تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ. استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "مَن تَصَرَّف فيما يَملكُ وفيما لا يَملكُ نَفذَ تَصَرُّفُه فيما يَملكُ دونَ ما لا يَملكُ" [4613] يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (1/75). . ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ. تَصَرُّفُ الشَّخصِ فيما لا يَملِكُه لا يَصِحُّ؛ لأنَّه مُعتَدٍ، وما يَملكُه الشَّخصُ يَجوزُ له أن يَتَصَرَّفَ فيه كَيفما شاءَ، فإذا تَصَرَّف شَخصٌ فيما يَملكُه وما لا يَملكُه فإنَّه يَصِحُّ تَصَرُّفُه ويَنفُذُ فيما يَملكُه دونَ ما لا يَملكُه، فلا يَنفُذُ تَصَرُّفُه فيه، وتُفرَّقُ الصَّفقةُ حينَئِذٍ، فيُحكَمُ بالنَّفاذِ فيما يَملكُه، وبعَدَمِ النَّفاذِ فيما لا يَملكُه [4614] يُنظر: ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (2/181)، ((الفروق)) للقرافي (1/75). . ثالثًا: أدلَّةُ القاعِدةِ. دَلَّ على الشَّطرِ الأوَّلِ مِن هذه القاعِدةِ -وهو نَفاذُ التَّصَرُّفِ فيما يَملكُ- القاعِدةُ الأُمُّ: (كُلُّ مَن مَلَكَ شَيئًا يَملكُ التَّصَرُّفَ فيه إلَّا لمانِعٍ). ودَلَّ على الشَّطرِ الثَّاني -وهو عَدَمُ نَفاذِ التَّصَرُّفِ فيما لا يَملكُ- قاعِدةُ: (الأصلُ حُرمةُ الانتِفاعِ بمالِ الغَيرِ بغَيرِ إذنِهـ). ويُستَدَلُّ على عُمومِ القاعِدةِ بشِقَّيها مِنَ السُّنَّةِ: فعَن عَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا نَذرَ لابنِ آدَمَ فيما لا يَملكُ، ولا عِتقَ له فيما لا يَملكُ، ولا طَلاقَ له فيما لا يَملكُ )) [4615] أخرجه من طرق أبو داود (2190)، والترمذي (1181) واللفظ له، وابن ماجه (2047) مختصرًا. قال النووي في ((المجموع)) (9/262): حسنٌ أو صحيحٌ، وقال الترمذي، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1181): حسنٌ صحيحٌ، وحسَّنه الخطابي في ((معالم السنن)) (3/207)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (2190). . وَجهُ الدَّلالةِ: أنَّ هذه التَّصَرُّفاتِ -وهيَ النَّذرُ والعِتقُ والطَّلاقُ- إذا كانت فيما لا يَملكُ الإنسانُ غَيرُ نافِذةٍ [4616] يُنظر: ((التطبيقات الحديثية والأصولية على بلوغ المرام)) لوضاح مساعد (4/ 1418- 1419). ، والحَديثُ أيضًا يَدُلُّ بمَفهومِه على أنَّها تَنفُذُ في حالةِ المِلكِ [4617] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (6/ 26). . رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ. تَندَرِجُ تحتَ هذه القاعِدةِ بعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها: 1- مَن قال لامرَأتِه وامرَأةِ جارِه أو أيِّ امرَأةٍ أجنَبيَّةٍ عَنه: "أنتُما طالقَتانِ"، تَطلُقُ امرَأتُه وَحدَها، ولا تَطلُقُ الأجنَبيَّةُ [4618] يُنظر: ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (2/181)، ((الفروق)) للقرافي (1/75). . 2- إذا أوصى بما زادَ على الثُّلُثِ؛ فإن لَم يَكُنْ له وارِثٌ بَطَلَتِ الوصيَّةُ فيما زادَ على الثُّلُثِ عِندَ الشَّافِعيَّةِ؛ لأنَّ مالَه ميراثٌ للمُسلمينَ، ولا مُجيزَ له مِنهم، فبَطَلَت، وجازَت عِندَ الحَنَفيَّةِ. فإن كان له وارِثٌ ففيه قَولانِ عِندَ الشَّافِعيَّةِ: أحَدُهما أنَّ الوصيَّةَ تَبطُلُ بما زادَ على الثُّلُثِ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى سَعدًا رَضيَ اللهُ عنه عَنِ الوصيَّةِ بما زادَ على الثُّلُثِ [4619] لَفظُه: عَن سَعدٍ رَضيَ الله عنه قال: ((كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يَعودُني وأنا مَريضٌ بمَكَّةَ، فقُلتُ: لي مالٌ، أوصي بمالي كُلِّه؟ قال: لا. قُلتُ: فالشَّطرِ؟ قال: لا. قُلتُ: فالثُّلُثِ؟ قال: الثُّلُثُ والثُّلُثُ كَثيرٌ، أن تَدَعَ ورَثَتَكَ أغنياءَ خَيرٌ مِن أن تَدَعَهم عالةً يَتَكَفَّفونَ النَّاسَ في أيديهم، ومَهما أنفقتَ فهو لَكَ صَدَقةٌ، حَتَّى اللُّقمةَ تَرفعُها في في امرَأتِكَ، ولَعَلَّ اللَّهَ يَرفعُكَ، يَنتَفِعُ بكَ ناسٌ، ويُضَرُّ بكَ آخَرونَ)). أخرجه البخاري (5354) واللفظ له، ومسلم (1628). ، والنَّهيُ يَقتَضي الفسادَ، وليستِ الزِّيادةُ مالًا للوارِثِ، فلَم تَصِحَّ وصيَّتُه به، كما لَو أوصى بمالٍ للوارِثِ مِن غَيرِ الميراثِ. والثَّاني: أنَّها تَصِحُّ وتَقِفُ على إجازةِ الوارِثِ؛ فإن أجازَ نَفذَت، وإن رَدَّها بَطَلَت [4620] يُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (2/340)، ((روضة القضاة)) لابن السمناني (2/674)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/370)، ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (2/181). .