موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ العاشِرُ: فِعلُ الغَيرِ تَمتَنِعُ النِّيَّةُ فيه


أوَّلًا: صِيغَةُ القاعِدةِ
استُعْمِلَتِ القاعِدةُ بهذِهِ الصِّيغةِ المذكورَةِ: "فِعلُ الغَيرِ تَمتَنِعُ النِّيَّةُ فيه" [110] يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (1/129). ، ويُعَبَّرُ عنها أيضًا بـ "لا يَجوزُ التَّوكيلُ في النِّيَّةِ إلَّا فيما اقتَرَنَ بفِعلٍ" [111] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/311)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 20). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ
تُبَيِّنُ هذه القاعِدةُ أنَّ الإنسانَ لا يُمكِنُه أن يَنويَ فِعلَ غَيرِه، ولأجلِ ذلك مَنَع الفُقَهاءُ التَّوكيلَ في النِّيَّةِ وحدَها إلَّا إذا اقتَرَنَت بفِعلٍ، كَتَفرِقةِ ذَكاةٍ، وذَبحِ أُضحيَّةٍ؛ فإنَّه يَجوزُ أن يوكِلَ مَن يَذبَحُ ويَنوي عنه؛ لاقتِرانِها بالفِعلِ [112] يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (1/129)، ((المنثور)) للزركشي (3/311)، ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 46)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 20)، ((موسوعة القواعد الفقهية)) لبورنو (8/58). .
وهذه القاعِدةُ الفرعيَّةُ تُؤَكِّدُ ما تَدُلُّ عليه القاعِدةُ الأُمُّ مِن أنَّ الأفعالَ مَنوطةٌ بالنِّيَّةِ التي يَنويها العَبدُ لا غَيرُه.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ
دَلَّ على هذه القاعِدةِ السُّنَّةُ والمَعقولُ:
1- مِنَ السُّنَّةِ:
حَديثُ: ((إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ، وإنَّما لكُلِّ امرِئٍ ما نَوى)) [113] لفظُه: عن عَلقَمةَ بنِ وقَّاصٍ اللَّيثيِّ يَقولُ: سَمِعتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه على المِنبَرِ قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ، وإنَّما لكُلِّ امرِئٍ ما نَوى، فمَن كانت هجرَتُه إلى دُنيا يُصيبُها، أو إلى امرَأةٍ يَنكِحُها، فهِجرتُه إلى ما هاجَرَ إليهـ)). أخرجه البخاري (1) واللَّفظُ له، ومسلم (1917). . وقد سَبَقَ ذِكرُ هذا الدَّليلِ في قاعِدةِ (الأُمورُ بمَقاصِدِها).
2- مِنَ المَعقولِ:
أنَّ النِّيَّةَ تُمَيِّزُ بَينَ العِباداتِ والعاداتِ، وبَينَ رُتَبِ العِباداتِ مِنَ الفرضِ والنَّفلِ ونَحوِ ذلك، وذلك يَتَعَذَّرُ على الإنسانِ في فِعلِ غَيرِه، وإنَّما يَتَأتَّى ذلك مِنه في فِعلِ نَفسِه فقط [114] يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (1/129). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- أنَّ المَريضَ لو يَمَّمَه غَيرُه فالنِّيَّةُ على المَريضِ دونَ المُيَمِّمِ [115] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 46). .
2- تُعتَبَرُ نيَّةُ الموكِّلِ في الزَّكاةِ دونَ نيَّةِ الوكيلِ المَنوطِ به تَوزيعُ الزَّكاةِ [116] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 46)، ((غمز عيون البصائر)) للحموي (1/ 190). .
3- الاعتِبارُ في الحَجِّ عنِ الغَيرِ لنيَّةِ المَأمورِ، وليسَ هو مِن بابِ النِّيابةِ فيها؛ لأنَّ الأفعالَ إنَّما صَدَرَت مِنَ المَأمورِ، فالمُعتَبَرُ نيَّتُه [117] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 46)، ((غمز عيون البصائر)) للحموي (1/ 190). .

انظر أيضا: