موسوعة القواعد الفقهية

الفرعُ الثَّالثُ: تَصحيحُ العُقودِ واجِبٌ ما أمكَنَ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "تَصحيحُ العُقودِ واجِبٌ ما أمكَنَ" [4887] يُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (7/426)، ((النافع الكبير)) للكنوي (ص: 439). ، وصيغةِ: "تَصحيحُ العَقدِ واجِبٌ ما أمكَنَ" [4888] يُنظر: ((شرح الزيادات)) لقاضي خان (5/1864). ، وصيغةِ: "تَصحيحُ العُقودِ بحَسَبِ الإمكانِ واجِبٌ" [4889] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (20/135). ، وصيغةِ: "تَصحيحُ العُقودِ التي قامَت عليها الحُجَّةُ أَولى مِن تَصحيحِ يَدٍ لم تَقُمْ على دَوامِها حُجَّةٌ" [4890] يُنظر: ((القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير)) لعلي الندوي (ص: 484). ، وصيغةِ: "مَتى أمكَنَ تَصحيحُ العَقدِ لا يَجوزُ إفسادُه" [4891] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (13/124). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
ظاهرُ العُقودِ والمُعامَلاتِ الجاريةِ بَينَ المُسلمينَ يَقتَضي الصِّحَّةَ والسَّلامةَ، إلَّا إذا وُجِدَت عِلَّةٌ قادِحةٌ في اعتِبارِ استِصحابِ الحالِ في هذا المَجالِ؛ حَيثُ إنَّ أُمورَ المُسلمينَ مَحمولةٌ على الصَّلاحِ دونَ الفسادِ، إلَّا إذا تَعَذَّرَ حَملُها على الصَّلاحِ، فمَتى احتَمَلَ تَصَرُّفُ العاقِلِ الصِّحَّةَ والفسادَ يُحمَلُ على الصِّحَّةِ نَظَرًا إلى ظاهرِ حالِه؛ صيانةً له عنِ ارتِكابِ المُحرَّمِ، أو صيانةً للكَلامِ عنِ الإلغاءِ بقدرِ الإمكانِ. وإذا وقَعَ خِلافٌ في صِحَّةِ عَقدٍ مِنَ العُقودِ، وأمكَنَ تَصحيحُ هذه العُقودِ المُختَلَفِ فيها، فهو واجِبٌ إذا كانت قدِ استَوفتِ الشُّروطَ، وقامَتِ الحُجَّةُ على التَّصحيحِ؛ صيانةُ لها عنِ البُطلانِ، وتَصحيحُها أولى مِن إفسادِها [4892] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (20/135)، ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (7/426)، ((النافع الكبير)) للكنوي (ص: 439)، ((القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير)) لعلي الندوي (ص: 425، 484). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِن قاعِدةِ (الأصلُ حَملُ العُقودِ على الصِّحَّةِ)، ووَجهُ تَفرُّعِها عنها أنَّه يَجِبُ تَصحيحُ العُقودِ عِندَ الإمكانِ؛ لأنَّ هذا هو الأصلُ في العُقودِ؛ إذِ الأصلُ حَملُ العُقودِ على الصِّحَّةِ إذا أمكَنَ.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ: (الأصلُ حَملُ العُقودِ على الصِّحَّةِ).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- إذا أسلَمَ رَجُلٌ (السَّلَمُ هو بَيعُ شَيءٍ مَوصوفٍ مُؤَجَّلٍ بثَمَنٍ مُعَجَّلٍ) إلى غَيرِه مِائةَ ريالٍ بمِائةِ صاعِ بُرٍّ تَحِلُّ في أوَّلِ يَومٍ مِن رَمَضانَ، فهذا أجَلٌ مَعلومٌ له وقعٌ في الثَّمَنِ، فيَصِحُّ، فإذا كان حالًّا فإنَّه لا يَصِحُّ السَّلَمُ في الحالِ؛ وذلك لأنَّنا نَستَغني ببَيعِه عنِ السَّلَمِ فيه، ولَكِنَّ ابنَ تيميَّةَ اختارَ جَوازَ السَّلَمِ الحالِّ؛ لأنَّه إذا لم يَصِحَّ أن يَكونَ سَلَمًا صارَ بَيعًا، ومَتى أمكَنَ تَصحيحُ العُقودِ فإنَّه يَجِبُ [4893] يُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (9/78). .
2- إذا قُدِّرَ أنَّ ناظِرَ الوقفِ ووصيَّ اليَتيمِ والمُضارِبَ والشَّريكَ خانوا، ثُمَّ تَصَرَّفوا مَعَ ذلك، فلا بُدَّ مِن تَصحيحِ تَصَرُّفِهم في حَقِّ المُشتَري مِنهم وحَقِّ رَبِّ المالِ، وإلَّا فلَو أُبطِلَ ذلك لفسَدَ عامَّةُ أموالِ النَّاسِ التي يُتَصَرَّفُ فيها بحُكمِ الوِلايةِ والوَكالةِ، والشَّريعةُ جاءَت بتَحصيلِ المَصالحِ وتَكميلِها، وتَعطيلِ المَفاسِدِ وتَقليلِها [4894] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (29/251). .
3- إذا ادَّعى إنسانٌ أنَّه اشتَرى هذه الدَّارَ مِن مالكِها، وأقامَ البَيِّنةَ على الشِّراءِ، وكانتِ الدَّارُ في يَدِ رَجُلٍ يَدَّعيها ولَم يُقِمْ بَيِّنةً على صِحَّةِ وضعِ يَدِه، فإنَّ الحاكِمَ يَحكُمُ بالدَّارِ لمَن أقامَ البَيِّنةَ على الشِّراءِ. وحَتَّى لو أقامَ واضِعُ اليَدِ بَيِّنةَ الشِّراءِ فإنَّ بَيِّنةَ الخارِجِ أقوى ومُقدَّمةٌ على بَيِّنةِ ذي اليَدِ، إلَّا إذا كانت بَيِّنةُ ذي اليَدِ تُفيدُ تاريخًا للشِّراءِ سابقًا على تاريخِ شِراءِ الخارِجِ [4895] يُنظر: ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (2/304). ويُنظر أيضًا: ((المبسوط)) للسرخسي (15/65)، ((درر الحكام)) (4/525). .

انظر أيضا: