موسوعة القواعد الفقهية

المَطلبُ الأوَّلُ: المُمتَنِعُ عادةً كالمُمتَنِعِ حَقيقةً


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ
استُعْمِلَتِ القاعِدةُ بهذِهِ الصِّيغةِ المذكورَة: "استُعْمِلَتِ القاعِدةُ بهذِهِ الصِّيغةِ المذكورَة" [1244] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/10)، ((درر الحكام)) لملا خسرو (2/362)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (2/294)، ((مجلة الأحكام العدلية)) (ص: 20)، ((اللباب)) للميداني (2/81)، ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 225)، ((قواعد الفقهـ)) للبركتي (ص: 129)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/319). ، وصيغةِ: "القاعِدةُ في الأخبارِ مِنَ الدَّعاوى والشَّهاداتِ والأقاريرِ وغَيرِها أنَّ: ما كَذَّبه العَقلُ أو جَوَّزه، وأحالته العادةُ، فهو مَردودٌ" [1245] يُنظر: ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (2/125). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ
المُمتَنِعُ حَقيقةً: هو المُستَحيلُ الذي لا يُمكِنُ وُقوعُه عَقلًا، كاجتِماعِ النَّقيضَينِ، فهذا لا يُقبَلُ الادِّعاءُ به، ولا تُسمَعُ الدَّعوى فيه، ولا تُقامُ البَيِّنةُ عليه، بَل يُرَدُّ، للتَّيَقُّنِ بكَذِبِ مُدَّعيه، كَمَنِ ادَّعى لمَن يُساويه سِنًّا أنَّه ابنُه أو أبوه.
والمُمتَنِعُ عادةً: هو الذي لم يُعهَدْ وُقوعُه، وإن كان فيه احتِمالٌ عَقليٌّ بَعيدٌ بالوُقوعِ، كَدَعوى مَعروفٍ بالفقرِ على آخَرَ أنَّه اقتَرَضَ مِنه أموالًا كَثيرةً دُفعةً واحِدةً، أو غَصَبَها مِنه، والحالُ أنَّه لم يَرِثْ ولم يُصِبْ مالًا، فلا تُسمَعُ دَعواه، ولا تُقبَلُ بَيِّنَتُه، ما لم يُثبِتْ مَصدَرًا لهذا المالِ؛ لأنَّها مُستَحيلةٌ عادةً.
ومُفادُ القاعِدةِ أنَّ ما استَحال عادةً لا تُسمَعُ فيه الدَّعوى كالمُستَحيلِ عَقلًا [1246] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/47)، ((الوجيز)) للبورنو (ص: 213)، ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 225)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/319)، ((العقد الثمين)) لخالد المشيقح (ص: 101). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ عنِ القاعِدةِ الأُمِّ: (العادةُ مُحَكَّمةٌ)، ووَجهُ تَفرُّعِها عنها أنَّ المُمتَنِعَ عادةً مَمنوعٌ في أعرافِ النَّاسِ وعاداتِهم، فكان كالمُمتَنِعِ حَقيقةً.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ: (العادةُ مُحكَّمةٌ) حَيثُ إنَّها مُتَفرِّعةٌ عنها.
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ؛ مِنها:
1- إذا ادَّعى المُتَولِّي أوِ الوَصيُّ أنَّه أنفقَ أموالًا عَظيمةً على عَقارِ الوَقفِ، أوِ القاصِرِ، وكَذَّبه فيها ظاهِرُ الحالِ، فلا يُصَدَّقُ ولا تُقبَلُ بَيِّنَتُه [1247] يُنظر: ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/319). .
2- إذا أقَرَّ إنسانٌ قائِلًا: لفُلانٍ عِندي ثَوبٌ في عَشَرةِ أثوابٍ، يَكونُ إقرارُه بثَوبٍ واحِدٍ لا بعَشَرةِ أثوابٍ؛ لأنَّ العَشرَةَ أثوابٍ لا يَجوزُ أن تَكونَ ظَرفًا للثَّوبِ الواحِدِ، فإنَّ ذلك مُمتَنِعٌ عادةً؛ لأنَّ العادةَ تَمنَعُ أن يُلَفَّ في عَشَرةِ أثوابٍ، فكان كالمُمتَنِعِ حَقيقةً، وبما أنَّ المُمتَنِعَ عادةً كالمُمتَنِعِ حَقيقةً فتَكونُ كَلمةُ (في عَشَرةٍ) لغوًا، ولا يُعمَلُ بها [1248] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/47)، ((الوجيز)) للبورنو (ص: 214). .
3- دَعوى الأجنَبيِّ على المُشتَري أنَّ المَبيعَ مِلكُه، أو أنَّ له فيه حِصَّةً بَعدَما رَآه يَتَصَرَّفُ في المَبيعِ تَصَرُّفَ المُلَّاكِ في أملاكِهم بالهَدمِ أوِ البناءِ أوِ الغِراسِ: فلا تُسمَعُ الدَّعوى فيه ولا تُقامُ البَيِّنةُ عليه [1249] يُنظر: ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 225). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ
استِثناءاتٌ:
لم يُعتَبَرِ المُمتَنِعُ عادةً كالمُمتَنِعِ حَقيقةً في اليَمينِ عِندَ أبي يوسُفَ صاحِبِ أبي حَنيفةَ؛ حَيثُ إنَّ شَرطَ انعِقادِ اليَمينِ عِندَه أن تَكونَ في أمرٍ مُستَقبَليٍّ، سَواءٌ كان مُمكِنًا أو غَيرَ مُمكِنٍ، أمَّا كَونُ المَحلوفِ عليه مُتَصَوَّرَ الوُجودِ عادةً، فهو ليسَ بشَرطٍ عِندَه، ومِن أمثِلةِ ذلك:
1- إذا قال إنسانٌ: واللهِ لأشرَبنَّ الماءَ الذي في هذه الكَأسِ، مُعتَقِدًا أنَّ فيها ماءً، فإذا هيَ بلا ماءٍ، حَنِثَ عِندَ أبي يوسُفَ وَحدَه، ولم تَنعَقِدِ اليَمينُ عِندَ جُمهورِ الحَنَفيَّةِ ومالكٍ والشَّافِعيِّ وأحمدَ؛ لأنَّ شَرطَ انعِقادِ اليَمينِ عِندَهم أن تَكونَ على أمرٍ في المُستَقبَلِ مَعَ إمكانِ البرِّ أوِ الحِنثِ، أمَّا مَعَ عَدَمِ الإمكانِ فلا تَنعَقِدُ [1250] يُنظر: ((الوجيز)) للبورنو (ص: 214). .
2- مِنَ الأمثِلةِ أنَّه إذا حَلَف: لأقتُلَنَّ فُلانًا، مُعتَقِدًا حَياتَه، وهو مَيِّتٌ ولا يَعلمُ بمَوتِه، فتَنعَقِدُ اليَمينُ عِند أبي يوسُفَ، ولا تَنعَقِدُ عِندَ جُمهورِ الفُقَهاءِ؛ لأنَّ المَحلوفَ عليه غَيرُ مُتَصَوَّرِ الوُجودِ [1251] يُنظر: ((الوجيز)) للبورنو (ص: 215). .

انظر أيضا: