موسوعة القواعد الفقهية

المَطلبُ الثَّامِنُ: المَعروفُ بَينَ التُّجَّارِ كالمَشروطِ بَينَهم


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ
استُعْمِلَتِ القاعِدةُ بهذِهِ الصِّيغةِ المذكورَة: " المَعروفُ بَينَ التُّجَّارِ كالمَشروطِ بَينَهم" [1316] يُنظر: ((مجلة الأحكام العدلية)) (ص: 21)، ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 239)، ((الوجيز)) للبورنو (ص: 306)، ((قواعد الفقهـ)) للبركتي (ص: 125)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/351)، ((التحفة المكية)) لمحمد الشاوي (ص: 85). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ
هذه القاعِدةُ تُعَبِّرُ عنِ العُرفِ الخاصِّ لطائِفةِ التُّجَّارِ، وهيَ داخِلةٌ في مَعنى القاعِدةِ السَّابقةِ (المَعروفُ عُرفًا كالمَشروطِ شَرطًا)، إلَّا أنَّ تلك في مُطلَقِ العُرفِ، وهذه خاصَّةٌ في عُرفِ التُّجَّارِ، ولكِنَّ الفُقَهاءَ ذَكَروا هذه القاعِدةَ مِن قَبيلِ ذِكرِ الأخَصِّ بَعدَ الأعَمِّ؛ اهتِمامًا بشَأنِ المُعامَلاتِ التِّجاريَّةِ، فما يَقَعُ بَينَ التُّجَّارِ أو بَينَ غَيرِهم مِنَ العُقودِ والمُعامَلاتِ التِّجاريَّةِ يَنصَرِفُ عِندَ الإطلاقِ إلى العُرفِ والعادةِ عِندَهم، ما لم يوجَدْ شَرطٌ مُخالِفٌ، وما دامَ أنَّ هذا العُرفَ لا يُصادِمُ نصًّا شرعيًّا، فإن صادَمَه كان العُرف لاغيًا. فإذا وقَعَ التَّعارُفُ والاستِعمالُ بَينَ التُّجَّارِ على شَيءٍ غَيرِ مُصادِمٍ للنَّصِّ فإنَّه يُتَّبَعُ ويَنصَرِفُ إليه عِندَ الإطلاقِ، ولا تُسمَعُ دَعوى إرادةِ خِلافِه، ويَكونُ ذلك العُرفُ مَرعيًّا؛ بمَنزِلةِ الشَّرطِ الصَّريحِ؛ لأنَّ العُرفَ يَجعَلُ المَسكوتَ عنه كالمَشروطِ [1317] يُنظر: ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 239)، ((الوجيز)) للبورنو (ص: 308)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/351). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ عنِ القاعِدةِ الأُمِّ: (العادةُ مُحَكَّمةٌ)، ووَجهُ تَفرُّعِها عنها أنَّ المَعروفَ الذي اعتادَ عليه التُّجَّارُ واتَّبَعوه في تِجاراتِهم ومُعامَلاتِهم يَكونُ كالمَشروطِ المَنصوصِ عليه لفظًا بَينَهم، فيَجِبُ تَحكيمُه والعَمَلُ به فيما بَينَهم؛ لأنَّ العادةَ مُحَكَّمةٌ.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ: (العادةُ مُحَكَّمةٌ)؛ حَيثُ إنَّها مُتَفرِّعةٌ عنها. كَما يُستَدَلُّ لها بقاعِدةِ: (المَعروفُ عُرفًا كالمَشروطِ شَرطًا)؛ حَيثُ إنَّها أعَمُّ.
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ؛ مِنها:
1- لو تَبايَعَ تاجِرانِ شَيئًا، ولم يُصَرِّحا في صُلبِ العَقدِ أنَّ الثَّمَنَ نَقدٌ أو نَسيئةٌ، فعَقدُ البَيعِ وإن كان مُقتَضاه نَقدَ الثَّمَنِ حالًا، إلَّا أنَّهم إذا تَعارَفوا على أنَّ ذلك الشَّيءَ يُؤَدَّى ثَمَنُه بَعدَ أُسبوعٍ أو غَيرِه، لا يَلزَمُ المُشتَريَ أداءُ الثَّمَنِ حالًا، ويَنصَرِفُ إلى عُرفِهم وعادَتِهم في الأجَلِ؛ لأنَّ المَعروفَ بَينَهم كالمَشروطِ [1318] يُنظر: ((الوجيز)) للبورنو (ص: 308)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/351). .
قال السَّرَخسيُّ: (البَيعُ بالنَّسيئةِ مُعتادٌ بَينَ التُّجَّارِ كالبَيعِ بالنَّقدِ، ورُبَّما يَكونُ البَيعُ بالنَّسيئةِ أقرَبَ إلى تَحصيلِ مَقصودِهما، وهو الرِّبحُ) [1319] ((المبسوط)) (12/213). .
2- لوِ اشتَرى رَجُلٌ بضاعةً مَثَلًا مِن بَلدٍ أجنَبيٍّ على أن تُشحَنَ له إلى ميناءٍ مُعَيَّنٍ، ولم يوضِّحْ في العَقدِ على مَن تَكونُ أُجرةُ الشَّحنِ، فيُتَّبَعُ العُرفُ المَشهورُ بَينَ التُّجَّارِ، ويُحَكَّمُ كَأنَّه شَرطٌ مُتَّفَقٌ عليه سَلفًا [1320] يُنظر: ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/352). .
3- العَمَلُ بالحَوالاتِ المَصرِفيَّةِ، والسَّنَدِ المَعروفِ بَينَ التُّجَّارِ، والشِّيكاتِ وغَيرِ ذلك، فيُجرى بَينَهم على عُرفِهم [1321] يُنظر: ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/352). .
4- المُستَفيدُ مِن سَنَدِ الأمرِ إذا وقَّعَ في ظَهرِه تَوقيعًا مُجَرَّدًا على بَياضِ، وسَلَّمه لشَخصٍ، كان ذلك التَّوقيعُ حَوالةً مِنه إلى المُستَلمِ أو إلى مَن يَختارُه المُستَلِمُ، وإذا وقَّعَ شَخصٌ على صَكٍّ يُعتَبَرُ رِضًا بالعَقدِ في عُرفِ النَّاسِ اليَومَ؛ لأنَّ التَّوقيعَ إنَّما يوضَعُ عادةً للتَّعبيرِ عنِ الرِّضا والموافقةِ [1322] يُنظر: ((الوجيز)) للبورنو (ص: 308). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ
استِثناءٌ:
إذا تَبايَعَ تاجِرانِ مِن تاجِرِ الذَّهَبِ ذَهَبًا أو فِضَّةً بَينَهم، فلا بُدَّ مِنَ التَّقابُضِ في المَجلسِ، ولا يَجوزُ تَأخيرُ القَبضِ وإلَّا كان رِبًا، حتَّى وإن كان عُرفُ التُّجَّارِ البَيعَ نَسيئةً؛ لأنَّ بابَ الرِّبا مَبنيٌّ على الاحتياطِ. بَل إنَّه إذا أرادَ شَخصٌ أن يَبيعَ ذَهَبًا لتاجِرِ الذَّهَبِ ليُبَدِّلَه بذَهَبٍ جَديدٍ بطِرازٍ جَديدٍ، فلا بُدَّ أن يَقبضَ ثَمَنَ ما باعَ ولا يُؤَخِّرَ قَبضَ الثَّمَنِ حتَّى يَشتَريَ السِّلعةَ الجَديدةَ، وإلَّا كان رِبًا [1323] يُنظر: ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (10/753). .

انظر أيضا: