موسوعة القواعد الفقهية

المَبحَثُ العاشِرُ: الخَوفُ عُذرٌ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الخوفُ عُذرٌ" [5951] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (1/456)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/233). ، وصيغةِ: "الخَوفُ على النَّفسِ يُسقِطُ حَقَّ اللهِ" [5952] يُنظر: ((البيان والتحصيل)) لابن رشد (1/90). ، وصيغةِ: "الخَوفُ على النَّفسِ أوِ المالِ عُذرٌ في تَركِ الواجِبِ" [5953] يُنظر: ((الفروع)) لابن مفلح (7/316). ونصُّه: (خوفُه على نفسِه أو مالِه ‌ُعُذرٌ ‌في ‌تركِ ‌الواجِبِ). ، وصيغةِ: "الخَوفُ عُذرٌ ظاهرٌ" [5954] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن رجب (8/ 393). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعدةِ.
إذا خافَ الإنسانُ على دينِه أو نَفسِه أو عَقلِه أو مالِه أو مَن هو تَحتَ ولايَتِه مِن ضَرَرٍ مُحَقَّقٍ أو غالِبِ الظَّنِّ عِندَ أدائِه واجِبًا شَرعيًّا، فإنَّه يُعذَرُ بتَركِ هذا الواجِبِ مُؤَقَّتًا؛ دَفعًا للضَّرَرِ أوِ الخَطَرِ، والسَّبَبُ في ذلك هو أنَّ الشَّريعةَ قائِمةٌ على التَّيسيرِ ورَفعِ الحَرَجِ، كما أنَّها تُقدِّمُ حِفظَ الضَّروريَّاتِ الخَمسِ (الدِّينُ، والنَّفسُ، والعَقلُ، والنَّسلُ، والمالُ) على الالتِزامِ ببَعضِ التَّكاليفِ الشَّرعيَّةِ عِندَ التَّعارُضِ [5955] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (1/456)، ((البيان والتحصيل)) لابن رشد (1/90)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/233)، ((الفروع)) لابن مفلح (7/316). .
قال الشَّاطِبيُّ: (وكَذلك الخَوفُ على النَّفسِ أوِ العَقلِ أوِ المالِ يَمنَعُ مِنَ العَمَلِ المُسَبِّبِ لذلك إن كان لخيَرةِ الإنسانِ، ويُرَخَّصُ له فيه إن كان لازِمًا له، حَتَّى لا يَحصُلَ في مَشَقَّةِ ذلك؛ لأنَّ فيه تَشويشَ النَّفسِ) [5956] يُنظر: ((الموافقات)) للشاطبي (2/245). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ القُرآنُ:
قال اللهُ تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ [ النساء: 101- 102] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ أذِنَ لَهم في تَغييرِ هَيئةِ الصَّلاةِ مُراعاةً لأجلِ الخَوفِ، فكان الخَوفُ عُذرًا في تَغييرِ هَيئةِ الصَّلاةِ، وهو مَضمونُ القاعِدةِ [5957] يُنظر: ((الأم)) للشافعي (1/243). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعدةِ.
مِنَ الأمثلةِ على هذه القاعدةِ:
1- إذا كان مَعَ شَخصٍ مِنَ الماءِ قدرُ وُضوئِه فخافَ العَطَشَ، فإنَّه يَجوزُ له أن يَتَيَمَّمَ ويُبقيَ ماءَه؛ لأنَّ الخَوفَ على النَّفسِ يُسقِطُ حَقَّ اللهِ تَعالى. قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء: 29] [5958] يُنظر: ((البيان والتحصيل)) لابن رشد (1/90). .
2- الجَمعُ بَينَ الصَّلاتَينِ للخَوفِ جائِزٌ؛ لأنَّ الخَوفَ عُذرٌ ظاهرٌ، فالجَمعُ له أولى مِنَ الجَمعِ للمَطَرِ والمَرَضِ ونَحوِهما [5959] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن رجب (8/393). .
3- يَجوزُ للمُعتَكِفِ الخُروجُ مِنَ الاعتِكافِ لخَوفٍ مِن فِتنةٍ على نَفسِه، أو حُرمَتِه، أو مالِه نَهبًا وحَريقًا، ونَحوه كالغَرَقِ؛ لأنَّه عُذِرَ في تَركِ الواجِبِ بأصلِ الشَّرعِ كالجُمُعةِ، فهَهنا أَولى [5960] يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/381). .

انظر أيضا: