موسوعة القواعد الفقهية

المَطلبُ السَّادِسَ عَشَرَ: التَّعيينُ بالعُرفِ كالتَّعيينِ بالنَّصِّ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ
استُعْمِلَتِ القاعِدةُ بهذِهِ الصِّيغةِ المذكورَة: "التَّعيينُ بالعُرفِ كالتَّعيينِ بالنَّصِّ" [1414] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (4/152)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (2/9)، ((مجلة الأحكام العدلية)) (ص: 21)، ((قواعد الفقهـ)) للبركتي (ص: 71). ، وصيغةِ: "الثَّابتُ بدَلالةِ العُرفِ كالثَّابتِ بدَلالةِ النَّصِّ" [1415] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (4/227). ، وصيغةِ: "الثَّابتُ عُرفًا كالثَّابتِ نَصًّا" [1416] يُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (7/435)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/309)، ((فتح القدير)) لابن الهمام (6/137). ، وصيغةِ: "الثَّابتُ بالعادةِ كالثَّابتِ بالنَّصِّ" [1417] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (19/99). ، وصيغةِ: "المَعلومُ بالعادةِ كالمَشروطِ بالنَّصِّ" [1418] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (23/59). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ
تُفيدُ هذه القاعِدةُ أنَّ تَعيينَ المَعقودِ والمَعقودِ عليه بالعُرفِ والعادةِ الجاريةِ المَعهودةِ بَينَ النَّاسِ يُنَزَّلُ مَنزِلةَ التَّعيينِ بالنَّصِّ في بناءِ الأحكامِ عليه، فما تَعارَف عليه النَّاسُ في مُعامَلاتِهم وإن لم يُذكَرْ صَريحًا، هو قائِمٌ مَقامَ النَّصِّ عليه في الالتِزامِ والتَّقييدِ. ولفظُ (النَّصِّ) هنا يُستَعمَلُ في مَعنى التَّصريحِ، وليسَ في مَعنى النَّصِّ الشَّرعيِّ؛ لأنَّ الذي يَظهَرُ أنَّ المُرادَ مِنه هنا هو صيغةُ الكَلامِ الأصليَّةُ، ومِن ذلك إطلاقُ الأُصوليِّينَ للنَّصِّ على صيَغِ الكِتابِ والسُّنَّةِ، ومِن ذلك أيضًا إطلاقُه على عِباراتِ المُتَكَلِّمينَ في تَصَرُّفاتِهم وعُقودِهم. وبناءً على هذه القاعِدةِ تَكونُ تَوابعُ العُقودِ التي لا ذِكرَ لها صَريحًا في العُقودِ مَحمولةً على عادةِ كُلِّ بَلَدٍ، إلَّا إذا نُصَّ على خِلافِه [1419] يُنظر: ((الوجيز)) (ص: 306)، ((موسوعة القواعد الفقهية)) (2/417) كلاهما للبورنو، ((العادة محكمة)) للباحسين (ص: 197)، ((العرف)) لإبراهيم كافي، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5/2758). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِنَ القاعِدةِ الأُمِّ: (العادةُ مُحَكَّمةٌ)، ووَجهُ تَفرُّعِها عنها أنَّ ما تَعارَف عليه النَّاسُ واعتادوا عليه يَجِبُ الالتِزامُ به، وإن لم يُنَصَّ عليه صَريحًا؛ إذِ العادةُ مُحَكَّمةٌ.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ: (العادةُ مُحَكَّمةٌ)؛ حَيثُ إنَّها مُتَفرِّعةٌ عنها، وقاعِدةِ: (المَعروفُ عُرفًا كالمَشروطِ شَرطًا)؛ حَيثُ إنَّها تَلتَقي مَعَها في المَعنى.
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ؛ مِنها:
1- إذا اختَلفتِ النُّقودُ في الرَّواجِ فالثَّمَنُ مِن أروَجِ النُّقودِ في البَلدِ؛ إذِ المُتَعارَفُ بَينَ النَّاسِ المُعامَلةُ بالنَّقدِ الغالِبِ، فالتَّعيينُ بالعُرفِ كالتَّعيينِ بالنَّصِّ، فيُعتَبَرُ مَكانُ العَقدِ [1420] يُنظر: ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (2/9). .
2- الوكيلُ ببَيعِ شَيءٍ وكالةً مُطلقةً تُعتَبَرُ عادةً بأن لا يَكونَ تَصَرُّفُه مُضِرًّا بالموكِّلِ، فلو وكَّل شَخصٌ آخَرَ ببَيعِ شَيءٍ وكالةً مُطلقةً فله أن يَبيعَ ذلك المالَ بثَمَنٍ مُعَجَّلٍ أو مُؤَجَّلٍ إلى أجَلٍ مُتَعارَفِ التَّأجيلِ بَينَ التُّجَّارِ، ولا يَجوزُ له أن يَبيعَه لأجَلٍ أبعَدَ مِنَ المُعتادِ، وكَذا لو وكَّله في بَيعِ شَيءٍ لا يَحِقُّ له أن يَبيعَ بَعضَه إن كان في تَبعيضِه ضَرَرٌ عادةً [1421] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/51). ويُنظر أيضًا: ((العادة محكمة)) للباحسين (ص: 198). .
3- إذا اشتَرى سَيَّارةً دَخَل فيها عِدَّتُها ومَفاتيحُها وعَجَلُها الاحتياطيُّ بدونِ ذِكرٍ في العَقدِ؛ للعُرفِ المُتَداوَلِ والعادةِ الجاريةِ، إلَّا إذا نُصَّ على خِلافِه [1422] يُنظر: ((الوجيز)) للبورنو (ص: 307)، ((توصيف الأقضية)) لعبد الله الخنين (2/233). .
4- يَجوزُ للصَّديقِ وهو في بَيتِ صَديقِه أن يَأكُلَ مِمَّا يَجِدُ أمامَه، وأن يَستَعمِلَ بَعضَ الأدَواتِ للشُّربِ ونَحوِه، وأن يَقرَأَ في بَعضِ كُتُبِه، بدونِ إذنِ صاحِبِ البَيتِ؛ لأنَّه مُباحٌ عُرفًا، فلوِ انكَسَرَتِ الآنيةُ أثناءَ استِعمالِه المُعتادِ أو تَلِفَت بآفةٍ سَماويَّةٍ لا يَكونُ ضامِنًا لها شَرعًا كَما يَضمَنُ الغاصِبُ؛ لأنَّه لا يُعتَبَرُ مُتَعَدِّيًا [1423] يُنظر: ((الوجيز)) للبورنو (ص: 307). .

انظر أيضا: