موسوعة القواعد الفقهية

الفرعُ السَّادِسُ: مُطلَقُ العَقدِ يَقتَضي وصفَ السَّلامةِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "مُطلَقُ العَقدِ يَقتَضي وصفَ السَّلامةِ" [4918] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (3/37)، ((العناية)) للبابرتي (6/354)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (6/39)، ((أنيس الفقهاء)) للقونوي (ص: 74)، ((اللباب)) للميداني (2/19). ، وصيغةِ: "مُطلَقُ العَقدِ يَقتَضي السَّلامةَ مِنَ العَيبِ" [4919] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (6/225)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (11/376)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/31)، ((العناية)) للبابرتي (8/369)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/297). ، وصيغةِ: "عَقدُ المُعاوَضةِ يَقتَضي سَلامةَ المَعقودِ عليه عنِ العَيبِ" [4920] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (15/103)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/134). ، وصيغةِ: "العَقدُ يَقتَضي سَلامةَ العِوَضينِ عنِ العَيبِ" [4921] يُنظر: ((قرة عيون الأخبار)) لنجل ابن عابدين (8/279). ، وصيغةِ: "مُقتَضى مُطلَقِ العَقدِ هو السَّلامةُ عنِ العَيبِ" [4922] يُنظر: ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (3/139). ، وصيغةِ: "المُستَحَقُّ بمُطلَقِ العَقدِ صِفةُ السَّلامةِ لا نِهايةُ الجَودةِ" [4923] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (16/20). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ العَقدَ المُطلقَ عن شَرطِ الخُلُوِّ مِنَ العَيبِ يَقتَضي سَلامةَ المَعقودِ عليه عنِ العَيبِ، فكانتِ السَّلامةُ كالمَشروطةِ في العَقدِ صَريحًا لكَونِها مَطلوبةً عادةً؛ لأنَّ الأصلَ السَّلامةُ، والعَيبُ حادِثٌ أو مُخالفٌ للظَّاهرِ، فعِندَ الإطلاقِ يُحمَلُ على السَّلامةِ، وإذا كان مُقتَضى العَقدِ السَّلامةَ وجَبَ ثُبوتُ الخيارِ بظُهورِ المَبيعِ مَعيبًا؛ استِدراكًا لِما فاتَه وإزالةً لما يَلحَقُه مِن ضَرَرِ بَقائِه في مِلكِه ناقِصًا عن حَقِّه، فمَتى فاتَتِ السَّلامةُ فاتَ بَعضُ مُقتَضى العَقدِ، فلم يَلزَمْه أخذُه بالعِوَضِ، وكان له الرَّدُّ، وأخذُ الثَّمَنِ كامِلًا؛ كَي لا يَتَضَرَّرَ بإلزامِ ما لا يَرضى به، كما إذا فاتَ الوَصفُ المَرغوبُ فيه المَشروطُ في العَقدِ.
والعَيبُ: ما يَخلو عنه أصلُ الفِطرةِ السَّليمةِ. ويُرجَعُ في بَيانِ العَيبِ إلى أهلِ الخِبرةِ، وليس المَقصودُ به صِفةَ الرَّداءةِ، فإنَّه بالرَّداءةِ تَنعَدِمُ صِفةُ الجَودةِ، وبمُطلَقِ العَقدِ لا يَستَحِقُّ المَعقودُ عليه صِفةَ الجَودةِ، وإنَّما يَستَحِقُّ السَّلامةَ؛ لأنَّ صِفةَ الجَودةِ لا تُستَحَقُّ إلَّا بالشَّرطِ [4924] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (13/105) و(14/68)، ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (7/180)، ((المغني)) لابن قدامة (6/225)، ((الممتع)) لابن المنجى (2/448)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/31). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِن قاعِدةِ (الأصلُ حَملُ العُقودِ على الصِّحَّةِ)، ووَجهُ تَفرُّعِها عنها أنَّ الأصلَ في العُقودِ المُطلقةِ عنِ الشَّرطِ أن تَكونَ سالمةً مِنَ العُيوبِ؛ لأنَّ الأصلَ حَملُ العُقودِ على الصِّحَّةِ.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ:
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ: (الأصلُ حَملُ العُقودِ على الصِّحَّةِ).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- إذا اطَّلَعَ المُشتَري على عَيبٍ في المَبيعِ فهو بالخيارِ، إن شاءَ أخَذَه بجَميعِ الثَّمَنِ، وإن شاءَ رَدَّه؛ لأنَّ مُطلَقَ العَقدِ يَقتَضي وصفَ السَّلامةِ مِنَ العَيبِ، فكانتِ السَّلامةُ كالمَشروطةِ في العَقدِ صَريحًا؛ لكَونِها مَطلوبةً عادةً، فعِندَ فوتِها يَتَخَيَّرُ كَي لا يَتَضَرَّرَ بلُزومِ ما لا يَرضى به [4925] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (3/36)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/31)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (6/39). .
2- يَثبُتُ خيارُ العَيبِ للمُستَأجِرِ في العَينِ المُستَأجَرةِ، فإذا وقَعَتِ الإجارةُ على العَينِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ للمُستَأجِرِ عَيبٌ في العَينِ لم يَعلَمْ به قَبلَ ذلك، ولَم يَكُنِ العَيبُ يَسيرًا، ولا يُمكِنُ إزالَتُه إلَّا بضَرَرٍ يَلحَقُه، فإنَّ المُستَأجِرَ بالخيارِ؛ إن شاءَ فسخ العَقدَ، وإن شاءَ بَقيَ على العَقدِ الأوَّلِ مِن غَيرِ نُقصانٍ؛ لأنَّ المُستَأجِرَ بمُطلَقِ العَقدِ استَحَقَّ المَعقودَ عليه بصِفةِ السَّلامةِ، فإذا وجَدَه مَعيبًا كان العَقدُ مُختَلًّا، فثَبَتَ له حَقُّ الخيارِ [4926] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (15/144)، ((موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي)) (2/719). .
3- عَقدُ النِّكاحِ المُطلَقُ يوجِبُ سَلامةَ الزَّوجِ مِنَ الجَبِّ والعُنَّةِ، وكَذلك يوجِبُ سَلامةَ الزَّوجةِ مِن مَوانِعِ الوَطءِ كالرَّتقِ، وسَلامَتَها مِنَ الجُنونِ والجُذامِ والبَرَصِ، وكَذلك سَلامَتُهما مِنَ العُيوبِ التي تمنَعُ كَمالَه دونَ الجَمالِ ونَحوِ ذلك [4927] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (29/176). .

انظر أيضا: