موسوعة القواعد الفقهية

الفرعُ الخامِسُ: اللُّزومُ أصلٌ في المُعاوَضاتِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "اللُّزومُ أصلٌ في المُعاوَضاتِ" [4910] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (15/79)، ((البناية)) للعيني (7/387)، ((فتح القدير)) لابن الهمام (6/165). ، وصيغةِ: "المُعاوَضاتُ يَتَعَلَّقُ بها صِفةُ اللُّزومِ" [4911] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (11/134). ، وصيغةِ: "المُعاوَضاتُ تَلزَمُ بنَفسِ العَقدِ" [4912] يُنظر: ((العزيز)) للرافعي (7/211)، ((روضة الطالبين)) للنووي (6/270). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
العُقودُ على ضَربَينِ، مِنها: عُقودُ مُعاوَضةٍ، ومِنها: ما ليس بمُعاوَضةٍ، كالهِبةِ والوصيَّةِ.
وعُقودُ المُعاوَضاتِ: هيَ كُلُّ عَقدٍ قائِمٍ على التَّبادُلِ، وقُصِدَ مِنه العِوَضُ، والرِّبحُ، والكَسبُ.
وعُقودُ المُعاوَضاتِ ضَربانِ: أعيانٌ كالبَيعِ، ومَنافِعُ كالإجارةِ.
وتُفيدُ القاعِدةُ أنَّ عُقودَ المُعاوَضاتِ كالبُيوعِ والإجاراتِ الأصلُ فيها اللُّزومُ؛ لأنَّها لازِمةٌ بالعَقدِ، والعِوضُ مَقصودٌ مِنها، فلا يَحِقُّ لأحَدِ المُتَعاقِدَينِ فَسخُها بإرادَتِه المُنفرِدةِ؛ لأنَّ العَقدَ حينَ انعَقدَ انعَقدَ برِضاهما وإرادَتِهما مَعًا، فلا يُفسَخُ إلَّا برِضاهما. واللُّزومُ في عُقودِ المُعاوَضاتِ يَقتَضي أنَّها لا تَحتَمِلُ التَّعليقَ، فيَبقى مُقتَضى العَقدِ، وهو اللُّزومُ، وموجِبُه، وهو المِلكُ. كما أنَّها لا يَصِحُّ تَوقيتُها؛ لأنَّ عُقودَ المُعاوَضاتِ يَتِمُّ فيها المُبادَلةُ مِنَ الطَّرَفينِ، وبَعضُها يَكونُ مُؤَبَّدًا، أي: على الدَّوامِ بحَسَبِ طَبيعَتِه؛ ولذلك لا يَصِحُّ تَوقيتُه بوقتٍ مُحَدَّدٍ، فإن وُقِّتَ بطَلَ [4913] يُنظر: ((المعونة)) (2/752)، ((الإشراف)) (2/661) كلاهما للقاضي عبد الوهاب، ((التجريد)) للقدوري (6/2740)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (15/184، 467)، ((المبسوط)) للسرخسي (13/40)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/626-627)، ((العقد الثمين)) لخالد المشيقح (ص: 220). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِن قاعِدةِ (الأصلُ حَملُ العُقودِ على الصِّحَّةِ)، ووَجهُ تَفرُّعِها عنها أنَّ الأصلَ في عُقودِ المُعاوَضاتِ اللُّزومُ؛ حَيثُ تَوافرَت أركانُها وشُروطُ صِحَّتِها؛ إذِ الأصلُ حَملُ العُقودِ على الصِّحَّةِ.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقَواعِدِ الآتيةِ:
1- القاعِدةُ الأُمُّ: (الأصلُ حَملُ العُقودِ على الصِّحَّةِ).
2- قاعِدةُ: (الأصلُ في العُقودِ اللُّزومُ).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- البَيعُ لا يَنفسِخُ بمَوتِ أحَدِ المُتَعاقِدَينِ؛ لأنَّه عَقدُ مُعاوَضةٍ لازِمٌ، وما لزِمَ مِن عُقودِ المُعاوَضاتِ المَحضةِ لم يَنفسِخْ بمَوتِ أحَدِ المُتَعاقِدَين [4914] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (7/401). .
2- عَقدُ الإجارةِ عَقدٌ لازِمٌ، فلا يَتَفرَّدُ كُلُّ واحِدٍ مِنَ المُتَعاقِدَينِ بالفسخِ؛ لأنَّه عَقدُ مُعاوَضةٍ يَتِمُّ فيه مُبادَلةُ المالِ بالمَنفعةِ، واللُّزومُ أصلٌ في المُعاوَضاتِ؛ تَحقيقًا للنَّظَرِ مِنَ الجانِبَينِ؛ لأنَّ المُعاوَضاتِ يَجِبُ النَّظَرُ فيها مِنَ الجانِبَينِ، ولا يَعتَدِلُ النَّظَرُ بدونِ صِفةِ اللُّزومِ، وانفِساخُه بمَوتِ أحَدِهما [4915] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (15/79)، ((البناية)) للعيني (7/387)، ((فتح القدير)) لابن الهمام (6/165). .
3- عَقدُ النِّكاحِ مِن عُقودِ المُعاوَضاتِ، والأصلُ فيه التَّأبيدُ، فلا يَصِحُّ تَوقيتُه؛ لذلك لا يَجوزُ نِكاحُ المُتعةِ [4916] يُنظر: ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/626). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استِثناءاتٌ:
يُستَثنى مِنَ القاعِدةِ بَعضُ الصُّورِ، مِنها: ما صَحَّ مِن عُقودِ المُعاوَضاتِ إذا كان المُقابِلُ فيه غَيرَ مَوثوقٍ بالقُدرةِ عليه عِندَ استِحقاقِه كان مِنَ العُقودِ الجائِزةِ دونَ اللَّازِمةِ، كالجَعالةِ؛ لأنَّه لا يوثَقُ بوُجودِ الضَّالَّةِ في الجَعالةِ [4917] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (15/184)، ((بحر المذهب)) للروياني (4/273). .

انظر أيضا: