موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: مُؤَناتُ المِلكِ على المالكِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "مُؤَناتُ المِلكِ على المالكِ" [4701] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/151). ، وصيغةِ: "مُؤنةُ المِلكِ على المالكِ" [4702] يُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (7/462). ، وصيغةِ: "المُؤنةُ تَلحَقُ المالكَ" [4703] يُنظر: ((العناية)) للبابرتي (8/491). ، وصيغةِ: "مُؤنةُ المِلكِ تَجِبُ على المالكِ" [4704] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (3/ 46). ، وصيغةِ: "إيجابُ نَفقةِ المِلكِ على المالكِ" [4705] يُنظر: ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (2/ 169). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
التَّكاليفُ والأعباءُ الماليَّةُ أوِ المادِّيَّةُ المُتَعَلِّقةُ بحِفظِ الشَّيءِ المَملوكِ وصيانَتِه واستِغلالِه تَكونُ على عاتِقِ مالكِه، فالمالكُ هو المَسؤولُ عَن تَحَمُّلِ جَميعِ النَّفقاتِ التي تَتَطَلَّبُها صيانةُ مِلكِه أوِ الحِفاظُ عليه؛ لأنَّ المِلكيَّةَ تَعني حَقَّ الانتِفاعِ بالشَّيءِ، وتَحَمُّلَ مَسؤوليَّاتِه في آنٍ واحِدٍ [4706] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/151)، ((العناية)) للبابرتي (8/491)، ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (7/462). .
ثالثًا: أدلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالإجماعِ والقَواعِدِ:
1- مِنَ الإجماعِ:
ومِمَّن نَقَلَ الإجماعَ على هذه القاعِدةِ: الخَطيبُ الشِّربينيُّ، والرَّمليُّ [4707] قالا: (كونُ ‌المُؤنةِ على ‌المالِكِ مُجمَعٌ عليه، إلَّا ما حُكِيَ عن الحَسَنِ البَصريِّ). يُنظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/ 72)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (4/ 279). .
2- مِنَ القواعِدِ:
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بقاعِدةِ: (الغُنمُ بالغُرمِ).
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تحتَ هذه القاعِدةِ بعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- تَطيينُ الدَّارِ، وإصلاحُ ميزابِها، وما وَهَى مِن بنائِها يَكونُ على رَبِّ الدَّارِ دونَ المُستَأجِرِ؛ لأنَّ الدَّارَ مِلكُه، وإصلاحُ المِلكِ على المالكِ، لَكِن لا يُجبَرُ على ذلك؛ لأنَّ المالكَ لا يُجبَرُ على إصلاحِ مِلكِه، وللمُستَأجِرِ أن يَخرُجَ إن لَم يَعمَلِ المُؤاجِرُ ذلك؛ لأنَّه عَيبٌ بالمَعقودِ عليه، والمالكُ لا يُجبَرُ على إزالةِ العَيبِ عَن مِلكِه، وللمُستَأجِرِ أن لا يَرضى بالعَيبِ [4708] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (4/208)، ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (7/493). .
2- نَفقةُ الرَّهنِ على الرَّاهنِ لا على المُرتَهنِ، والأصلُ أنَّ ما كان مِن حُقوقِ المِلكِ فهو على الرَّاهنِ؛ لأنَّ المِلكَ له، وما كان مِن حُقوقِ اليَدِ فهو على المُرتَهنِ؛ لأنَّ اليَدَ له، فإذا عُرِف هذا فالرَّهنُ إذا كان دابَّةً فالعَلَفُ وأُجرةُ الرَّاعي عليه، وإن كان بُستانًا فسَقيُه وتَلقيحُ نَخله وجِدادُه والقيامُ بمَصالحِه عليه؛ لأنَّ هذه الأشياءَ مِن حُقوقِ المِلكِ، ومُؤَناتُ المِلكِ على المالكِ، والمِلكُ للرَّاهنِ، فكانتِ المُؤنةُ عليه [4709] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/151). .
3- مُؤنةُ رَدِّ الوديعةِ على مالكِها، فإن أحَبَّ أخذَ ماله أرسَلَ مَن يَأخُذُه أو جاءَ هو في طَلَبه، وإنَّما كانت مُؤنةُ الرَّدِّ على مالكِ الوديعةِ؛ لأنَّ مَنفعةَ القَبضِ حاصِلةٌ له؛ لأنَّه يَحفظُ العَينَ، ومَنفعَتُه عائِدةٌ إليه [4710] يُنظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (4/365)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (7/284)، ((الفتاوى الهندية)) (4/362). .
4- إذا أنفقَ على اللُّقَطةِ بغَيرِ أمرِ القاضي فهو مُتَطَوِّعٌ، وإن أنفقَ بأمرِ القاضي فذلك دَينٌ على صاحِبها إذا جاءَ، ولَه أن يَحبسَها بالنَّفقةِ إذا حَضَرَ صاحِبُها؛ لأنَّ مُؤنةَ المِلكِ على المالكِ [4711] يُنظر: ((مختصر اختلاف العلماء)) للجصاص (4/349)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (4/93)، ((المغني)) لابن قدامة (8/340). .
خامسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استثناءٌ:
يُستَثنى مِن هذه القاعِدةِ بَعضُ المَسائِل، ومِنها: نَفقةُ نَصيبِ زَكاةِ الفُقَراءِ، فهيَ على المُزَكِّي.
قال العِزُّ بنُ عَبدِ السَّلامِ: (إذا قُلنا بمِلكِ الفُقَراءِ الزَّكاةَ بحَولِ الحَولِ فنَفقةُ نَصيبِهم على المُزَكِّي، وهذا مُستَثنًى مِن إيجابِ نَفقةِ المِلكِ على المالكِ، وللمالكِ إبدالُ ما مَلَكوه مِنَ الزَّكاةِ بمِثلِه أو أفضَلَ مِنه، وهذا مُستَثنًى مِنَ التَّصَرُّفِ في المِلكِ بغَيرِ إذنِ المالكِ، لَكِنَّه جازَ رِفقًا بأربابِ الأموالِ فيما لا ضَرَرَ فيه على الفُقَراءِ؛ إذ لا يَجوزُ إبدالُه إلَّا بمِثلِه وأفضَلَ مِنهـ) [4712] ((قواعد الأحكام)) (2/169). .

انظر أيضا: