59). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ المَعقول:
وهو أنَّ إهمالَ الكَلامِ إنَّما هو اعتِبارُه لَغوًا وعَبَثًا، والعَقلُ والدِّينُ يَمنَعانِ المَرءَ مِن أن يَتَكَلَّمَ بما لا فائِدةَ فيه؛ لقَولِ اللهِ تعالى في مَدحِ عِبادِه المُؤمِنينَ: وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون: 3] ، فحَمْلُ كَلامِ العاقِلِ على الصِّحَّةِ -وهو ما يَقتَضي إعمالَه- واجِبٌ [4] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/59). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- لو نَذَرَ صيامَ نِصفِ يَومٍ لزِمَه يَومٌ كامِلٌ [5] يُنظر: ((الإنصاف)) للمرداوي (28/ 196). ؛ وذلك لأنَّ المُكَلَّفَ إذا قال: عليَّ صيامُ نِصفِ يَومٍ، فإمَّا أن يُلزَمَ بصيامِ اليَومِ كُلِّه، فنَكونَ قد أعمَلنا كَلامَه وأعطَيناه دَلالةً في الواقِعِ، وإمَّا أن لا نُلزِمَه بشَيءٍ، فنَكونَ قد أهمَلنا كَلامَه، وإعمالُ الكَلامِ أَولى مِن إهمالِه؛ لأنَّه الأصلُ [6] يُنظر: ((نظرية التقعيد الفقهي)) للروكي (ص: 155). .
2- إذا قال: وقَفتُ على أولادي، لم يَدخُلْ فيه وَلَدُ الوَلَدِ في الأصَحِّ حملًا على الحَقيقةِ، وإذا لم يَكُنْ له إلَّا أولادُ أولادٍ حُمِل عليهم على سَبيلِ المَجازِ؛ صونًا للكَلامِ عنِ الإهمالِ والإلغاءِ [7] يُنظر: ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (2/ 306). ويُنظر أيضًا: ((المهذب)) الشيرازي (2/ 328)، ((الكافي)) لابن قدامة (2/ 255). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
قَيدٌ:
هذه القاعِدةُ مُقَيَّدةٌ بقَيدٍ، وهو إمكانُ إعمالِ الكَلامِ، فمَحَلُّ القاعِدةِ فيما إذا استَوى الإعمالُ والإهمالُ بالنِّسبةِ في الكَلامِ أو تَقارَبَا، أمَّا إذا بَعُدَ عنِ اللَّفظِ وصارَ بالنِّسبةِ إليه كاللُّغزِ، فلا يَكونُ الإعمالُ راجِحًا، بَل يُهمَلُ اللَّفظُ حينَئِذٍ [8] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/171). .

انظر أيضا: