موسوعة القواعد الفقهية

المَطلبُ الأوَّلُ: قاعِدةُ إذا سيقَ الكَلامُ لمَعنًى فلا يُستَدَلُّ به في غَيرِه


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلت هذه القاعِدةُ بصيغةِ: "الكَلامُ إذا سيقَ لمَعنًى لا يُستَدَلُّ به في غَيرِه" [9] يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (3/130). ، ويُعَبَّرُ عنها أيضًا بـ "اللَّفظُ إذا سيقَ لبَيانِ مَعنًى لا يُحتَجُّ به في غَيرِه" [10] يُنظر: ((العقد المنظوم)) للقرافي (1/534). ، و"الكَلامُ إذا سيقَ لأجلِ مَعنًى لا يَكونُ حُجَّةً في غَيرِه" [11] يُنظر: ((العقد المنظوم)) للقرافي (1/563). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
يَصدُرُ الكَلامُ مِن قائِلِه لمَعنًى يَقصِدُه وغَرَضٍ يَسوقُه مِن أجلِه، فإذا دَلَّ كَلامُه على مَعنًى مَخصوصٍ مَقصودٍ، فلا يَجوزُ أن يُستَدَلَّ به في غَيرِ ذلك المَعنى إلَّا إذا وُجِدَ تَصريحٌ بخِلافِ ذلك، فإذا قال القائِلُ: نَفقاتُ الأقارِبِ إنَّما تَجِبُ في اليَسارِ، فمَقصودُه بَيانُ الحالةِ التي تَجِبُ فيها النَّفقةُ، وهيَ حالةُ اليَسارِ، وليسَ مَقصودُه أنَّ كُلَّ قَريبٍ تَجِبُ له النَّفقةُ؛ لأنَّه لم يَتَوجَّهْ لهذا العُمومِ، ولا خَطَرَ هذا الحُكمُ ببالِه. ونَظائِرُه كَثيرةٌ في عُرفِ الاستِعمالِ [12] يُنظر: ((العقد المنظوم)) (1/534 ،563)، ((الفروق)) للقرافي (4/81)، ((نفائس الأصول)) للقرافي (4/1903)، ((البحر المحيط)) للزركشي (4/208)، ((الفوائد السنية)) للبرماوي (3/491)، ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (8/318). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ المَعقولُ:
وهو أنَّ المُتَكَلِّمَ مُعرِضٌ عنِ المَعنى غَيرِ المَقصودِ له، وما كان المُتَكَلِّمُ مُعرِضًا عنه لا يُستَدَلُّ بلفظِه عليه، فإنَّه كالمَسكوتِ عنه [13] يُنظر: ((العقد المنظوم)) (1/563)، ((نفائس الأصول)) (4/1903) كلاهما للقَرافي. .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- عَدَم صِحَّةِ الاستِدلالِ بالعُمومِ الوارِدِ في قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فيما سَقَت السَّماءُ والعُيونُ العُشرُ )) [14] أخرجه البخاري (1483) باختلافٍ يسيرٍ مِن حَديثِ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، ولفظُه: عن سالمِ بنِ عَبدِ اللَّهِ، عن أبيه رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((فيما سَقَتِ السَّماءُ والعُيونُ أو كان عَثَريًّا العُشرُ، وما سُقيَ بالنَّضحِ نِصفُ العُشرِ)). على وُجوبِ الزَّكاةِ في الخَضراواتِ؛ لأنَّ مَقصودَ الحَديثِ بَيانُ الجُزءِ الواجِبِ في الزَّكاةِ لا بَيانُ ما تَجِبُ فيه الزَّكاةُ [15] يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (4/82،81)، ((تهذيب الفروق)) لمحمد علي حسين (4/ 138). .
2- عَدَمُ صِحَّةِ الاستِدلالِ بقَولِ اللهِ تعالى: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر: 4] على صِحَّةِ تَطهيرِ النَّجاسةِ بالخَلِّ مَثَلًا؛ لأنَّ الآيةَ إنَّما سيقَت لبَيانِ أصلِ التَّطهيرِ لا الآلةِ المُطَهِّرةِ، فلا يُستَدَلُّ به فيها، كَما قال اللهُ تعالى: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ... الآية [المائدة: 6] ، فتَعَرَّضَ لصِفةِ الوُضوءِ، ولم يُفَصِّلْ فيما به يتَوضَّأُ، مَعَ أنَّه مَخصوصٌ بالماءِ دونَ الخَلِّ اتِّفاقًا [16] يُنظر: ((نفائس الأصول)) للقرافي (5/ 2223). .

انظر أيضا: