موسوعة القواعد الفقهية

المَطلبُ الحاديَ عَشَرَ: التَّعيينُ لتَمييزِ الأجناسِ


أوَّلًا: صِيغَةُ القاعِدةِ
استُعْمِلَتِ القاعِدةُ بهذِهِ الصِّيغةِ المذكورَةِ: "التَّعيينُ لتَمييزِ الأجناسِ" [118] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 27). . و"نيَّةُ التَّعيينِ في الجِنسِ الواحِدِ لغوٌ" [119] يُنظر: ((تأسيس النظر)) للدبوسي (ص: 99)، ((فتح القدير)) لابن الهمام (2/207)، ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 27). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ
شُرِعَتِ النِّيَّةُ لتَمييزِ الجِنسِ عن جِنسِه، فما كان مُختَلِفَ الجِنسِ كانتِ النِّيَّةُ فيه مُمَيِّزةً لكُلِّ جِنسٍ عنِ الآخَرِ، وما لم يَكُنْ له إلَّا جِنسٌ واحِدٌ فتَعيينُ النِّيَّةِ فيه لغوٌ لا فائِدةَ مِنه، ويُعرَفُ اختِلافُ الجِنسِ باختِلافِ السَّبَبِ؛ فما كان مُتَّحِدَ السَّبَبِ -كَكَفَّارةِ اليَمينِ- فهو مُتَّحِدُ الجِنسِ، وما كان مُختَلِفَ السَّبَبِ فهو مُختَلفُ الجِنسِ، فالصَّلاةُ كُلُّها مِن قَبيلِ المُختَلفِ حتَّى الظُّهرَينِ مِن يَومَينِ أوِ العَصرَينِ مِن يَومَينِ؛ لأنَّ وقتَ الظُّهرِ مِن يَومٍ غَيرُ وقتِ الظُّهرِ مِن يَومٍ آخَرَ حَقيقةً وحُكمًا؛ لأنَّ الخِطابَ لم يَتَعَلَّقْ بوَقتٍ يَجمَعُهما، بل بدُلوكِ الشَّمسِ ونَحوِه، والدُّلوكُ في يَومٍ غَيرُ الدُّلوكِ في يَومٍ آخَرَ، بخِلافِ صَومِ رَمَضانَ؛ لأنَّه مُتَعَلِّقٌ بشُهودِ الشَّهرِ، بقَولِ اللهِ تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة: 185] ، وشُهودُ الشَّهرِ شَيءٌ واحِدٌ؛ لأنَّه عِبارةٌ عن ثَلاثينَ يَومًا بلياليها؛ فلذلك لا يَحتاجُ فيه إلى تَعيينِ صَومِ يَومِ كَذا، بخِلافِ ما إذا نَوى عن رمضانَينِ أو عن رَمَضان آخَرَ؛ حَيثُ لا يَجوزُ عن واحِدٍ مِنهما لاختِلافِ السَّبَبِ [120] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (7/10، 23)، ((المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين)) لأبي يعلى (1/254)، ((الذخيرة)) للقرافي (1/243 -244)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/13) و (6/220)، ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 27). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ
دَلَّ على هذه القاعِدةِ السُّنَّةُ والمَعقولُ:
1- مِنَ السُّنَّةِ:
حَديثُ: ((وإنَّما لكُلِّ امرِئٍ ما نَوى)) [121] لفظُه: عن عَلقَمةَ بنِ وقَّاصٍ اللَّيثيِّ يَقولُ: سَمِعتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه على المِنبَرِ قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ، وإنَّما لكُلِّ امرِئٍ ما نَوى، فمَن كانت هجرَتُه إلى دُنيا يُصيبُها، أو إلى امرَأةٍ يَنكِحُها، فهِجرتُه إلى ما هاجَرَ إليهـ)). أخرجه البخاري (1) واللَّفظُ له، ومسلم (1917). ، وقد سَبَقَ في قاعِدةِ: (الأُمورُ بمَقاصِدِها).
2- مِنَ المَعقولِ:
- أنَّ الفُروضَ مُتَزاحِمةٌ، فلا بُدَّ مِن تَعيينِ ما يُريدُ أداءَه حتَّى تَبرَأ ذِمَّتُه مِنه؛ لأنَّ فرضًا مِنَ الفُروضِ لا يَتَأدَّى بنِيَّةِ فَرضٍ آخَرَ؛ فلهذا وجَبَ التَّعيينُ بالنِّيَّةِ لتَمييزِ الأجناسِ المُختَلفةِ [122] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (6/220)، ((رد المحتار)) لابن عابدين (6/735). .
- كَما أنَّ النِّيَّةَ إنَّما شُرِعَت لتَمييزِ الأجناسِ المُختَلفةِ لاختِلافِ الأغراضِ فيها، فلا يَحتاجُ إليها حينَئِذٍ في الجِنسِ الواحِدِ لعَدَمِ الفائِدةِ، والتَّصَرُّفُ إذا لم يُصادِفْ مَحَلَّه يَكونُ لغوًا [123] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/13)، ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 27). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- إذا كانت له خَمسٌ مِنَ الإبِلِ وأربَعونَ مِنَ الغَنَمِ، فعَجَّل زَكاةَ الغَنَمِ شاةً، ثُمَّ ضاعَتِ الغَنَمُ، وتَمَّ الحَولُ على الإبِلِ؛ فإنَّ المُعَجَّلَ لا يُجزِئُ عن زَكاةِ الإبِلِ عِندَ الحَنَفيَّةِ؛ لأنَّهما جِنسانِ مُختَلفانِ في حُكمِ الزَّكاةِ؛ ولهذا لا يُضَمُّ أحَدُهما إلى الآخَرِ، وعِندَ اختِلافِ الجِنسِ تُعتَبَرُ نيَّةُ التَّمييزِ [124] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (3/23)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/52). .
2- في سُجودِ التِّلاوةِ: مَن كان عليه سُجودُ التِّلاوةِ فإنَّه لا يَلزَمُه تَعيينُها، بَل يَكفيه مُطلَقُ النِّيَّةِ عنِ السُّجودِ؛ لأنَّ التِّلاوةَ جِنسٌ واحِدٌ، والتَّعيينُ في الجِنسِ الواحِدِ لغوٌ [125] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 27)، ((غمز عيون البصائر)) للحموي (1/ 117). .

انظر أيضا: