موسوعة القواعد الفقهية

الفرعُ الثَّالثُ: المِلكُ الثَّابتُ للوارِثِ هو المِلكُ الذي كان للمورِّثِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ: "المِلكُ الثَّابتُ للوارِثِ هو المِلكُ الذي كان للمورِّثِ" [4621] يُنظر: ((شرح السير الكبير)) للسرخسي (ص: 1962)، ((قواعد الفقهـ)) للبركتي (ص: 128). . وصيغةِ: "كُلُّ ما كان مَملوكًا للمورِّثِ، فإذا لَم يَخرُجْ بمَوتِه مِن أن يَكونَ مَملوكًا للمورِّثِ يَصيرُ مَملوكًا لوارِثِه" [4622] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (5/130). ، وصيغةِ: "‌الوِراثةُ ‌خِلافةٌ" [4623] يُنظر: ((المبسوط)) (27/ 181)، ((شرح السير الكبير)) (ص: 1962) كلاهما للسرخسي. ، وصيغةِ: "الوِراثةُ ‌ِخِلافةٌ في المِلْكِ" [4624] يُنظر: ((تقويم النظر)) لابن الدهان (3/ 219). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
كُلُّ مالٍ كان في مِلكِ المورِّثِ (الشَّخصِ المُتَوفَّى)، ولَم يَتَصَرَّفْ فيه تَصَرُّفًا يُخرِجُه مِن مِلكِه قَبلَ وفاتِه مِثلَ البَيعِ أوِ الهبةِ أوِ الوقفِ، فإنَّه يَنتَقِلُ بَعدَ وفاتِه إلى ورَثَتِه بحُكمِ الشَّرعِ، فالمِلكيَّةُ في هذه الحالةِ تَنتَقِلُ بشَكلٍ تِلقائيٍّ إلى الورَثةِ؛ لأنَّهم خُلَفاءُ المورِّثِ في مالِه [4625] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (5/130). ، وقَولُهم: "الوِراثةُ خِلافةٌ" مَعناه أن يَقومَ الوارِثُ مَقامَ المورِّثِ فيما كان مِلكًا للمورِّثِ [4626] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (27/ 181). .
ثالثًا: أدلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقُرآنِ الكَريمِ والسُّنَّةِ والإجماعِ:
1- مِنَ القُرآنِ:
قال اللهُ تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ [النساء: 11- 12] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ بَيَّنَ لَنا في هذه الآياتِ حَظَّ الورَثةِ ونَصيبَهم مِنَ المورِّثِ، فلَو لَم يَنتَقِلْ مِلكُ ذلك إلى الورَثةِ لَما كان لبَيانِ هذه المَقاديرِ مَعنًى.
2- مِنَ السُّنَّةِ:
عَن أبي هرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن تَرَكَ مالًا فلورَثَتِه، ومَن تَرَكَ كَلًّا فإلَينا)) [4627] أخرجه البخاري (2398) واللفظ له، ومسلم (1619). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الشَّرعَ قد جَعَلَ المَوتَ ميقاتًا للخِلافةِ، وعَلامةً على الوِراثةِ [4628] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (6/ 568). .
3- مِنَ الإجماعِ:
ومِمَّن نَقَلَه: تَقيُّ الدِّينِ الحِصنيُّ [4629] قال: (لا يَدخُلُ في مِلكِ الإنسانِ شَيءٌ بغَيرِ اختيارِه إلَّا في صورٍ مِنها: الإرثُ بالاتِّفاقِ...). ((القواعد)) (4/ 186). ، وابنُ نُجَيمٍ [4630] قال: (لا يَدخُلُ في مِلكِ الإنسانِ شَيءٌ بغَيرِ اختيارِه إلَّا الإرثُ اتِّفاقًا). ((الأشباه والنظائر)) (ص: 299). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- إذا ماتَ شَخصٌ عَن أرضٍ أو مَزرَعةٍ أو عِمارةٍ يَملكُها فبمَوتِه تَنتَقِلُ مِلكيَّتُها إلى الورَثةِ بَعدَه تِلقائيًّا، لَكِن إذا ماتَ هذا المورِّثُ وعليه دَينٌ مُستَغرِقٌ لقيمةِ الأرضِ أوِ المَزرَعةِ أوِ العِمارةِ، فإنَّ الورَثةَ لا يَرِثونَ شَيئًا؛ لأنَّ الدَّائِنينَ أحَقُّ بقيمةِ الأرضِ أوِ المَزرَعةِ أوِ العِمارةِ مِنَ الورَثةِ؛ لأنَّ الورَثةَ لا يَرِثونَ إلَّا ما زادَ عَنِ الدَّينِ أوِ الوصيَّةِ [4631] يُنظر: ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (8/544). .
2- حَقُّ الشُّفعَةِ [4632] الشُّفعَة: هيَ: انتِزاعُ الإنسانِ حِصَّةَ شَريكِه مِن مُشتَريها بمِثلِ ثَمَنِها. يُنظر: ((الكافي)) لابن قدامة (2/232). مَوروثٌ عِندَ المالكيَّةِ والحَنابلةِ لا يُبطِلُه المَوتُ، فإذا وجَبَ لإنسانٍ وماتَ قَبلَ عِلمِه، أو عَلمَ وماتَ قَبلَ التَّمَكُّنِ مِن أخذِه، فإنَّه يَنتَقِلُ إلى ورَثَتِه [4633] يُنظر: ((عيون المسائل)) للقاضي عبد الوهاب (ص: 583). .
خامسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
القاعِدةُ العامَّةُ "أُصولُ الشَّرعِ تَقتَضي ألَّا يَخرُجَ مِلكُ إنسانٍ بغَيرِ اختيارِه" [4634] يُنظر: ((شرح التلقين)) للمازري (3/ 2/ 318)، ((القواعد)) للحصني (4/ 186). ، وقاعِدَتُنا: "المِلكُ الثَّابتُ للوارِثِ هو المِلكُ الذي كان للمورِّثِ" استِثناءٌ لحالةِ الإرثِ في خُروجِها مِن مِلكِ الإنسانِ إذا ماتَ بغَيرِ اختيارِه [4635] يُنظر: ((القواعد)) للحصني (4/ 186). ، فقد خَرَجَت حالةُ الإرثِ عَن هذا الأصلِ؛ لأنَّ المِلكَ يَثبُتُ للوارِثِ فيما تَرَكَه مورِّثُه [4636] يُنظر: ((الملكية في الشريعة)) للخفيف (ص: 327). .

انظر أيضا: