موسوعة القواعد الفقهية

الفرعُ التَّاسِعُ: المُباحُ لا يُملَكُ إلَّا بالإحرازِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "المُباحُ لا يُملَكُ إلَّا بالإحرازِ" [4689] يُنظر: ((حاشية الشلبي على تبيين الحقائق)) (6/39)، ((منحة الخالق)) لابن عابدين (6/84). ، وصيغةِ: "المُباحُ إنَّما يُملَكُ بإثباتِ اليَدِ عليه" [4690] يُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (2/365). ، وصيغةِ: "المُباحُ إنَّما يُملَكُ بالإحرازِ" [4691] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (11/251). ، وصيغةِ: "لا يُملَكُ المُباحُ إلَّا بالتَّناوُلِ" [4692] يُنظر: ((البيان)) للعمراني (7/ 505). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
الأشياءُ التي هيَ في الأصلِ مُباحةٌ غَيرُ مَملوكةٍ لأحَدٍ -مِثلُ الماءِ في النَّهرِ، والصَّيدِ في البَرِّ، والحَطَبِ في الغابةِ- لا تُصبحُ مَملوكةً لشَخصٍ مُعَيَّنٍ إلَّا إذا قامَ بإحرازِها، أيِ السَّيطَرةِ عليها وجَعلِها تَحتَ يَدِه وتَصَرُّفِه، وهذا الإحرازُ هو الذي يُكسِبُ المُباحَ صِفةَ المِلكيَّةِ [4693] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (11/251)، ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (2/365)، ((حاشية الشلبي على تبيين الحقائق)) (6/39)، ((منحة الخالق)) لابن عابدين (6/84). .
ثالثًا: أدلَّةُ القاعِدةِ.
دلَّ على هذه القاعِدةِ السُّنَّةُ:
فعَن أبي هرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((والذي نَفسي بيَدِه، لَأن يَأخُذَ أحَدُكُم حَبلَه، فيَحتَطِبَ على ظَهرِه: خَيرٌ له مِن أن يَأتيَ رَجُلًا فيَسألَه، أعطاه أو مَنَعَه )) [4694] أخرجه البخاري (1470) واللفظ له، ومسلم (1042). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّ الحَديثُ على أنَّ ما يَحوزُه المَرءُ مِنَ الأماكِنِ المُباحةِ كالجَبَلِ ونَحوِه فإنَّه يَملِكُه ويَتَصَرَّفُ فيه تَصَرُّفَ المالكِ؛ حَيثُ صَحَّحَ له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخذَ الحَطَبِ ونَحوِه مِنَ الأماكِنِ المُباحةِ، وبَيعَه والانتِفاعَ بثَمَنِه، وهو مَضمونُ القاعِدةِ [4695] يُنظر: ((الإفصاح)) لابن هبيرة (1/316،315)، ((الكوكب الدراري)) للكرماني (8/25)، ((شرح سنن ابن ماجهـ)) للسيوطي وغيره (ص: 132). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تحتَ هذه القاعِدةِ بعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- الغَنيمةُ تُملَكُ بالاستيلاءِ عليها في دارِ الحَربِ عِندَ الحَنابلةِ؛ لأنَّها مالٌ مُباحٌ، فمُلِكَت بالاستيلاءِ عليها كَسائِرِ المُباحاتِ [4696] يُنظر: ((الممتع)) لابن المنجي (2/307). .
2- مَنِ اصطادَ سَمَكًا مِن نَهرٍ جارٍ لرَجُلٍ فهو للَّذي أخَذَه؛ لأنَّ صاحِبَ النَّهرِ ما صارَ مُحرِزًا له، بَل هو صَيدٌ في نَهرِه فالمُحرِزُ له مَنِ اصطادَه [4697] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (11/251)، ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (6/61). .
3- يَجوزُ شُربُ الماءِ وسَقيُ الدَّوابِّ مِنَ الأنهارِ المَملوكةِ والآبارِ والحياضِ؛ لأنَّ الآبارَ والحياضَ والأنهارَ لَم توضَعْ للإحرازِ، والمُباحُ لا يُملَكُ إلَّا بالإحرازِ [4698] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (3/262). .
4- الماءُ المُباحُ في مَوضِعٍ مَملوكٍ، مِثلُ أن يَحفِرَ رَجُلٌ ساقيةً إلى أرضِه، ويَأتيَها الماءُ مِنَ الأنهارِ العَظيمةِ، أو يَنزِلَ في أرضِه ماءٌ مِنَ المَطَرِ. فهذا الماءُ مُباحٌ؛ لأنَّه ليس مِن نَماءِ أرضِه، وإنَّما هو على أصلِ الإباحةِ، ولا يُملَكُ المُباحُ إلَّا بالتَّناوُلِ، كَأن يَأخُذَه في جَرَّةٍ أو بئرٍ [4699] يُنظر: ((البيان)) للعمراني (7/505). .
خامسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
فرقٌ:
الفرْقُ بين المالِ المُباحِ والمالِ الضَّائِعِ:
المالُ المُباحُ ليس له مالكٌ، والمالُ الضَّائِعُ له مالكٌ ولَكِنَّه غَيرُ مَعروفٍ [4700] يُنظر: ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (8/248)، ((معلمة زايد)) (14/244). .

انظر أيضا: