الموسوعة الحديثية

نتائج البحث

1 - هاجَرَ خالدُ بْنُ حِزَامٍ إلى أرضِ الحبشةِ فَنَهِشَتْهُ حَيَّةٌ في الطَّرِيقِ فماتَ فنزلَتْ فيهِ وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا قال الزبيرُ وكُنْتُ أَتَوَقَّعُهُ وأنتَظِرُ قُدُومَهُ وأنا بِأرضِ الحبشةِ فما أَحْزَنَنِي شيءٌ حزنَ وفَاتُهُ حينَ بَلَغَنِي لأنَّهُ قَلَّ أحدٌ ممَّنْ هاجَرَ من قريشٍ إلَّا مَعَهُ بَعْضُ أهلِهِ أوْ ذِي رَحِمِهِ ولمْ يكنْ مَعِي أحدٌ من بَنِي أَسَدِ بنِ عَبْدِ العُزَّى ولا أرْجو غيرَهُ

2 - عنِ ابنِ مسعودٍ وابنِ عبَّاسٍ إنَّ اللَّهَ تعالى أَوْحى إلى موسى إنِّي متوفٍّ هارونَ فائتِ بهِ جبلَ كذا وكذا فانطلقَ موسى وهارونُ نحوَ ذلكَ الجبلِ فإذا هم بشجرةٍ لم تُرَ شجَرةٌ مثلُها وإذا هُم ببيتٍ مبنيٍّ وإذا هُمْ بِسريرٍ عليهِ فَرْشٌ وإذا فيهِ ريحٌ طيِّبةٌ فلمَّا نظرَ هارونُ إلى ذلكَ الجبلِ والبيتِ وما فيهِ أعجبَهُ قال يا موسى إنِّي أحبُّ أنَّ أنامَ على هذا السَّريرِ قالَ لهُ موسى فَنَمْ عليهِ قالَ إنِّي أخافُ أن يأتيَ ربُّ هذا البيتِ فيغضبَ عليَّ قالَ لهُ لا ترهبْ أنا أكفيكَ ربَّ هذا البيتِ فنمْ قال يا موسى نَمْ مَعي فإن جاء ربُّ هذا البيتِ غضِبَ عليَّ وعليكَ جميعًا فلمَّا ناما أخذَ هارونَ الموتُ فلمَّا وجدَ حِسَّهُ قالَ يا موسى خدعْتني فلمَّا قُبِضَ رُفِعَ ذلكَ البيتُ وذهبتْ تِلْكَ الشَّجَرةُ ورُفعَ السَّريرُ بهِ إلى السَّماءِ فلمَّا رجعَ موسى إِلى قومهِ وليسَ معَهُ هارونُ قالوا فإنَّ موسى قَتلَ هارونَ وحسدَهُ حبَّ بني إسرائيلَ لهُ وكان هارونُ أكفَّ عنهم وألينَ لهم مِن موسى وكانَ في موسى بَعضُ الغِلظةِ عليهِمْ فلمَّا بَلغَهُ ذلكَ قالَ لهمْ ويحَكُمْ كانَ أخي أفتَرَوني أقتلُهُ فلمَّا أكثروا عليهِ قامَ فصلَّى رَكعَتينِ ثمَّ دعا اللَّهَ فنزلَ السَّريرُ حتَّى نظروا إليهِ بينَ السَّماءِ والأرضِ ثمَّ إنَّ موسى عليهِ السَّلامُ بينما هُو يمشي ويوشَعَ فتاهُ إذْ أقبَلَتْ ريحٌ سوداءُ فلمَّا نظرَ إليها يوشَعُ ظنَّ أنَّها السَّاعَةُ فالتزمَ موسى وقالَ تقومُ السَّاعةُ وأنا ملتزِمٌ موسى نبيَّ اللَّهِ فاستُلَّ موسى عليهِ السَّلامُ من تحتِ القميصِ وتُرِكَ القميصُ في يدَي يوشَعَ فلمَّا جاءَ يوشعُ بالقميصِ آخذتْهُ بنو إسرائيلَ وقالوا قتلتَ نبيَّ اللَّهِ فقالَ لا واللَّهِ ما قتلتُهُ ولكنَّهُ استُلَّ منِّي فلم يصدِّقوهُ وأرادوا قتلَهُ قال فإذا لم تصدِّقوني فأخِّروني ثلاثةَ أيَّامٍ فدعا اللَّهَ فَأُتِيَ كلُّ رجلٍ ممَّن كانَ يحرسُهُ في المنامِ فأُخبِرَ أنَّ يوشَعَ لم يقتُلْ موسى وإنَّا قدْ رفعناهُ إلينا فتركوهُ ولم يبقَ أحدٌ ممَّن أبى أن يدخلَ قريةَ الجبَّارينَ معَ موسى إلَّا مات ولم يشهدِ الفتحَ
خلاصة حكم المحدث : في بعض هذا السياق نكارة وغرابة
الراوي : مرة الهمذاني وأبو صالح وأبو مالك | المحدث : ابن كثير | المصدر : البداية والنهاية
الصفحة أو الرقم : 1/296
التصنيف الموضوعي: أنبياء - معجزات أنبياء - موسى أنبياء - هارون أنبياء - يوشع بن نون علم - القصص
| أحاديث مشابهة

3 - عن كعبٍ أنه قال : إن سدرةَ المنتهَى على حدِّ السماءِ السابعةِ مما يلِي الجنةَ، فهي على حدِّ هواءِ الدنيا وهواءِ الآخرةِ، علوُّها في الجنةِ وعُروقُها وأغصانُها من تحتِ الكرسيِّ، فيها ملائكةٌ لا يعلمُ عدَّتهُم إلا اللهَ عز وجل، يعبدونَ اللهَ عز وجلَّ على أغصانِها في كلِ موضعِ شعرةٍ منها ملكٌ، ومقامُ جبريلَ عليهِ السلامُ في وسطِها، فينادي اللهُ جبريلَ أن ينزلَ في كل ليلةٍ قدْرٍ مع الملائكةِ الذين يسكنونَ سدرةَ المنتهَى ، وليسَ فيهم ملكٌ إلا قد أعطيَ الرأْفةَ والرحمةَ للمؤمنينَ، فينزلونَ على جبريلَ في ليلةِ القَدْرِ حين تغربُ الشمسُ، فلا تبقى بقعةٌ في ليلةِ القدرِ إلا وعليها ملكٌ إما ساجدٌ وإما قائمٌ يدعو للمؤمنينَ والمؤمناتِ إلا أن تكونَ كنيسةً أو بيعةً أو بَيْت نارٍ أو وثنٍ أو بعضُ أماكنكُم التي تطرحونَ فيها الخبثَ أو بيتٌ فيه سكرانٌ أو بيتٌ فيه مُسكرٌ أو بيتٌ فيه وثنٌ منصوبٌ أو بيتٌ فيه جرسٌ معلّقٌ أو مبولةٌ أو مكانٌ فيه كُساحةُ البيتِ فلا يزالونَ ليلتهم تلكَ يدعونَ للمؤمنينَ والمؤمناتِ، وجبريلُ لا يدعُ أحدا من المؤمنينَ إلا صافحهُ وعلامةُ ذلكَ من اقشعرَّ جلدهَ ورقَّ قلبهُ ودمعتْ عيناهُ فإن ذلكَ من مصافحةِ جبريلَ. وذكرَ كعبٌ أن من قال في ليلةِ القدرِ : لا إله إلا اللهُ ثلاثَ مراتٍ غفرَ اللهُ لهُ بواحدةٍ ونجَّاهُ من النارِ بواحدةٍ وأدخلهُ الجنةَ بواحدةٍ. قلنا لكعبِ الأحبارِ يا أبا إسحاقَ صادِقا ؟ فقال كعبٌ وهل يقولُ لا إله إلا اللهُ في ليلةِ القدرِ إلا كل صادقٍ ؟ والذي نفسي بيدهِ إن ليلةَ القَدْرِ لتثقلُ على الكافرِ والمنافقِ حتى كأنها على ظهرهِ جبلٌ فلا تزالَ الملائكةُ هكذا حتى يطلعَ الفجرُ، فأول من يصعدُ جبريلُ حتى يكون في وجهِ الأفقِ الأعلى من الشمسِ فيبسطُ جناحيهِ – وله جناحانِ أخضرانِ لا ينشُرُهُما إلا في تلكَ الساعةِ – فتصيِرُ الشمسُ لا شعاعَ لها ثم يدعو ملكا فيصعدُ فيجتمعُ نورُ الملائكةِ ونورُ جناحَيْ جبريلُ فلا تزالُ الشمسُ يومها ذلكَ متحيِّرةٌ، فيقيمُ جبريلُ ومن معهُ بين الأرضِ وبين السماءِ الدنيا يومهُم ذلكَ في دعاءٍ ورحمةٍ واستغفارٍ للمؤمنينَ والمؤمناتِ، ولمن صام رمضانَ احتسابا ودعا لمنْ حدّثَ نفسهُ إن عاشَ إلى قَابلٍ صامَ رمضانَ للهِ، فإذا أمسوا دخلوا السماءَ الدنيا فيجلسونَ حلقا فتجتمعُ إليهِم ملائكةُ سماءِ الدنيا فيسألونهُم عن رجلٍ رجلٍ وعن امرأةٍ امرأةٍ فيحدثونهُم حتى يقولوا : ما فعلَ فلانٌ ؟ وكيفَ وجدتموهُ العامَ ؟ فيقولون وجدنا فلانا عامَ أولَ في هذهِ الليلةِ متعبدا ووجدناهُ العامَ متعبدا، ووجدنا فلانا مبتدعا ووجدناهُ العام عابدا، قال : فيكفونَ عن الاستغفارِ لذلكَ ويقبلونَ على الاستغفارِ لهذا، ويقولونَ وجدنا فلانا وفلانا يذكرانِ اللهِ ووجدنا فلانا راكعا وفلانا ساجدا ووجدناه تاليا لكتابِ اللهِ، قال : فهمْ كذلكَ يومهُم وليلتهُم حتى يصعدوا إلى السماءِ الثانيةِ ففي كلِ سماءٍ يومٌ وليلةٌ حتى ينتهوا مكانهم من سدرةِ المنتَهى، فتقولُ لهم سدرةُ المنتَهى يا سكّاني حدثوني عن الناسِ وسموهُم لي فإن لي عليكُم حقا، وإني أحبُ من أحبَ اللهَ، فذكرَ كعبٌ أنهم يعدونَ لها ويحكونَ لها الرجلَ والمرأةَ بأسمائهِم وأسماءِ آبائهِم، ثم تقبلُ الجنةُ على السدرةِ فتقولُ : أخبريني بما أخبركِ به سكانكِ من الملائكةِ، فتخبرها، قال : فتقول الجنة : رحمةُ اللهِ على فلانٍ ورحمةُ اللهِ على فلانةٍ، اللهم عجلهُم إليَّ، فيبلغُ جبريلُ مكانهُ قبلهُم، فيلهِمهُ اللهُ فيقول : وجدتُ فلانا ساجدا فاغفرْ لهُ فيغفرُ لهُ، فيسمعُ جبريلُ جميعُ حملةِ العرشِ فيقولون : رحمةُ اللهَ على فلانٍ ورحمةُ اللهِ على فلانةٍ ومغفرتهُ لفلانٍ، ويقول : يا ربِّ وجدتُ عبدكَ فلانا الذي وجدتهُ عامَ أولَ على السنةِ والعبادةِ، ووجدتهُ العامَ قد أحدثَ حدثا وتولى عما أمرَ بهِ، فيقول الله : يا جبريلُ إن تابَ فأعتبنِي قبلَ أن يموتَ بثلاثِ ساعاتٍ غفرتُ لهُ، فيقولُ جبريلُ : لكَ الحمدُ إلهي أنتَ أرحمُ من جميعِ خلقكَ، وأنتَ أرحمُ بعبادكَ من عبادكَ بأنفسهِم، قال : فيرتجُّ العرشُ وما حولهُ والحُجبُ والسمواتُ ومن فيهنَّ، تقول : الحمدُ للهِ الرحيم الحمدُ للهِ الرحيم. قال : وذكر كعبٌ أنه من صامَ رمضانَ وهو يحدثُ نفسهُ إذا أفطرَ بعدَ رمضانَ أن لا يعصي اللهَ دخلَ الجنةَ بغيرِ مسألةٍ ولا حسابٍ

4 - وفَدتُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ سابعَ سبعةٍ من قومنا، فأعجبه ما رأى من سمْتِنا، وزيِّنا، فقال: ما أنتم؟ فقلنا: مؤمنون، فتبسم، وقال: إن لكلِّ قولٍ حقيقةً، فما حقيقةُ إيمانِكم؟ قال سويدٌ: فلنا خمسَ عشرةَ خَصلةً: خمسٌ منها أمرَتنا رسلُك أن نؤمنَ بها، وخمسٌ أمرَتنا أنْ نعملَ بها، وخمسٌ تخلَّقْنا بها في الجاهليةِ، ونحن عليها إلا أن تكرَه منها شيئًا. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: وَمَا الخمسُ التي أمرتْكم رسلي أن تؤمنوا بها؟ قلنا: أن نؤمنَ باللهِ، وملائكتِه، وكتبِه، ورسلِه، والبعثِ بعد الموتِ، قال: وما الخمسُ التي أمرْتُكُم أنْ تعملوا بها؟ قلتُ: نقولُ: لا إلهَ إلا اللهُ محمدٌ رسولُ اللهِ، ونقيمُ الصَّلاةَ، ونؤتي الزَّكاةَ، ونحجُّ البيتَ، ونصومُ رمضانَ، قال: ومَا الخَمْسُ التي تخلَّقتم بها في الجاهليةِ؟ قلنا: الشكرُ عند الرجاءِ، والصَّبرُ عند البلاءِ، والصَّفُّ في مواطنِ اللِّقاءِ، والرضاءُ بمرِّ القضاءِ، والصَّبرُ عند شماتةِ الأعداءِ. فقال: حُكَماءُ وعلماءُ كادوا من صِدقِهم أن يكونوا أنبياءَ.

5 - أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ ليلةَ أُسرِيَ بهِ رأى زَكرِيَّا في السَّماءِ فسَلَّمَ عليه وقال له يا أبا يَحيى خَبِّرنِي عن قَتلِكَ كيف كان ولم قتلَكَ بنو إسرائيلَ قال يا محمَّدُ أُخبِرُكَ أنَّ يحيى كان خيرَ أهلِ زمانِه وكان أجملَهُمْ وأصبَحَهُمْ وجهًا وكان كما قال الله تعالى { سَيِّدًا وحَصُورًا } وكان لا يحتاجُ إلى النِّساءِ فهوَتْهُ امرَأةُ مَلكِ بنِي إسرائيلَ وكانتْ بَغِيَّةً فأرسَلتْ إليهِ وعَصمَهُ اللَّهُ وامتنَع يحيى وأبى عليها فأَجمعتْ على قتلِ يحيى وَلهُم عيدٌ يجتمعون في كلِّ عامٍ وكانتْ سُنَّةُ الملكِ أَنْ يوعِدَ ولا يُخلِفَ ولا يَكذِبَ قال فخرج الملكُ إلى العيدِ فقامتِ امرأَتُه فشَيَّعَتْهُ وكان بِها مُعجَبًا ولم تَكنْ تفعَلُه فيما مَضى فَلمَّا أن شيَّعَتْهُ قال الملِكُ سلينِي فمَا سَألْتِنِي شَيئًا إلا أعطَيتُكِ قالتْ أريدُ دَمَ يحيى بنِ زَكَرِيَّا قال لها سَليني غيرَهُ قالت هوَ ذاك قال هوَ لكِ قال فبعثَتْ جَلاوِزَتَها إِلى يَحيى وَهُو في مِحرابِه يُصَلِّي وأنا إلى جَانِبِه أُصَلِّي قَالَ فَذُبِحَ فِي طَشْتٍ وحُمِلَ رأْسُهُ ودَمُهُ إليْهَا قال فقال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فما بلغ من صَبرِكَ قال ما انفَتَلْتُ من صَلاتي قال فلمَّا حُمِلَ رأسُهُ إليها فَوُضِعَ بين يديهَا فَلمَّا أمسَوْا خَسفَ الله بالملِكِ وأهلِ بيتِهِ وحَشَمِهِ فلمَّا أصبحوا قالتْ بنو إسرائيلَ قد غضِبَ إلهُ زَكَرِيَّا لزَكَرِيَّا فَتعالَوْا حتَّى نغْضَبَ لملِكِنا فنقتُلَ زَكَرِيَّا قال فخرجوا فِي طَلَبِي ليقتُلوني وجاءنيَ النَّذيرُ فهَرَبْتُ منهم وإِبلِيسُ أمَامهُم يَدُلُّهُم علَيَّ فلَمَّا تَخَوَّفتُ أنْ لا أُعجِزَهُمْ عَرضَتْ لِي شَجَرَةٌ فنادتني وقالت إليَّ إليَّ وانصدَعتْ لي ودَخلتُ فيها قال وجاء إبليسُ حتَّى أخد طرَفَ رِدائي والتأَمَتِ الشَّجرَةُ وبَقِيَ طرَفُ ردائي خَارجًا منَ الشَّجَرَةِ وجاءتْ بنو إسرائيلَ فقال إبليسُ أما رأيتموهُ دخل هذه الشَّجرَةَ هذا طَرفُ ردائِهِ دخلها بسِحْرِهِ فقالوا نَحرِقُ هذه الشَّجَرةَ فقال إبليسُ شُقُّوهُ بالمنشَارِ شَقًّا قال فشُقِقْتُ مع الشَّجَرَةِ بالمنشَارِ قال له النَّبِيُّ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ هلْ وَجدتَّ لَه مَسًّا أو وَجَعًا قال لا إنَّما وجدَتْ ذلكَ الشَّجَرَةُ الَّتِي جَعل اللَّهُ رُوحِي فيها

6 - أتى رجلٌ ابنَ عَبَّاسٍ فقال: بلَغَنا أنَّك تذكُرُ سطِيحًا تزعُمُ أنَّ الله خَلَقه لم يخلُق مِن بنِي آدَمَ شيئًا يُشبِهه؟ قال: قال: نعم، إِنَّ اللهَ خَلَق سطِيحًا الغسَّانِيَّ لحمًا على وَضَمٍ، ولم يكُن فِيهِ عظمٌ ولا عَصَبٌ إِلَّا الجُمجُمةُ والكفَّانِ، وكان يُطوى مِن رِجليهِ إِلى تَرقُوَتِه كما يُطوى الثَّوبُ، ولم يكُن فِيهِ شيءٌ يتحرَّكُ إِلَّا لِسانُه، فلمَّا أراد الخُرُوجَ إِلى مكَّة حُمِل على وضمِه فأُتِي بِهِ مكَّة، فخرج إِليه أربعةٌ مِن قُريشٍ: عبدُ شمسٍ وهاشِمٌ ابنا عبدِ منافِ بنِ قُصيٍّ، والأحوصُ بنُ فِهرٍ، وعقِيلُ بنُ أبِي وقَّاصٍّ، فانتموا إِلى غيرِ نسبِهِم. وقالُوا: نحنُ أُناسٌ من جُمَحَ أتيناك، بلغنا قُدُومُك فرأينا أنَّ إِتيانَنا إِيَّاك حقٌّ لك واجِبٌ علينا، وأهدى إِليهِ قِيلٌ صفِيحةً هِندِيَّةً وصعدةً رُدينِيَّةً، فوُضعِت على بابِ البيتِ الحرامِ لينظُرُوا أَهَل يراها سَطِيحٌ أم لا. فقال: يا عَقِيلُ ناوِلنِي يَدَك فناوله يدَه، فقال: يا عَقِيلُ، والعالِمِ الخفِيَّة، والغافِرِ الخطِيَّة، والذِّمَّةِ الوفِيَّة، والكعبةِ المبنِيَّة، إِنَّك لجاءٍ بِالهدِيَّة؛ الصَّفِيحةِ الهِندِيَّة، والصَّعدةِ الرُّدينِيَّة. قالُوا: صَدَقْتَ يا سَطِيحُ، فقال: والآتِي بِالفَرَح، وقَوسِ قُزَح، وسائِرِ الفَرَح، واللَّطِيمِ المُنبطِح، والنَّخلِ والرُّطبِ والبَلَح، إِنَّ الغُراب حيثُ مرَّ سَنَح، فأخبر أنَّ القوم ليسُوا من جُمَح، وأنَّ نسَبَهم مِن قُريشٍ ذِي البِطَح، قالُوا: صدَقْتَ يا سطِيحُ، نحنُ أهلُ البيتِ الحرامِ أتيناك لِنزُورَك لِما بلَغَنا مِن عِلمِك، فأخبِرنا عمَّا يكُونُ فِي زمانِنا هذا وما يكُونُ بَعدَه، فلعلَّ أن يكُون عِندَك فِي ذلِك عِلمٌ. قال: الآن صدقتُم، خُذُوا مِنِّي ومِن إِلهامِ اللهِ إِيَّاي، أنتُم يا مَعشَرَ العَرَبِ فِي زمانِ الهَرَمِ، سواءٌ بصائِرُكُم وبصائِرُ العَجَمِ، لا عِلمَ عِندكُم ولا فَهْمَ، وينشأُ مِن عقِبِكُم ذوُو فَهمٍ يطلُبُون أنواعُ العِلمِ، فيكسِرُون الصَّنَم ويبلُغُون الرَّدمَ ويقتُلُون العَجَم، يطلُبُون الغُنْمَ. قالُوا: يا سطِيحُ فمَن يكُونُ أُولئِك؟ فقال لهم: والبيتِ ذِي الأركانِ، والأمنِ والسُّكَّانِ، لينشؤُنَّ مِن عقِبِكُم وِلدانٌ يكسِرُون الأوثان ، ويُنكِرُون عِبادةَ الشَّيطانِ، ويُوحِّدُون الرَّحمن، وينشُرُون دِين الدَّيَّانِ، يُشرِفُون البُنيان، ويستفتُون الفِتيان. قالُوا: يا سطِيحُ، مِن نسلِ من يكُونُ أُولئِك؟ قال: وأشرفِ الأشرافِ، والمُفضِي لِلإِسرافِ، والمُزعزِعِ الأحقافِ، والمُضعِفِ الأضعافِ، لينشؤُنَّ الآلافُ مِن عبدِ شمسٍ وعبدِ منافٍ نُشُوءًا يكُونُ فِيهِ اختِلافٌ، قالُوا: يا سَوْءتاه يا سطِيحُ ممَّا تُخبِرُنا مِن العِلمِ بِأمرِهِم، ومِن أيِّ بلدٍ يخرُجُ أُولئِك؟ فقال: والباقِي الأبد، والبالِغِ الأَمَد، ليخرُجَنَّ من ذا البلد، فتًى يهدِي إِلى الرَّشَد ، يرفُضُ يغُوثَ والفِند، يبرأُ مِن عِبادةِ الضِّدَد، يعبُدُ ربًّا انفَرَد، ثُمَّ يتوفَّاه الله محمُودًا، مِن الأرضِ مفقُودًا، وفِي السَّماءِ مشهودًا، ثُمَّ يلِي أمْرَه الصِّدِّيق، إِذا قضى صَدَق، وفِي ردِّ الحُقُوقِ لا خَرِقٌ ولا نَزِق، ثُمَّ يلِي أمْرَه الحنِيف، مُجرِّبٌ غِطرِيف، ويترُكُ قولَ العنِيف، قد ضاف المضِيف، وأحكَمَ التَّحنِيف، ثُمَّ يلِي أمْرَه داعِيًا لِأمرِهِ مُجرِّبًا، فيجتمِعُ له جُمُوعًا وعُصَبًا، فيقتُلُونه نِقمةً عليه وغَضَبًا، فيُؤخذُ الشَّيخُ فيُذبحُ إِربًا، فيقُومُ بِهِ رِجالٌ خُطباءُ، ثُمَّ يلِي أمره النَّاصِرُ، يخلِطُ الرَّأي بِرأي النَّاكِر، يُظهِرُ فِي الأرضِ العساكِر، ثُمَّ يلِي بعده ابنُه يأخُذُ جمعه، ويقِلُّ حمدُه، ويأخُذُ المال، ويأكُلُ وحده ويُكثِرُ المال لِعقِبِه مِن بعدِهِ، ثُمَّ يلِي مِن بعدِهِ عِدَّةُ مُلُوك، لا شكَّ الدَّمُ فِيهِم مسفُوك، ثُمَّ يلِي من بعدِهِمُ الصُّعلُوك، يطوِيهِم كطيِّ الدُّرنُوك، ثُمَّ يلِي مِن بعدِهِ عُظهورٌ يُقصِي الخَلْقَ ويُدنِي مُضَر، يفتتِحُ الأرض افتِتاحًا مُنكرًا، ثُمَّ يلِي قَصِيرُ القامة، بِظهرِه علامة، يمُوتُ موتًا وسلامة، ثُمَّ يلِي قلِيلًا باكِر، يترُكُ المُلْك بائِر، ثُمَّ يلِي أخُوه بِسُنَّتِهِ سابِر، يختصُّ بِالأموالِ والمنابِر، ثُمَّ يلِي مِن بعدِهِ أهوْجَ، صاحِبُ دُنيا ونعِيمٍ مُخلِج، يتشاورُه مُعاشِرُه وذوُوه، ينهضُون إِليهِ يخلعُونه بِأخذِ المُلكِ ويقتُلُونه، ثُمَّ يلِي أمره مِن بعدِهِ السَّابِع، يترُكُ المُلك محلًّا ضائِع، بنُوه فِي مُلكِهِ كالمُشوَّهِ جائِع، عِند ذلِك يطمعُ فِي المُلكِ كُلُّ عُريان، ويلِي أمْرَه اللَّهفانُ، يُرضِي نِزارًا جَمعُ قَحْطان، إِذا التقيا بِدِمشق جمعان، بين بُنيان ولُبنان، يُصنَّفُ اليمنُ يومئِذٍ صِنفان؛ صِنفُ المسرَّةِ، وصِنفُ المخذُولِ، لا ترى إِلَّا حِباءً محلُول، وأسِيرًا مغلُول، بين القِرابِ والخُيُول، عِند ذلِك تُخربُ المنازِل، وتُسلبُ الأرامِل ، وتُسقِطُ الحوامِل، وتظهرُ الزَّلازِل، وتطلُبُ الخِلافةُ وائِل، فتغضبُ نِزار، فتُدنِي العبِيدَ والأشرار، وتُقصِي الأمثالَ والأخيار، وتغلُو الأسعارُ، فِي صَفَرِ الأصفار، يغُلُّ كُلُّ جبَّارٍ مِنه، ثُمَّ يسِيرُون إِلى خَنادِق، وإِنَّها ذاتُ أشعارٍ وأشجار، تصُدُّ له الأنهار، ويهزِمُهم أوَّلَ النَّهار، تَظهَرُ الأخيار، فلا ينفعُهم نومٌ ولا قرار، حتَّى يدخُل مِصرًا مِن الأمصار، فيُدرِكه القضاءُ والأقدار. ثُمَّ يجِيءُ الرُّماة، تلُفُّ مُشاة، لِقتلِ الكُماة، وأسرِ الحُماة، ومَهلِكِ الغُواة، هنالِك يُدركُ فِي أعلى المِياه، ثُمَّ يبُورُ الدِّينُ وتُقلبُ الأُمُور، وتُكفرُ الزَّبُور، وتُقطعُ الجُسُور، فلا يُفلِتُ إِلَّا من كان فِي جزائِرِ البُحُور، ثُمَّ تبُورُ الحُبُوب، وتظهرُ الأعارِيب، ليس فِيهِم مُعِيب، على أهلِ الفُسُوقِ والرِّيب، فِي زمانٍ عصِيب، لو كان لِلقومِ حياءٌ، وما تُغنِي المُنى. قالُوا: ثُمَّ ماذا يا سطِيحُ؟ قال: ثُمَّ يظهرُ رجُلٌ من أهلِ اليمن، كالشَّطَنِ، يُذهِبُ اللهُ على رأسِهِ الفِتَن.

7 - كانَت دارُ العبَّاسِ بن عبد المطَّلبِ إلى جنبِ المسجِدِ وكانَ ميزابُها تشرَعُ إلى الطَّريقِ فقالَ له عُمرُ : إنَّ ميزابَكِ يُؤذي المسلِمينَ فَحوِّلهُ إلى دارِكَ، فقالَ : إنما هو ماءُ المطَرِ، فقالَ عمرُ : إن المسلِمينَ لا يُحبُّونَ أن تَبُلَّ السَّماءُ ثيابَهمْ فحوِّلْهُ، وكانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أقطَعَها للعبَّاسِ، ثُمَّ رأى عُمرَ في المسجِدِ ضيقًا من المسلِمينَ فاشتَرى ما حَولَهُ من المنازلِ وبقيَتْ حُجَرُ نِساءِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ودارُ العبَّاسِ، فقالَ عُمرُ للعبَّاسِ : إنَّ مسجِدَ المسلِمينَ قد ضاقَ بهم وقد ابتَعتَ ما حولهُ مِنَ المنازِلِ غيرَ حُجَرِ نساءِ رسولِ اللهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فلا سبيلَ إليها، ودارِكَ فبِعنيها أوَسِّعْ بها مَسجِدَ المسلِمينَ. فقالَ العبَّاسُ : لستُ بفاعلٍ، فأرادَه عمرُ فأبَى، فقال له عُمَرُ : أخبِرني واحدَةً مِن ثلاثٍ خصالٍ، فقال العبَّاسُ : هاتِها لعلَّ في بعضِها فرجًا، فقالَ : اختَر منِّي : إمَّا أن تبيعَنيها بحُكمِكَ من بيتِ مالِ المسلِمينَ، وإما أن أخُطَّكَ مكانَها خُطَّةً حيثُ أحببتَ فأبنيها لكَ مثلَ بناءِ داركَ، وإما أن تصدَّقَ بها على المسلِمينَ توسِّعُ بها عليهِم مسجدَهم، فقال لَهُ العبَّاسُ : ولا خَصلةٌ من هذه الخصالِ، قال له عُمرُ : اجعَل بيني وبينَك حَكمًا، فقالَ : أُبَيُّ بن كَعبٍ. فانطلَقا إليه فدَخلا، فقال لعمَرُ : أخصمًا جئتَ أم زائرًا ؟ فقال : بل خصمًا، قال : فاجلِس فجلَس الخصومُ، فجلَسنا بينَ يديهِ فقصَّ عليه عُمرُ قصَّتَهُ، فقالَ أبيُّ بنُ كَعبٍ : إن شئتُما حدَّثتُكُما حديثًا سمعتُهُ مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقالَ عمرُ : حدِّثنا. فقالَ : إني سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يقولُ : إنَّ اللهَ أوحى إلى داودَ عليهِ السَّلامُ أن ابنِ لي بيتًا أُذكَرُ فيهِ، فاختَطَّ داودُ علَيهِ السَّلامُ مَوضِعَ بيتِ المقدِسِ فإذا خُطَّتُهُ تروى مِن بيَعِها دارًا لبَعضِ بني إسرائيلَ، فسألَهُ أن يخرُجَ له عنهَا فيُدخِلَها في المسجدِ فيَسوي من بيعتِهِ، فأبَي فهمَّ داودُ عليهِ السَّلامُ بأخذِها منهُ، فأوحى اللهُ تعالى إليهِ : إني أمرتُكَ أن تَبني لي بيتًا أُذكَرُ فيه فأردتَ أَن تُدخِلَ بَيتي الغَصبَ، وليسَ مِن شَأني الغَصبَ، وإنَّ عُقوبَتَكَ ألَّا تَبنِيَهُ، فقال : يا ربِّ فمِن ذُرِّيَّتي، قال : مِن ذُرِّيتِكَ، فأوحَى اللهُ إلى سُلَيمانَ عليهِ السَّلامُ فبناهُ. فأخذ عُمرُ رضي الله عنه بمجامِعِ قميصِ أُبَيٍّ فقالَ : جئتُكَ بأمرٍ فما جئتَني بهِ أشَدَّ منهُ، لتأتيَنِّي على هذا بِبيِّنَةٍ أو لأفعلَنَّ ولأفعلنَّ ولأفعلنَّ، فقال أُبَيُّ : أي عُمرُ أتتَّهمُني على حديثِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ؟ فقالَ : هُوَ ما أقولُ لكَ، فخرج بهِ حتَّى أتى بهِ المسجدَ فإذا به حَلقَةٌ من أصحابِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فوقَفَهُ عليهِمْ فقالَ أُبَيُّ : أنشُدُكُم اللَّهَ أيَّكُم سمِعَ مِن رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يذكرُ حديثَ داودَ حيثُ أوحَى اللهُ إليهِ أن يَبنيَ بيتَ المقدِسِ. وحدَّثَهُم بهِ. فقالَ هذا مِن هاهُنا : أنا سمعتُهُ، وقال هذا مِن هاهنا : أنا سمعتُهُ. فغضِبَ أُبَيٌّ رضيَ اللهُ عنهُ وقال : أي عُمرُ أتَتَّهمُني على حديثِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ؟ فأرسلَهُ عمَرُ وقال : يا أبا المنذِرِ لا واللَّهِ الذي لا إله إلا هو ما اتَّهمتُكَ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في حديثٍ ولا غيرِهِ ولكن كرهتُ أن يجترِئَ على رسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ظاهرًا، وقالَ عُمرُ للعبَّاسِ : انطلِقْ إلى دارِك فقد تركتُها لا أعرِضُ فيها، فقال العبَّاسُ : أتركتَها لا تعرِضُ فيها ؟ قال : نعَم. قال : فإنِّي قد جعلتُها صدقَةً علَى المسلِمينَ أُوَسِّعُ بها في مسجدِهِمْ، فأمَّا وأنتَ غاصِبي فما كنتُ لأفعَلَ، فأخطَّهُ عمرُ خطَّةً في السُّوقِ وبناها له مِن مالِ المسلِمينَ بحذاءٍ من بنائهِ فهي لَهُ اليومَ
خلاصة حكم المحدث : سياق غريب وفي إسناده ضعف وانقطاع
الراوي : أبي بن كعب | المحدث : ابن كثير | المصدر : مسند الفاروق
الصفحة أو الرقم : 1/158
التصنيف الموضوعي: أنبياء - سليمان أنبياء - داود صلح - نصب الميزاب وإشراع الجناح أقضية وأحكام - جلوس الخصمين بين يدي الحاكم مساجد ومواضع الصلاة - توسيع المساجد
| أحاديث مشابهة

8 - عن أنسِ بنِ مالكٍ قال جاء أعرابيٌّ فقال يا رسولَ اللهِ واللهِ لقد أتيناك وما لنا بعيرٌ يُبسَطُ ولا صبيٌّ يُصطَبَحُ وأنشد أتيناك والعذراءُ يدمي لبانُها وقد شغلَتْ أمُّ الصبيِّ عن الطفلِ وألقى بكفَّيه الفتى لاستكانةٍ من الجوعِ ضعفًا قائمًا وهو لا يخلي ولا شيءَ مما يأكلُ الناسُ عندنا سوى الحَنْظَلِ العَامِيِّ وَالعِلْهِزِ الفَسْلِ وليس لنا إلا إليك فرارنا وأين فرارُ الناسِ إلا إلى الرسلِ قال فقام رسولُ اللهِ وهو يجرُّ رِداءَه حتى صعِدَ المِنبرَ فحمد اللهَ وأثنى عليه ثم رفع يدَيه نحو السماءِ وقال اللهمَّ اسقِنا غيثًا مغيثًا مريئًا مريعًا سريعًا غدقًا طبَقًا عاجلًا غيرَ رائثٍ نافعًا غيرَ ضارٍّ تملأُ به الضِّرعَ وتُنبِت به الزرعَ وتُحيي به الأرضَ بعد موتِها وكذلك تخرجون قال فواللهِ ما ردَّ يدَه إلى نحرِه حتى ألقَتِ السماءُ بأوراقها وجاء أهلُ البطانةِ يصِيحون يا رسولَ الله ِالغرقَ الغرقَ فرفع يدَيه إلى السماءِ وقال اللهمَّ حوالَينا ولا علينا فانجاب السحابُ عن المدينةِ حتى أحدقَ بها كالإكليلِ فضحك رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتى بدَتْ نواجذُه ثم قال لله درُّ أبي طالبٍ لو كان حيًّا قرَّت عيناه من ينشد قولَه فقال عليُّ بنُ أبي طالبٍ فقال يا رسولَ اللهِ كأنك أردتَ قولَه وأبيضَ يُسْتَسقى الغمامُ بوجهِه... ثِمَالِ اليتامى عِصمَةٍ للأَرامِلِ يلوذُ بِه الهُلَّاكُ من آلِ هاشِمٍ... فهم عندَه في نعمَةٍ وفَواضِلِ كَذَبْتُم وبَيتِ اللَّهِ يُبْزَى مُحَمَّدٌ... ولمَّا نُقاتِلْ دُونَهُ ونُناضِلِ وَنُسْلِمُه حَتَّى نُصَرَّعَ حولَه... ونَذهَلَ عن أبنائنا والحلائِلِ قال وقام رجلٌ من بني كنانةَ فقال لك الحمدُ والحمدُ ممن شكر سُقِينا بوجه النبيِّ المطرْ دعا اللهَ خالقَه دعوةً إليه وأشخص منه البصرْ فلم يكُ كَلَفِّ الرِّداءِ وأسرع حتى رأينا الدُّرَرْ رِقاقُ العوالي عمُّ البقاعِ أغاث به اللهُ عينَا مُضَرْ وكان كما قاله عمُّه أبو طالبٍ أبيضُ ذو غُرَرْ به اللهُ يسقي بصوب الغَمامِ وهذا العيانُ كذاك الخبرْ فمن يشكر اللهَ يَلقَى المزيدَ ومن يكفُرِ اللهَ يَلْقى الغِيَرْ

9 - سألتُ عبدَ اللهِ بنَ عباسٍ عن قولِ اللهِ عزَّ وجلَّ لموسى عليهِ السلامُ : وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا، فسألتُهُ عن الفُتُونِ ما هوَ ؟ قال : استأنِفِ النهارَ يا ابنَ جبيرٍ فإنَّ لها حديثًا طويلًا : فلمَّا أصبحتُ غدوتُ إلى ابنِ عباسٍ لأنتجزَ منهُ ما وعدني من حديثِ الفُتُونِ، فقال : تذاكَرَ فرعونُ وجلساؤُهُ ما كان اللهُ وعدَ إبراهيمَ عليهِ السلامُ أن يجعلَ في ذريتِهِ أنبياءَ وملوكًا، فقال بعضهم : إنَّ بني إسرائيلَ ينتظرونَ ذلك، ما يَشُكُّونَ فيهِ، وكانوا يظنُّونَ أنَّهُ يوسفُ بنُ يعقوبَ، فلمَّا هلك قالوا : ليس هكذا كان وعدُ إبراهيمَ، فقال فرعونُ : فكيف تَرَوْنَ ؟ فائتمروا وأجمعوا أمرهم على أن يبعثَ رجالًا معهم الشِّفَارُ، يطوفونَ في بني إسرائيلَ، فلا يجدونَ، مولودًا ذكرًا إلا ذبحوهُ، ففعلوا ذلك، فلمَّا رَأَوْا أنَّ الكبارَ من بني إسرائيلَ يموتونَ بآجالهم، والصغارَ يُذْبَحُونَ، قالوا : يُوشِكُ أن تُفْنُوا بني إسرائيلَ، فتصيروا أن تُبَاشِرُوا من الأعمالِ والخدمةِ التي كانوا يَكْفُونَكُمْ، فاقتلوا عامًا كلَّ مولودٍ ذكرٍ، فيَقِلُّ أبناؤهم، ودعوا عامًا فلا تقتلوا منهم أحدًا، فيَشِبُّ الصغارُ مكان من يموتُ من الكبارِ، فإنَّهم لن يكثروا بمن تستحيونَ منهم فتخافوا مكاثرتهم إياكم، ولن يَفْنَوا بمن تقتلونَ وتحتاجونَ إليهم. فأَجْمَعُوا أمرهم على ذلك. فحملتْ أمُّ موسى بهارونَ في العامِ الذي لا يُذْبَحُ فيهِ الغلمانُ، فولدتْهُ علانيةً آمنةً. فلمَّا كان من قابلٍ حملتْ بموسى عليهِ السلامُ، فوقع في قلبها الهمُّ والحزنُ، وذلك من الفُتُونِ يا ابنَ جبيرٍ ما دخل عليهِ في بطنِ أُمِّهِ ، ممَّا يُرادُ بهِ. فأوحى اللهُ إليها أن : وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ. فأمرها إذا ولدتْ أن تجعلَهُ في تابوتٍ ثم تُلْقِيهِ في اليمِّ . فلمَّا ولدتْ فعلتْ ذلك، فلمَّا تَوارَى عنها ابنها أتاها الشيطانُ، فقالت في نفسها : ما فعلتُ بابني، لو ذُبِحَ عندي فواريتُهُ وكفَّنتُهُ كان أحبُّ إليَّ من أن أُلْقِيهِ إلى دوابِّ البحرِ وحيتانِهِ. فانتهى الماءُ بهِ حتى أوفى بهِ عند فُرْضَةِ مُسْتَقَى جواري امرأةِ فرعونَ فلمَّا رأينَهُ أخذنَهُ فهممن أن يفتحْنَ التابوتَ فقال بعضهنَّ : إنَّ في هذا مالًا، وإنَّا إن فتحناهُ لم تُصَدِّقنا امرأةُ المَلِكِ بما وجدنا فيهِ، فحملنَهُ كهيئتِهِ لم يُخْرِجْنَ منهُ شيئًا حتى رفعنَهُ إليها. فلمَّا فتحتْهُ رأتْ فيهِ غلامًا، فأُلْقِي عليهِ منها محبةً لم يُلْقِ منها على أحدٍ قطُّ، وأصبحَ فؤادُ أمِّ موسى فارغًا من ذِكْرِ كلِّ شيٍء، إلا من ذِكْرِ موسى. فلمَّا سمع الذبَّاحونَ بأمرِهِ، أقبلوا بشِفَارِهِمْ إلى امرأةِ فرعونَ ليذبحوهُ : وذلك من الفُتُونِ يا ابنَ جبيرٍ، فقالت لهم : أَقِرُّوهُ فإنَّ هذا الواحدَ لا يزيدُ في بني إسرائيلَ حتى آتي فرعونَ فأستوهبُهُ منهُ، فإن وهبَهُ لي كنتم قد أحسنتم وأجملتم ، وإن أمرَ بذبحِهِ لم أَلُمْكُمْ. فأتت فرعونَ فقالت قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ. فقال فرعونُ : يكونُ لكَ. فأمَّا لي فلا حاجةَ لي فيهِ : فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : والذي يُحْلَفُ بهِ لو أَقَرَّ فرعونُ أن يكونَ قرَّةَ عينٍ لهُ، كما أَقَرَّتْ امرأتُهُ، لهداهُ اللهُ كما هداها، ولكن حَرَمَهُ ذلك. فأرسلتْ إلى من حولها، إلى كلِّ امرأةٍ لها لبنٌ لتختارَ لهُ ظِئْرًا، فجعل كلَّما أخذتْهُ امرأةٌ منهنَّ لتُرْضِعَهُ لم يُقْبِلْ على ثديها حتى أشفقتِ امرأةُ فرعونَ أن يمتنعَ من اللبنِ فيموتَ، فأحزنها ذلك، فأمرتْ بهِ فأُخْرِجَ إلى السوقِ ومجمعِ الناسِ، ترجو أن تجدَ لهُ ظِئْرًا تأخذُهُ منها، فلم يُقْبِلْ، وأصبحتْ أمُّ موسى والهًا، فقالت لأختِهِ : قُصِّي أَثَرَهُ واطلبيهِ، هل تسمعينَ لهُ ذِكْرًا، أحيٌّ ابني أم قد أكلتْهُ الدوابُّ ؟ ونَسِيَتْ ما كان اللهُ وعدها فيهِ، فبصرتْ بهِ أختُهُ عن جُنُبٍ وهم لا يشعرونَ – والجُنُبُ : أن يَسْمُو بصرُ الإنسانِ إلى شيٍء بعيدٍ، وهو إلى جنبِهِ، وهو لا يشعرُ بهِ – فقالت من الفرحِ حينَ أعياهم الظؤراتُ : أَنَا أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ. فأخذوها فقالوا ما يُدريكِ ؟ وما نُصْحُهُمْ لهُ ؟ هل يعرفونَهُ ؟ حتى شَكُّوا في ذلك، وذلك من الفُتُونِ يا ابنَ جبيرٍ. فقالت : نُصْحُهُمْ لهُ وشفقتهم عليهِ رغبتهم في ظؤرةِ الملكِ، ورجاءَ منفعةِ الملكِ. فأرسلوها فانطلقتْ إلى أُمِّهَا، فأخبرتها الخبرَ. فجاءت أُمُّهُ، فلمَّا وضعتْهُ في حجرها نَزَا إلى ثديها فمَصَّهُ، حتى امتلأَ جنباهُ رِيًّا، وانطلقَ البُشَراءُ إلى امرأةِ فرعونَ يُبَشِّرونها : أن قد وجدنا لابنكِ ظِئْرًا. فأرسلتْ إليها، فأتتْ بها وبهِ، فلمَّا رأت ما يصنعُ بها قالت : امْكُثِي تُرْضِعِي ابني هذا، فإني لم أُحِبَّ شيئًا حُبَّهُ قطُّ. قالت أمُّ موسى : لا أستطيعُ أن أدعَ بيتي وولدي فيضيعُ، فإن طابت نفسكَ أن تُعطينِيهِ فأذهبُ بهِ إلى بيتي، فيكونُ معي لا آلوهُ خيرًا فعلتُ، وإلا فإني غيرُ تاركةٍ بيتي وولدي. وذكرتْ أمُّ موسى ما كان اللهُ وعدها فيهِ، فتعاسرتْ على امرأةِ فرعونَ ، وأيقنَتْ أنَّ اللهَ مُنْجِزٌ وعدَهُ، فرجعتْ بهِ إلى بيتها من يومها، وأنبتَهُ اللهُ نباتًا حسنًا، وحَفِظَهُ لما قد قضى فيهِ. فلم يزل بنو إسرائيلَ، وهم في ناحيةِ القريةِ، ممتنعينَ من السخرةِ والظلمِ ما كان فيهم، فلمَّا ترعرعَ قالت امرأةُ فرعونَ لأمِّ موسى : أَتُرِيني ابني ؟ فوَعَدَتْهَا يومًا تُرِيها إياهُ فيهِ، وقالت امرأةُ فرعونَ لخازنها وظؤرها وقَهَارِمَتِهَا لا يَبْقِيَنَّ أحدٌ منكم إلا استقبلَ ابني اليومَ بهديةٍ وكرامةٍ لأرى ذلك، وأنا باعثةٌ أمينًا يًحْصِي ما يصنعُ كلُّ إنسانٍ منكم، فلم تزلِ الهدايا والنِّحَلُ والكرامةُ تستقبلُهُ من حينِ خرج من بيتِ أُمِّهِ إلى أن دخل على امرأةِ فرعونَ ، فلمَّا دخل عليها نَحَلَتْهُ وأكرمتْهُ، وفرحت بهِ، ونَحَلَتْ أُمَّهُ لحُسْنِ أثرها عليهِ، ثم قالت : لآتِيَنَّ بهِ فرعونَ فليَنْحَلَنَّهُ وليُكْرِمَنَّهُ، فلمَّا دخلت بهِ عليهِ جعلَهُ في حجرِهِ، فتناولَ موسى لِحْيَةَ فرعونَ يَمُدُّها إلى الأرضِ، فقال الغواةُ من أعداءِ اللهِ لفرعونَ : ألا ترى ما وعد اللهُ إبراهيمَ نبيَّهُ، إنَّهُ زعم أن يرثِكَ ويعلوكَ ويصرعكَ، فأرسلَ إلى الذَّبَّاحينَ ليذبحوهُ. وذلك من الفُتُونِ يا ابنَ جبيرٍ بعد كلِّ بلاءٍ ابْتُلِيَ بهِ، وأُريدَ بهِ. فجاءت امرأةُ فرعونَ فقالت : ما بدا لك في هذا الغلامِ الذي وهبتَهُ لي ؟ فقال : ألا تَرَيْنَهُ يزعمُ أنَّهُ يصرعني ويعلوني. فقالت : اجعلْ بيني وبينك أمرًا يُعْرَفُ فيهِ الحقُّ، ائتِ بجمرتيْنِ ولؤلؤتيْنِ، فقرِّبْهُنَّ إليهِ، فإن بطشَ باللؤلؤتيْنِ واجتنبْ الجمرتيْنِ فاعرفْ أنَّهُ يَعْقِلْ وإن تناولَ الجمرتيْنِ ولم يَرُدَّ اللؤلؤتيْنِ علمتَ أنَّ أحدًا لا يُؤْثِرُ الجمرتيْنِ على اللؤلؤتيْنِ وهو يَعْقِلُ، فقَرَّبَ إليهِ، فتناولَ الجمرتيْنِ، فانتزعهما منهُ مخافةَ أن يحرقا يدَهُ، فقالت امرأةُ فرعونَ : ألا ترى ؟ فصرفَهُ اللهُ عنهُ بعد ما كان قد همَّ بهِ، وكان اللهُ بالغًا فيهِ أمرَهُ. فلمَّا بلغ أَشُدَّهُ وكان من الرجالِ، لم يكن أحدٌ من آلِ فرعونَ يخلصُ إلى أحدٍ من بني إسرائيلَ معهُ بظلمٍ ولا سخرةٍ، حتى امتنعوا كلَّ الامتناعِ، فبينما موسى عليهِ السلامُ يمشي في ناحيةِ المدينةِ، إذ هو برجليْنِ يقتتلانِ، أحدهما فرعونيٌّ والآخرُ إسرائيليٌّ، فاستغاثَهُ الإسرائيليُّ على الفرعونيِّ، فغضب موسى غضبًا شديدًا، لأنَّهُ تناولَهُ وهو يعلمُ منزلتَهُ من بني إسرائيلَ وحِفْظِهِ لهم، لا يعلمُ الناسُ إلا أنما ذلك من الرضاعِ، إلا أمُّ موسى، إلا أن يكون اللهُ أطلعَ موسى من ذلك على ما لم يُطْلِعْ عليهِ غيرُهُ. فوكزَ موسى الفرعونيَّ، فقتلَهُ وليس يراهما أحدٌ إلا اللهُ عزَّ وجلَّ والإسرائيليُّ، فقال موسى حين قتلَ الرجلَ : هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ. ثم قال : رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، فأصبحَ في المدينةِ خائفًا يترقَّبُ الأخبارَ، فأُتِيَ فرعونُ، فقيل لهُ : إنَّ بني إسرائيلَ قتلوا رجلًا من آلِ فرعونَ فخُذْ لنا بحَقِّنَا ولا تُرَخِّصْ لهم. فقال : أبغوني قاتِلَهُ، ومن يشهدُ عليهِ، فإنَّ الملكَ وإن كان صَفْوُهُ مع قومِهِ لا يستقيمُ لهُ أن يُقِيدَ بغيرِ بينَةٍ ولا ثَبْتٍ، فاطلبوا لي عِلْمَ ذلك آخُذُ لكم بحقكم. فبينما هم يطوفونَ ولا يجدون ثَبْتًا، إذا بموسى من الغدِ قد رأى ذلك الإسرائيليَّ يُقاتِلُ رجلًا من آلِ فرعونَ آخرَ، فاستغاثَهُ الإسرائيليُّ على الفرعونيِّ، فصادف موسى قد ندم على ما كان منهُ وكَرِهَ الذي رأى، فغضب الإسرائيليُّ وهو يريدُ أن يبطشَ بالفرعونيِّ، فقال للإسرائيليِّ لما فعل بالأمسِ واليومَ : إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ. فنظر الإسرائيليُّ إلى موسى بعد ما قال لهُ ما قال، فإذا هو غضبانٌ كغضبِهِ بالأمسِ الذي قتلَ فيهِ الفرعونيَّ فخاف أن يكون بعدما قال له إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ أن يكونَ إياهُ أرادَ، ولم يكن أرادَهُ، وإنَّما أرادَ الفرعونيَّ، فخاف الإسرائيليُّ وقال : يا موسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ وإنما قالَهُ مخافةَ أن يكون إياهُ أراد موسى ليقتلَهُ، فتتاركا وانطلقَ الفرعونيُّ فأخبرهم بما سمع من الإسرائيليِّ من الخبرِ حين يقولُ أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ فأرسل فرعونُ الذَّبَّاحينَ ليقتلوا موسى، فأخذ رُسُلُ فرعونَ في الطريقِ الأعظمِ يمشونَ على هيئتهم يطلبونَ موسى وهم لا يخافون أن يفوتهم، فجاء رجلٌ من شيعةِ موسى من أقصى المدينةِ فاختصرَ طريقًا حتى سبقهم إلى موسى فأخبرَهُ، وذلك من الفُتُونِ يا ابنَ جبيرٍ. فخرج موسى مُتَوَجِّهًا نحوَ مَدْيَنَ لم يَلْقَ بلاءً قبل ذلك، وليس لهُ بالطريقِ علمٌ إلا حُسْنُ ظنِّهِ بربهِ عزَّ وجلَّ فإنَّهُ قال عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ، وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ يعني بذلك حابستيْنِ غنمهما فقال لهما : ما خطبكما معتزلتيْنِ لا تسقيانِ مع الناسِ ؟ قالتا : ليس لنا قوةٌ نُزاحِمُ القومَ وإنما ننتظرُ فُضُولَ حياضهم، فَسَقَى لهما فجعل يغترفُ في الدَّلْوِ ماءً كثيرًا حتى كان أولَ الرُّعَاءِ، فانصرفتا بغنمهما إلى أبيهما وانصرف موسى عليهِ السلامُ فاستظَلَّ بشجرةٍ وقال رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ واستنكرَ أبوهما سرعةَ صدورهما بغنمهما حُفَّلًا بِطَانًا فقال : إنَّ لكما اليومَ لشأنًا، فأخبرتاهُ بما صنع موسى، فأمر إحداهما أن تدعوهُ، فأتتْ موسى فدعتْهُ فلمَّا كلَّمَهُ قال لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ليس لفرعونَ ولا لقومِهِ علينا سلطانٌ، ولسنا في مملكتِهِ، فقالت إحداهما : يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ، إِنَّ خَيْرَ مِنَ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ فاحتملتْهُ الغِيرَةُ على أن قال لها : ما يُدْرِيكِ ما قوتُهُ وما أمانتُهُ ؟ قالت : أما قُوَّتُهُ فما رأيتُ منهُ في الدَّلْوِ حين سقى لنا، لم أَرَ رجلًا قطُّ أقوى في ذلك السَّقْيِ منهُ، وأما الأمانةُ فإنَّهُ نظر إلي حينِ أقبلتْ إليهِ وشَخَصَتْ لهُ، فلمَّا علم أني امرأةٌ صَوَّبَ رأسَهُ فلم يرفعْهُ حتى بَلَّغْتُهُ رسالتكَ، ثم قال لي : امشي خلفي وانْعُتِي لي الطريقَ، فلم يفعل هذا إلا وهو أمينٌ، فسُرِّيَ عن أبيها وصدَّقها وظَنَّ بهِ الذي قالت، فقال لهُ : هل لكَ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ففعل فكانت على نبيِّ اللهِ موسى ثماني سنينَ واجبةً وكانت سَنَتَانِ عِدَةً منهُ فقضى اللهُ عنهُ عِدَتَهُ فأَتَمَّها عشرًا. قال سعيدٌ هو ابنُ جبيرٍ : فلَقِيَنِي رجلٌ من أهلِ النصرانيةِ من علمائهم قال : هل تدري أيُّ الأجلَيْنِ قضى موسى ؟ قلتُ : لا، وأنا يومئذٍ لا أدري، فلقيتُ ابنَ عباسٍ فذكرتُ ذلك لهُ فقال : أما علمتَ أنَّ ثمانيًا كانت على نبيِّ اللهِ واجبةً لم يكن لنبيٍّ أن يَنْقُصَ منها شيئًا، ويعلمُ أنَّ اللهَ كان قاضيًا عن موسى عِدَتَهُ التي وعدَهُ فعِدَتُهُ التي وعدَهُ فإنَّهُ قضى عشرَ سنينَ، فلقيتُ النصرانيَّ فأخبرتُهُ ذلك فقال : الذي سألتَهُ فأخبركَ أعلمُ منكَ بذلك قلتُ : أجل وأَوْلَى. فلمَّا سار موسى بأهلِهِ كان من أمرِ النارِ والعصا ويدِهِ ما قَصَّ اللهُ عليك في القرآنِ، فشكا إلى اللهِ تعالى ما يَتَخَوَّفُ من آلِ فرعونَ في القتيلِ وعُقْدَةِ لسانِهِ، فإنَّهُ كان في لسانِهِ عُقْدَةً تمنعُهُ من كثيرٍ من الكلامِ، وسأل ربهُ أن يُعِينَهُ بأخيهِ هارونَ يكونُ لهُ رِدْءًا ويتكلَّمُ عنهُ بكثيرٍ مما لا يُفْصِحُ بهِ لسانُهُ، فآتاهُ اللهُ سُؤْلَهُ وحلَّ عقدةً من لسانِهِ وأوحى اللهُ إلى هارونَ وأَمَرَهُ أن يلقاهُ، فاندفع موسى بعصاهُ حتى لَقِيَ هارونَ عليهما السلامُ فانطلقا جميعًا إلى فرعونَ فأقاما على بابِهِ حينًا لا يُؤْذَنُ لهما، ثم أُذِنَ لهما بعد حجابٍ شديدٍ فقالا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ قال : فمن ربكما ؟ فأخبرَهُ بالذي قَصَّ اللهُ عليكَ في القرآنِ، قال : فما تريدانِ ؟ وذَكَّرَهُ القتيلَ فاعتذرَ بما قد سمعتَ، قال : أريدً أن تُؤْمِنَ باللهِ وتُرْسِلَ معيَ بني إسرائيلَ، فأَبَى عليهِ وقال ائْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فألقى عصاهُ فإذا هي حيَّةٌ تسعى عظيمةٌ فاغِرَةٌ فاها مسرعةٌ إلى فرعونَ ، فلمَّا رآها قاصدةً إليهِ خافها فاقتحمَ عن سريرِهِ واستغاثَ بموسى أن يَكُفَّهَا عنهُ ففعلَ، ثم أخرج يدَهُ من جيبِهِ فرآها بيضاءَ من غيرِ سوءٍ يعني من غيرِ بَرَصٍ ثم رَدَّهَا فعادت إلى لونها الأولِ، فاستشار الملأَ حولَهُ فيما رأى، فقالوا لهُ : هَذَانِ سَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى يعني مُلْكَهُمْ الذي هم فيهِ والعيشِ، وأَبَوْا على موسى أن يُعْطُوهُ شيئًا ممَّا طلبَ، وقالوا لهُ : اجمعْ لهما السحرةَ فإنَّهم بأرضكَ كثيرٌ حتى تَغْلِبَ بسحركَ سحرهما، فأرسلَ إلى المدائنِ فحُشِرَ لهُ كلُّ ساحرٍ متعالمٍ، فلمَّا أَتَوْا فرعونَ قالوا : بم يعملُ هذا الساحرُ ؟ قالوا : يعمل بالحَيَّاتِ، قالوا : فلا واللهِ ما أَحَدٌ في الأرضِ يعملُ بالسحرِ بالحَيَّاتِ والحبالِ والعِصِيِّ الذي نعملُ، وما أَجْرُنَا إن نحنُ غَلَبْنَا ؟ قال لهم : أنتم أقاربي وخاصَّتي، وأنا صانعٌ إليكم كلَّ شيٍء أحببتم، فتواعدوا يومَ الزينةِ وأنْ يُحْشَرَ الناسُ ضحىً، قال سعيدُ بنُ جبيرٍ : فحدَّثني ابنُ عباسٍ أنَّ يومَ الزينةَ الذي أظهرَ اللهُ فيهِ موسى على فرعونَ والسحرةَ هو يومُ عاشوراءَ. فلمَّا اجتمعوا في صعيدٍ واحدٍ قال الناسُ بعضهم لبعضٍ : انطلقوا فلنحضر هذا الأمرَ لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ يعنون موسى وهارونَ استهزاءً بهما، فقالوا : يا موسى لقدرتهم بسحرهم إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ، قَالَ: بَلْ أَلْقُوا فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ فرأى موسى من سحرهم ما أوجسَ في نفسِهِ خيفةً، فأوحى اللهُ إليهِ أن أَلْقِ عصاكَ، فلمَّا ألقاها صارت ثعبانًا عظيمةً فاغِرَةً فاها، فجعلتِ العِصِيُّ تلتبسُ بالحبالِ حتى صارت جَزَرًا إلى الثعبانِ، تدخلُ فيهِ، حتى ما أبقت عصًا ولا حبالًا إلا ابتلعتْهُ، فلمَّا عرفتِ السحرةُ ذلك قالوا، لو كان هذا سحرًا لم يبلغ من سحرنا كلَّ هذا، ولكنَّهُ أمرٌ من اللهِ عزَّ وجلَّ، آمَنَّا باللهِ وبما جاء بهِ موسى، ونتوبُ إلى اللهِ ممَّا كُنَّا عليهِ، فكسرَ اللهُ ظهرَ فرعونَ في ذلك الموطنِ وأشياعِهِ، وظَهَرَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ وامرأةُ فرعونَ بارزةٌ متبذلةٌ تدعو اللهَ بالنصرِ لموسى على فرعونَ وأشياعِهِ، فمن رآها من آلِ فرعونَ ظنَّ أنَّها إنما ابتُذِلَتْ للشفقةِ على فرعونَ وأشياعِهِ، وإنَّما كان حزنها وهَمُّها لموسى. فلمَّا طال مُكْثُ موسى بمواعيدِ فرعونَ الكاذبةِ، كلَّما جاء بآيةٍ وعدَهُ عندها أن يُرْسِلَ معهُ بني إسرائيلَ، فإذا مَضَتْ أخلفَ موعدَهُ وقال : هل يستطيعُ ربكَ أن يصنعَ غيرَ هذا ؟ فأرسلَ اللهُ على قومِهِ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقَمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ، كلُّ ذلك يشكو إلى موسى ويطلبُ إليهِ أن يَكُفَّها عنهُ، ويُوَاثِقُهُ على أن يُرْسِلَ معهُ بني إسرائيلَ، فإذا كَفَّ ذلك عنهُ أخلفَ موعدَهُ، ونكث عهدَهُ. حتى أمرَ اللهُ موسى بالخروجِ بقومِهِ فخرج بهم ليلًا، فلمَّا أصبح فرعونُ ورأى أنهم قد مَضَوْا أَرْسَلَ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ، فتبعَهُ بجنودٍ عظيمةٍ كثيرةٍ، وأوحى اللهُ إلى البحرِ : إذا ضربكَ عبدي موسى بعصاهُ فانفلِقْ اثنتيْ عشرةَ فِرْقَةً، حتى يجوزَ موسى ومن معهُ، ثم التَقِ على من بَقِيَ بعد من فرعونَ وأشياعِهِ. فنسيَ موسى أن يضربَ البحرَ بالعصا وانتهى إلى البحرِ ولهُ قصيفٌ، مخافةَ أن يضربَهُ موسى بعصاهُ وهو غافلٌ فيصيرُ عاصيًا للهِ. فلمَّا تراءى الجَمْعَانِ وتقاربا قال أصحابُ موسى : إِنَّا لَمُدْرَكُونَ، افعلْ ما أمركَ بهِ ربكَ، فإنَّهُ لم يَكْذِبْ ولم تَكْذِبْ. قال : وعدني أن إذا أتيتُ البحرَ انْفَرَقَ اثنتيْ عشرةَ فِرْقَةً، حتى أُجَاوِزُهُ : ثم ذكر بعد ذلك العصا فضرب البحرَ بعصاهُ حين دنا أوائلُ جُنْدِ فرعونَ من أواخرِ جُنْدِ موسى، فانفرقَ البحرُ كما أمرَهُ ربهُ وكما وعد موسى فلمَّا أن جاز موسى وأصحابُهُ كلُّهم البحرَ، ودخل فرعونُ وأصحابُهُ، التقى عليهم البحرُ كما أُمِرَ فلمَّا جاوزَ موسى البحرَ قال أصحابُهُ : إنَّا نخافُ أن لا يكون فرعونُ غَرِقَ ولا نُؤْمِنُ بهلاكِهِ. فدعا ربهُ فأخرجَهُ لهُ ببدنِهِ حتى استيقنوا بهلاكِهِ. ثم مَرُّوا بعد ذلك عَلَى قَوْمٍ يَعْكِفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ قد رأيتم من العِبَرِ وسمعتم ما يكفيكم ومضى. فأنزلهم موسى منزلًا وقال : أطيعوا هارونَ فإني قد استخلفتُهُ عليكم، فإني ذاهبٌ إلى ربي. وأَجَّلَهُمْ ثلاثينَ يومًا أن يرجعَ إليهم فيها، فلمَّا أتى ربهُ وأرادَ أن يُكَلِّمَهُ في ثلاثينَ يومًا وقد صامهُنَّ ليلهُنَّ ونهارهُنَّ، وكَرِهَ أن يُكَلِّمَ ربهُ وريحُ فيهِ، ريحُ فمِ الصائمِ، فتناولَ موسى من نباتِ الأرضِ شيئًا فمضغَهُ، فقال لهُ ربهُ حين أتاهُ : لم أفطرتَ ؟ وهو أعلمُ بالذي كان : قال : يا ربِّ، إني كرهتُ أن أُكَلِّمَكَ إلا وفَمِي طَيِّبُ الرِّيحِ. قال : أوما علمتَ يا موسى أنَّ رِيحَ فمِ الصائمِ أطيبُ من ريحِ المِسْكِ، ارجع فصُمْ عشرًا ثم ائتني. ففعل موسى عليهِ السلامُ ما أُمِرَ بهِ، فلمَّا رأى قومُ موسى أنَّهُ لم يرجع إليهم في الأَجَلِ، ساءهم ذلك : وكان هارونُ قد خطبهم وقال : إنَّكم قد خرجتم من مصرَ، ولقومِ فرعونَ عندكم عَوَارِيَ وودائعُ، ولكم فيهم مثلُ ذلك ولا ممسكيهِ لأنفسنا، فحفرَ حفيرًا، وأمر كلَّ قومٍ عندهم من ذلك من متاعٍ أو حِلْيَةٍ أن يقذفوهُ في ذلك الحفيرِ، ثم أوقدَ عليهِ النارَ فأحرقَهُ، فقال : لا يكونُ لنا ولا لهم. وكان السامريُّ من قومٍ يعبدونَ البقرَ، جيرانٌ لبني إسرائيلَ، ولم يكن من بني إسرائيلَ، فاحتملَ مع موسى وبني إسرائيلَ حينَ احتملوا، فقضى لهُ أن رأى أَثَرًا فقبضَ منهُ قبضةً، فمرَّ بهارونَ، فقال لهُ هارونُ عليهِ السلامُ : يا سامريُّ، ألا تُلْقِي ما في يدكَ ؟ وهو قابضٌ عليهِ، لا يراهُ أحدٌ طُوَالَ ذلكَ، فقال : هذهِ قبضةٌ من أَثَرِ الرسولِ الذي جاوزَ بكمُ البحرَ، ولا أُلْقِيهَا لشيٍء إلا أن تدعو اللهَ إذا ألقيتُهَا أن يكونَ ما أُريدُ. فألقاها، ودعا لهُ هارونُ، فقال : أُريدُ أن يكونَ عِجْلًا. فاجتمعَ ما كان في الحفيرةِ من متاعٍ أو حِلْيَةٍ أو نحاسٍ أو حديدٍ، فصار عِجْلَا أجوفَ ، ليس فيهِ روحٌ، ولهُ خُوَارٌ قال ابنُ عباسٍ : لا واللهِ، ما كان لهُ صوتٌ قطُّ، إنَّما كانت الريحُ تدخُلُ في دُبُرِهِ وتخرجُ من فيهِ، فكان ذلك الصوتَ من ذلكَ. فتفرَّقَ بنو إسرائيلَ فِرَقًا، فقالت فِرْقَةٌ : يا سامريُّ، ما هذا ؟ وأنتَ أعلمُ بهِ. قال : هذا ربكم، ولكن موسى أَضَلَّ الطريقَ. وقالت فِرْقَةٌ : لا نُكَذِّبُ بهذا حتى يرجعَ إلينا موسى، فإن كان ربنا لم نكن ضَيَّعْنَاهُ وعجزنا فيهِ حين رأيناهُ، وإن لم يكن ربنا فإنَّا نَتَّبِعُ قولَ موسى، وقالت فِرْقَةٌ : هذا عملُ الشيطانِ، وليس بربنا ولا نُؤْمِنُ بهِ ولا نُصَدِّقُ، وأُشْرِبَ فِرْقَةٌ في قلوبهم الصدقَ بما قال السامريُّ في العِجْلِ، وأعلنوا التكذيبَ بهِ، فقال لهم هارونُ : يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ، وَإِنَّ رَبَّكَمُ الرَّحْمَنُ. قالوا : فما بالُ موسى وعدنا ثلاثينَ يومًا ثم أخلفنا ؟ هذهِ أربعونَ يومًا قد مضتْ ؟ وقال سفهاؤهم : أخطأَ ربُّهُ فهو يطلبُهُ ويَتْبَعُهُ. فلمَّا كلَّمَ اللهُ موسى وقال لهُ ما قال : أَخْبَرَهُ بما لَقِيَ قومُهُ من بعدِهِ، فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا فقال لهم ما سمعتم في القرآنِ، وأخذ برأسِ أخيهِ يَجُرُّهُ إليهِ، وألقى الألواحَ من الغضبِ، ثم إنَّهُ عذرَ أخاهُ بعذرِهِ، واستغفرَ لهُ، وانصرفَ إلى السامريِّ فقال لهُ : ما حملكَ على ما صنعتَ ؟ قال : قَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ، وفطنتُ لها وعميتْ عليكم، فقذفتها وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا، ولو كان إلهًا لم يُخْلَصْ إلى ذلك منهُ، فاستيقنَ بنو إسرائيلَ بالفتنةِ، واغتُبِطَ الذين كان رأيهم فيهِ مثلَ رأي هارونَ، فقالوا لجماعتهم : يا موسى، سَلْ لنا ربكَ أن يفتحَ لنا بابَ توبةٍ نصنعها، فيُكَفِّرْ عنَّا ما عملنا. فاختارَ موسى قومَهُ سبعينَ رجلًا لذلك، لا يَأْلُو الخيرَ، خيارَ بني إسرائيلَ، ومن لم يُشْرِكْ في العِجْلِ، فانطلقَ بهم يسألُ لهمُ التوبةَ، فرجفتْ بهمُ الأرضَ، فاستحيا نبيُّ اللهِ من قومِهِ ومن وفدِهِ حين فُعِلَ بهم ما فُعِلَ، فقال : ربِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا وفيهم من كان اطَّلَعَ اللهُ منهُ على ما أُشْرِبَ قلبُهُ من حُبِّ العِجْلِ وإيمانٍ بهِ فلذلك رجفتْ بهمُ الأرضُ فقال : رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ فقال : يا ربِّ سألتُكَ التوبةَ لقومي، فقلتَ : إنَّ رحمتي كتبتُهَا لقومٍ غيرِ قومي فليتَكَ أَخَّرْتَنِي حتى تُخْرِجَنِي في أُمَّةِ ذلك الرجلِ المرحومةِ، فقال لهُ : إنَّ توبتهم أن يَقْتُلَ كلُّ رجلٍ منهم من لَقِيَ من والدٍ وولدٍ فيقتلُهُ بالسيفِ ولا يُبَالِي من قتلَ في ذلك الموطنِ وتاب أولئكَ الذين كان خَفِيَ على موسى وهارونَ واطَّلَعَ اللهُ من ذنوبهم فاعترفوا بها وفعلوا ما أُمِرُوا وغفرَ اللهُ للقاتلِ والمقتولِ. ثم سار بهم موسى عليهِ السلامُ مُتَوَجِّهًا نحوَ الأرضِ المقدسةِ، وأخذ الألواحَ بعد ما سكتَ عنهُ الغضبُ فأمرهم بالذي أُمِرَ بهِ أن يُبَلِّغَهُمْ من الوظائفِ، فثَقُلَ ذلك عليهم وأَبَوْا أن يُقِرُّوا بها، فنَتَقَ اللهُ عليهمُ الجبلَ كأنَّهُ ظُلَّةٌ ودنا منهم حتى خافوا أن يقعَ عليهم فأَخَذُوا الكتابَ بأيمانهم وهم مُصْغُونَ ينظرونَ إلى الجبلِ والكتابُ بأيديهم، وهم من وراءِ الجبلِ مخافةَ أن يقعَ عليهم، ثم مَضَوْا حتى أَتَوْا الأرضَ المقدسةَ فوجدوا مدينةً فيها قومٌ جَبَّارُونَ خَلْقُهُمْ خَلْقٌ مُنْكَرٌ، وذكروا من ثمارهم أمرًا عجيبًا من عِظَمِهَا، فقالوا : يا موسى إنَّ فيها قومًا جَبَّارِينَ لا طاقةَ لنا بهم، ولا ندخلها ماداموا فيها، فإن يخرجوا منها فإنَّا داخلونَ، قال رجلانِ من الذينَ يخافونَ قيل ليزيدٍ : هكذا قرأَهُ ؟ قال : نعم، من الجَبَّارِينَ آمَنَّا بموسى، وخرجا إليهِ فقالوا : نحنُ أعلمُ بقومنا إن كنتم إنَّما تخافونَ ما رأيتم من أجسامهم وعددهم فإنَّهم لا قلوبَ لهم ولا مَنَعَةَ عندهم فادخلوا عليهمُ البابَ فإذا دخلتموهُ فإنَّكم غالبونَ، ويقولُ أُناسٌ : إنَّهم من قومِ موسى، فقال الذينَ يخافونَ بنو إسرائيلَ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ فأغضبوا موسى فدعا عليهم وسمَّاهم فاسقينَ، ولم يَدْعُ عليهم قبلَ ذلك، لِمَا رأى منهم المعصيةَ وإساءتهم حتى كان يومئذٍ، فاستجاب اللهُ لهُ وسمَّاهم كما سمَّاهم فاسقينَ، فحرَّمَهَا عليهم أربعينَ سَنَةً يتيهونَ في الأرضِ، يُصْبِحُونَ كلَّ يومٍ فيسيرونَ ليس لهم قرارٌ ثم ظَلَّلَ عليهمُ الغمامَ في التِّيهِ وأنزلَ عليهمُ المَنَّ والسلوى وجعل لهم ثيابًا لا تَبْلَى ولا تَتَّسِخُ، وجعل بين ظهرانيهم حَجَرًا مُرَبَّعًا وأمرَ موسى فضربَهُ بعصاهُ فانفجرتْ منهُ اثنتا عشرةَ عينًا في كلِّ ناحيةٍ ثلاثُ أعينٍ، وأعلمَ كلَّ سِبْطٍ عَيْنُهُمُ التي يشربونَ منها فلا يرتحلونَ من مَنْقَلَةٍ إلا وجدوا ذلك الحَجَرَ معهم بالمكانِ الذي كان فيهِ بالأمسِ
خلاصة حكم المحدث : موقوف وكأنه تلقاه ابن عباس رضي الله عنه مما أبيح نقله من الإسرائيليات عن كعب الأحبار أو غيره
الراوي : سعيد بن جبير | المحدث : ابن كثير | المصدر : تفسير القرآن العظيم
الصفحة أو الرقم : 5/279
التصنيف الموضوعي: أنبياء - معجزات أنبياء - موسى أنبياء - هارون تفسير آيات - سورة القصص تفسير آيات - سورة طه
| أحاديث مشابهة |أصول الحديث

10 - لما كان ليلةَ أسريَ برسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى بيتِ المقدسِ، أتاهُ جبريلُ بدابّةٍ فوقَ الحمارِ ودون البغلِ، حملهُ جبريلُ عليها، ينتهي خُفُّها حيثُ ينتهي طرفُها، فلما بلغَ بيتَ المقدسِ وبلغَ المكانَ الذي يقالُ لهُ بابُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم أتى إلى الحجرِ الذي ثمّةَ، فغمزهُ جبريل بأصبعهِ فثقبهُ، ثم ربطها. ثم صعدَ فلما استويا في صرحةِ المسجدِ، قال جبريلُ : يا محمد، هل سألتَ ربكَ أن يريكَ الحورَ العينِ ؟ فقال : نعم. فقال : فانطلقْ إلى أولئكَ النسوةِ، فسلّمْ عليهنَّ وهنَّ جلوسٌ عن يسارِ الصخرةِ، قال : فأتيتهنّ فسلمتُ عليهنَّ، فرددنَ عليَّ السلامَ، فقلتُ : من أنتنَّ ؟ فقلنَ : نحنُ خيراتٌ حسانٌ، نساءُ قومٍ أبرارٌ، نُقّوا فلم يدرَنُوا. وأقاموا فلم يَظْعَنُوا، وخُلّدوا فلم يموتُوا. قال : ثم انصرفتُ، فلم ألبثْ إلا يسيرا حتى اجتمعَ ناسٌ كثيرٌ، ثم أذنَ مؤذنٌ، وأقيمتِ الصلاةُ قال : فقمنَا صفوفا ننتظرُ من يؤمُّنا. فأخذَ بيدِي جبريلُ عليهِ السلامُ، فقدّمنِي فصليتُ بهِم، فلما انصرفتُ قال جبريلُ : يا محمد، أتدرِي من صلى خلفكَ ؟ قال : قلتُ : لا. قال : صلى خلفكَ كل نبيّ بعثهُ اللهُ عز وجلَ. قال : ثم أخذَ بيدي جبريلُ فصعدَ بي إلى السماءِ، فلما انتهينَا إلى البابِ استفتحَ فقالوا : من أنتَ ؟ قال : أنا جبريلُ. قالوا : ومن معكَ ؟ قال : محمدٌ. قالوا : وقد بُعِثَ ؟ قال : نعم. قال : ففتحوا لهُ وقالوا : مرحبا بكَ وبمن معكَ. قال : فلما استوى على ظهرها إذا فيها آدمُ،، فقال لي جبريل : يا محمدُ، ألا تُسلِّمْ على أبيكَ آدمُ ؟ قال : قلتُ : بلى. فأتيتهُ فسلمتُ عليهِ، فردَّ عليَّ وقال : مرحبا بابني والنبي الصالح. قال : ثم عرجَ بي إلى السماءِ الثانيةِ فاستفتحَ، قالوا : من أنتَ ؟ قال : جبريلُ. قالوا : ومن معكَ ؟ قال : محمدٌ. قالوا : وقد بُعِثَ ؟ قال : نعم. ففتحوا له وقالوا : مرحبا بكَ وبمنْ معكَ. فإذا فيها عيسى وابنُ خالتهِ يحيى عليهما السلامُ. قال : ثم عرجَ بي إلى السماءِ الثالثةِ فاستفتحَ قالوا : من أنتَ ؟ قال : جبريلُ : قالوا : ومن معكَ ؟ قال : محمدٌ. قالوا : وقد بُعِثَ ؟ قال : نعم : ففتحوا وقالوا : مرحبا بكَ وبمن معكَ. فإذا فيها يوسفُ عليهِ السلامُ، ثم عرجَ بي إلى السماءِ الرابعةِ فاستفتحَ، قالوا : من أنتَ ؟ قال : جبريلُ، قالوا : ومن معكَ ؟ قال : محمدٌ. قالوا : وقد بُعِثَ ؟ قال : نعم. ففتحوا لهُ وقالوا : مرحبا بكَ وبمن معكَ ؟ فإذا فيها إدريسُ عليهِ السلامُ قال : فعرجَ بي إلى السماءِ الخامسةِ فاستفتحَ، قالوا : من أنتَ ؟ قال : جبريلُ : قالوا : ومن معكَ ؟ قال : محمدٌ. قالوا : وقد بُعِثَ ؟ قال : نعم. ففتحُوا وقالوا : مرحبا بكَ وبمن معكَ. فإذا فيها هارونُ عليهِ السلامُ. قال : ثم عرجَ بي إلى السماءِ السادسةِ فاستفتحَ، قالوا : من أنتَ ؟ قال : جبريلُ. قالوا : ومن معكَ ؟ قال : محمدٌ. قالوا : وقد بُعِثَ ؟ قال : نعم. ففتحوا وقالوا : مرحبا بك وبمن معكَ. فإذا فيها موسى عليهِ السلامُ. ثم عرجَ بي إلى السماءِ السابعةِ، فاستفتحَ جبريلُ، فقالوا : من أنتَ ؟ قال : جبريلُ. قالوا : ومن معكَ ؟ قال : محمدٌ. قالوا : وقد بُعِثَ إليهِ ؟ قال : نعم. ففتحوا له وقالوا : مرحبا بكَ وبمن معكَ، فإذا فيها إبراهيمُ عليهِ السلامُ. فقال جبريل : يا محمدُ، ألا تُسلّمْ على أبيكَ إبراهيمَ ؟ قال : قلت : بلى. فأتيتهُ فسلّمتُ عليهِ، فردَّ عليَّ السلامَ، وقال : مرحبا بكَ يا بنيَّ، والنبي الصالح. ثم انطلقَ بي على ظهرِ السماءِ السابعةِ حتى انتهى بي إلى نهرٍ عليهِ خيامُ الياقوتِ واللؤلؤِ والزبرجدِ، وعليه طيرٌ خضرٌ، أنعمُ طيرٍ رأيتُ. فقلتُ : يا جبريلُ، إن هذا الطيرَ لناعمٌ ؟ قال : يا محمدُ، آكلهُ أنعمُ منهُ، ثم قال : يا محمدُ أتدري أي نهرٍ هذا ؟ قال : قلتُ : لا. قال : هذا الكوثرُ الذي أعطاكَ اللهُ إياهُ. فإذا فيهِ آنيةٌ من الذهبِ والفضةِ، يجرِي على رضراضٍ من الياقوتِ والزمردِ، ماؤهُ أشدُّ بياضا من اللبنِ. قال : فأخذتُ منهُ آنيةً من الذهبِ، فاغترفتُ من ذلكَ الماءِ فشرِبتُ، فإذا هو أحلَى من العسلِ، وأشدُّ رائحةً من المسكِ. ثم انطلقَ بي حتى انتهيتُ إلى الشجرةِ، فغشيتنِي سحابةٌ فيها من كل لونٍ، فرفضنِي جبريلُ، وخررتُ ساجدا للهِ عز وجلَ، فقال اللهُ لي : يا محمدُ، إني يومَ خلقتُ السماواتِ والأرضَ فرضتُ عليكَ وعلى أمتكَ خمسينَ صلاةً، فقُمْ بها أنتَ وأمتكَ. قال : ثم انجلتْ عني السحابةُ وأخذَ بيدي جبريلُ، فانصرفتُ سريعا فأتيتُ على إبراهيمَ فلم يقلْ لي شيئا، ثم أتيتُ على موسى، فقال : ما صنعتَ يا محمدُ ؟ فقلتُ فرضَ ربي عليَّ وعلى أمتِي خمسينَ صلاةً. قال : فلنْ تستطيعَها أنتَ ولا أمتكَ، فارجعْ إلى ربكَ فاسألَهُ أن يخفِّفَ عنكَ. فرجعتُ سريعا حتى انتهيتُ إلى الشجرةِ، فغشيتنِي السحابةُ، ورفضنِي جبريلُ، وخررتُ ساجدا، وقلت : ربِّ، إنك فرضتَ عليّ وعلى أمتي خمسينَ صلاةً، ولن أستطيعها أنا ولا أمتِي، فخففْ عنا، قال : قد وضعتُ عنكُم عشرا. قال : ثم انجلتْ عني السحابةُ، وأخذَ بيدي جبريلُ وانصرفتُ سريعا، حتى أتيتُ على إبراهيمَ فلم يقلْ لي شيئا، ثم أتيتُ على موسى فقال لي : ما صنعتَ يا محمدُ ؟ فقلتُ : وضعَ ربي عني عشرا. فقال : أربعونَ صلاةً : لن تستطيعها أنتَ ولا أمتكَ، فارجعْ إلى ربكَ فاسألهُ أن يُخفّفَ عنكُم فذكرَ الحديث كذلكَ إلى خمسِ صلواتٍ، وخمسٌ بخمسينَ ثم أمرهُ موسى أن يرجعَ فيسألَ التخفيفَ، فقلتُ إني قد استحييتُ منهُ تعالى. قال : ثم انحدرَ، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لجبريل : مالي لم آتِ على سماءٍ إلا رحبوا بِي وضحِكوا إليَّ غيرَ رجلٍ واحدٍ، فسلمتُ عليهِ فردّ علي السلام فرحبَ بي ولم يضحكْ إليّ، قال : يا محمدُ، ذاكَ مالكٌ خازنُ جهنمَ لم يضحكْ منذُ خُلِقَ، ولو ضحكَ إلى أحدٍ لضحكَ إليكَ قال : ثم ركبَ منصرفا، فبينا هو في بعضِ طريقهِ مرَّ بعيرٍ لقريشٍ تحملُ طعاما، منها جملٌ عليهِ غرارتانِ : غرارةٌ سوداءُ، وغرارةٌ بيضاءُ، فلما حاذَى بالعيرِ نفرتْ منه واستدارتْ، وصُرِعَ ذلكَ البعيرُ وانكسرَ. ثم إنهُ مضى فأصبحَ، فأخبرَ عما كانَ، فلما سمعَ المشركونَ قولهُ أتوا أبا بكرٍ فقالوا : يا أبا بكرٍ، هل لكَ في صاحبكَ ؟ يُخبرُ أنه أتى في ليلتهِ هذهِ مسيرةُ شهرٍ، ثم رجعَ في ليلتهِ. فقال أبو بكرٍ رضي اللهُ عنهُ : إن كانَ قالهُ فقد صدقَ، وإنا لنصدقهُ فيما هو أبعدُ من هذا، نصدقهُ على خبرِ السماءِ. فقال المشركونَ لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ما علامةُ ما تقولُ ؟ قال : مررتُ بعيرٍ لقريشٍ، وهي في مكانِ كذا وكذا، فنفرتْ العيرُ منا واستدارتْ، وفيها بعيرٌ عليهِ غرارتانِ : غرارةٌ سوداءُ، وغرارةٌ بيضاءُ، فصُرِعَ فانكسرَ. فلما قدمتِ العيرُ سألوهُم، فأخبروهُم الخبرَ على مثلِ ما حدثهُم النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلكَ سُمّيَ أبو بكرٍ : الصديقُ وسألوهُ وقالوا : هل كانَ معكَ فيمن حضرَ موسى وعيسى ؟ قال : نعم. قالوا : فصفهُم. قال : نعم، أما موسى فرجلٌ آدمُ، كأنه من رجالِ أزدِ عمانَ، وأما عيسى فرجلُ ربعةٌ ، سبطٌ، تعلوهٌ حمرةٌ، كأنما يتحادرُ من شعرهِ الجمانُ

11 - ُ عن أبي هريرةَ أو غيره شكّ أبو جعفرُ في قولِ اللهِ عز وجل : { سُبْحَانَ الّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيلًا مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ، لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } قال : جاءَ جبريلُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعهُ ميكائيلُ، فقال جبريلُ لميكائيلَ : ائتنِي بطستٍ من ماءِ زمزمَ، كيْما أُطهرَ قلبهُ وأشرحَ له صدرهُ، قال : فشقَّ عنه بطنهُ، فغسلهُ ثلاثَ مراتٍ. واختلفَ إليهِ ميكائيلُ بثلاثِ طساسٍ من ماءِ زمزمَ فشرحَ صدرهَ ونزعَ ما كان فيهِ من غِلٍّ، وملأه حلما وعلما، وإيمانا ويقينا وإسلاما، وختمَ بين كتفيهِ بخاتمِ النبوةِ ثم أتاهُ بفرسٍ فحُمِلَ عليهِ، كلُّ خطوةٍ منهُ مُنتهى بصرهِ أو أَقصَى بصرهِ قال : فسارَ وسارَ معهُ جبريلُ عليهما السلام، قال : فأَتى على قومٍ يزرعونَ في يومٍ ويحصدونَ في يومٍ، كلما حصدوا عادَ كما كانَ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا جبريلُ، ما هذا ؟ قال : هؤلاءِ المُجاهدونَ في سبيلِ اللهِ، تُضاعفُ لهُم الحسنةُ بسبعمائةِ ضعفٍ، وما أنفقوا من شيء فهو يُخْلِفُه، وهو خيرُ الرازِقينَ ثم أتَى على قومٍ ترضخُ رؤوسهُم بالصخرِ، كلما رضختْ عادتْ كما كانتْ، ولا يُفتّرُ عنهم من ذلكَ شيء فقال : ما هؤلاءِ يا جبريلُ ؟ قال : هؤلاءِ الذينَ تتثاقلُ رؤوسهُم عن الصلاةِ المكتوبة ِ. ثم أَتَى على قومٍ على أقبالهٍم رِقاعٌ وعلى أدبارهِم رِقاعٌ، يسرحُونَ كما تسرحُ الإبلُ والنعم، ويأكلونَ الضريعَ والزقومَ ورضفَ جهنمَ وحجارتُها، قال : ما هؤلاءِ يا جبريلُ ؟ قال : هؤلاءِ الذين لا يؤدُّونَ صدقاتِ أموالهِم، وما ظلمهُم اللهُ شيئا، وما الله بظلّامٍ للعبِيدِ. ثم أَتى على قَوْمٍ بينَ أيديهم لحمٌ نضيجٌ في قدرٍ، ولحمٌ آخرُ نيىء في قدرٍ خبيثٍ، فجعلوا يأكلونَ من النيّىءِ الخبيثِ ويدعونَ النضيجَ الطيبَ، فقال : ما هؤلاءِ يا جبريلُ ؟ فقال : هذا الرجلُ من أمتكَ، تكونُ عندهُ المرأَةُ الحلال الطيبُ، فيأتي امرأةً خبيثةً فيبيتُ عندها حتى يصبِحَ، والمرأَةُ تقومُ من عندِ زوجها حلالا طيّبا، فتأتِي رجلا خبيثا فتبيتُ معهُ حتى تصبحَ. قال : ثم أتى على خشبةٍ على الطريقِ، لا يمرُّ بها ثوبٌ إلا شقتهُ، ولا شيء إلا خرقتهُ، قال : ما هذا يا جبريلُ ؟ قال : هذا مثل أقوامٍ من أمتكَ، يقعدونَ على الطريقِ يقطعونهُ، ثم تلا : { وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوْعِدُونَ } قال : ثم أتى على رجلٍ قد جمعَ حزمةَ حطبٍ عظيمةٍ لا يستطيعُ حملهُا، وهو يزيدُ عليها، فقال : ما هذا يا جبريلُ ؟ فقال : هذا الرجلُ من أمتكَ يكون عليهِ أماناتُ الناسِ لا يقدرُ على أدائها، وهو يريدُ أن يحملَ عليها. ثم أتى على قومٍ تُقرضُ ألسنتهُم وشفاهُم بمقارِيضَ من حديدٍ، كلما قُرضتْ عادت كما كانتْ، لا يُفتّر عنهم من ذلكَ شيء، قال : ما هؤلاء يا جبريلُ ؟ قال : هؤلاءِ خطباءُ الفتنةِ. ثم أتى على جحرٍ صغيرٍ يخرجُ منه ثورٌ عظيمٌ، فجعل الثورُ يريدُ أن يرجعَ من حيثُ خرجَ، فلا يستطيعُ، فقال : ما هذا يا جبريلُ ؟ فقال : هذا الرجلُ يتكلّمُ بالكلمةِ العظيمةِ، ثم يندمُ عليها فلا يستطيعُ أن يردها. ثم أتى على وادٍ فوجدَ ريحا طيّبة بارِدةً، وريُْحُ مسكٍ، وسمعَ صوتا، فقال : يا جبريلُ، ما هذه الريحُ الطيبةُ الباردةُ ؟ وما هذا المسكُ ؟ وما هذا الصوتُ ؟ قال : هذا صوتُ الجنةِ، تقول : يا رب، آتنِي ما وعدتَني فقد كثَّرتْ غرفِي، وإستبرقي وحريرِي وسُندسِي، وعبقَريّي ولُؤلؤي ومُرجاني، وفضَّتي وذهبِي، وأكوابي وصحافي، وأباريقي ومراكبي، وعسلي ومائي وخمري ولبني فآتني ما وعدتني. فقال : لكِ كل مسلمٍ ومسلمةٍ، ومؤمنٍ ومؤمنةٍ، ومن أمنَ بي وبرسُلِي وعملَ صالحا ولم يشركْ بي، ولم يتخذْ من دوني أندادا. ومن خشيني فهو آمنٌ، ومن سألني أعطيتُهُ، ومن أقرضَنِي جزيتهُ، ومن توكلَ علي كفيتُهُ، إني أنا اللهُ، لا إله إلا أنا، لا أُخلفُ الميعادَ، وقد أفلحَ المؤمنونَ وتباركَ اللهُ أحسنُ الخالقينَ. قالتْ : قد رضيتُ. قال : ثم أتى على وادٍ فسمعَ صوتا منكرا، ووجدَ ريحا منتنةً ، فقال : ما هذهِ الريحُ يا جبريلُ ؟ وما هذا الصوتِ ؟ فقال : هذا صوتُ جهنمَ، تقول : يا رب، آتني ما وعدتني، فقد كثرتْ سلاسِلِي وأغلالي، وسعيري وحميمي، وضريعي، وغَسّاقي وعذابي، وقد بعدُ قَعْرِي واشتدَّ حَرّي، فآتني كل ما وعدتني. فقال : لكِ كل مشركٍ ومشركةٍ، وكافرٍ وكافرةٍ، وكل خبيثٍ وخبيثةٍ وكل جبّارٍ لا يؤمنُ بيومِ الحسابِ. قالت : قد رضيتُ. قال : ثم سارَ حتى أتى بيتَ المقدسِ، فنزل فربطَ فرسهُ إلى صخرةٍ، ثم دخلَ فصلى مع الملائكةِ، فلما قضيتُ الصلاةَ قالوا : يا جبريلُ، من هذا معكَ ؟ قال : محمد صلى الله عليه وسلم. قالوا : أوقدْ أرسلَ محمد ؟ قال : نعم. قالوا : حيّاهُ الله من أخٍ ومن خليفةٍ، فنعمَ الأخُ ونعمَ الخليفةُ، ونعمَ المجيء جاء. قال : ثم لقي أرواحَ الأنبياءِ، فأثنوا على ربهم، فقال إبراهيمُ : الحمدُ للهِ الذي اتخذني خليلا، وأعطاني مُلكا عظيما، وجعلني أمّةً قانتا يُؤْتَمُّ بي، وأنْقَذَنِي من النار، وجعلها عليّ بردا وسلاما. ثم إن موسى عليه السلام أثنى على ربهِ عز وجلَ فقال : الحمدُ للهِ الذي كلمني تكليما، وجعلَ هلاكَ آل فرعونَ ونجاةَ بني إسرائيلَ على يديَّ، وجعلَ من أمتي قوما يهدُونَ بالحقِّ وبه يعدِلونَ. ثم إن داود عليه السلام أثنى على ربهِ فقال : الحمدُ للهِ الذي جعل لي ملكا عظيما، وعلّمني الزبورَ، وألانَ لي الحديدَ، وسخَّرَ لي الجبالَ يُسبّحنَ والطيرَ، وأعطاني الحكمةَ وفصْلَ الخِطَابِ. ثم إن سليمان عليه السلام أثنى على ربه فقال : الحمدُ للهِ الذي سخّرَ لي الرياحَ، وسخرَ لي الشياطينَ يعملونَ لي ما شئتُ من محاريبَ وتماثيلَ، وجفانٍ كالجوابِ وقدُورٍ راسياتٍ، وعلّمني مَنْطِقَ الطيرِ، وآتاني من كل شيءٍ فضلا، وسخرَ لي جنودَ الشياطينِ والإنسِ والطيرِ، وفضلني على كثيرٍ من عبادهِ المؤمنينَ، وآتاني ملكا عظيما لا ينبغي لأحدٍ من بعدي، وجعل ملكي ملكا طيبا ليسَ فيه حسابٌ. ثم إن عيسى عليه السلام أثنى على ربه عز وجل فقال : الحمدُ للهِ الذي جعلني كلمتهُ، وجعل مثلي مثلُ آدمَ، خلقهَ من ترابٍ ثم قال له : كنْ فيكونَ، وعلمني الكتابَ والحكمةَ والتوراةَ والإنجيلَ، وجعلني أَخلُقُ من الطينِ كهيئةِ الطيرِ فأنفخُ فيهِ فيكون طيرا بإذنِ اللهِ، وجعلني أبْرئُ الأكمهَ والأبرصَ وأحيي الموتَى بإذنهِ، ورفعني وطهرني، وأعاذني وأمي من الشيطانِ الرجيمِ، فلم يكن للشيطانِ علينا سبيلٌ. قال : ثم إنَّ محمدا صلى الله عليه وسلم أثنى على ربه عز وجل فقال : فكلكم أثنى على ربِّهِ، وإنني مثنٍ على ربي فقال : الحمدُ للهِ الذي أرسلني رحمةً للعالمينَ، وكافة للناس بشيرا ونذيرا، وأنزلَ عليّ الفرقانَ فيه بيانٌ لكل شيءٍ، وجعل أمتي خيرَ أمةٍ أخرجتْ للناسِ، وجعل أمتي أمةً وسطا، وجعل أمتي هم الأولينَ وهم الآخرينَ، وشرحَ لي صدري، ووضعَ عني وِزْرِي، ورفعَ لي ذِكْري، وجعلني فاتحا وخاتما. فقال إبراهيم : بهذا فضلكم محمدٌ صلى الله عليه وسلم. قال أبو جعفر الرازي : خاتِمُ النبوة فاتِحُ بالشفاعةِ يومَ القيامةِ. ثم أتي بآنيةٍ ثلاثةٍ مغطاةٌ أفواهها، فأتي بإناءٍ منها فيه ماءٌ فقيل : اشربْ. فشربَ منه يسيرا، ثم دفعَ إليه إناءٌ آخرَ فيه لبنٌ، فقيل له : اشربْ فشربَ منه حتى رُوِيَ. ثم دفعَ إليهِ إناءٍ آخر فيه خمرٌ فقيل له : اشربْ. فقال : لا أُريدُهُ قد رويتُ. فقال له جبريل : أما إنها ستحَرّمُ على أمتكَ، ولو شربتَ منها لم يتبعكَ من أمتك إلا قليلٌ. قال : ثم صعدَ بهِ إلى السماءِ فاستفتحَ، فقيلَ له : من هذا يا جبريلُ ؟ فقال : محمد. قالوا : أوقدْ أرسلَ ؟ قال : نعم. قالوا : حيّاهُ اللهُ من أخٍ ومن خَليفَةٍ، فنِعْم الأخُ ونِعَْمَ الخليفةُ، ونعم المجيءُ جاءَ، فدخل فإذا هو برجلٍ تامِّ الخلقِ، لم ينقصْ من خلقهِ شيء كما ينقصْ من خلقِ الناسِ، عن يمينهِ بابٌ يخرجُ منه ريحٌ طيبةٌ، وعن شمالهِ بابٌ يخرجُ منه ريحٌ خبيثةٌ، إذا نظر إلى البابَ الذي عن يمينهِ ضحكَ واستبشرَ، وإذا نظرَ إلى البابِ الذي عن يسارهِ بكى وحزنَ، فقلتُ : يا جبريلُ، من هذا الشيخُ التامُّ الخلقِ الذي لم ينقصْ من خلقهِ شيء ؟ وما هذان البابانِ ؟ فقال : هذا أبوكَ آدمُ، وهذا البابِ الذي عن يمينهِ بابُ الجنةِ، إذا نظرَ إلى من يدخلُ من ذريتهِ ضحك واستبشرَ، والباب الذي عن شمالهِ بابُ جهنمَ، إذا نظرَ إلى من يدخلهُ من ذريتهِ بكى وحزنَ. ثم صعدَ به جبريلُ إلى السماءِ الثانيةِ فاستفتحَ، فقيلَ : من هذا معكَ ؟ فقال : محمدٌ رسولُ اللهِ. قالوا : أو قدْ أرسلَ محمدٌ ؟ قال : نعم. قالوا : حياهُ اللهُ من أخٍ ومن خليفةٍ، فلنعمَ الأخُ ولنعمَ الخليفةُ، ونِعْمَ المجيءُ جاءَ. قال : فدخلَ، فإذا هو بشابينِ فقال : يا جبريلُ، من هذانِ الشابانِ ؟ قال : هذا عيسى بن مريمَ، ويحيى بن زكريا، ابنا الخالةِ عليهما السلامُ. قال : فصعدَ بهِ إلى السماءِ الثالثةِ فاستفتحَ، فقالوا من هذا ؟ قال : جبريلُ. قالوا : ومن معك ؟ قال : محمدٌ. قالوا : أو قدْ أرسلَ ؟ قال : نعم. قالوا : حياهُ اللهُ من أخٍ ومن خليفةٍ، فنعمَ الأخُ ونعمَ الخليفةُ، ونعمَ المجيءُ جاءَ. قال : فدخلَ فإذا هو برجلٍ قد فُضِّلَ على الناسِ في الحُسْنِ، كما فضلَ القمرُ ليلةَ البدرِ على سائرِ الكواكبِ، قال : من هذا يا جبريلُ الذي فُضِّلَ على الناسِ في الحُسْنِ ؟ قال : هذا أخوكَ يُوسُفُ عليهِ السلامُ. قال : ثم صعدَ بهِ إلى السماءِ الرابعةِ فاستفتحَ، فقالوا : من هذا ؟ قال : جبريلُ، قالوا : ومن معكَ ؟ قال : محمدٌ، قالوا : أوقدْ أرسلَ ؟ قال : نعم. قالوا : حياهُ اللهُ من أخٍ ومنْ خليفةٍ، فنعمَ الأخُ ونعمَ الخليفةُ، ونعمَ المجيءُ جاءَ قال : فدخل، فإذا هو برجلٍ، قال : من هذا يا جبريلُ ؟ قال : هذا إدْريسُ، رفعهُ اللهُ مكانا عليّا. ثم صعدَ بهِ إلى السماءِ الخامسةِ فاستفتحَ، فقالوا : من هذا ؟ قال : جبريلُ. قالوا : ومن معكَ ؟ قال : محمدٌ، قالوا أوقدْ أرسلَ ؟ قال : نعم. قالوا : حياهُ اللهُ من أخٍ ومن خليفةٍ، فنعمَ الأخُ ونعمَ الخليفةُ، ونعمَ المجيءُ جاءَ. ثم دخل فإذا هو برجلٍ جالسٍ وحولهُ قومٌ يقصُ عليهِم، قال : من هذا يا جبريلُ ؟ ومن هؤلاءِ حولهُ ؟ قال : هذا هارُونُ المُحبّبُ في قومهِ، وهؤلاءِ بنو إسرائيلَ. ثم صعدَ به إلى السماءِ السادسةِ فاستَفتحَ، قيل : من هذا ؟ قال : جبريلُ. قالوا ومن معكَ ؟ قال : محمدٌ، قالوا : أوقد أرسلَ ؟ قال : نعم. قالوا : حياهُ اللهُ من أخٍ ومن خليفةٍ، فنعمَ الأخُ ونعمَ الخليفةُ، ونعمَ المجيءُ، فإذا هو برجلٍ جالسٍ، فجاوزهُ فبكى الرجلُ، فقال : يا جبريلُ، من هذا ؟ قال : موسى. قال : فما بالهُ يبْكِي ؟ قال : زعمَ بنو إسرائيلَ أني أكرمُ بني آدمَ على اللهِ عز وجل، وهذا رجلٌ من بني آدمَ قد خلفَنِي في دنيا، وأنا في أخرى، فلو أنه بنفسهِ لم أُبَالِ، ولكن مع كل نبي أمتهِ. قال : ثم صعدَ بهِ إلى السماءِ السابعةِ فاستفتح، فقيلَ لهُ : من هذا ؟ قال : جبريلُ. قيل : ومن معكَ ؟ قال : محمدٌ. قالوا : أوقدْ أرسلَ ؟ قال : نعم. قالوا : حياهُ اللهُ من أخٍ ومن خليفةٍ، فنعمَ الأخُ ونعمَ الخليفةُ، ونعمَ المجيءُ جاءَ. قال : فدخل، فإذا هو برجلٍ أشْمَطَ جالسٌ عند بابَ الجنةِ على كرسِيّ، وعندهُ قومٌ جلوسٌ بيضُ الوجوهِ أمثالُ القراطيسِ، وقومٌ في ألوانهِم شيء، فقامَ هؤلاءِ الذين في ألوانهِم شيء فدخلوا نهرا فاغْتسلوا فيهِ فخرجوا وقد خَلُصَ من ألوانهِم شيء، ثم دخلوا نهرا آخر فاغتسلوا فيهِ، فخرجوا وقد خَلُصَ من ألوانهم شيءٌ، ثم دخلوا نهرا آخر فاغتسلوا فيه، فخرجوا وقد خَلُصَتْ ألوانهم فصارتْ مثل ألوانِ أصحابهم، فجاءوا فجلسوا إلى أصحابهم، فقال : يا جبريلُ، من هذا الأشمطُ ؟ ثم من هؤلاءِ البيضُ الوجوهِ ؟ ومن هؤلاءِ الذين في ألوانهم شيء وما هذهِ الأنهارُ التي دخلوا فيها فجاءوا وقد صفتْ ألوانهم ؟ قال : هذا أبوكَ إبراهيمُ، أولُ من شمّطَ على الأرضِ، وأما هؤلاء البيضِ الوجوهِ فقوم لم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ. وأما هؤلاءِ الذينَ في ألوانهم شيء، فقومٌ خلطوا عملا صالحا وآخرَ سيئا، فتابوا فتابَ اللهٌ عليهم، وأما الأنهارٌ فأولها رحمةُ اللهِ، والثاني نعمةُ اللهِ، والثالثُ سقاهم ربهم شرابا طهورا. قال : ثم انتهى إلى السدرةِ فقيل له : هذهِ السدرةُ ينْتَهِي إليها كلّ أحدٍ خلا من أمتكَ على سنتكَ.. فإذا هي شجرة يخرج من أصلها أنهارٌ من ماءٍ غير آسِنٍ ، وأنهارٌ من لبنٍ لم يتغيَّرْ طعمُهُ، وأنهارٌ من خمرٍ لذَّةٍ للشاربينَ، وأنهارٌ من عسلٍ مُصفَّى، وهي شجرةٌ يسيرُ الراكبُ في ظلها سبعينَ عاما لا يقطعها، والورقةُ منها مُغطَّيةٌ للأُمةِ كلها، قال : فغشيها نورُ الخلّاقِ عز وجل، وغشيَتها الملائكةُ أمثالَ الغِرْبانِ حين يقعنَ على الشجرةِ، قال : فكلّمهُ تعالى عند ذلكَ، قالَ له : سلْ، قال : إنكَ اتخذتَ إبراهيمَ خليلا، وأعطيتهُ ملكا عظيما، وكلمتَ موسى تكليما، وأعطيتَ داودَ ملكا عظيما، وألنتَ له الحديدَ، وسخرتَ له الجبالَ، وأعطيتَ سليمانَ ملكا، وسخرتَ له الجنَّ والإنسَ والشياطينَ، وسخرتَ له الرياحَ، وأعطيتهَ ملكا عظيما لا ينبغي لأحدٍ من بعدهِ. وعلمَّتَ عيسى التوراةَ والإنجيلَ، وجعلتهُ يُبرئُ الأكمهَ والأبرصَ ويحيي الموتَى بإذنكَ، وأعذتهُ وأمهُ من الشيطانِ الرجيم، فلم يكنْ للشيطانِ عليهما سبيلٌ. فقال له ربهُ عز وجلَ : وقد اتخذتُكَ خليلا وهو مكتوبٌ في التوراةِ : حبيبُ الرحمنِ وأرسلتكَ إلى الناسِ كافّة بشيرا ونذيرا، وشرحتُ لكَ صدركَ، ووضعتُ عنكَ وزركَ، ورفعتُ لك ذكركَ، فلا أُذْكَر إلا ذُكِرْتَ معي، وجعلتُ أمتكَ خيرُ أمةٍ أخرجتْ للناسِ، وجعلتُ أمتكَ أمةً وسطا، وجعلتُ أمتكَ هم الأولينَ والآخرينَ، وجعلتُ أمتكَ لا تجوزُ لهم خطبةٌ حتى يشهدوا أنكَ عبدي ورسولي، وجعلتُ من أمتكَ أقواما قلوبهُم أناجيلهُم، وجعلتكَ أولَ النبيينَ خلقا وآخرهُم بعثا، وأولهُم يقضى لهُ. وأعطيتكَ سبعا من المثاني لم يعطها نبي قبلكَ، وأعطيتكَ خواتيمَ سورةِ البقرةِ من كنزٍ تحتَ العرشِ لم أعطِها نبيا قبلكَ، وأعطيتكَ الكوثرَ، وأعطيتكَ ثمانيةَ أسهمٍ : الإسلامُ، والهجرةُ، والجهادُ، والصدقةُ، والصلاةُ، وصومُ رمضانَ، والأمرُ بالمعروفِ، والنهيُ عن المنكرِ. وجعلتكَ فاتحا وخاتما. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فضَّلنِي ربي بستٍّ : أعطاني فواتحِ الكلامِ وخواتيمهَ، وجوامعَ الحديثِ، وأرسلني إلى الناسِ كافةً بشيرا ونذيرا. وقذفَ في قلوبِ عدوي الرعبَ من مسيرةِ شهرٍ، وأُحِلّتْ لي الغنائمَ ولم تُحلّ لأحدٍ قبلي، وجُعِلَتْ لي الأرض كلها طهورا ومسجدا. قال : وفرضَ عليهِ خمسينَ صلاةً. فلما رجعَ إلى موسى قال : بمَ أُمِرْتَ يا محمدُ ؟ قال : بخمسينَ صلاةً. قال : ارجعْ إلى ربكَ فاسألهُ التخفيفَ، فإن أمتكَ أضعفُ الأممِ فقد لقيتُ من بني إسرائيلَ شِدّةً، قال : فرجعَ النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربهِ عز وجل فسألهُ التخفيفَ، فوضعَ عنه عشرا. ثم رجعَ إلى موسى فقال : بكم أمرتَ ؟ قال : بأربعينَ. قال ارجع إلى ربكَ فاسألهُ التخفيفَ، فإن أمتكَ أضعفُ الأمم ِ، وقد لقيتُ من بني إسرائيلَ شدةً قال : فرجعَ النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربهِ فسألهُ التخفيفَ، فوضعَ عنه عشرا، فرجع إلى موسى فقال : بكم أمرتَ ؟ قال : أمرتُ بثلاثينَ. فقال له موسى : ارجع إلى ربكَ فاسألهُ التخفيفَ فإن أمتكَ أضعفُ الأممِ وقد لقيتُ من بني إسرائيلَ شدةً قال : فرجعَ إلى ربهِ فسألهَ التخفيفَ، فوضعَ عنه عشرا. فرجعَ إلى موسى فقال. بكم أمرتَ ؟ قال : أمرتُ بعشرينَ. قال : ارجع إلى ربكَ فاسألهُ التخفيفَ، فإن أمتكَ أضعفُ الأممِ، وقد لقيتُ من بني إسرائيلَ شدةً. قال : فرجعَ إلى ربهِ فسألهَ التخفيفَ، فوضعَ عنه عشرا. فرجعَ إلى موسى فقال : بكم أمرتَ ؟ قال : أمرتُ بعشرٍ. قال : ارجع إلى ربكَ فاسألهُ التخفيفَ، فإن أمتكَ أضعفُ الأممِ، وقد لقيتُ من بني إسرائيلَ شدةً. قال : فرجعَ على حياءٍ إلى ربهِ، فسألهُ التخفيفَ فوضع عنه خمسا. فرجع إلى موسى فقال : بكم أمرتَ ؟ قال : بخَمْسٍ. فقال : ارجع إلى ربكَ فاسألهُ التخفيفَ، فإن أمتكَ أضعفُ الأممِ، وقد لقيتُ من بني إسرائيلَ شدةً، قال : قد رجعتُ إلى ربي حتى استحييْتُ، فما أنا راجعٌ إليهِ. قيل : أما إنكَ كما صبرتَ نفسكَ على خمسِ صلواتٍ، فإنهنّ يُجزينَ عنكَ خمسينَ صلاة، فإن كل حسنةٍ بعشرِ أمثالها، قال : فرضي محمدٌ صلى الله عليه وسلم كل الرضا، قال : وكانَ موسى عليه السلام من أشدهم عليهِ حين مرَّ بهِ، وخيرهِم لهُ حين رجعَ إليهِ
 

1 - عن أمِّ سلمةَ قالت كانت الليلةُ التي يدور فيها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ليلةَ النَّحرِ فكان رسولُ اللهِ عندي فدخل وهبُ بنُ زَمعةَ ورجلٌ من آل أبي أُميَّةَ مُتقمِّصَينِ فقال لهما رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أفضتُما قالا لا قال فانزِعا قميصَكما فنزعاهما فقال له وهبٌ ولم َيا رسولَ اللهِ فقال هذا يومُ أُرخِص لكم فيه إذا رميتُم الجمرةَ ونحرتُم هديًا إن كان لكم فقد حللتُم من كلِّ شيءٍ حُرِمتُم منه إلا النساءَ حتى تطوفوا بالبيتِ فإذا رميتُم ولم تُفيضوا صرتُم حُرُمًا كما كنتم أولَ مرةٍ حتى تطوفوا بالبيتِ
خلاصة حكم المحدث : غريب جدا لا أعلم أحدا من العلماء قال به
الراوي : أم سلمة أم المؤمنين | المحدث : ابن كثير | المصدر : البداية والنهاية
الصفحة أو الرقم : 5/169
التصنيف الموضوعي: حج - الإفاضة حج - التحلل حج - طواف الإفاضة يوم النحر حج - محظورات الإحرام حج - ما يحل بالتحلل الأول من محظورات الإحرام

2 - هاجَرَ خالدُ بْنُ حِزَامٍ إلى أرضِ الحبشةِ فَنَهِشَتْهُ حَيَّةٌ في الطَّرِيقِ فماتَ فنزلَتْ فيهِ وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا قال الزبيرُ وكُنْتُ أَتَوَقَّعُهُ وأنتَظِرُ قُدُومَهُ وأنا بِأرضِ الحبشةِ فما أَحْزَنَنِي شيءٌ حزنَ وفَاتُهُ حينَ بَلَغَنِي لأنَّهُ قَلَّ أحدٌ ممَّنْ هاجَرَ من قريشٍ إلَّا مَعَهُ بَعْضُ أهلِهِ أوْ ذِي رَحِمِهِ ولمْ يكنْ مَعِي أحدٌ من بَنِي أَسَدِ بنِ عَبْدِ العُزَّى ولا أرْجو غيرَهُ
خلاصة حكم المحدث : غريب جدا
الراوي : الزبير بن العوام | المحدث : ابن كثير | المصدر : تفسير القرآن العظيم
الصفحة أو الرقم : 2/346 التخريج : أخرجه ابن أبي حاتم في ((التفسير)) (5888)
التصنيف الموضوعي: تفسير آيات - سورة النساء قرآن - أسباب النزول مغازي - الهجرة إلى الحبشة مناقب وفضائل - خالد بن حزام مناقب وفضائل - فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
| أحاديث مشابهة |أصول الحديث

3 - عنِ ابنِ مسعودٍ وابنِ عبَّاسٍ إنَّ اللَّهَ تعالى أَوْحى إلى موسى إنِّي متوفٍّ هارونَ فائتِ بهِ جبلَ كذا وكذا فانطلقَ موسى وهارونُ نحوَ ذلكَ الجبلِ فإذا هم بشجرةٍ لم تُرَ شجَرةٌ مثلُها وإذا هُم ببيتٍ مبنيٍّ وإذا هُمْ بِسريرٍ عليهِ فَرْشٌ وإذا فيهِ ريحٌ طيِّبةٌ فلمَّا نظرَ هارونُ إلى ذلكَ الجبلِ والبيتِ وما فيهِ أعجبَهُ قال يا موسى إنِّي أحبُّ أنَّ أنامَ على هذا السَّريرِ قالَ لهُ موسى فَنَمْ عليهِ قالَ إنِّي أخافُ أن يأتيَ ربُّ هذا البيتِ فيغضبَ عليَّ قالَ لهُ لا ترهبْ أنا أكفيكَ ربَّ هذا البيتِ فنمْ قال يا موسى نَمْ مَعي فإن جاء ربُّ هذا البيتِ غضِبَ عليَّ وعليكَ جميعًا فلمَّا ناما أخذَ هارونَ الموتُ فلمَّا وجدَ حِسَّهُ قالَ يا موسى خدعْتني فلمَّا قُبِضَ رُفِعَ ذلكَ البيتُ وذهبتْ تِلْكَ الشَّجَرةُ ورُفعَ السَّريرُ بهِ إلى السَّماءِ فلمَّا رجعَ موسى إِلى قومهِ وليسَ معَهُ هارونُ قالوا فإنَّ موسى قَتلَ هارونَ وحسدَهُ حبَّ بني إسرائيلَ لهُ وكان هارونُ أكفَّ عنهم وألينَ لهم مِن موسى وكانَ في موسى بَعضُ الغِلظةِ عليهِمْ فلمَّا بَلغَهُ ذلكَ قالَ لهمْ ويحَكُمْ كانَ أخي أفتَرَوني أقتلُهُ فلمَّا أكثروا عليهِ قامَ فصلَّى رَكعَتينِ ثمَّ دعا اللَّهَ فنزلَ السَّريرُ حتَّى نظروا إليهِ بينَ السَّماءِ والأرضِ ثمَّ إنَّ موسى عليهِ السَّلامُ بينما هُو يمشي ويوشَعَ فتاهُ إذْ أقبَلَتْ ريحٌ سوداءُ فلمَّا نظرَ إليها يوشَعُ ظنَّ أنَّها السَّاعَةُ فالتزمَ موسى وقالَ تقومُ السَّاعةُ وأنا ملتزِمٌ موسى نبيَّ اللَّهِ فاستُلَّ موسى عليهِ السَّلامُ من تحتِ القميصِ وتُرِكَ القميصُ في يدَي يوشَعَ فلمَّا جاءَ يوشعُ بالقميصِ آخذتْهُ بنو إسرائيلَ وقالوا قتلتَ نبيَّ اللَّهِ فقالَ لا واللَّهِ ما قتلتُهُ ولكنَّهُ استُلَّ منِّي فلم يصدِّقوهُ وأرادوا قتلَهُ قال فإذا لم تصدِّقوني فأخِّروني ثلاثةَ أيَّامٍ فدعا اللَّهَ فَأُتِيَ كلُّ رجلٍ ممَّن كانَ يحرسُهُ في المنامِ فأُخبِرَ أنَّ يوشَعَ لم يقتُلْ موسى وإنَّا قدْ رفعناهُ إلينا فتركوهُ ولم يبقَ أحدٌ ممَّن أبى أن يدخلَ قريةَ الجبَّارينَ معَ موسى إلَّا مات ولم يشهدِ الفتحَ
خلاصة حكم المحدث : في بعض هذا السياق نكارة وغرابة
الراوي : مرة الهمذاني وأبو صالح وأبو مالك | المحدث : ابن كثير | المصدر : البداية والنهاية
الصفحة أو الرقم : 1/296
التصنيف الموضوعي: أنبياء - معجزات أنبياء - موسى أنبياء - هارون أنبياء - يوشع بن نون علم - القصص
| أحاديث مشابهة

4 - عن كعبٍ أنه قال : إن سدرةَ المنتهَى على حدِّ السماءِ السابعةِ مما يلِي الجنةَ، فهي على حدِّ هواءِ الدنيا وهواءِ الآخرةِ، علوُّها في الجنةِ وعُروقُها وأغصانُها من تحتِ الكرسيِّ، فيها ملائكةٌ لا يعلمُ عدَّتهُم إلا اللهَ عز وجل، يعبدونَ اللهَ عز وجلَّ على أغصانِها في كلِ موضعِ شعرةٍ منها ملكٌ، ومقامُ جبريلَ عليهِ السلامُ في وسطِها، فينادي اللهُ جبريلَ أن ينزلَ في كل ليلةٍ قدْرٍ مع الملائكةِ الذين يسكنونَ سدرةَ المنتهَى ، وليسَ فيهم ملكٌ إلا قد أعطيَ الرأْفةَ والرحمةَ للمؤمنينَ، فينزلونَ على جبريلَ في ليلةِ القَدْرِ حين تغربُ الشمسُ، فلا تبقى بقعةٌ في ليلةِ القدرِ إلا وعليها ملكٌ إما ساجدٌ وإما قائمٌ يدعو للمؤمنينَ والمؤمناتِ إلا أن تكونَ كنيسةً أو بيعةً أو بَيْت نارٍ أو وثنٍ أو بعضُ أماكنكُم التي تطرحونَ فيها الخبثَ أو بيتٌ فيه سكرانٌ أو بيتٌ فيه مُسكرٌ أو بيتٌ فيه وثنٌ منصوبٌ أو بيتٌ فيه جرسٌ معلّقٌ أو مبولةٌ أو مكانٌ فيه كُساحةُ البيتِ فلا يزالونَ ليلتهم تلكَ يدعونَ للمؤمنينَ والمؤمناتِ، وجبريلُ لا يدعُ أحدا من المؤمنينَ إلا صافحهُ وعلامةُ ذلكَ من اقشعرَّ جلدهَ ورقَّ قلبهُ ودمعتْ عيناهُ فإن ذلكَ من مصافحةِ جبريلَ. وذكرَ كعبٌ أن من قال في ليلةِ القدرِ : لا إله إلا اللهُ ثلاثَ مراتٍ غفرَ اللهُ لهُ بواحدةٍ ونجَّاهُ من النارِ بواحدةٍ وأدخلهُ الجنةَ بواحدةٍ. قلنا لكعبِ الأحبارِ يا أبا إسحاقَ صادِقا ؟ فقال كعبٌ وهل يقولُ لا إله إلا اللهُ في ليلةِ القدرِ إلا كل صادقٍ ؟ والذي نفسي بيدهِ إن ليلةَ القَدْرِ لتثقلُ على الكافرِ والمنافقِ حتى كأنها على ظهرهِ جبلٌ فلا تزالَ الملائكةُ هكذا حتى يطلعَ الفجرُ، فأول من يصعدُ جبريلُ حتى يكون في وجهِ الأفقِ الأعلى من الشمسِ فيبسطُ جناحيهِ – وله جناحانِ أخضرانِ لا ينشُرُهُما إلا في تلكَ الساعةِ – فتصيِرُ الشمسُ لا شعاعَ لها ثم يدعو ملكا فيصعدُ فيجتمعُ نورُ الملائكةِ ونورُ جناحَيْ جبريلُ فلا تزالُ الشمسُ يومها ذلكَ متحيِّرةٌ، فيقيمُ جبريلُ ومن معهُ بين الأرضِ وبين السماءِ الدنيا يومهُم ذلكَ في دعاءٍ ورحمةٍ واستغفارٍ للمؤمنينَ والمؤمناتِ، ولمن صام رمضانَ احتسابا ودعا لمنْ حدّثَ نفسهُ إن عاشَ إلى قَابلٍ صامَ رمضانَ للهِ، فإذا أمسوا دخلوا السماءَ الدنيا فيجلسونَ حلقا فتجتمعُ إليهِم ملائكةُ سماءِ الدنيا فيسألونهُم عن رجلٍ رجلٍ وعن امرأةٍ امرأةٍ فيحدثونهُم حتى يقولوا : ما فعلَ فلانٌ ؟ وكيفَ وجدتموهُ العامَ ؟ فيقولون وجدنا فلانا عامَ أولَ في هذهِ الليلةِ متعبدا ووجدناهُ العامَ متعبدا، ووجدنا فلانا مبتدعا ووجدناهُ العام عابدا، قال : فيكفونَ عن الاستغفارِ لذلكَ ويقبلونَ على الاستغفارِ لهذا، ويقولونَ وجدنا فلانا وفلانا يذكرانِ اللهِ ووجدنا فلانا راكعا وفلانا ساجدا ووجدناه تاليا لكتابِ اللهِ، قال : فهمْ كذلكَ يومهُم وليلتهُم حتى يصعدوا إلى السماءِ الثانيةِ ففي كلِ سماءٍ يومٌ وليلةٌ حتى ينتهوا مكانهم من سدرةِ المنتَهى، فتقولُ لهم سدرةُ المنتَهى يا سكّاني حدثوني عن الناسِ وسموهُم لي فإن لي عليكُم حقا، وإني أحبُ من أحبَ اللهَ، فذكرَ كعبٌ أنهم يعدونَ لها ويحكونَ لها الرجلَ والمرأةَ بأسمائهِم وأسماءِ آبائهِم، ثم تقبلُ الجنةُ على السدرةِ فتقولُ : أخبريني بما أخبركِ به سكانكِ من الملائكةِ، فتخبرها، قال : فتقول الجنة : رحمةُ اللهِ على فلانٍ ورحمةُ اللهِ على فلانةٍ، اللهم عجلهُم إليَّ، فيبلغُ جبريلُ مكانهُ قبلهُم، فيلهِمهُ اللهُ فيقول : وجدتُ فلانا ساجدا فاغفرْ لهُ فيغفرُ لهُ، فيسمعُ جبريلُ جميعُ حملةِ العرشِ فيقولون : رحمةُ اللهَ على فلانٍ ورحمةُ اللهِ على فلانةٍ ومغفرتهُ لفلانٍ، ويقول : يا ربِّ وجدتُ عبدكَ فلانا الذي وجدتهُ عامَ أولَ على السنةِ والعبادةِ، ووجدتهُ العامَ قد أحدثَ حدثا وتولى عما أمرَ بهِ، فيقول الله : يا جبريلُ إن تابَ فأعتبنِي قبلَ أن يموتَ بثلاثِ ساعاتٍ غفرتُ لهُ، فيقولُ جبريلُ : لكَ الحمدُ إلهي أنتَ أرحمُ من جميعِ خلقكَ، وأنتَ أرحمُ بعبادكَ من عبادكَ بأنفسهِم، قال : فيرتجُّ العرشُ وما حولهُ والحُجبُ والسمواتُ ومن فيهنَّ، تقول : الحمدُ للهِ الرحيم الحمدُ للهِ الرحيم. قال : وذكر كعبٌ أنه من صامَ رمضانَ وهو يحدثُ نفسهُ إذا أفطرَ بعدَ رمضانَ أن لا يعصي اللهَ دخلَ الجنةَ بغيرِ مسألةٍ ولا حسابٍ

5 - وفَدتُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ سابعَ سبعةٍ من قومنا، فأعجبه ما رأى من سمْتِنا، وزيِّنا، فقال: ما أنتم؟ فقلنا: مؤمنون، فتبسم، وقال: إن لكلِّ قولٍ حقيقةً، فما حقيقةُ إيمانِكم؟ قال سويدٌ: فلنا خمسَ عشرةَ خَصلةً: خمسٌ منها أمرَتنا رسلُك أن نؤمنَ بها، وخمسٌ أمرَتنا أنْ نعملَ بها، وخمسٌ تخلَّقْنا بها في الجاهليةِ، ونحن عليها إلا أن تكرَه منها شيئًا. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: وَمَا الخمسُ التي أمرتْكم رسلي أن تؤمنوا بها؟ قلنا: أن نؤمنَ باللهِ، وملائكتِه، وكتبِه، ورسلِه، والبعثِ بعد الموتِ، قال: وما الخمسُ التي أمرْتُكُم أنْ تعملوا بها؟ قلتُ: نقولُ: لا إلهَ إلا اللهُ محمدٌ رسولُ اللهِ، ونقيمُ الصَّلاةَ، ونؤتي الزَّكاةَ، ونحجُّ البيتَ، ونصومُ رمضانَ، قال: ومَا الخَمْسُ التي تخلَّقتم بها في الجاهليةِ؟ قلنا: الشكرُ عند الرجاءِ، والصَّبرُ عند البلاءِ، والصَّفُّ في مواطنِ اللِّقاءِ، والرضاءُ بمرِّ القضاءِ، والصَّبرُ عند شماتةِ الأعداءِ. فقال: حُكَماءُ وعلماءُ كادوا من صِدقِهم أن يكونوا أنبياءَ.
خلاصة حكم المحدث : غريب جدا
الراوي : سويد بن الحارث الأزدي | المحدث : ابن كثير | المصدر : جامع المسانيد والسنن
الصفحة أو الرقم : 4887 التخريج : أخرجه أبو نعيم الأصبهاني في ((حلية الأولياء)) (9/ 279)، والبيهقي في ((الزهد الكبير)) (970)، وقاضي المارستان في المشيخة (717) جميعهم مطولا.
التصنيف الموضوعي: إسلام - أركان الإسلام إيمان - أركان الإيمان قدر - الرضا بالقضاء إيمان - أصول الدين إيمان - الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله وشرائع الدين
| أحاديث مشابهة |أصول الحديث

6 - أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ ليلةَ أُسرِيَ بهِ رأى زَكرِيَّا في السَّماءِ فسَلَّمَ عليه وقال له يا أبا يَحيى خَبِّرنِي عن قَتلِكَ كيف كان ولم قتلَكَ بنو إسرائيلَ قال يا محمَّدُ أُخبِرُكَ أنَّ يحيى كان خيرَ أهلِ زمانِه وكان أجملَهُمْ وأصبَحَهُمْ وجهًا وكان كما قال الله تعالى { سَيِّدًا وحَصُورًا } وكان لا يحتاجُ إلى النِّساءِ فهوَتْهُ امرَأةُ مَلكِ بنِي إسرائيلَ وكانتْ بَغِيَّةً فأرسَلتْ إليهِ وعَصمَهُ اللَّهُ وامتنَع يحيى وأبى عليها فأَجمعتْ على قتلِ يحيى وَلهُم عيدٌ يجتمعون في كلِّ عامٍ وكانتْ سُنَّةُ الملكِ أَنْ يوعِدَ ولا يُخلِفَ ولا يَكذِبَ قال فخرج الملكُ إلى العيدِ فقامتِ امرأَتُه فشَيَّعَتْهُ وكان بِها مُعجَبًا ولم تَكنْ تفعَلُه فيما مَضى فَلمَّا أن شيَّعَتْهُ قال الملِكُ سلينِي فمَا سَألْتِنِي شَيئًا إلا أعطَيتُكِ قالتْ أريدُ دَمَ يحيى بنِ زَكَرِيَّا قال لها سَليني غيرَهُ قالت هوَ ذاك قال هوَ لكِ قال فبعثَتْ جَلاوِزَتَها إِلى يَحيى وَهُو في مِحرابِه يُصَلِّي وأنا إلى جَانِبِه أُصَلِّي قَالَ فَذُبِحَ فِي طَشْتٍ وحُمِلَ رأْسُهُ ودَمُهُ إليْهَا قال فقال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فما بلغ من صَبرِكَ قال ما انفَتَلْتُ من صَلاتي قال فلمَّا حُمِلَ رأسُهُ إليها فَوُضِعَ بين يديهَا فَلمَّا أمسَوْا خَسفَ الله بالملِكِ وأهلِ بيتِهِ وحَشَمِهِ فلمَّا أصبحوا قالتْ بنو إسرائيلَ قد غضِبَ إلهُ زَكَرِيَّا لزَكَرِيَّا فَتعالَوْا حتَّى نغْضَبَ لملِكِنا فنقتُلَ زَكَرِيَّا قال فخرجوا فِي طَلَبِي ليقتُلوني وجاءنيَ النَّذيرُ فهَرَبْتُ منهم وإِبلِيسُ أمَامهُم يَدُلُّهُم علَيَّ فلَمَّا تَخَوَّفتُ أنْ لا أُعجِزَهُمْ عَرضَتْ لِي شَجَرَةٌ فنادتني وقالت إليَّ إليَّ وانصدَعتْ لي ودَخلتُ فيها قال وجاء إبليسُ حتَّى أخد طرَفَ رِدائي والتأَمَتِ الشَّجرَةُ وبَقِيَ طرَفُ ردائي خَارجًا منَ الشَّجَرَةِ وجاءتْ بنو إسرائيلَ فقال إبليسُ أما رأيتموهُ دخل هذه الشَّجرَةَ هذا طَرفُ ردائِهِ دخلها بسِحْرِهِ فقالوا نَحرِقُ هذه الشَّجَرةَ فقال إبليسُ شُقُّوهُ بالمنشَارِ شَقًّا قال فشُقِقْتُ مع الشَّجَرَةِ بالمنشَارِ قال له النَّبِيُّ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ هلْ وَجدتَّ لَه مَسًّا أو وَجَعًا قال لا إنَّما وجدَتْ ذلكَ الشَّجَرَةُ الَّتِي جَعل اللَّهُ رُوحِي فيها
خلاصة حكم المحدث : غريب جدا وعجيب ورفعه منكر وفيه ما ينكر
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : ابن كثير | المصدر : البداية والنهاية
الصفحة أو الرقم : 2/49 التخريج : أخرجه ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (19/ 55)، وإسحق بن بشر كما في ((الدر المنثور)) للسيوطي (5/ 489) باختلاف يسير.
التصنيف الموضوعي: أنبياء - زكريا أنبياء - يحيى فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - إخبار النبي عن المغيبات فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - الإسراء والمعراج إيمان - ما جاء عن الأمم السابقة قبل الإسلام
| أحاديث مشابهة |أصول الحديث

7 - أتى رجلٌ ابنَ عَبَّاسٍ فقال: بلَغَنا أنَّك تذكُرُ سطِيحًا تزعُمُ أنَّ الله خَلَقه لم يخلُق مِن بنِي آدَمَ شيئًا يُشبِهه؟ قال: قال: نعم، إِنَّ اللهَ خَلَق سطِيحًا الغسَّانِيَّ لحمًا على وَضَمٍ، ولم يكُن فِيهِ عظمٌ ولا عَصَبٌ إِلَّا الجُمجُمةُ والكفَّانِ، وكان يُطوى مِن رِجليهِ إِلى تَرقُوَتِه كما يُطوى الثَّوبُ، ولم يكُن فِيهِ شيءٌ يتحرَّكُ إِلَّا لِسانُه، فلمَّا أراد الخُرُوجَ إِلى مكَّة حُمِل على وضمِه فأُتِي بِهِ مكَّة، فخرج إِليه أربعةٌ مِن قُريشٍ: عبدُ شمسٍ وهاشِمٌ ابنا عبدِ منافِ بنِ قُصيٍّ، والأحوصُ بنُ فِهرٍ، وعقِيلُ بنُ أبِي وقَّاصٍّ، فانتموا إِلى غيرِ نسبِهِم. وقالُوا: نحنُ أُناسٌ من جُمَحَ أتيناك، بلغنا قُدُومُك فرأينا أنَّ إِتيانَنا إِيَّاك حقٌّ لك واجِبٌ علينا، وأهدى إِليهِ قِيلٌ صفِيحةً هِندِيَّةً وصعدةً رُدينِيَّةً، فوُضعِت على بابِ البيتِ الحرامِ لينظُرُوا أَهَل يراها سَطِيحٌ أم لا. فقال: يا عَقِيلُ ناوِلنِي يَدَك فناوله يدَه، فقال: يا عَقِيلُ، والعالِمِ الخفِيَّة، والغافِرِ الخطِيَّة، والذِّمَّةِ الوفِيَّة، والكعبةِ المبنِيَّة، إِنَّك لجاءٍ بِالهدِيَّة؛ الصَّفِيحةِ الهِندِيَّة، والصَّعدةِ الرُّدينِيَّة. قالُوا: صَدَقْتَ يا سَطِيحُ، فقال: والآتِي بِالفَرَح، وقَوسِ قُزَح، وسائِرِ الفَرَح، واللَّطِيمِ المُنبطِح، والنَّخلِ والرُّطبِ والبَلَح، إِنَّ الغُراب حيثُ مرَّ سَنَح، فأخبر أنَّ القوم ليسُوا من جُمَح، وأنَّ نسَبَهم مِن قُريشٍ ذِي البِطَح، قالُوا: صدَقْتَ يا سطِيحُ، نحنُ أهلُ البيتِ الحرامِ أتيناك لِنزُورَك لِما بلَغَنا مِن عِلمِك، فأخبِرنا عمَّا يكُونُ فِي زمانِنا هذا وما يكُونُ بَعدَه، فلعلَّ أن يكُون عِندَك فِي ذلِك عِلمٌ. قال: الآن صدقتُم، خُذُوا مِنِّي ومِن إِلهامِ اللهِ إِيَّاي، أنتُم يا مَعشَرَ العَرَبِ فِي زمانِ الهَرَمِ، سواءٌ بصائِرُكُم وبصائِرُ العَجَمِ، لا عِلمَ عِندكُم ولا فَهْمَ، وينشأُ مِن عقِبِكُم ذوُو فَهمٍ يطلُبُون أنواعُ العِلمِ، فيكسِرُون الصَّنَم ويبلُغُون الرَّدمَ ويقتُلُون العَجَم، يطلُبُون الغُنْمَ. قالُوا: يا سطِيحُ فمَن يكُونُ أُولئِك؟ فقال لهم: والبيتِ ذِي الأركانِ، والأمنِ والسُّكَّانِ، لينشؤُنَّ مِن عقِبِكُم وِلدانٌ يكسِرُون الأوثان ، ويُنكِرُون عِبادةَ الشَّيطانِ، ويُوحِّدُون الرَّحمن، وينشُرُون دِين الدَّيَّانِ، يُشرِفُون البُنيان، ويستفتُون الفِتيان. قالُوا: يا سطِيحُ، مِن نسلِ من يكُونُ أُولئِك؟ قال: وأشرفِ الأشرافِ، والمُفضِي لِلإِسرافِ، والمُزعزِعِ الأحقافِ، والمُضعِفِ الأضعافِ، لينشؤُنَّ الآلافُ مِن عبدِ شمسٍ وعبدِ منافٍ نُشُوءًا يكُونُ فِيهِ اختِلافٌ، قالُوا: يا سَوْءتاه يا سطِيحُ ممَّا تُخبِرُنا مِن العِلمِ بِأمرِهِم، ومِن أيِّ بلدٍ يخرُجُ أُولئِك؟ فقال: والباقِي الأبد، والبالِغِ الأَمَد، ليخرُجَنَّ من ذا البلد، فتًى يهدِي إِلى الرَّشَد ، يرفُضُ يغُوثَ والفِند، يبرأُ مِن عِبادةِ الضِّدَد، يعبُدُ ربًّا انفَرَد، ثُمَّ يتوفَّاه الله محمُودًا، مِن الأرضِ مفقُودًا، وفِي السَّماءِ مشهودًا، ثُمَّ يلِي أمْرَه الصِّدِّيق، إِذا قضى صَدَق، وفِي ردِّ الحُقُوقِ لا خَرِقٌ ولا نَزِق، ثُمَّ يلِي أمْرَه الحنِيف، مُجرِّبٌ غِطرِيف، ويترُكُ قولَ العنِيف، قد ضاف المضِيف، وأحكَمَ التَّحنِيف، ثُمَّ يلِي أمْرَه داعِيًا لِأمرِهِ مُجرِّبًا، فيجتمِعُ له جُمُوعًا وعُصَبًا، فيقتُلُونه نِقمةً عليه وغَضَبًا، فيُؤخذُ الشَّيخُ فيُذبحُ إِربًا، فيقُومُ بِهِ رِجالٌ خُطباءُ، ثُمَّ يلِي أمره النَّاصِرُ، يخلِطُ الرَّأي بِرأي النَّاكِر، يُظهِرُ فِي الأرضِ العساكِر، ثُمَّ يلِي بعده ابنُه يأخُذُ جمعه، ويقِلُّ حمدُه، ويأخُذُ المال، ويأكُلُ وحده ويُكثِرُ المال لِعقِبِه مِن بعدِهِ، ثُمَّ يلِي مِن بعدِهِ عِدَّةُ مُلُوك، لا شكَّ الدَّمُ فِيهِم مسفُوك، ثُمَّ يلِي من بعدِهِمُ الصُّعلُوك، يطوِيهِم كطيِّ الدُّرنُوك، ثُمَّ يلِي مِن بعدِهِ عُظهورٌ يُقصِي الخَلْقَ ويُدنِي مُضَر، يفتتِحُ الأرض افتِتاحًا مُنكرًا، ثُمَّ يلِي قَصِيرُ القامة، بِظهرِه علامة، يمُوتُ موتًا وسلامة، ثُمَّ يلِي قلِيلًا باكِر، يترُكُ المُلْك بائِر، ثُمَّ يلِي أخُوه بِسُنَّتِهِ سابِر، يختصُّ بِالأموالِ والمنابِر، ثُمَّ يلِي مِن بعدِهِ أهوْجَ، صاحِبُ دُنيا ونعِيمٍ مُخلِج، يتشاورُه مُعاشِرُه وذوُوه، ينهضُون إِليهِ يخلعُونه بِأخذِ المُلكِ ويقتُلُونه، ثُمَّ يلِي أمره مِن بعدِهِ السَّابِع، يترُكُ المُلك محلًّا ضائِع، بنُوه فِي مُلكِهِ كالمُشوَّهِ جائِع، عِند ذلِك يطمعُ فِي المُلكِ كُلُّ عُريان، ويلِي أمْرَه اللَّهفانُ، يُرضِي نِزارًا جَمعُ قَحْطان، إِذا التقيا بِدِمشق جمعان، بين بُنيان ولُبنان، يُصنَّفُ اليمنُ يومئِذٍ صِنفان؛ صِنفُ المسرَّةِ، وصِنفُ المخذُولِ، لا ترى إِلَّا حِباءً محلُول، وأسِيرًا مغلُول، بين القِرابِ والخُيُول، عِند ذلِك تُخربُ المنازِل، وتُسلبُ الأرامِل ، وتُسقِطُ الحوامِل، وتظهرُ الزَّلازِل، وتطلُبُ الخِلافةُ وائِل، فتغضبُ نِزار، فتُدنِي العبِيدَ والأشرار، وتُقصِي الأمثالَ والأخيار، وتغلُو الأسعارُ، فِي صَفَرِ الأصفار، يغُلُّ كُلُّ جبَّارٍ مِنه، ثُمَّ يسِيرُون إِلى خَنادِق، وإِنَّها ذاتُ أشعارٍ وأشجار، تصُدُّ له الأنهار، ويهزِمُهم أوَّلَ النَّهار، تَظهَرُ الأخيار، فلا ينفعُهم نومٌ ولا قرار، حتَّى يدخُل مِصرًا مِن الأمصار، فيُدرِكه القضاءُ والأقدار. ثُمَّ يجِيءُ الرُّماة، تلُفُّ مُشاة، لِقتلِ الكُماة، وأسرِ الحُماة، ومَهلِكِ الغُواة، هنالِك يُدركُ فِي أعلى المِياه، ثُمَّ يبُورُ الدِّينُ وتُقلبُ الأُمُور، وتُكفرُ الزَّبُور، وتُقطعُ الجُسُور، فلا يُفلِتُ إِلَّا من كان فِي جزائِرِ البُحُور، ثُمَّ تبُورُ الحُبُوب، وتظهرُ الأعارِيب، ليس فِيهِم مُعِيب، على أهلِ الفُسُوقِ والرِّيب، فِي زمانٍ عصِيب، لو كان لِلقومِ حياءٌ، وما تُغنِي المُنى. قالُوا: ثُمَّ ماذا يا سطِيحُ؟ قال: ثُمَّ يظهرُ رجُلٌ من أهلِ اليمن، كالشَّطَنِ، يُذهِبُ اللهُ على رأسِهِ الفِتَن.

8 - كانَت دارُ العبَّاسِ بن عبد المطَّلبِ إلى جنبِ المسجِدِ وكانَ ميزابُها تشرَعُ إلى الطَّريقِ فقالَ له عُمرُ : إنَّ ميزابَكِ يُؤذي المسلِمينَ فَحوِّلهُ إلى دارِكَ، فقالَ : إنما هو ماءُ المطَرِ، فقالَ عمرُ : إن المسلِمينَ لا يُحبُّونَ أن تَبُلَّ السَّماءُ ثيابَهمْ فحوِّلْهُ، وكانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أقطَعَها للعبَّاسِ، ثُمَّ رأى عُمرَ في المسجِدِ ضيقًا من المسلِمينَ فاشتَرى ما حَولَهُ من المنازلِ وبقيَتْ حُجَرُ نِساءِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ودارُ العبَّاسِ، فقالَ عُمرُ للعبَّاسِ : إنَّ مسجِدَ المسلِمينَ قد ضاقَ بهم وقد ابتَعتَ ما حولهُ مِنَ المنازِلِ غيرَ حُجَرِ نساءِ رسولِ اللهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فلا سبيلَ إليها، ودارِكَ فبِعنيها أوَسِّعْ بها مَسجِدَ المسلِمينَ. فقالَ العبَّاسُ : لستُ بفاعلٍ، فأرادَه عمرُ فأبَى، فقال له عُمَرُ : أخبِرني واحدَةً مِن ثلاثٍ خصالٍ، فقال العبَّاسُ : هاتِها لعلَّ في بعضِها فرجًا، فقالَ : اختَر منِّي : إمَّا أن تبيعَنيها بحُكمِكَ من بيتِ مالِ المسلِمينَ، وإما أن أخُطَّكَ مكانَها خُطَّةً حيثُ أحببتَ فأبنيها لكَ مثلَ بناءِ داركَ، وإما أن تصدَّقَ بها على المسلِمينَ توسِّعُ بها عليهِم مسجدَهم، فقال لَهُ العبَّاسُ : ولا خَصلةٌ من هذه الخصالِ، قال له عُمرُ : اجعَل بيني وبينَك حَكمًا، فقالَ : أُبَيُّ بن كَعبٍ. فانطلَقا إليه فدَخلا، فقال لعمَرُ : أخصمًا جئتَ أم زائرًا ؟ فقال : بل خصمًا، قال : فاجلِس فجلَس الخصومُ، فجلَسنا بينَ يديهِ فقصَّ عليه عُمرُ قصَّتَهُ، فقالَ أبيُّ بنُ كَعبٍ : إن شئتُما حدَّثتُكُما حديثًا سمعتُهُ مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقالَ عمرُ : حدِّثنا. فقالَ : إني سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يقولُ : إنَّ اللهَ أوحى إلى داودَ عليهِ السَّلامُ أن ابنِ لي بيتًا أُذكَرُ فيهِ، فاختَطَّ داودُ علَيهِ السَّلامُ مَوضِعَ بيتِ المقدِسِ فإذا خُطَّتُهُ تروى مِن بيَعِها دارًا لبَعضِ بني إسرائيلَ، فسألَهُ أن يخرُجَ له عنهَا فيُدخِلَها في المسجدِ فيَسوي من بيعتِهِ، فأبَي فهمَّ داودُ عليهِ السَّلامُ بأخذِها منهُ، فأوحى اللهُ تعالى إليهِ : إني أمرتُكَ أن تَبني لي بيتًا أُذكَرُ فيه فأردتَ أَن تُدخِلَ بَيتي الغَصبَ، وليسَ مِن شَأني الغَصبَ، وإنَّ عُقوبَتَكَ ألَّا تَبنِيَهُ، فقال : يا ربِّ فمِن ذُرِّيَّتي، قال : مِن ذُرِّيتِكَ، فأوحَى اللهُ إلى سُلَيمانَ عليهِ السَّلامُ فبناهُ. فأخذ عُمرُ رضي الله عنه بمجامِعِ قميصِ أُبَيٍّ فقالَ : جئتُكَ بأمرٍ فما جئتَني بهِ أشَدَّ منهُ، لتأتيَنِّي على هذا بِبيِّنَةٍ أو لأفعلَنَّ ولأفعلنَّ ولأفعلنَّ، فقال أُبَيُّ : أي عُمرُ أتتَّهمُني على حديثِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ؟ فقالَ : هُوَ ما أقولُ لكَ، فخرج بهِ حتَّى أتى بهِ المسجدَ فإذا به حَلقَةٌ من أصحابِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فوقَفَهُ عليهِمْ فقالَ أُبَيُّ : أنشُدُكُم اللَّهَ أيَّكُم سمِعَ مِن رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يذكرُ حديثَ داودَ حيثُ أوحَى اللهُ إليهِ أن يَبنيَ بيتَ المقدِسِ. وحدَّثَهُم بهِ. فقالَ هذا مِن هاهُنا : أنا سمعتُهُ، وقال هذا مِن هاهنا : أنا سمعتُهُ. فغضِبَ أُبَيٌّ رضيَ اللهُ عنهُ وقال : أي عُمرُ أتَتَّهمُني على حديثِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ؟ فأرسلَهُ عمَرُ وقال : يا أبا المنذِرِ لا واللَّهِ الذي لا إله إلا هو ما اتَّهمتُكَ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في حديثٍ ولا غيرِهِ ولكن كرهتُ أن يجترِئَ على رسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ظاهرًا، وقالَ عُمرُ للعبَّاسِ : انطلِقْ إلى دارِك فقد تركتُها لا أعرِضُ فيها، فقال العبَّاسُ : أتركتَها لا تعرِضُ فيها ؟ قال : نعَم. قال : فإنِّي قد جعلتُها صدقَةً علَى المسلِمينَ أُوَسِّعُ بها في مسجدِهِمْ، فأمَّا وأنتَ غاصِبي فما كنتُ لأفعَلَ، فأخطَّهُ عمرُ خطَّةً في السُّوقِ وبناها له مِن مالِ المسلِمينَ بحذاءٍ من بنائهِ فهي لَهُ اليومَ
خلاصة حكم المحدث : سياق غريب وفي إسناده ضعف وانقطاع
الراوي : أبي بن كعب | المحدث : ابن كثير | المصدر : مسند الفاروق
الصفحة أو الرقم : 1/158
التصنيف الموضوعي: أنبياء - سليمان أنبياء - داود صلح - نصب الميزاب وإشراع الجناح أقضية وأحكام - جلوس الخصمين بين يدي الحاكم مساجد ومواضع الصلاة - توسيع المساجد
| أحاديث مشابهة

9 - عن أنسِ بنِ مالكٍ قال جاء أعرابيٌّ فقال يا رسولَ اللهِ واللهِ لقد أتيناك وما لنا بعيرٌ يُبسَطُ ولا صبيٌّ يُصطَبَحُ وأنشد أتيناك والعذراءُ يدمي لبانُها وقد شغلَتْ أمُّ الصبيِّ عن الطفلِ وألقى بكفَّيه الفتى لاستكانةٍ من الجوعِ ضعفًا قائمًا وهو لا يخلي ولا شيءَ مما يأكلُ الناسُ عندنا سوى الحَنْظَلِ العَامِيِّ وَالعِلْهِزِ الفَسْلِ وليس لنا إلا إليك فرارنا وأين فرارُ الناسِ إلا إلى الرسلِ قال فقام رسولُ اللهِ وهو يجرُّ رِداءَه حتى صعِدَ المِنبرَ فحمد اللهَ وأثنى عليه ثم رفع يدَيه نحو السماءِ وقال اللهمَّ اسقِنا غيثًا مغيثًا مريئًا مريعًا سريعًا غدقًا طبَقًا عاجلًا غيرَ رائثٍ نافعًا غيرَ ضارٍّ تملأُ به الضِّرعَ وتُنبِت به الزرعَ وتُحيي به الأرضَ بعد موتِها وكذلك تخرجون قال فواللهِ ما ردَّ يدَه إلى نحرِه حتى ألقَتِ السماءُ بأوراقها وجاء أهلُ البطانةِ يصِيحون يا رسولَ الله ِالغرقَ الغرقَ فرفع يدَيه إلى السماءِ وقال اللهمَّ حوالَينا ولا علينا فانجاب السحابُ عن المدينةِ حتى أحدقَ بها كالإكليلِ فضحك رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتى بدَتْ نواجذُه ثم قال لله درُّ أبي طالبٍ لو كان حيًّا قرَّت عيناه من ينشد قولَه فقال عليُّ بنُ أبي طالبٍ فقال يا رسولَ اللهِ كأنك أردتَ قولَه وأبيضَ يُسْتَسقى الغمامُ بوجهِه... ثِمَالِ اليتامى عِصمَةٍ للأَرامِلِ يلوذُ بِه الهُلَّاكُ من آلِ هاشِمٍ... فهم عندَه في نعمَةٍ وفَواضِلِ كَذَبْتُم وبَيتِ اللَّهِ يُبْزَى مُحَمَّدٌ... ولمَّا نُقاتِلْ دُونَهُ ونُناضِلِ وَنُسْلِمُه حَتَّى نُصَرَّعَ حولَه... ونَذهَلَ عن أبنائنا والحلائِلِ قال وقام رجلٌ من بني كنانةَ فقال لك الحمدُ والحمدُ ممن شكر سُقِينا بوجه النبيِّ المطرْ دعا اللهَ خالقَه دعوةً إليه وأشخص منه البصرْ فلم يكُ كَلَفِّ الرِّداءِ وأسرع حتى رأينا الدُّرَرْ رِقاقُ العوالي عمُّ البقاعِ أغاث به اللهُ عينَا مُضَرْ وكان كما قاله عمُّه أبو طالبٍ أبيضُ ذو غُرَرْ به اللهُ يسقي بصوب الغَمامِ وهذا العيانُ كذاك الخبرْ فمن يشكر اللهَ يَلقَى المزيدَ ومن يكفُرِ اللهَ يَلْقى الغِيَرْ
خلاصة حكم المحدث : فيه غرابة
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : ابن كثير | المصدر : البداية والنهاية
الصفحة أو الرقم : 6/93 التخريج : أخرجه البيهقي في ((دلائل النبوة)) (6/ 140) بلفظه.
التصنيف الموضوعي: آداب الدعاء - رفع اليدين في الدعاء استسقاء - استسقاء الإمام على المنبر استسقاء - الدعاء في الاستسقاء استسقاء - ما يقال إذا أمطرت فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - إجابة دعاء النبي
| أحاديث مشابهة |أصول الحديث

10 - إِنَّ عليًّا كان ذَات يومٍ عِندَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ فقرأَ عليَّ هذه الآيةَ : يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا، فقال : ما أَظُنُّ الوَفْدَ إِلَّا الرَّكْبَ يا رسولَ اللهِ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : والذي نَفسي بيدِهِ، إنَّهُمْ إذا خَرَجُوا من قُبُورهمْ يُستقبلونَ – أوْ : يُؤْتَوْنَ – بِنُوقٍ بيضٍ لها أجنحةٌ، وعليْها رِحالُ الذَّهَبِ، شِراكُ نِعَالِهمْ نُورٌ، يتلأْلأُ كلُّ خُطْوَةٍ مِنْها مَدَّ البَصَرِ، فينتهونَ إلى شجرةٍ يَنْبُعُ من أَصْلِها عَيْنانِ، فَيشربُونَ من إحداهُما، فتغْسِلُ ما في بُطُونِهِمْ من دَنَسٍ، ويغتسلونَ مِنَ الأُخْرَى فلا تَشْعَثُ أَبْشَارُهُمْ ولا أَشْعَارُهُمْ بعدَها أبدًا، وتَجري عليهم نَضْرَةُ النَّعيمِ، فينتهونَ – أوْ : فيأتونَ بابَ الجنةِ، فإذا حَلْقَةٌ من ياقُوتَةٍ حمراءَ على صَفَائِحِ الذَّهَبِ، فَيَضْرِبُونَ بِالحَلْقَةِ على الصفيحةِ فَيُسْمَعُ لها طَنِينٌ يا عليُّ، فَيبلغُ كلَّ حَوْرَاءَ أنَّ زَوْجَها قد أَقْبَلَ، فَتَبْعَثَ قَيِّمُها فَيَفْتَحُ لهُ، فإذا رَآهُ خَرَّ لهُ – قال مسلمَةُ : أُرَاهُ قال : ساجِدًا – فيقولُ : ارفعْ رأسَكَ، إِنَّما أنا قَيِّمُكُ، وُكِّلْتُ بِأَمْرِكَ. فَيَتْبَعُهُ ويَقْفُو أثرَهُ، فَتَسْتَخِفُّ الحَوْرَاءَ العَجَلَةُ، فَتَخْرُجَ من خِيامِ الدُّرِّ والياقُوتِ حتى تَعْتَنِقَهُ، ثُمَّ تقولُ : أنتَ حِبِّي، وأنا حِبُّكَ، وأنا الخَالِدَةُ التي لا أَمُوتُ، وأنا النَّاعِمَةُ التي لا أَبْؤُسُ، وأنا الرَّاضِيَةُ التي لا أَسْخَطُ، وأنا المُقِيمَةُ التي لا أَظْعَنُ. فَيَدْخُلَ بَيْتًا من أُسِّهِ إلى سَقْفِهِ مِائَةُ أَلْفِ ذِرَاعٍ، بَناهُ على جَنْدَلِ اللُّؤْلُؤِ طَرَائِقَ : أصفرُ وأحمرُ وأخضرُ، ليس مِنْها طَرِيقَةٌ تُشَاكِلُ صاحبَتَها، وفي البيتِ سبعونَ سَرِيرًا، على كلِّ سَرِيرٍ سبعونَ حَشْيَةً، على كلِّ حَشْيَةٍ سبعونَ زَوْجَةً، على كلِّ زَوْجَةٍ سبعونَ حُلَّةً، يُرَى مُخُّ ساقِها من باطِنِ الحُلَلِ، يَقْضِي جِماعَها في مِقْدَارِ ليلةٍ من لَيالِيكُمْ هذه : الأنْهارُ من تَحْتِهمْ تَطَّرِدُ، أنْهارٌ من ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ – قال : صافٍ لا كدرَ فيهِ – وأنْهارٌ من لبنٍ لمْ يتغيرْ طعمُهُ : لمْ يخرجْ من ضروعِ الماشيةِ، وأنْهارٌ من خمرٍ لذةٍ للشاربينَ، لمْ يعتصرْها الرجالُ بأقدامِهِمْ، وأنْهارٌ من عسلٍ مُصفًّى لمْ يخرجْ من بطونِ النحلِ، فيستحلِي الثمارَ، فإنْ شاءَ أكلَ قائِمًا، وإنْ شاءَ قاعِدًا، وإنْ شاءَ مُتَّكِئًا ، ثُمَّ تَلا : وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا، فَيَشْتَهِي الطَّعَامَ فَيأتيهِ طَيْرٌ أَبْيَضُ، وربما قال : أخضرُ، فَتَرْفَعُ أَجْنِحَتَها، فَيأكلُ من جُنُوبِها أَيَّ الأَلْوَانِ شاءَ، ثُمَّ تَطِيرُ فَتَذْهَبُ، فَيدخلُ المَلَكُ فيقولُ : سَلامٌ عليكُمْ، وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، ولَوْ أنَّ شَعْرَة من شعرِ الحوراءِ وقعَتْ لأهلِ الأَرضِ، لَأَضَاءَتِ الشَّمْسُ مَعَها سَوَادٌ في نُورٍ.
خلاصة حكم المحدث : غريب جدا
الراوي : أبو معاذ البصري | المحدث : ابن كثير | المصدر : تفسير القرآن العظيم
الصفحة أو الرقم : 5/259 التخريج : أخرجه ابن أبي حاتم في ((التفسير)) (8478) بلفظه.
التصنيف الموضوعي: تفسير آيات - سورة مريم جنة - صفة الجنة جنة - نساء الجنة رقائق وزهد - تقوى الله قيامة - الحشر
|أصول الحديث

