موسوعة القواعد الفقهية

المَطلبُ السَّابعُ: ما أُبيحَ للضَّرورةِ يُقَدَّرُ بقَدرِها


أوَّلًا: صِيغَةُ القاعِدةِ
استُعْمِلَتِ القاعِدةُ بهذِهِ الصِّيغةِ المذكورَة: "ما أُبيحَ للضَّرورةِ يُقَدَّرُ بقَدرِها" [800] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (2/321،320)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 84)، ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 73). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ
كُلُّ فِعلٍ مَحظورٍ أباحَتِ الشَّريعةُ الإقدامَ عليه مِن أجلِ الضَّرورةِ، فإنَّه لا يَجوزُ مِن ذلك الفِعلِ إلَّا بقَدرِ ما تَندَفِعُ به الضَّرورةُ، ولا يَجوزُ الزِّيادةُ على ذلك، فما أُحِلَّ إلَّا لضَرورةٍ أو حاجةٍ يُقَدَّرُ بقَدرِها ويُزالُ بزَوالِها، وتُعتَبَرُ هذه القاعِدةُ قَيدًا لقاعِدَتَي: المَشَقَّةُ تَجلبُ التَّيسيرَ، والضَّروراتُ تُبيحُ المَحظوراتِ [801] يُنظر: ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (2/165)، ((المنثور)) للزركشي (2/321،320)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 84)، ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 73)، ((حاشية الشرواني على تحفة المحتاج)) (1/118). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ
دَلَّ على هذه القاعِدةِ القُرآنُ، ومِنْ ذلكَ:
1- قال اللهُ تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ في مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة: 3] .
2- قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنعام: 173].
وَجهُ الدَّلالةِ مِنَ الآيَتَينِ:
أنَّ إباحةَ الأكلِ مِنَ المَيتةِ أو غَيرِها مِنَ المُحَرَّماتِ مَشروطٌ بألَّا يَتَجاوزَ حَدَّ الضَّرورةِ، فلا يَنبَغي أن يَزيدَ في الأكلِ على كِفايَتِه؛ فدَلَّ على قاعِدةِ أنَّ الضَّرورةَ تُقدَّرُ بقَدرِها، فمَتى زال الجوعُ المُهلِكُ وجَبَ التَّوقُّفُ عنِ الأكلِ [802] يُنظر: ((تفسير الثعالبي)) (1/360)، ((التفسير الوسيط)) لمجمع البحوث (2/1015)، ((حدائق الروح والريحان)) لمحمد الأمين (3/105)، ((التفسير المحرر - سورة المائدة)) إعداد الدرر السنية (4/39). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- المُضطَرُّ إلى أكلِ المَيتةِ لا يَجوزُ له أن يَأكُلَ مِنها إلَّا بقَدرِ الضَّرورةِ التي يَندَفِعُ بها الهَلاكُ، ولا يَجوزُ الزِّيادةُ على ذلك [803] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (2/320)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 84)، ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 73). .
2- لو فصَدَ رَجُلٌ أجنَبيٌّ -أي: غَيرُ ذي مَحرَمٍ- امرَأةً في ساعِدِها، وجَبَ سَترُ جَميعِ ساعِدِها، ولا يَنبَغي أن يُكشَفَ إلَّا القَدرُ الذي لا بُدَّ مِنه للفَصدِ. والفَصدُ: هو إخراجُ مِقدارٍ مِنَ الدَّمِ بقَصدِ عِلاجِ المَريضِ [804] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 85). .

انظر أيضا: