موسوعة القواعد الفقهية

المَطلبُ الثَّاني والعِشرونَ: مُطلَقُ الإذنِ يَنصَرِفُ إلى المُتَعارَفِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ
استُعْمِلَتِ القاعِدةُ بهذِهِ الصِّيغةِ المذكورَة: "مُطلَقُ الإذنِ يَنصَرِفُ إلى المُتَعارَفِ" [1496] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (11/145)، ((مجمع الضمانات)) للبغدادي (ص: 59)، ((حاشية ابن عابدين)) (5/680)، ((درر الحكام)) لعلي حيدر (2/358). ، وصيغةِ: "مُطلَقُ الإذنِ يَنصَرِفُ إلى المُعتادِ" [1497] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/133)، ((البناية)) للعيني (10/309). ، وصيغةِ: "الإذنُ المُطلَقُ يَنصَرِفُ إلى ما جَرَت به العادةُ" [1498] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (7/148)، ((مطالب أولي النهي)) للرحيباني (3/504). ، وصيغةِ: "الإذنُ المُطلَقُ إنَّما يَتَناولُ المُعتادَ مِنَ الأعمالِ دونَ الغَرَرِ" [1499] يُنظر: ((المنتقى)) للباجي (7/113)، ((تبصرة الحكام)) لابن فرحون (2/342). ، وصيغةِ: "الإذنُ المُطلَقُ يُرجَعُ فيه إلى العُرفِ" [1500] يُنظر: ((حاشية الجمل على شرح المنهج)) (3/514)، ((حاشية البجيرمي على شرح المنهج)) (3/148). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ
المُرادُ بالإذنِ المُطلَقِ: الإذنُ غَيرُ المُقَيَّدِ وغَيرُ المَشروطِ بشَرطٍ. وتُفيدُ هذه القاعِدةُ أنَّ مِن أذِنَ لغَيرِه في فِعلِ شَيءٍ أو أداءِ حَقٍّ عنه إذنًا مُطلقًا، فالمَأذونُ له يَنبَغي أن يَتَقَيَّدَ بالمُتَعارَفِ عليه في هذا التَّصَرُّفِ، والإذنُ المُطلَقُ يَنبَغي أن يَكونَ مُطلقًا فيما أذِنَ اللهُ فيه، ولا يُظَنُّ بالمُسلمِ أن يَأذَنَ فيما لم يَأذَنْ به اللهُ، ولا شَكَّ أنَّ المُطلَقَ تُقَيِّدُه القَرينةُ العُرفيَّةُ والشَّرعيَّةُ بحَسَبِ المَقامِ، فالإذنُ المُطلَقُ لا يَتَناولُ الفاسِدَ [1501] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (6/529)، ((التنبيهـ)) لابن أبي العز (3/1248)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (2/112)، ((حاشية ابن عابدين)) (3/167)، ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (1/1/357). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِنَ القاعِدةِ الأُمِّ: (العادةُ مُحَكَّمةٌ)، ووَجهُ تَفرُّعِها عنها أنَّ الإذنَ المُطلَقَ يُحمَلُ على العُرفِ والعادةِ المُستَقِرَّةِ، وذلك لأنَّ تَحكيمَ العُرفِ واجِبٌ؛ إذِ العادةُ مُحَكَّمةٌ.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ: (العادةُ مُحَكَّمةٌ)؛ حَيثُ إنَّها مُتَفرِّعةٌ عنها.
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ؛ مِنها:
1- إذا استَعارَ دابَّةً أو سَيَّارةً ليَركَبَها إلى مَكانٍ مَعلومٍ، فأخَذَ بها في طَريقٍ آخَرَ إلى ذلك المَكانِ فهَلكَت، لم يَضمَنْ؛ لأنَّه مَأذونٌ في الوُصولِ عليها إلى ذلك المَكانِ، ولم يُقَيَّدْ له طَريقٌ، فلا يَكونُ مُخالفًا في أيِّ طَريقٍ ذَهَب بَعدَ أن يَكونَ طَريقًا يَسلُكُه النَّاسُ إلى ذلك المَكانِ، فإن كان طَريقًا لا يَسلُكُه النَّاسُ إلى ذلك المَكانِ فهو ضامِنٌ؛ لأنَّ مُطلَقَ الإذنِ يَنصَرِفُ إلى المُتَعارَفِ [1502] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (11/145)، ((مجمع الضمانات)) للبغدادي (ص: 59). .
2- إنِ استَأجَرَ دابَّةً أو سَيَّارةً ليَحمِلَ عليها، ولم يُسَمِّ ما يَحمِلُ عليها، فحَمَل ما يَحمِلُ النَّاسُ فهَلكَت، لم يَضمَنْ؛ لأنَّه حَمَل ما يَحمِلُ النَّاسُ، والمُرادُ به الحَملُ المُعتادُ؛ لأنَّه إذا حَمَل غَيرَ المُعتادِ فهَلكَت، يَجِبُ أن يَضمَنَ، وإنَّما لم يَجِبِ الضَّمانُ في الحَملِ المُعتادِ لعَدَمِ المُخالفةِ؛ لأنَّ مُطلقَ الإذنِ يَنصَرِفُ إلى المُعتادِ، ولم يَتَعَدَّ المُعتادَ، والعَينُ أمانةٌ في يَدِ المُستَأجِرِ؛ لأنَّه قَبَضَها بإذنِ المالكِ ولم يوجَدْ مِنه الخِلافُ بَعدَ ذلك، فلا يَضمَنُ [1503] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/133)، ((البناية)) للعيني (10/309). .
3- إذا أخرج الوديعةَ مِن حِرزِها لمَصلحَتِها، كَإخراجِ الثِّيابِ للنَّشرِ، والدَّابَّةِ للسَّقيِ والعَلفِ على ما جَرَت به العادةُ لم يَضمَنْ؛ لأنَّ الإذنَ المُطلَقَ يُحمَلُ على الحِفظِ المُعتادِ [1504] يُنظر: ((الكافي)) لابن قدامة (2/212). .

انظر أيضا: