الفرعُ الأوَّلُ: مُؤنةُ المِلكِ على قَدرِ المِلكِ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ. استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "مُؤنةُ المِلكِ على قَدرِ المِلكِ"
[4713] يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/ 169). ويُنظر أيضًا: ((شرح أدب القاضي للخصاف)) للصدر الشهيد (4/ 107). وعبارتُه: (مَؤونةٌ لَحِقَتهم بسَبَبِ المِلكِ، فتتقَدَّرُ بقَدرِ المِلكِ). ، وصيغةِ: "مُؤَنُ المالِ المُشتَرَكِ يَجِبُ تَقسيطُها على قَدرِ المِلكِ دونَ المُلَّاكِ"
[4714] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (16/249). ويُنظر أيضًا: ((المهذب)) للشيرازي (3/ 405). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ. الأعباءُ والتَّكاليفُ المُتَعَلِّقةُ بصيانةِ الشَّيءِ المَملوكِ أو حِفظِه أوِ الغَراماتِ الثَّابتةِ عليه تَكونُ مُتَناسِبةً مَعَ مِقدارِ هذا المِلكِ، فالشَّيءُ إذا كان مَملوكًا لأكثَرَ مِن شَخصٍ بنِسَبٍ مُختَلفةٍ، فمُؤنَتُه لا توزَّعُ بالتَّساوي بَينَ الجَميعِ، وإنَّما تَكونُ بقَدرِ المِلكيَّةِ؛ لأنَّ التَّكاليفَ والمَسؤوليَّاتِ تابعةٌ لحَجمِ المَنفعةِ التي يَحصُلُ عليها المالكُ، وهذه القاعِدةُ تُبرِزُ عَدالةَ الشَّريعةِ الإسلاميَّةِ في تَوزيعِ الأعباءِ على حَسَبِ المِلكيَّةِ، بحَيثُ يَتَحَمَّلُ كُلُّ شَخصٍ مَسؤوليَّةً تَتَناسَبُ مَعَ مِقدارِ ما يَملكُ
[4715] يُنظر: ((الجامع لعلوم الإمام أحمد)) (9/583،582)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (16/249)، ((البيان)) للعمراني (7/155)، ((الممتع في شرح المقنع)) لابن المنجي (3/72)، ((كفاية النبيه في شرح التنبيهـ)) لابن الرفعة (11/61،60)، ((الفتاوى الهندية)) (4/258). .
ثالثًا: أدلَّةُ القاعِدةِ. يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقَواعِدِ والمَعقولِ:
1- مِنَ القواعِدِ: يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بقاعِدةِ: (الغُنمُ بالغُرمِ).
2- مِنَ المعقولِ: وهو أنَّه قد يَقِلُّ سَهمُ أحَدِ الشَّريكَينِ حَتَّى إنَّه قد يَكونُ سَهمًا مِن مِائةِ سَهمٍ، فلَو التَزَمَ نِصفَ الأُجرةِ باعتِبارِ العَدَدِ لا باعتِبارِ قَدرِ مِلكِه لَجازَ أن تَستَوعِبَ قيمةَ مِلكِه، فيُؤَدِّي ذلك إلى إزالةِ مِلكِه، وهذا مَدفوعٌ عَقلًا
[4716] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (16/249). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ. مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- إذا كان هناكَ شُرَكاءُ وباعَ أحَدُهم نَصيبَه لآخَرَ، وأرادَ بَقيَّةُ الشُّرَكاءِ نَصيبَه وطَلَبوه بالشُّفعةِ
[4717] الشُّفعَة هيَ: انتِزاعُ الإنسانِ حِصَّةَ شَريكِه مِن مُشتَريها بمِثلِ ثَمَنِها. يُنظر: ((الكافي)) لابن قدامة (2/232). فإنَّه يُقضى لَهم به ويُقسَمُ بَينَهم على قدرِ أنصِبائِهم وليس على الرُّؤوسِ؛ لأنَّ الشُّفعةَ جُعِلَت لطالِبِها باستِحقاقِ المِلكِ على قَدرِ المِلكِ، ولأنَّ ذلك حَقٌّ يُستَفادُ بسَبَبِ المِلكِ، فكان على قدرِ الأملاكِ
[4718] يُنظر: ((الجامع لعلوم الإمام أحمد)) (9/583،582)، ((البيان)) للعمراني (7/155)، ((الممتع)) لابن المنجي (3/72). .
2- إذا استَأجَرَ المُقتَسِمونَ القاسِمَ بأُجرةٍ واحِدةٍ مُسَمَّاةٍ فهذا جائِزٌ وهو أولى؛ لتَنتَفيَ التُّهمةُ عَنهم في التَّفضيلِ والمُمايَلةِ، وتَكونُ الأُجرةُ مُقَسَّطةً بَينَهم عِندَ الشَّافِعيِّ على قدرِ الأنصِباءِ والسِّهامِ، ولا يُقَسَّطُ على أعدادِ الرُّؤوسِ
[4719] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (16/249،248)، ((كفاية النبيه في شرح التنبيهـ)) لابن الرفعة (11/61،60). .
3- لَو غَرِمَ سُلطانُ أهلِ قَريةٍ غَرامةً فأرادوا قِسمةَ هذه الغَرامةِ، فإن كانتِ الغَرامةُ لتَحصينِ أملاكِهم يُقسَمُ ذلك على قدرِ الأملاكِ؛ لأنَّها مُؤنةُ المِلكِ، فتُقدَّرُ بقَدرِ المِلكِ، وإن كانتِ الغَرامةُ لتَحصينِ الأبدانِ يُقسَمُ ذلك على عَدَدِ الرُّؤوسِ؛ لأنَّها مُؤنةُ الرُّؤوسِ، ولا شَيءَ على النِّسوانِ والصِّبيانِ في ذلك؛ لأنَّه لا يُتَعَرَّضُ لَهم
[4720] يُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (7/341). .
4- لَو أنَّ نَهرًا بَينَ قَومٍ فاصطَلَحوا على تَحصينِه أو وضعِ قَنطَرةٍ عليه، فتَكونُ النَّفقةُ عليهم بحَسَبِ حِصَصِهم ومِقدارِ نَصيبِ كُلِّ واحِدٍ مِنهم مِن هذا النَّهرِ
[4721] يُنظر: ((الفتاوى الهندية)) (4/258). .
خامسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ. استثناءٌ: قال القَرافيُّ: (قال العَبديُّ: سِتُّ مَسائِلَ تَختَصُّ بالرُّؤوسِ دونَ الأنصِباءِ: الصَّيدُ لا تُعتَبَرُ فيه كَثرةُ الكِلابِ، وأُجرةُ القاسِمِ، وكَنسُ المَراحِضِ، وحِراسةُ أعدالِ المَتاعِ وبُيوتِ الغَلَّاتِ، وأُجرةُ السَّقيِ على المَشهورِ، وحِراسةُ الدَّابَّةِ، وأربَعُ مَسائِلَ تُعتَبَرُ فيها الأنصِباءُ: الشُّفعةُ، وزَكاةُ الفِطرِ عَنِ العَبدِ المُشتَرَكِ، والتَّقويمُ في العِتقِ، وكَنسُ السَّواقي)
[4722] يُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (4/174). .
انظر أيضا:
عرض الهوامش