الفرعُ السَّابعُ: لا ضَمانَ على مُتَبَرِّعٍ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "لا ضَمانَ على مُتَبَرِّعٍ"
[3944] يُنظر: ((فتح القدير)) لابن الهمام (3/313). ، وصيغةِ: "التَّبَرُّعُ لا يوجِبُ الضَّمانَ على المُتَبَرِّعِ"
[3945] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (6/65). ، وصيغةِ: "التَّبَرُّعُ لا يوجِبُ ضَمانًا على المُتَبَرِّعِ للمُتَبَرَّعِ عليه"
[3946] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (11/109). ، وصيغةِ: "التَّبَرُّعُ يَنفي وُجوبَ الضَّمانِ على المُتَبَرِّعِ"
[3947] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (22/136). ، وصيغةِ: "التَّبَرُّعُ لا يوجِبُ ضَمانَ حَقٍّ"
[3948] يُنظر: ((البناية)) للعيني (10/106). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.للتَّبَرُّعِ صُوَرٌ مُتَعَدِّدةٌ، كالهبةِ والصَّدَقةِ وغَيرِ ذلك، وتَختَلفُ عُقودُ التَّبَرُّعاتِ عن عُقودِ المُعاوَضاتِ، فلَمَّا كان التَّبَرُّعُ لا مُعاوضةَ فيه، وكانتِ الشَّريعةُ تَحُثُّ المُكَلَّفَ على التَّبَرُّعِ، لَم توجِبْ فيه الضَّمانَ، فلا ضَمانَ على المُتَبَرِّعِ، فلَو ظَهَرَ بالمُتَبَرَّعِ به عَيبٌ، أو تَبَرَّع بحَملِ شَيءٍ فتَلِفَ دونَ تَفريطٍ أو تَعَدٍّ أو غَيرِ ذلك مِنَ الصُّورِ، فلا ضَمانَ فيها على المُتَبَرِّعِ؛ لأنَّه مُحسِنٌ بتَبَرُّعِه مُتَفضِّلٌ به، وتُعتَبَرُ هذه القاعِدةُ مُكَمِّلةً لقاعِدةِ (الأصلُ عَدَمُ الضَّمانِ)
[3949] يُنظر: (((المبسوط)) للسرخسي (6/65) و (22/136)، ((البناية)) للعيني (10/106)، ((فتح القدير)) لابن الهمام (3/313). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقُرآنِ، ومِن ذلك:
قَولُ اللهِ تعالى:
مَا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ [التوبة: 91] .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ الآيةَ عامَّةٌ في أنَّه لا يَنبَغي مُؤاخَذةُ المُحسِنِ ومُعاقَبَتُه؛ فإنَّه بإحسانِه فيما عليه مِن حُقوقِ اللهِ وحُقوقِ العِبادِ أسقَطَ تَوجُّهَ اللَّومِ عليه، وإذا أحسَنَ العَبدُ فيما يَقدِرُ عليه سَقَطَ عنه ما لا يَقدِرُ عليه. والمُتَبَرِّعُ مُحسِنٌ، فلا ضَمانَ عليه
[3950] يُنظر: ((أحكام القرآن)) للجصاص (4/352)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 477)، ((تفسير السعدي)) (ص: 348). .
قال السَّعديُّ: (يُستَدَلُّ بهذه الآيةِ على قاعِدةٍ، وهيَ: أنَّ مَن أحسَنَ على غَيرِه في نَفسِه أو في مالِه ونَحوِ ذلك، ثُمَّ تَرَتَّبَ على إحسانِه نَقصٌ أو تَلَفٌ، أنَّه غَيرُ ضامِنٍ؛ لأنَّه مُحسِنٌ، ولا سَبيلَ على المُحسِنينَ، كما أنَّه يَدُلُّ على أنَّ غَيرَ المُحسِنِ -وهو المُسيءُ- كالمُفرِّطِ، أنَّ عليه الضَّمانَ)
[3951] ((تفسير السعدي)) (ص: 348). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- لا يَضمَنُ المودَعُ الوديعةَ إذا تَلِفَت عِندَه بسَرِقةٍ أو نَحوِها؛ لأنَّ المودَعَ مُتَبَرِّعٌ في حِفظِها لصاحِبِها، والتَّبَرُّعُ لا يوجِبُ ضَمانًا على المُتَبَرِّعِ للمُتَبَرَّعِ عليه، فكان هَلاكُها في يَدِه كهَلاكِها في يَدِ صاحِبِها، وهو مَعنى قَولِ الفُقَهاءِ: يَدُ المودَعِ كَيدِ المودِعِ
[3952] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (11/109)، ((البناية)) للعيني (10/106). .
2- مَن أخبَرَ إنسانًا أنَّ هذا الطَّريقَ آمِنٌ وسَلَكَ فيه فأخَذَ اللُّصوصُ مَتاعَه لَم يُطالَبِ المُخبرُ بشَيءٍ؛ لأنَّ مُجَرَّدَ الإخبارِ بسُلوكِ هذا الطَّريقِ لا يَعني ضَمانَ سَلامَتِه
[3953] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (17/178). .
3- الأوصياءُ على أموالِ اليَتامى والغائِبينَ والمَجانينِ جَميعُ ذلك لا ضَمانَ فيه
[3954] يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (2/ 208). ، وذلك إذا وقَعَ دونَ تَعَدٍّ أو تَقصيرٍ؛ لكَونِهم مُتَبَرِّعينَ، ولا ضَمانَ على مُتَبَرِّعٍ
[3955] يُنظر: ((القواعد الفقهية الناظمة لإسقاط الضمان)) للروسان (ص: 90). .
4- ما يَقَعُ مِن قِبَلِ أصحابِ العَمَلِ التَّطَوُّعيِّ مِن إتلافِ الأموالِ مِن غَيرِ تَعَدٍّ أو تَقصيرٍ فلا ضَمانَ عليهم؛ لأنَّه لا ضَمانَ على مُتَبَرِّعٍ
[3956] يُنظر: ((القواعد الفقهية الناظمة لإسقاط الضمان)) للروسان (ص: 90). .
5- مَن وهَبَ لغَيرِه سَيَّارةً فظَهَرَت مَعيبةً لا يَحِقُّ للمَوهوبِ له مُطالَبةُ الواهِبِ بإصلاحِها أو بدَفعِ قيمةِ العَيبِ
[3957] يُنظر: ((معلمة زايد)) (14/526). .