الفَرعُ الثَّاني عَشَرَ: الحَقُّ الذي تَدخُلُه النِّيابةُ إذا لَزِمَ في حالِ الحَياةِ لَم يَسقُطْ بالمَوتِ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: الحَقُّ الذي تَدخُلُه النِّيابةُ إذا لَزِمَ في حالِ الحَياةِ لَم يَسقُطْ بالمَوتِ
[3630] يُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (1/365). ، وصيغةِ: الحَقُّ الذي تَدخُلُه النِّيابةُ إذا استَقَرَّ في حالِ الحَياةِ وجَبَ أن لا يَسقُطَ
[3631] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (4/1644)، ((تقويم النظر)) لابن الدهان (2/179). ، وصيغةِ: الحَقُّ الذي تَدخُلُه النِّيابةُ إذا استَقَرَّ وُجوبُه في حالِ الحَياةِ، لَم يَسقُط بالمَوتِ
[3632] يُنظر: ((البيان)) للعمراني (4/51). ، وصيغةِ: الفِعلُ الذي تَدخُلُه النِّيابةُ إذا استَقَرَّ في حالِ الحَياةِ فلا يَسقُطُ بالمَوتِ
[3633] يُنظر: ((العدة)) لأبي يعلى (5/1451)، ((المسودة)) لآل تيمية (ص: 407). ، وصيغةِ: ما تَصِحُّ فيه النِّيابةُ مَعَ القُدرةِ والعَجزِ لَم يَسقُطْ بالمَوتِ
[3634] يُنظر: ((عيون الأدلة)) لابن القصار (6/164). ، وصيغةِ: ما كان لازِمًا لَم يَسقُطْ بالمَوتِ
[3635] يُنظر: ((المجموع)) للنووي (9/211). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ الحُقوقَ التي يَصِحُّ دُخولُ النِّيابةِ فيها مَعَ القُدرةِ والعَجزِ، إذا لَزِمَت واستَقَرَّ وُجوبُها في حالِ الحَياةِ، ولَم يُؤَدِّها المَيِّتُ، فإنَّها لا تَسقُطُ بالمَوتِ، ويَجِبُ قَضاؤُها عنِ المَيِّتِ مِن تَرِكَتِه، والمَعنى فيه أنَّ النِّيابةَ إذا كانت تَصِحُّ في حالِ الحَياةِ، فكَذلك بَعدَ الوفاةِ
[3636] يُنظر: ((عيون الأدلة)) لابن القصار (6/164)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/17)، ((المهذب)) للشيرازي (1/365)، ((البيان)) للعمراني (4/51). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفَرِّعةٌ مِن قاعِدةِ: (الحُقوقُ إذا تَقَرَّرَت لأربابِها لا تَسقُطُ إلَّا بما يَصِحُّ به إسقاطُها)، ووَجهُ تَفَرُّعِها عنها أنَّ الحَقَّ الذي تَدخُلُه النِّيابةُ إذا تَقَرَّرَ لُزومُه في حالِ الحَياةِ لَم يَسقُطْ عن صاحِبِه؛ لأنَّ الحُقوقَ إذا تَقَرَّرَت لأربابِها فإنَّها لا تَسقُطُ إلَّا بما يَصِحُّ به إسقاطُها، وليس المَوتُ مِمَّا يَصِحُّ به إسقاطُها؛ لأنَّها تَدخُلُها النِّيابةُ.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ:يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ، والقَواعِدِ:
1- مِنَ السُّنَّةِ:- عن بُرَيدةَ بنِ الحُصَيبِ رَضيَ اللهُ عنه، قال:
((بَينا أنا جالِسٌ عِندَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذ أتَته امرَأةٌ فقالت: إنِّي تَصَدَّقتُ على أُمِّي بجاريةٍ، وإنَّها ماتَت. فقال: وجَبَ أجرُكِ، ورَدَّها عليكِ الميراثُ. قالت: يا رَسولَ اللهِ، إنَّه كان عليها صَومُ شَهرٍ أفَأصومُ عنها؟ قال: صومي عنها. قالت: إنَّها لَم تَحُجَّ قَطُّ أفَأحُجُّ عنها؟ قال: حُجِّي عنها )) [3637] أخرجه مسلم (1149). .
- وعن عَبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما
((أنَّ امرَأةً مِن جُهَينةَ جاءَت إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالت: إنَّ أُمِّي نَذَرَت أن تَحُجَّ، فلَم تَحُجَّ حَتَّى ماتَت، أفَأحُجُّ عنها؟ قال: نَعَم، حُجِّي عنها، أرَأيتِ لَو كان على أُمِّكِ دَينٌ أكُنتِ قاضيةً؟ اقضوا اللَّهَ؛ فاللهُ أحَقُّ بالوفاءِ )) [3638] أخرجه البخاري (1852). .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَرَ بالحَجِّ عنها، والأمرُ يَقتَضي الوُجوبَ، لاسيَّما وقد شَبَّهَه بالدَّينِ الذي يَجِبُ قَضاؤُه مِن تَرِكَتِه، فمَن وجَبَ عليه الحَجُّ فلَم يَحُجَّ حَتَّى ماتَ بَعدَ التَّمَكُّنِ مِنَ الأداءِ: لَم يَسقُطِ الفَرضُ، ويَجِبُ قَضاؤُه مِن تَرِكَتِه؛ لأنَّه حَقٌّ تَدخُلُه النِّيابةُ، وقد لَزِمَه واستَقَرَّ عليه في حالِ الحَياةِ، فلَم يَسقُطْ بالمَوتِ، كَدَينِ الآدَميِّ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شَبَّهَ الحَجَّ بالدَّينِ الذي لا يَسقُطُ بالمَوتِ، فوجَبَ أن يَتَساويا في الحُكمِ، فلَمَّا كان الدَّينُ يَجِبُ قَضاؤُه إن كانت له تَرِكةٌ، ويُستَحَبُّ قَضاؤُه إذا لَم تَكُنْ له تَرِكةٌ، فكَذلك الحَجُّ
[3639] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/17)، ((المهذب)) للشيرازي (1/365)، ((العدة)) للبهاء المقدسي (ص: 179)، ((كفاية النبيهـ)) لابن الرفعة (7/63)، ((شرح عمدة الفقهـ)) لابن تيمية (4/88). .
2- مِنَ القواعِدِ:فيُستَدَلُّ لَها بالقَواعِدِ الآتيةِ:
1- القاعِدةُ الأُمُّ: (الحُقوقُ إذا تَقَرَّرَت لأربابِها لا تَسقُطُ إلَّا بما يَصِحُّ به إسقاطُها).
2- قاعِدةُ: (الأعواضُ لا تَسقُطُ بالمَوتِ).
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.مِنَ الأمثلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- مَن ماتَ بَعدَ وُجوبِ الزَّكاةِ وجَبَ أداؤُها مِن تَرِكَتِه؛ لأنَّها حَقٌّ تَدخُلُه النِّيابةُ وتَصِحُّ الوصيَّةُ به، وقد لَزِمَ وُجوبُه في حالِ الحَياةِ؛ فلَم يَسقُط بالمَوتِ، كَدُيونِ الآدَميِّينَ
[3640] يُنظر: ((كفاية النبيهـ)) لابن الرفعة (6/68). .
2- الحَجُّ الواجِبُ لا يَسقُطُ بالمَوتِ، فمَن وجَبَ عليه الحَجُّ فلَم يَحُجَّ حَتَّى ماتَ نُظِرَ: فإن ماتَ قَبلَ أن يَتَمَكَّنَ مِنَ الأداءِ سَقَطَ فرضُه، ولَم يَجِبِ القَضاءُ. وإن ماتَ بَعدَ التَّمَكُّنِ مِنَ الأداءِ لَم يَسقُطِ الفَرضُ ووجَبَ قَضاءُ الحَجِّ عنه مِن تَرِكَتِه؛ لأنَّه حَقٌّ تَدخُلُه النِّيابةُ، وقد لَزِمَه في حالِ الحَياةِ، فلَم يَسقُطْ بالمَوتِ كَدَينِ الآدَميِّ، ويَجِبُ قَضاؤُه عنه مِنَ الميقاتِ؛ لأنَّ الحَجَّ يَجِبُ مِنَ الميقاتِ، ويَجِبُ مِن رَأسِ المالِ؛ لأنَّه دَينٌ واجِبٌ، فكان مِن رَأسِ المالِ، كَدَينِ الآدَميِّ
[3641] يُنظر: ((العدة)) لأبي يعلى (5/1451)، ((المهذب)) للشيرازي (1/365)، ((حلية العلماء)) للشاشي (3/244)، ((الكافي)) لابن قدامة (1/471)، ((المجموع)) للنووي (7/109). .
3- مَن وجَبَ عليه دَينٌ لآدَميٍّ فلَم يُؤَدِّه وماتَ بَعدَ التَّمَكُّنِ مِنَ الأداءِ لَم يَسقُطْ عنه ويَجِبُ أداؤُه مِن تَرِكَتِه قَبلَ تَقسيمِ التَّرِكةِ؛ لأنَّه حَقٌّ تَصِحُّ النِّيابةُ فيه مَعَ القُدرةِ والعَجزِ، وقد لَزِمَه في حالِ الحَياةِ فلَم يَسقُطْ بالمَوتِ، ويَجِبُ مِن رَأسِ المالِ؛ لأنَّه دَينٌ واجِبٌ
[3642] يُنظر: ((عيون الأدلة)) لابن القصار (6/164)، ((المهذب)) للشيرازي (1/365). .