موسوعة القواعد الفقهية

المَطلبُ العِشرونَ: مَن قَصَدَ إلى ما فيه إبطالُ قَصدِ الشَّارِعِ عوقِبَ بنَقيضِ قَصدِه.


أوَّلًا: صِيغَةُ القاعِدةِ
استُعْمِلَتِ القاعِدةُ بهذِهِ الصِّيغةِ: "المُعامَلةُ بنَقيضِ المَقصودِ الفاسِدِ" [188] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/168)، ((الموافقات)) للشاطبي (1/583)، ((شرح المنهج المنتخب)) للمنجور (2/481)، ((المسالك إلى قواعد الإمام مالك)) للونشريسي (1/132). ، وصيغةِ: "المُعارَضة بنَقيضِ المَقصودِ" [189] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/183). ، وصيغةِ: "مَن تَعَجَّل حَقَّه أو ما أُبيحَ له قَبلَ وَقتِه، على وَجهٍ مُحَرَّمٍ، عوقِبَ بحِرمانِه" [190] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (2/ 293). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ
للشَّارِعِ في تَشريعاتِه مَقاصِدُ وغاياتٌ، والمُكَلَّفُ حينَما يُقدِمُ على عَمَلٍ مِنَ الأعمالِ مَأمورٌ بموافقةِ قَصدِ الشَّارِعِ وعَدَمِ مُخالفتِه. فإذا خالف المُكَلَّفُ قَصدَ الشَّارِعِ ليَتَوصَّلَ إلى غَرَضٍ، فإنَّه يُجازى بنَقيضِ قَصدِه مُعاقَبةً له؛ لأنَّ المُكَلَّفَ خُلِقَ لعِبادةِ اللهِ، وذلك راجِعٌ إلى العَمَلِ على وَفقِ قَصدِ الشَّارِعِ في وضعِ الشَّريعةِ، كَما أنَّ قَصدَ الشَّارِعِ المُحافَظةُ على الضَّروريَّاتِ وما رَجَعَ إليها مِنَ الحاجيَّاتِ والتَّحسيناتِ، وهو عَينُ ما كُلِّف به العَبدُ؛ فلا بُدَّ أن يَكونَ مَطلوبًا بالقَصدِ إلى ذلك، وإلَّا لم يَكُنْ عامِلًا على المُحافظةِ على ذلك؛ إذِ الأعمالُ بالنِّيَّاتِ [191] يُنظر: ((الموافقات)) للشاطبي (1/405) و(3/23-24). ويُنظر أيضًا: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/168)، ((المنثور)) للزركشي (3/183)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (2/132،131)، ((القواعد)) للحصني (3/241)، ((المسالك إلى قواعد الإمام مالك)) للونشريسي (1/132)، ((شرح المنهج المنتخب إلى قواعد المذهب)) للمنجور (2/481)، ((تحفة الحبيب على شرح الخطيب)) للبجيرمي (4/497). .
والقاعِدةُ الأُمُّ (الأُمورُ بمَقاصِدِها) تَذكُرُ بعُمومِها أنَّ الأقوالَ والأعمالَ مُعتَبَرةٌ بالنِّيَّاتِ والمَقاصِدِ، لكِن حينَ يَقصِدُ إلى عَمَلٍ مِنَ الأعمالِ ليُناقِضَ به مَقصودَ الشَّرعِ ليَتَوصَّلَ به إلى غَرَضِه الخاصِّ، فإنَّ النَّظرةَ هنا سَتَختَلفُ، وسَيُعامَلُ بنَقيضِ مَقصودِه، كَما في هذه القاعِدةِ الفرعيَّةِ؛ فهيَ أخَصُّ مِنها ومُكَمِّلةٌ لها.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ
دَلَّ على هذه القاعِدةِ القُرآنُ الكَريمُ، ومِن ذلك:
1- قَولُ اللهِ تعالى: إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلَا يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ [القلم: 17-20] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ غَرَضَهم مِنَ التَّبكيرِ في قَطفِ الثِّمارِ حِرمانُ الفُقَراءِ والمَساكينِ مِنها؛ رَغبةً في أن يَكثُرَ نَصيبُهم، فكان الجَزاءُ هو حِرمانَهم هم مِن نُصيبِهم وثِمارِهم؛ مُعامَلةً لهم بنَقيضِ قَصدِهم [192] يُنظر: ((الإشارات الإلهية)) للطوفي (ص: 652)، ((التيسير في أحاديث التفسير)) لمحمد الناصري (6/287،286). .
2- قَولُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا [البقرة: 276] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ مَن يَتَعامَلُ بالرِّبا يَقصِدُ بمُعامَلتِه تَكثيرَ أموالِه، لكِنَّه لمَّا خالف قَصدَ الشَّارِعِ عوقِبَ بنَقيضِ قَصدِه، فأخبَرَ اللهُ أنَّ مالَه مَمحوقٌ، بأن يَنقُصَه اللهُ أو يُذهِبَ بَرَكَتَه [193] يُنظر: ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1/395)، ((تفسير ابن كثير)) (1/713)، ((مختصر تفسير ابن كثير)) للصابوني (1/248). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- مَن طَلَّقَ امرَأتَه في مَرَضِ المَوتِ ليَحرِمَها مِنَ الميراثِ فإنَّها تَرِثُه؛ مُعامَلةً له بنَقيضِ قَصدِه [194] يُنظر: ((الفقيه والمتفقهـ)) للخطيب البغدادي (2/92)، ((التحقيق والبيان)) للأبياري (3/130)، ((القواعد)) لابن رجب (ص: 230)، ((مفتاح الوصول)) للتلمساني (ص: 704). .
2- عُقوبةُ القاتِلِ لمورِّثِه بحِرمانِ ميراثِه، وعُقوبةُ الزَّوجةِ النَّاشِزِ بسُقوطِ نَفقَتِها وكِسوتِها؛ مُعامَلةً لهم بنَقيضِ قَصدِهم [195] يُنظر: ((إعلام الموقعين)) (2/ 413). ويُنظر للعديد من الأمثلة ومستثنياتها: ((إغاثة اللهفان)) لابن القيم (1/ 612- 616) ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/ 416- 423). .

انظر أيضا: