موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الرَّابِعُ: ظُهورُ أماراتِ الشَّيءِ هَل تُنَزَّلُ مَنزِلةَ تَحَقُّقِه؟


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "ظُهورُ أماراتِ الشَّيءِ هَل تُنَزَّلُ مَنزِلةَ تَحَقُّقِه؟" [2195] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (2/352). . وصيغةِ: "ظُهورُ أماراتِ الحاجةِ تَدُلُّ على الحاجةِ" [2196] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (7/70)، ((اللباب)) لابن عادل (4/442). . وصيغةِ: "الثَّابِتُ بظاهرِ الحالِ كالثَّابِتِ بالبَيِّنةِ حالَ عَدَمِ البَيِّنةِ" [2197] يُنظر: ((القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير)) لعلي الندوي (ص: 485). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
الأمارةُ هيَ التي يَلزَمُ مِنَ العِلمِ بها الظَّنُّ بوُجودِ المَدلولِ، كالغَيمِ بالنِّسبةِ إلى المَطَرِ، فإنَّه يَلزَمُ مِنَ العِلمِ به الظَّنُّ بوُجودِ المَطَرِ. والفَرقُ بَينَ الأمارةِ والعَلامةِ أنَّ العَلامةَ: ما لا يَنفَكُّ عنِ الشَّيءِ، كَوُجودِ الألِفِ واللَّامِ على الاسمِ، والأمارةُ: تَنفكُّ عنِ الشَّيءِ، كالغَيمِ بالنِّسبةِ للمَطَرِ.
وتُفيدُ القاعِدةُ أن ظُهورَ الأماراتِ على الحُكمِ بوُجودِ ما جُعِلَ عَلامةً عليه، هَل تُنزَّلُ مَنزِلةَ تَحَقُّقِه؟ في القاعِدةِ خِلافٌ يَظهَرُ في بَعضِ الفُروعِ [2198] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (2/352)، ((التعريفات)) للجرجاني (ص: 36)، ((الفكر السامي)) للحجوي (1/144). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِنَ القاعِدةِ الأُمِّ (المَوجودُ شَرعًا كالمَوجودِ حَقيقةً)؛ لأنَّ ظُهورَ أماراتِ الشَّيءِ كَتَحَقُّقِه؛ إذ المَوجودُ شَرعًا كالمَوجودِ حَقيقةً.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقُرآنِ والقَواعِدِ:
1- مِنَ القُرآنِ:
- قال اللهُ تعالى: فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة: 10] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللَّهَ تعالى أنزَلَ ظُهورَ الأماراتِ مَنزِلةَ العِلمِ؛ فقَولُه تعالى: فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ أي: العِلمَ الذي تَبلُغُه طاقَتُكُم، وهو الظَّنُّ الغالِبُ بالحَلِفِ وظُهورِ الأماراتِ، وسَمَّاه عِلمًا ليُعلَمَ أنَّ الظَّنَّ الغالِبَ في مِثلِ هذا المَقامِ كالعِلمِ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ولا تَرُدُّوهنَّ إلى أزواجِهنَّ المُشرِكينَ [2199] يُنظر: ((عمدة القاري)) للعيني (13/291)، ((تفسير الإيجي)) (4/302). .
- وقال اللهُ تعالى: وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ [الأنفال: 58] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللَّهَ تعالى أباحَ النَّبْذَ عِندَ ظُهورِ أماراتِ الخيانةِ [2200] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (29/141). .
2- مِنَ القَواعِدِ:
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ (المَوجودُ شَرعًا كالمَوجودِ حَقيقةً).
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- إذا ظَهَرَت أماراتُ الإفلاسِ فهَل يُحجَرُ عليه؟ إن لم يَكُنْ كَسوبًا، وهو يُنفِقُ مِن مالِه أو لم يَفِ كَسْبُه بنَفقَتِه، فوجهانِ عِندَ الشَّافِعيَّةِ، أصَحُّهما عِندَ العِراقيِّينَ: أنَّه لا يُحجَرُ عليه؛ لأنَّ الوفاءَ حاصِلٌ، وهم يَتَمَكَّنونَ مِنَ المُطالَبةِ في الحالِ، وقيلَ: يُحجَرُ عليه [2201] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (2/352). وينظر أيضًا: ((الفقه الإسلامي)) لوهبة الزحيلي (6/4500). .
2- إنِ ارتابَتِ المَرأةُ المُتَوفَّى عنها زَوجُها لظُهورِ أماراتِ الحَملِ، مِنَ الحَرَكةِ، وانتِفاخِ البَطنِ، وانقِطاعِ الحَيضِ قَبلَ أن تُنكَحَ، لم تَزَلْ في عِدَّتِها حتَّى تَزولَ الرِّيبةُ، وإن تَزَوَّجَت قَبلَ زَوالِها لم يَصِحَّ النِّكاحُ [2202] يُنظر: ((المقنع)) لابن قدامة (ص: 377)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (24/35)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (8/545). .
3- إذا بَدَت تَباشيرُ الهِدايةِ على الكافِرِ، فابتَدَرَ فاغتَسَلَ ثُمَّ أقبَلَ وأسلَمَ في الحالِ، وقُلنا: لا يَصِحُّ غُسلُه في حالِ كُفرِه، صَحَّ هنا على أحَدِ الاحتِمالَينِ [2203] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (2/353). .

انظر أيضا: