موسوعة القواعد الفقهية

الفرعُ الثَّالثُ: الإنسانُ لا يُجبَرُ على إصلاحِ مِلكِه


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الإنسانُ لا يُجبَرُ على إصلاحِ مِلكِه" [4735] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (15/144). ، وصيغةِ: "المالكُ لا يُجبَرُ على إصلاحِ مِلكِه" [4736] يُنظر: ((تحفة الفقهاء)) لعلاء الدين السمرقندي (2/351)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (4/208). ، وصيغةِ: "الشَّخصُ لا يُجبَرُ على إصلاحِ مِلكِه" [4737] يُنظر: ((شرح الخرشي على مختصر خليل)) (7/ 52). ، وصيغةِ: "إجبارُ المالكِ على إصلاحِ مِلكِه ليَنتَفِعَ به مَن له حَقٌّ مُتَعَلِّقٌ به يَحتاجُ إلى دَليلٍ" [4738] يُنظر: ((السيل الجرار)) للشوكاني (ص: 604). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
الشَّريعةُ الإسلاميَّةُ تَمنَحُ المالكَ حُرِّيَّةَ التَّصَرُّفِ في مِلكِه ضِمنَ الضَّوابطِ الشَّرعيَّةِ، ومِن ذلك أنَّ المالكَ له الخيارُ في إصلاحِ مِلكِه أو تَركِه كما هو، فلا يُفرَضُ على المالكِ شَرعًا إصلاحُ مِلكِه [4739] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (15/144)، ((تحفة الفقهاء)) لعلاء الدين السمرقندي (2/351)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (4/208). .
ثالثًا: أدلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالمَعقولِ:
وذلك أنَّ المالكَ إذا رَغِبَ عَن مِلكِه وتَرَكَه، كان ذلك له، فمِن بابِ أولى أن لا يُجبَرَ على ذلك [4740] يُنظر: ((السيل الجرار)) للشوكاني (ص: 604). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تحتَ هذه القاعِدةِ بعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- لَو أبى أحَدُ الشَّريكَينِ عِمارةَ الدَّارِ مَعَ شَريكِه فإنَّه لا يُجبَرُ على إصلاحِ مِلكِه [4741] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم ومعه ((غمز عيون البصائر)) للحموي (2/325،324). .
2- إذا استَأجَرَ شَخصٌ شقَّةً فانهَدَمَ حائِطٌ مِنها أو حَصَلَ خَلَلٌ في إحدى غُرَفِها، فللمُستَأجِرِ الخيارُ، فإن أصلَحَ المُؤَجِّرُ الخَلَلَ كما كان فلا خيارَ للمُستَأجِرِ، ولا يُجبَرُ المالكُ على مُعالَجةِ الخَلَلِ؛ لأنَّ المالكَ لا يُجبَرُ على إصلاحِ مِلكِه، وللمُستَأجِرِ أن يَخرُجَ إذا بَقيَ الخَلَلُ [4742] يُنظر نحوه: (فللمُستَأجِرِ الخيارُ، فإن بَنى المُؤَجِّرُ ما سَقَطَ فلا خيارَ للمُستَأجِرِ؛ لأنَّ العَيبَ زالَ، وتَطيينُ الدَّارِ وإصلاحُ مَيازيبِها وما وهَنَ مِن بنائِها على مالكِها دونَ المُستَأجِرِ، ولا يُجبَرُ على ذلك؛ لأنَّ المالكَ لا يُجبَرُ على إصلاحِ مِلكِه، وللمُستَأجِرِ أن يَخرُجَ إذا لَم يُصلحِ المُؤَجِّرُ ذلك). ((الجوهرة النيرة)) للحدادي (1/ 273). .
خامسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استثناءاتٌ:
1- يُجبَرُ الإنسانُ على إصلاحِ مِلكِه إذا تَعَلَّقَ الضَّرَرُ بغَيرِه:
ومِثالُ ذلك: إذا كان حائِطٌ مُشتَرَكٌ أو سورٌ بَينَ رَجُلَينِ، فانهَدَمَ، فأرادَ أحَدُهما بناءَه مَعَ صاحِبه وامتَنَعَ الآخَرُ مِن ذلك، فقد قيلَ بأنَّه يُؤمَرُ بالبُنيانِ مَعَ شَريكِه ويُجبَرُ على ذلك [4743] يُنظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (5/ 150). . ومِثلُه أيضًا: السُّورُ الخارِجيُّ للبَيتِ أوِ الحائِطُ الخارِجيُّ له إذا خيف سُقوطُه على المارِّينَ في الشَّارِعِ، فإنَّه يُجبَرُ على ما يُزيلُ هذا الضَّرَرَ المُتَوقَّعَ [4744] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (7/ 46). ونَصُّ عِبارةِ ابنِ قُدامةَ: (يُخافُ سُقوطُ حائِطِه على ما يُتلفُه، فيُجبَرُ على ما يُزيلُ ذلك؛ ولهذا يُجبَرُ عليهـ). .
2- يُجبَرُ مالكُ الحَيَوانِ الذي حَبَسَه ولَم يُطعِمْه أو يَبِعْه أو يُسَيِّبْه، على إصلاحِ حالِه والإحسانِ إلَيه؛ لأنَّها ذاتُ روحٍ مُحتَرَمٍ، فيَجِبُ حِفظُه كالآدَميِّ [4745] يُنظر: ((نيل الأوطار)) للشوكاني (12/ 682). .
3- يُجبَرُ على إصلاحِ العَيبِ فيما يَملكُه في عُقودِ المُعاوضاتِ:
قال السَّرَخسيُّ: (الإنسانُ لا يُجبَرُ على إصلاحِ مِلكِه، ولَكِنَّ العَيبَ في عُقودِ المُعاوضاتِ يُثبتُ للعاقِدِ حَقَّ الفسخِ فيما يُعتَمَدُ لُزومُه تَمامَ الرِّضا) [4746] ((المبسوط)) (15/ 144). .
4- إذا امتَنَعَ الرَّاهنُ عَنِ الإنفاقِ على العَينِ المَرهونةِ: فإنَّه لا يُجبَرُ على الإنفاقِ عليها؛ لأنَّ الإنسانَ لا يُجبَرُ على الإنفاقِ على مِلكِه، ولَكِن لَمَّا تَعَلَّقَ حَقُّ المُرتَهنِ بماليَّتِها وحُبسَ عَينُها؛ فإنَّه لا يُمكِنُ ذلك بدونِ الإنفاقِ عليها لتَبقى عَينُها، فإنَّ الحاكِمَ يَأذَنُ للمُرتَهنِ بالإنفاقِ عليها ليَكونَ ما يُنفِقُه دَينًا على الرَّاهنِ [4747] يُنظر: ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 195). .
تنبيهٌ:
لا يَلزَمُ مِن نَفيِ إجبارِ المالكِ على إصلاحِ مِلكِه نَفيُ وُجوبِ ذلك عليه [4748] يُنظر: ((غمز عيون البصائر)) للحموي (3/ 137). .

انظر أيضا: