موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الثَّالِثُ: المَقاصِدُ مِنَ الأعيانِ في العُقودِ إذا كانت مُتَعَيِّنةً استَغنَت عَمَّا يُعَيِّنُها


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "المَقاصِدُ مِنَ الأعيانِ في العُقودِ إذا كانت مُتَعَيِّنةً استَغنَت عَمَّا يُعَيِّنُها" [2189] يُنظر: ((الذخيرة)) (1/243)، ((الأمنية)) (ص: 22) كلاهما للقرافي. .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
استُعمِلَت هذه القاعِدةُ عِندَ المالِكيَّةِ، وهيَ تُفيدُ أنَّ العُقودَ لمَّا كانت أسبابًا لتَحصيلِ المَقاصِدِ مِنَ الأعيانِ، فالأصلُ تَرتيبُ المُسَبَّباتِ على أسبابِها، لكِنَّ المَقاصِدَ مِنَ الأعيانِ في العُقودِ إذا كانت مُتَعَيِّنةً فإنَّها تَستَغني عَمَّا يُعَيِّنُها بناءً على تَعَيُّنِها في أعرافِ النَّاسِ في تَعامُلاتِهم بهذه العُقودِ [2190] يُنظر: ((الذخيرة)) (1/243) و(5/20)، ((الفروق)) (3/269)، ((الأمنية)) (ص: 22) جميعها للقرافي، ((المختصر الفقهي)) لابن عرفة (6/119). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِنَ القاعِدةِ الأُمِّ (المَوجودُ شَرعًا كالمَوجودِ حَقيقةً)، ووَجهُ تَفرُّعِها عنها أنَّ مَقاصِدَ العُقودِ إذا كانت مُتَعَيِّنةً فهيَ كالمَوجودِ شَرعًا، فاستَغنَت عَمَّا يُعَيِّنُها؛ لأنَّ المَوجودَ شَرعًا كالمَوجودِ حِسًّا.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ (المَوجودُ شَرعًا كالمَوجودِ حَقيقةً).
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- مِن فرائِضِ الصَّلاةِ نيَّةُ الصَّلاةِ المُعَيَّنةِ، والنِّيَّةُ الكامِلةُ هيَ المُتَعَلِّقةُ بأربَعةِ أشياءَ: تَعيينُ الصَّلاةِ، والتَّقَرُّبُ بها، ووُجوبُها، وآدابُها. واستِشعارُ الإيمانِ يُعتَبَرُ في ذلك كُلِّه، فهذه هيَ النِّيَّةُ الكامِلةُ، فإن سَها عنِ الإيمانِ أو وُجوبِ الصَّلاةِ أو كَونِها أداءً أوِ التَّقَرُّبِ بها، لم تَفسُدْ إذا عَيَّنَها؛ لاشتِمالِ التَّعيينِ على ذلك [2191] يُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/135)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/515)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (42/76). .
2- النَّوافِلُ على قِسمَينِ: مُقَيَّدةٌ ومُطلَقةٌ. فالمُقَيَّدةُ: السُّنَنُ الخَمسُ، وهيَ: العِيدانِ والكُسوفُ والاستِسقاءُ والوِترُ ورَكعَتا الفجرِ، فهذه مُقَيَّدةٌ إمَّا بأسبابِها أو بأزمانِها، فلا بُدَّ فيها مِن نيَّةِ التَّعيينِ، فمَنِ افتَتَحَ الصَّلاةَ مِن حَيثُ الجُملةُ ثُمَّ أرادَ رَدَّها إلى هذه لم يَجُزْ.
والمُطلَقةُ: ما عَدا هذه، فتَكفي فيها نيَّةُ الصَّلاةِ؛ فإن كان في ليلٍ فهو قيامُ اللَّيلِ، أو في قيامِ رَمَضانَ، أو كان مِنه أوَّلَ النَّهارِ فهو الضُّحى، أو عِندَ دُخولِ مَسجِدٍ فهو تَحيَّةٌ، وكذلك سائِرُ العِباداتِ مِن حَجٍّ أو صَومٍ أو عُمرةٍ، لا يُفتَقَرُ إلى التَّعيينِ في مُطلَقِه، بَل يَكفي فيه أصلُ العِبادةِ [2192] يُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/138)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/515)، ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (1/505). .
3- مَنِ استَأجَرَ بِساطًا أو قَميصًا أو عِمامةً لم يحتَجْ إلى تَعيينِ المَنفَعةِ في العَقدِ؛ لانصِرافِ هذه الأشياءِ بصُوَرِها إلى مَقاصِدِها عادةً، فالأعيانُ المُستَأجَرةُ إذا كانتِ المَنافِعُ المَقصودةُ فيها مُتَعَيِّنةً لم تَحتَجْ إلى تَعيينٍ؛ لأنَّ المَقاصِدَ مِنَ الأعيانِ في العُقودِ إذا كانت مُتَعَيِّنةً استَغنَت عَمَّا يُعَيِّنُها، وإن كانتِ العَينُ مُتَرَدِّدةً بَينَ مَنفعَتَينِ -كالدَّابَّةِ للحَملِ والرُّكوبِ، والأرضِ للبِناءِ والزِّراعةِ والغَرسِ- افتَقَرَت إلى التَّعيينِ [2193] يُنظر: ((الذخيرة)) (1/243)، ((الأمنية)) (ص: 22) كلاهما للقرافي، ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/232). .
4- النُّقودُ إذا كان بَعضُها غالِبًا لم يحتَجْ إلى تَعيينِه في العَقدِ، وكذلك الحُقوقُ إذا تَعَيَّنَت لرَبِّها كالدَّينِ والوديعةِ ونَحوِها، والأعيانُ المُستَأجَرةُ إذا كانتِ المَنافِعُ المَقصودةُ فيها مُتَعَيِّنةً لم تَحتَجْ إلى تَعيينٍ، وإن لم يَكُنْ بأن كانتِ العَينُ مُتَرَدِّدةً بَينَ مَنفعَتَينِ -كالدَّابَّةِ للحَملِ والرُّكوبِ، والأرضِ للبِناءِ والزِّراعةِ والغَرسِ- احتاجَ إلى التَّعيينِ [2194] يُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (1/244)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/232)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (42/77). .

انظر أيضا: