موسوعة القواعد الفقهية

المَطلبُ السَّادِسُ: إنَّما تُعتَبَرُ العادةُ إذا اطَّرَدَت أو غَلبَت


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ
استُعمِلتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ عِندَ الفُقَهاءِ مَعَ اختِلافٍ يَسيرٍ [1294] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 92)، ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 81)، ((نشر العرف)) لابن عابدين (2/134)، ((مجلة الأحكام العدلية)) (ص: 20)، ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 233). .
واستُعمِلت أيضًا بصيغةِ: "كُلُّ ما يَتَّضِحُ فيه اطِّرادُ العادةِ فهو المُحَكَّمُ، ومُضمَرُه كالمَذكورِ صَريحًا، وكُلُّ ما تَتَعارَضُ الظُّنونُ بَعضَ التَّعارُضِ في حُكمِ العادةِ فيه، فهو مَثارُ الخِلافِ وسَبَبُه" [1295] يُنظر: ((نهاية المطلب)) للجويني (5/143). .
وكذلك بصيغةِ: "العادةُ إذا اطَّرَدَت يُنَزَّلُ اللَّفظُ في العُقودِ عليها، وإذا اضطَرَبَت لم تُعتَبَرْ ووجَبَ البَيانُ، وإذا تَعارَضَتِ الظُّنونُ في اعتِبارِها فخِلافٌ" [1296] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (2/361)، ((الفتاوى الكبرى الفقهية)) لابن حجر الهيتمي (2/183). .
وكذلك بصيغةِ: "العادةُ إذا اطَّرَدَت كانت بمَثابةِ التَّصريحِ بالشَّرطِ" [1297] يُنظر: ((نهاية المطلب)) للجويني (8/393). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ
تَشتَرِطُ هذه القاعِدةُ في العادةِ لكَي تَكونَ مُعتَبَرةً أن تَكونَ مُطَّرِدةً -أي: أن لا تَتَخَلَّفَ- أو غالبةً، أي: إن تَخَلَّفت أحيانًا فإنَّها لا تَتَخَلَّفُ على الأكثَرِ. فالعادةُ المُعتَبَرةُ التي تُبنى عليها الأحكامُ الشَّرعيَّةُ إنَّما هيَ المُطَّرِدةُ أوِ الغالبةُ، وإنَّ الشُّيوعَ في الأكثَرِ كافٍ؛ إذ لا عِبرةَ للأقَلِّ، والعادةُ المُعتَبَرةُ تُنَزَّلُ مَنزِلةَ الشَّرطِ، وقد يُعَبَّرُ عنِ الاطِّرادِ بالعُمومِ والشُّيوعِ بَينَ النَّاسِ، ولو بالأغلبيَّةِ، ولا يَضُرُّ انخراقُها أحيانًا، ولا تُراعى العادةُ النَّادِرةُ كَما سَبَقَ بَيانُه.
فالمَقصودُ بالاطِّرادِ أن يَكونَ العَمَلُ بالعُرفِ مستمرًّا في جَميعِ الأوقاتِ والحَوادِثِ، بحَيثُ لا يَختَلفُ مِن شَخصٍ لآخَرَ، ولا يَختَلفُ إلَّا بالنَّصِّ على خِلافِه، ومَعنى ذلك أن تَكونَ العادةُ كُلِّيَّةً، ولا يُقصَدُ به العُمومُ الذي هو الانتِشارُ في سائِرِ الأقطارِ؛ لذا جازَ أن يَكونَ العُرفُ عامًّا في جَميعِ الأمصارِ، ولا يَكونَ مُطَّرِدًا، والعُرفُ الخاصُّ قد يَكونُ مُطَّرِدًا وغَيرَ مُطَّرِدٍ، وهذا الذي لا يَكونُ مُنتَشِرًا في جَميعِ الأمصارِ. ومَعنى: غَلَبَت، أي: يَكونُ العُرفُ شائِعًا بَينَ أهلِه في أكثَرِ الحَوادِثِ أو عِندَ أكثَرِ النَّاسِ؛ إذِ العِبرةُ للغالِبِ الشَّائِعِ، وليسَ للقَليلِ النَّادِرِ [1298] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/50)، ((الوجيز)) للبورنو (ص: 295)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/323)، ((فقه النوازل للأقليات)) لمحمد يسري (1/601). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ عنِ القاعِدةِ الأُمِّ: (العادةُ مُحَكَّمةٌ)، ووَجهُ تَفرُّعِها عنها أنَّه لمَّا كان ظاهرُ قاعِدةِ (العادةُ مُحَكَّمةٌ) أنَّ العادةَ مَرعيَّةٌ على الإطلاقِ، فجاءَت هذه القاعِدةُ هنا لتُفيدَ التَّقييدَ بما إذا اطَّرَدَتِ العادةُ أو غَلبَت، أمَّا إذا ساوت أو نَدَرَت فلا تُراعى [1299] يُنظر: ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 233)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/323). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ: (العادةُ مُحَكَّمةٌ)؛ حَيثُ إنَّها مُتَفرِّعةٌ عنها.
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ؛ مِنها:
1- إذا غَلبَتِ المُعامَلةُ بجِنسٍ مِنَ العُروضِ، أو نَوعٍ مِنه، انصَرَف الثَّمَنُ إليه عِندَ الإطلاقِ في الأصَحِّ، كالنَّقدِ [1300] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (2/361)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 92)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/308). .
2- جَرَيانُ العُرفِ على تَقسيمِ المَهرِ في النِّكاحِ في بَعضِ البُلدانِ إلى مُعَجَّلٍ ومُؤَجَّلٍ، إنَّما يَكونُ مُطَّرِدًا في البَلدِ إذا كان أهلُه يَجرونَ على هذا التَّقسيمِ في جَميعِ حَوادِثِ النِّكاحِ، ولا يَخرُجونَ عنه إلَّا عِندَ النَّصِّ على خِلافِه [1301] يُنظر: ((الوجيز)) للبورنو (ص: 295). .

انظر أيضا: