الفرعُ الثَّاني: أوائِلُ العُقودِ تُؤَكَّدُ بما لا يُؤَكَّدُ به أواخِرُها
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "أوائِلُ العُقودِ تُؤَكَّدُ بما لا يُؤَكَّدُ به أواخِرُها"
[4877] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (6/277)، ((المنثور)) للزركشي (1/207)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 120). ، وصيغةِ: "ابتِداءُ العُقودِ آكَدُ مِنِ انتِهائِها"
[4878] يُنظر: ((الذخيرة)) (5/257)، ((الفروق)) (3/297) كلاهما للقرافي. ، وصيغةِ: "ابتِداءُ العُقودِ آكَدُ مِنِ استِمرارِ آثارِها"
[4879] يُنظر: ((تهذيب الفروق)) لمحمد علي حسين (3/296). ، وصيغةِ: "يُغتَفرُ في الثَّواني ما لا يُغتَفرُ في الأوائِلِ"
[4880] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 120)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (2/691). ، وصيغةِ: "يُغتَفرُ في التَّوابعِ ما لا يُغتَفرُ في غَيرِها"
[4881] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 120)، واستَحسَنَ السُّيوطيُّ هذه العِبارةَ؛ لعُمومِها، فقال: (يُغتَفرُ في التَّوابعِ ما لا يُغتَفرُ في غَيرِها. وقَريبٌ مِنها: يُغتَفرُ في الشَّيءِ ضِمنًا ما لا يُغتَفرُ فيه قَصدًا. ورُبَّما يُقالُ: يُغتَفرُ في الثَّواني ما لا يُغتَفرُ في الأوائِلِ. وقد يُقالُ: أوائِلُ العُقودِ تُؤَكَّدُ بما لا يُؤَكَّدُ به أواخِرُها. والعِبارةُ الأولى أحسَنُ وأعَمُّ). ، وصيغةِ: "دَوامُ العُقودِ أقوى مِنِ ابتِدائِها"
[4882] يُنظر: ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (19/412). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ ابتِداءَ العُقودِ آكَدُ في نَظَرِ الشَّرعِ، فيُغتَفرُ ويُتَسامَحُ ويُتَساهَلُ فيما يَأتي ثانيًا أكثَرَ مِمَّا يَأتي أوَّلًا؛ حَيثُ إنَّ دَوامَ العُقودِ أقوى مِنِ ابتِدائِها، فلا يُغتَفرُ في أوائِل العُقودِ؛ لأنَّها مَقصودةٌ أصلًا، فتُؤَكَّدُ العُقودُ في أوَّلِها بَعدَ استيفاءِ شُروطِها وأركانِها بما يَمنَعُ بُطلانَها بَعدَ تَحَقُّقِها، أمَّا الثَّواني فمَقصودةٌ تَبَعًا، ويُغتَفرُ في الثَّواني ما لا يُغتَفرُ في الأوائِلِ، فكُلُّ ما يُنافي أوَّلَ العَقدِ يُنافي آخِرَه، دونَ العَكسِ
[4883] يُنظر: ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (19/412)، ((الفروق)) للقرافي (3/297)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (2/691)، ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (1/2/333). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِن قاعِدةِ (الأصلُ حَملُ العُقودِ على الصِّحَّةِ)، ووَجهُ تَفرُّعِها عنها أنَّ أواخِرَ العُقودِ وتَوابِعَها وآثارَها يَلحَقُ أوائِلَها، فيُغتَفرُ فيها ما لا يُغتَفرُ في أوائِلِها؛ لأنَّ الأصلَ حَملُ العُقودِ على الصِّحَّةِ.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقَواعِدِ التَّاليةِ:
1- القاعِدةُ الأُمُّ: (الأصلُ حَملُ العُقودِ على الصِّحَّةِ).
2- قاعِدةُ: (يُغتَفرُ في التَّابعِ ما لا يُغتَفرُ في المَتبوعِ).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- إذا باعَ شَيئَينِ فتَلِفَ أحَدُهما قَبلَ قَبضِه، لم يَنفسِخْ في الآخَرِ، فإن أجازَ فبحِصَّتِه مِنَ المُسَمَّى، وفي قَولٍ: بجَميعِ الثَّمَنِ، بخِلافِ ما لوِ اشتَراهما فتَلِفَ أحَدُهما في يَدِ المُشتَري، ثُمَّ أفلَسَ وحُجِر عليه، فللبائِعِ أخذُ الباقي بحِصَّتِه مِنَ الثَّمَنِ، ولا يَجيءُ قَولُ أخذِه بجَميعِ الثَّمَنِ؛ لأنَّ أوائِلَ العُقودِ تُؤَكَّدُ بما لا يُؤَكَّدُ به أواخِرُها، فدَعَتِ الضَّرورةُ في تَفريقِ الصَّفقةِ لتَأكُّدِ العَقدِ في أوَّلِه أن يُجعَلَ الباقي بَينَهما بجَميعِ الثَّمَنِ -في قَولٍ- حَتَّى لا يوقِعَ جَهالةً في الثَّمَنِ، فيَبطُلَ العَقدُ، بخِلافِ استِرجاعِ البائِعِ بفَلَسِ المُشتَري؛ لأنَّه لم يَستَأنِفْ عَقدًا تَقَعُ الجَهالةُ في ثَمَنِه
[4884] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (6/277)، ((المنثور)) للزركشي (1/207). .
2- لا يَثبُتُ النَّسَبُ ابتِداءً بشَهادةِ النِّساءِ، أمَّا لو شَهِدنَ بالوِلادةِ على الفِراشِ فيَثبُتُ النَّسَبُ تَبَعًا، حَتَّى لو كانتِ الشَّاهِدةُ في الوِلادةِ القابلةَ وحدَها
[4885] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 120)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (10/97). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.استِثناءاتٌ:يُستَثنى مِنَ القاعِدةِ بَعضُ الصُّورِ، مِنها: إذا قُلِّدَ عَدلٌ للقَضاءِ، ففُسِّقَ في أثناءِ قَضائِه بأخذِ الرِّشوةِ أو غَيرِها مِن أسبابِ الفِسقِ: استَحَقَّ العَزلَ؛ لأنَّ عَدالَتَه في مَعنى المَشروطةِ في وِلايَتِه؛ لأنَّه حينَ وُلِّيَ عَدلًا اعتُمِدَت عَدالَتُه، فكانت وِلايَتُه مُقَيَّدةً بعَدالَتِه، فتَزولُ بزَوالِها
[4886] يُنظر: ((فتح القدير)) لابن الهمام (7/254)، ((غمز عيون البصائر)) للحموي (2/354)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (10/98). .