المَسألةُ الخامِسةُ: أقسامُ التَّأكيدِ
يَنقَسِمُ التَّوكيدُ إلى قِسمَينِ: لَفظيٍّ، ومَعنَويٍّ.
القِسمُ الأوَّلُ: التَّوكيدُ اللَّفظيُّوهو أن يُؤَكَّدَ بنَفسِه، أي بتَكرارِ ذلك اللَّفظِ الأوَّلِ، ويَجيءُ التَّوكيدُ اللَّفظيُّ لأغراضٍ، منها: خَوفُ النِّسيانِ، أو لعَدَمِ الإصغاءِ، أو للِاعتِناءِ، وهو تارةً بإعادةِ اللَّفظِ، وتارةً يَقوى بمُرادِفِه
.
مِثلُ: قَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((واللَّهِ لا يُؤمِنُ، واللَّهِ لا يُؤمِنُ، واللَّهِ لا يُؤمِنُ. قيلَ: ومَن يا رَسولَ اللهِ؟ قال: الذي لا يَأمَنُ جارُه بوايقَه))
.
وإعادةُ اللَّفظِ بعَينِه نَوعانِ:
النَّوعُ الأوَّلُ: أن يَكونَ في المُفرَداتِ
وهو إمَّا أن يَكونَ اسمًا، مِثلُ: قَولِ اللهِ تعالى:
كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا [الفجر: 21] .
أو يَكونَ فِعلًا، والأكثَرُ أن يَكونَ مَعَ المُؤَكِّدِ فاعِلُ الأوَّلِ أو ضَميرُه، مِثلُ: قامَ زَيدٌ قامَ زَيدٌ. أو قامَ زَيدٌ قامَ. وقد يَكونُ فاعِلُ المُؤَكِّدِ والمُؤَكَّدِ ضَميرَينِ، كقَولِك: صِلْ صِلِ الصَّديقَ. وقد يُستَغنى بفاعِلِ أحَدِهما.
أو يَكونَ حَرفًا: مِثلُ قَولِ الشَّاعِرِ:
فلا واللهِ لا يُلفى لِما بي
ولا لِلِما بهم أبَدًا دَواءُ.
على أنَّ اللَّامَ الثَّانيةَ في قَولِه: (لِلِما) مُؤَكِّدةٌ للَّامِ الأولى
.
النَّوعُ الثَّاني: أن يَكونَ في الجُمَلِ المُرَكَّبةِمِثلُ قَولِ اللهِ تعالى:
وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ [الانفطار: 17-18]، وقَولِ اللهِ تعالى:
أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى [القيامة: 34-35]
.
القِسمُ الثَّاني: التَّأكيدُ المَعنَويُّوهو التَّأكيدُ بغَيرِ اللَّفظِ الأوَّلِ، وذلك قِسمانِ:
1- أن يَكونَ مُؤَكِّدًا للمُفرَدِ
:وهو إمَّا أن يَكونَ مُؤَكِّدًا للواحِدِ، كالنَّفسِ والعَينِ، مِثلُ: جاءَ زَيدٌ نَفسُه، ومُحَمَّدٌ عَينُه.
أو يَكونَ مُؤَكِّدًا للمُثَنَّى، ككِلا وكِلتا، مِثلُ: جاءَ الزَّيدانِ كِلاهما، أوِ المَرأتانِ كِلتاهما.
أو يَكونَ مُؤَكِّدًا للجَمعِ، ككُلٍّ وأجمَعينَ، مِثلُ: جاءَ القَومُ كُلُّهم أو أجمَعونَ، ومِنه قَولُ اللهِ تعالى:
فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ [الحجر: 30] ، ومِن ذلك أخَواتُ أجمَعينَ: كأكتَعينَ، وأبصَعينَ، وأبتَعينَ. فهذه أقسامٌ للمُفرَدِ؛ لأنَّه جُعِلَ مُقابِلَ الجُملةِ.
2- أن يَكونَ مُؤَكِّدًا للجُملةِ:كَأنَّ وإنَّ وما في مَعناهما؛ فالتَّأكيدُ هنا بالجُملةِ: مِثلُ: (إنَّ) في قَولِ اللهِ تعالى:
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [الأحزاب: 56]
.
وفائِدتُه: تَمكينُ المَعنى في نَفسِ السَّامِعِ، ورَفعُ التَّجاوُزاتِ المُتَوهَّمةِ؛ فإنَّ التَّجَوُّزَ يَقَعُ في اللُّغةِ كَثيرًا، فيُطلَقُ الشَّيءُ على أسبابِه ومُقدِّماتِه؛ فإنَّه يُقالُ: ورَدَ البَردُ: إذا ورَدَت أسبابُه، ويُطلَقُ اسمُ الكُلِّ على البَعضِ، نَحوُ قَولِ اللهِ تعالى:
وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة: 233] ، فقُيِّدَ بالكَمالِ؛ ليَخرُجَ احتِمالُ تَوهُّمِ بَعضِ الحَولِ الثَّاني، والتَّوكيدُ يُحَقِّقُ أنَّ اللَّفظَ حَقيقةٌ
.