11 - عن سَلْمانَ يحدِّثُ كيفَ كانَ أوَّلُ إسلامهِ أنَّهُ كانَ من رامَهُرْمُزَ وكانَ لهُ أخٌ أكبرُ منهُ غنيٌّ وكانَ سَلْمانُ فقيرًا في كَنَفِ أَخيهِ وأنَّ ابنَ دِهْقَانِهَا كانَ صاحبًا لهُ وكان يختلِفُ معهُ إلى مُعلِّمٍ لهم وأنَّهُ كانَ يختلِفُ ذلكَ الغلامُ إلى عُبَّادٍ منَ النَّصارى في كهفٍ لهم فسألهُ سَلْمانُ أن يذهبَ بهِ معهُ إليهم فقالَ لهُ إنَّكَ غلامٌ وأخشى أن تنُمَّ عليهم فيقتلَهمْ أبي فالتزمَ لهُ أن لا يكونَ منهُ شيءٌ يكرههُ فذهبَ معهُ فإذا هم ستَّةٌ أو سبعةٌ كأنَّ الرُّوحَ قد خرجت منهم منَ العبادةِ يصومونَ النَّهارَ ويقومونَ اللَّيلَ يأكلونَ الشَّجرَ وما وجدوا فذكر عنهم أنَّهم يؤمِنونَ بالرُّسلِ المتقدِّمينَ وأنَّ عيسى عبدُ اللَّهِ ورسولهُ وابنُ أَمَتهِ أيَّدهُ بالمعجزاتِ وقالوا لهُ يا غلامُ إنَّ لكَ ربًّا وإنَّ لكَ معادًا وإنَّ بينَ يديكَ جنَّةً ونارًا وإنَّ هؤلاءِ القومَ الَّذينَ يعبدونَ النِّيرانَ أهلُ كفرٍ وضلالةٍ لا يرضى اللَّهُ بما يصنعونَ وليسوا على دينهِ ثمَّ جعلَ يتردَّدُ معَ ذلكَ الغلامِ إليهم ثمَّ لزِمهم سَلْمانُ بالكلِّيَّةِ ثمَّ أجلاهم ملكُ تلكَ البلادِ وهوَ أبو ذلكَ الغلامِ الَّذي صحِبهُ سلمانُ إليهم عن أرضِهِ واحتبسَ الملكُ ابنَهُ عندهُ وعرضَ سلمانُ دينَهم على أخيهِ الَّذي هوَ أكبرُ منهُ فقالَ إنِّي مشتغلٌ بنفسي في طلبِ المعيشةِ فارتحَلَ معهم سلمانُ حتَّى دخلوا كنيسةَ الموصِلِ فسلَّمَ عليهم أهلُها ثمَّ أرادوا أن يتركوني عندهم فأبَيْتُ إلَّا صحِبتهم فخرجوا حتَّى أتَوا واديًا بينَ جبالٍ فتحدَّرَ إليهم رهبانُ تلكَ النَّاحيةِ يسلِّمونَ عليهم واجتمعوا إليهم وجعلوا يسألونهم عن غيبتِهم عنهم ويسألونَهم عنِّي فيثنونَ عليَّ خيرًا وجاءَ رجلٌ معظَّمٌ فيهم فخطبهم فأثنى على اللَّهِ بما هوَ أهلهُ وذكر الرُّسلَ وما أُيِّدوا بهِ وذكر عيسى ابنَ مريمَ وأنَّهُ كانَ عبدَ اللَّهِ ورسولَهُ وأمرهم بالخيرِ ونهاهم عنِ الشَّرِّ ثمَّ لمَّا أرادوا الانصرافَ تبِعهُ سلْمانُ ولزمهُ قالَ فكانَ يصومُ النَّهارَ ويقومُ اللَّيلَ منَ الأحدِ إلى الأحدِ فيخرجُ إليهم ويعظهم ويأمرهم وينهاهم فمكثَ على ذلكَ مدَّةً طويلةً ثمَّ أرادَ أن يزورَ بيتَ المقدسِ فصحبهُ سَلْمانُ إليهِ قالَ فكانَ فيما يمشي يلتفتُ إليَّ ويقبلُ عليَّ فيعظني ويخبرني أنَّ لي ربًّا وأنَّ بينَ يدَيَّ جنَّةً ونارًا وحسابًا ويعلِّمُني ويذكِّرُني نحوَ ما كانَ يذكِّرُ القومَ يومَ الأحدِ قالَ فيما يقولُ لي يا سلمانُ إنَّ اللَّهَ سوفَ يبعثُ رسولًا اسمهُ أحمدُ يخرجُ من تِهامَةَ يأكلُ الهديَّةَ ولا يأكلُ الصَّدقةَ بينَ كتفيهِ خاتَمُ النُّبوَّةِ وهذا زمانُهُ الَّذي يخرجُ فيهِ قد تقارب فأمَّا أنا فإنِّي شيخٌ كبيرٌ ولا أحسبُنِي أدرِكُهُ فإن أدركتَهُ أنتَ فصدِّقهُ واتَّبعْهُ قلتُ لهُ وإن أمرني بتركِ دينِكَ وما أنتَ عليهِ قالَ وإن أمركَ فإنَّ الحقَّ فيما يجيءُ بهِ ورِضَى الرَّحمنِ فيما قالَ ثمَّ ذكرَ قدومَهُما إلى بيتِ المقدِسِ وأنَّ صاحبَهُ صلَّى فيهِ هاهُنا وهاهُنا ثمَّ نامَ وقد أوصاهُ أنَّهُ إذا بلغَ الظِّلُّ مكانَ كذا أن يوقِظَهُ فتركهُ سلمانُ حينًا آخرَ أزْيَدَ ممَّا قالَ ليستريحَ فلمَّا استيقظَ ذكرَ اللَّهَ ولامَ سلمانَ على تركِ ما أمرهُ مِن ذلكَ ثمَّ خرجا من بيتِ المقدسِ فسألهُ مقعدٌ فقالَ يا عبدَ اللَّهِ سألتُكَ حينَ وصلتَ فلم تعطِني شيئًا وها أنا أسألُكَ فنظرَ فلم يجدْ أحدًا فأخذَ بيدهِ وقالَ قم بسمِ اللَّهِ فقامَ وليسَ بهِ بأسٌ ولا قَلَبَةٌ كأنَّما نُشِطَ من عِقالٍ فقالَ لي يا عبدَ اللَّهِ احمِل عليَّ متاعي حتَّى أذهبَ إلى أهلي فأبشِّرَهم فاشتغلتُ بهِ ثمَّ أدركتُ الرَّجلَ فلم ألحقهُ ولم أدْرِ أينَ ذهبَ وكلَّما سألتُ عنهُ قومًا قالوا أمامَكَ حتَّى لقِيَني ركبٌ منَ العربِ من بني كلبٍ فسألتهم فلمَّا سمعوا لغتي أناخَ رجلٌ منهم بعيرَهُ فحملني خلفَهُ حتَّى أتوا بي بلادَهم فباعوني فاشترتْني امرأةٌ منَ الأنصارِ فجعلَتْني في حائطٍ لها وقدِمَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ثمَّ ذكرَ ذَهابهُ إليهِ بالصَّدقةِ والهديَّةِ ليستعلمَ ما قال صاحبَهُ ثمَّ تطلَّبَ النَّظرَ إلى خاتمَِ النُّبوَّةِ فلمَّا رآهُ آمنَ مِن ساعتِهِ وأخبرَ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ خبرَهُ الَّذي جَرى لهُ قال فأمرَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أبا بكرٍ الصِّدِّيقَ فاشتراهُ من سيِّدتهِ فأعتقهُ ثمَّ قال سألتُهُ يومًا عن دينِ النَّصارَى فقالَ لا خيرَ فيهم قالَ فوقعَ في نفسي من أولئكَ الَّذينَ صحِبتُهم ومن ذلكَ الرَّجلِ الصَّالحِ الَّذي كانَ معيَ ببيتِ المقدسِ فدخلني من ذلكَ أمرٌ عظيمٌ حتَّى أنزلَ اللَّهُ على رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} فدعانِي رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فجئتُ وأنا خائِفٌ فجلستُ بينَ يديهِ فقرأَ بسمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} الآياتِ ثمَّ قالَ يا سلمانُ أولئِكَ الَّذينَ كنتَ معهم وصاحبُكَ لم يكونوا نصارَى كانوا مسلمينَ فقلتُ يا رسولَ اللَّهِ والَّذي بعثكَ بالحقِّ لهوَ أمرني باتِّباعِكَ فقلتُ لهُ فإنْ أمرني بتركِ دينكَ وما أنتَ عليهِ قالَ نعَمْ فاترُكهُ فإنَّ الحقَّ وما يُرضِي اللَّهَ فيما يأمرُكَ
خلاصة حكم المحدث : فيه غرابة كثيرة وطريق محمد بن إسحاق أقوى إسنادا وأحسن اقتصاصا وأقرب إلى ما رواه البخاري
الراوي : سلمان الفارسي | المحدث : ابن كثير | المصدر : البداية والنهاية
الصفحة أو الرقم : 2/292 التخريج : أخرجه البخاري (3947) مختصرا والحاكم (6543) والبيهقي في ((دلائل النبوة)) (2/ 82) بنحوه.
التصنيف الموضوعي: عقيدة - كرامات الأولياء فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - خاتم النبوة في ظهره فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - صفة النبي وأمته في كتب أهل الكتاب مناقب وفضائل - سلمان الفارسي فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - خصائصه صلى الله عليه وسلم
|أصول الحديث

12 - سألتُ عبدَ اللهِ بنَ عباسٍ عن قولِ اللهِ عزَّ وجلَّ لموسى عليهِ السلامُ : وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا، فسألتُهُ عن الفُتُونِ ما هوَ ؟ قال : استأنِفِ النهارَ يا ابنَ جبيرٍ فإنَّ لها حديثًا طويلًا : فلمَّا أصبحتُ غدوتُ إلى ابنِ عباسٍ لأنتجزَ منهُ ما وعدني من حديثِ الفُتُونِ، فقال : تذاكَرَ فرعونُ وجلساؤُهُ ما كان اللهُ وعدَ إبراهيمَ عليهِ السلامُ أن يجعلَ في ذريتِهِ أنبياءَ وملوكًا، فقال بعضهم : إنَّ بني إسرائيلَ ينتظرونَ ذلك، ما يَشُكُّونَ فيهِ، وكانوا يظنُّونَ أنَّهُ يوسفُ بنُ يعقوبَ، فلمَّا هلك قالوا : ليس هكذا كان وعدُ إبراهيمَ، فقال فرعونُ : فكيف تَرَوْنَ ؟ فائتمروا وأجمعوا أمرهم على أن يبعثَ رجالًا معهم الشِّفَارُ، يطوفونَ في بني إسرائيلَ، فلا يجدونَ، مولودًا ذكرًا إلا ذبحوهُ، ففعلوا ذلك، فلمَّا رَأَوْا أنَّ الكبارَ من بني إسرائيلَ يموتونَ بآجالهم، والصغارَ يُذْبَحُونَ، قالوا : يُوشِكُ أن تُفْنُوا بني إسرائيلَ، فتصيروا أن تُبَاشِرُوا من الأعمالِ والخدمةِ التي كانوا يَكْفُونَكُمْ، فاقتلوا عامًا كلَّ مولودٍ ذكرٍ، فيَقِلُّ أبناؤهم، ودعوا عامًا فلا تقتلوا منهم أحدًا، فيَشِبُّ الصغارُ مكان من يموتُ من الكبارِ، فإنَّهم لن يكثروا بمن تستحيونَ منهم فتخافوا مكاثرتهم إياكم، ولن يَفْنَوا بمن تقتلونَ وتحتاجونَ إليهم. فأَجْمَعُوا أمرهم على ذلك. فحملتْ أمُّ موسى بهارونَ في العامِ الذي لا يُذْبَحُ فيهِ الغلمانُ، فولدتْهُ علانيةً آمنةً. فلمَّا كان من قابلٍ حملتْ بموسى عليهِ السلامُ، فوقع في قلبها الهمُّ والحزنُ، وذلك من الفُتُونِ يا ابنَ جبيرٍ ما دخل عليهِ في بطنِ أُمِّهِ ، ممَّا يُرادُ بهِ. فأوحى اللهُ إليها أن : وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ. فأمرها إذا ولدتْ أن تجعلَهُ في تابوتٍ ثم تُلْقِيهِ في اليمِّ . فلمَّا ولدتْ فعلتْ ذلك، فلمَّا تَوارَى عنها ابنها أتاها الشيطانُ، فقالت في نفسها : ما فعلتُ بابني، لو ذُبِحَ عندي فواريتُهُ وكفَّنتُهُ كان أحبُّ إليَّ من أن أُلْقِيهِ إلى دوابِّ البحرِ وحيتانِهِ. فانتهى الماءُ بهِ حتى أوفى بهِ عند فُرْضَةِ مُسْتَقَى جواري امرأةِ فرعونَ فلمَّا رأينَهُ أخذنَهُ فهممن أن يفتحْنَ التابوتَ فقال بعضهنَّ : إنَّ في هذا مالًا، وإنَّا إن فتحناهُ لم تُصَدِّقنا امرأةُ المَلِكِ بما وجدنا فيهِ، فحملنَهُ كهيئتِهِ لم يُخْرِجْنَ منهُ شيئًا حتى رفعنَهُ إليها. فلمَّا فتحتْهُ رأتْ فيهِ غلامًا، فأُلْقِي عليهِ منها محبةً لم يُلْقِ منها على أحدٍ قطُّ، وأصبحَ فؤادُ أمِّ موسى فارغًا من ذِكْرِ كلِّ شيٍء، إلا من ذِكْرِ موسى. فلمَّا سمع الذبَّاحونَ بأمرِهِ، أقبلوا بشِفَارِهِمْ إلى امرأةِ فرعونَ ليذبحوهُ : وذلك من الفُتُونِ يا ابنَ جبيرٍ، فقالت لهم : أَقِرُّوهُ فإنَّ هذا الواحدَ لا يزيدُ في بني إسرائيلَ حتى آتي فرعونَ فأستوهبُهُ منهُ، فإن وهبَهُ لي كنتم قد أحسنتم وأجملتم ، وإن أمرَ بذبحِهِ لم أَلُمْكُمْ. فأتت فرعونَ فقالت قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ. فقال فرعونُ : يكونُ لكَ. فأمَّا لي فلا حاجةَ لي فيهِ : فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : والذي يُحْلَفُ بهِ لو أَقَرَّ فرعونُ أن يكونَ قرَّةَ عينٍ لهُ، كما أَقَرَّتْ امرأتُهُ، لهداهُ اللهُ كما هداها، ولكن حَرَمَهُ ذلك. فأرسلتْ إلى من حولها، إلى كلِّ امرأةٍ لها لبنٌ لتختارَ لهُ ظِئْرًا، فجعل كلَّما أخذتْهُ امرأةٌ منهنَّ لتُرْضِعَهُ لم يُقْبِلْ على ثديها حتى أشفقتِ امرأةُ فرعونَ أن يمتنعَ من اللبنِ فيموتَ، فأحزنها ذلك، فأمرتْ بهِ فأُخْرِجَ إلى السوقِ ومجمعِ الناسِ، ترجو أن تجدَ لهُ ظِئْرًا تأخذُهُ منها، فلم يُقْبِلْ، وأصبحتْ أمُّ موسى والهًا، فقالت لأختِهِ : قُصِّي أَثَرَهُ واطلبيهِ، هل تسمعينَ لهُ ذِكْرًا، أحيٌّ ابني أم قد أكلتْهُ الدوابُّ ؟ ونَسِيَتْ ما كان اللهُ وعدها فيهِ، فبصرتْ بهِ أختُهُ عن جُنُبٍ وهم لا يشعرونَ – والجُنُبُ : أن يَسْمُو بصرُ الإنسانِ إلى شيٍء بعيدٍ، وهو إلى جنبِهِ، وهو لا يشعرُ بهِ – فقالت من الفرحِ حينَ أعياهم الظؤراتُ : أَنَا أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ. فأخذوها فقالوا ما يُدريكِ ؟ وما نُصْحُهُمْ لهُ ؟ هل يعرفونَهُ ؟ حتى شَكُّوا في ذلك، وذلك من الفُتُونِ يا ابنَ جبيرٍ. فقالت : نُصْحُهُمْ لهُ وشفقتهم عليهِ رغبتهم في ظؤرةِ الملكِ، ورجاءَ منفعةِ الملكِ. فأرسلوها فانطلقتْ إلى أُمِّهَا، فأخبرتها الخبرَ. فجاءت أُمُّهُ، فلمَّا وضعتْهُ في حجرها نَزَا إلى ثديها فمَصَّهُ، حتى امتلأَ جنباهُ رِيًّا، وانطلقَ البُشَراءُ إلى امرأةِ فرعونَ يُبَشِّرونها : أن قد وجدنا لابنكِ ظِئْرًا. فأرسلتْ إليها، فأتتْ بها وبهِ، فلمَّا رأت ما يصنعُ بها قالت : امْكُثِي تُرْضِعِي ابني هذا، فإني لم أُحِبَّ شيئًا حُبَّهُ قطُّ. قالت أمُّ موسى : لا أستطيعُ أن أدعَ بيتي وولدي فيضيعُ، فإن طابت نفسكَ أن تُعطينِيهِ فأذهبُ بهِ إلى بيتي، فيكونُ معي لا آلوهُ خيرًا فعلتُ، وإلا فإني غيرُ تاركةٍ بيتي وولدي. وذكرتْ أمُّ موسى ما كان اللهُ وعدها فيهِ، فتعاسرتْ على امرأةِ فرعونَ ، وأيقنَتْ أنَّ اللهَ مُنْجِزٌ وعدَهُ، فرجعتْ بهِ إلى بيتها من يومها، وأنبتَهُ اللهُ نباتًا حسنًا، وحَفِظَهُ لما قد قضى فيهِ. فلم يزل بنو إسرائيلَ، وهم في ناحيةِ القريةِ، ممتنعينَ من السخرةِ والظلمِ ما كان فيهم، فلمَّا ترعرعَ قالت امرأةُ فرعونَ لأمِّ موسى : أَتُرِيني ابني ؟ فوَعَدَتْهَا يومًا تُرِيها إياهُ فيهِ، وقالت امرأةُ فرعونَ لخازنها وظؤرها وقَهَارِمَتِهَا لا يَبْقِيَنَّ أحدٌ منكم إلا استقبلَ ابني اليومَ بهديةٍ وكرامةٍ لأرى ذلك، وأنا باعثةٌ أمينًا يًحْصِي ما يصنعُ كلُّ إنسانٍ منكم، فلم تزلِ الهدايا والنِّحَلُ والكرامةُ تستقبلُهُ من حينِ خرج من بيتِ أُمِّهِ إلى أن دخل على امرأةِ فرعونَ ، فلمَّا دخل عليها نَحَلَتْهُ وأكرمتْهُ، وفرحت بهِ، ونَحَلَتْ أُمَّهُ لحُسْنِ أثرها عليهِ، ثم قالت : لآتِيَنَّ بهِ فرعونَ فليَنْحَلَنَّهُ وليُكْرِمَنَّهُ، فلمَّا دخلت بهِ عليهِ جعلَهُ في حجرِهِ، فتناولَ موسى لِحْيَةَ فرعونَ يَمُدُّها إلى الأرضِ، فقال الغواةُ من أعداءِ اللهِ لفرعونَ : ألا ترى ما وعد اللهُ إبراهيمَ نبيَّهُ، إنَّهُ زعم أن يرثِكَ ويعلوكَ ويصرعكَ، فأرسلَ إلى الذَّبَّاحينَ ليذبحوهُ. وذلك من الفُتُونِ يا ابنَ جبيرٍ بعد كلِّ بلاءٍ ابْتُلِيَ بهِ، وأُريدَ بهِ. فجاءت امرأةُ فرعونَ فقالت : ما بدا لك في هذا الغلامِ الذي وهبتَهُ لي ؟ فقال : ألا تَرَيْنَهُ يزعمُ أنَّهُ يصرعني ويعلوني. فقالت : اجعلْ بيني وبينك أمرًا يُعْرَفُ فيهِ الحقُّ، ائتِ بجمرتيْنِ ولؤلؤتيْنِ، فقرِّبْهُنَّ إليهِ، فإن بطشَ باللؤلؤتيْنِ واجتنبْ الجمرتيْنِ فاعرفْ أنَّهُ يَعْقِلْ وإن تناولَ الجمرتيْنِ ولم يَرُدَّ اللؤلؤتيْنِ علمتَ أنَّ أحدًا لا يُؤْثِرُ الجمرتيْنِ على اللؤلؤتيْنِ وهو يَعْقِلُ، فقَرَّبَ إليهِ، فتناولَ الجمرتيْنِ، فانتزعهما منهُ مخافةَ أن يحرقا يدَهُ، فقالت امرأةُ فرعونَ : ألا ترى ؟ فصرفَهُ اللهُ عنهُ بعد ما كان قد همَّ بهِ، وكان اللهُ بالغًا فيهِ أمرَهُ. فلمَّا بلغ أَشُدَّهُ وكان من الرجالِ، لم يكن أحدٌ من آلِ فرعونَ يخلصُ إلى أحدٍ من بني إسرائيلَ معهُ بظلمٍ ولا سخرةٍ، حتى امتنعوا كلَّ الامتناعِ، فبينما موسى عليهِ السلامُ يمشي في ناحيةِ المدينةِ، إذ هو برجليْنِ يقتتلانِ، أحدهما فرعونيٌّ والآخرُ إسرائيليٌّ، فاستغاثَهُ الإسرائيليُّ على الفرعونيِّ، فغضب موسى غضبًا شديدًا، لأنَّهُ تناولَهُ وهو يعلمُ منزلتَهُ من بني إسرائيلَ وحِفْظِهِ لهم، لا يعلمُ الناسُ إلا أنما ذلك من الرضاعِ، إلا أمُّ موسى، إلا أن يكون اللهُ أطلعَ موسى من ذلك على ما لم يُطْلِعْ عليهِ غيرُهُ. فوكزَ موسى الفرعونيَّ، فقتلَهُ وليس يراهما أحدٌ إلا اللهُ عزَّ وجلَّ والإسرائيليُّ، فقال موسى حين قتلَ الرجلَ : هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ. ثم قال : رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، فأصبحَ في المدينةِ خائفًا يترقَّبُ الأخبارَ، فأُتِيَ فرعونُ، فقيل لهُ : إنَّ بني إسرائيلَ قتلوا رجلًا من آلِ فرعونَ فخُذْ لنا بحَقِّنَا ولا تُرَخِّصْ لهم. فقال : أبغوني قاتِلَهُ، ومن يشهدُ عليهِ، فإنَّ الملكَ وإن كان صَفْوُهُ مع قومِهِ لا يستقيمُ لهُ أن يُقِيدَ بغيرِ بينَةٍ ولا ثَبْتٍ، فاطلبوا لي عِلْمَ ذلك آخُذُ لكم بحقكم. فبينما هم يطوفونَ ولا يجدون ثَبْتًا، إذا بموسى من الغدِ قد رأى ذلك الإسرائيليَّ يُقاتِلُ رجلًا من آلِ فرعونَ آخرَ، فاستغاثَهُ الإسرائيليُّ على الفرعونيِّ، فصادف موسى قد ندم على ما كان منهُ وكَرِهَ الذي رأى، فغضب الإسرائيليُّ وهو يريدُ أن يبطشَ بالفرعونيِّ، فقال للإسرائيليِّ لما فعل بالأمسِ واليومَ : إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ. فنظر الإسرائيليُّ إلى موسى بعد ما قال لهُ ما قال، فإذا هو غضبانٌ كغضبِهِ بالأمسِ الذي قتلَ فيهِ الفرعونيَّ فخاف أن يكون بعدما قال له إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ أن يكونَ إياهُ أرادَ، ولم يكن أرادَهُ، وإنَّما أرادَ الفرعونيَّ، فخاف الإسرائيليُّ وقال : يا موسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ وإنما قالَهُ مخافةَ أن يكون إياهُ أراد موسى ليقتلَهُ، فتتاركا وانطلقَ الفرعونيُّ فأخبرهم بما سمع من الإسرائيليِّ من الخبرِ حين يقولُ أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ فأرسل فرعونُ الذَّبَّاحينَ ليقتلوا موسى، فأخذ رُسُلُ فرعونَ في الطريقِ الأعظمِ يمشونَ على هيئتهم يطلبونَ موسى وهم لا يخافون أن يفوتهم، فجاء رجلٌ من شيعةِ موسى من أقصى المدينةِ فاختصرَ طريقًا حتى سبقهم إلى موسى فأخبرَهُ، وذلك من الفُتُونِ يا ابنَ جبيرٍ. فخرج موسى مُتَوَجِّهًا نحوَ مَدْيَنَ لم يَلْقَ بلاءً قبل ذلك، وليس لهُ بالطريقِ علمٌ إلا حُسْنُ ظنِّهِ بربهِ عزَّ وجلَّ فإنَّهُ قال عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ، وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ يعني بذلك حابستيْنِ غنمهما فقال لهما : ما خطبكما معتزلتيْنِ لا تسقيانِ مع الناسِ ؟ قالتا : ليس لنا قوةٌ نُزاحِمُ القومَ وإنما ننتظرُ فُضُولَ حياضهم، فَسَقَى لهما فجعل يغترفُ في الدَّلْوِ ماءً كثيرًا حتى كان أولَ الرُّعَاءِ، فانصرفتا بغنمهما إلى أبيهما وانصرف موسى عليهِ السلامُ فاستظَلَّ بشجرةٍ وقال رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ واستنكرَ أبوهما سرعةَ صدورهما بغنمهما حُفَّلًا بِطَانًا فقال : إنَّ لكما اليومَ لشأنًا، فأخبرتاهُ بما صنع موسى، فأمر إحداهما أن تدعوهُ، فأتتْ موسى فدعتْهُ فلمَّا كلَّمَهُ قال لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ليس لفرعونَ ولا لقومِهِ علينا سلطانٌ، ولسنا في مملكتِهِ، فقالت إحداهما : يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ، إِنَّ خَيْرَ مِنَ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ فاحتملتْهُ الغِيرَةُ على أن قال لها : ما يُدْرِيكِ ما قوتُهُ وما أمانتُهُ ؟ قالت : أما قُوَّتُهُ فما رأيتُ منهُ في الدَّلْوِ حين سقى لنا، لم أَرَ رجلًا قطُّ أقوى في ذلك السَّقْيِ منهُ، وأما الأمانةُ فإنَّهُ نظر إلي حينِ أقبلتْ إليهِ وشَخَصَتْ لهُ، فلمَّا علم أني امرأةٌ صَوَّبَ رأسَهُ فلم يرفعْهُ حتى بَلَّغْتُهُ رسالتكَ، ثم قال لي : امشي خلفي وانْعُتِي لي الطريقَ، فلم يفعل هذا إلا وهو أمينٌ، فسُرِّيَ عن أبيها وصدَّقها وظَنَّ بهِ الذي قالت، فقال لهُ : هل لكَ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ففعل فكانت على نبيِّ اللهِ موسى ثماني سنينَ واجبةً وكانت سَنَتَانِ عِدَةً منهُ فقضى اللهُ عنهُ عِدَتَهُ فأَتَمَّها عشرًا. قال سعيدٌ هو ابنُ جبيرٍ : فلَقِيَنِي رجلٌ من أهلِ النصرانيةِ من علمائهم قال : هل تدري أيُّ الأجلَيْنِ قضى موسى ؟ قلتُ : لا، وأنا يومئذٍ لا أدري، فلقيتُ ابنَ عباسٍ فذكرتُ ذلك لهُ فقال : أما علمتَ أنَّ ثمانيًا كانت على نبيِّ اللهِ واجبةً لم يكن لنبيٍّ أن يَنْقُصَ منها شيئًا، ويعلمُ أنَّ اللهَ كان قاضيًا عن موسى عِدَتَهُ التي وعدَهُ فعِدَتُهُ التي وعدَهُ فإنَّهُ قضى عشرَ سنينَ، فلقيتُ النصرانيَّ فأخبرتُهُ ذلك فقال : الذي سألتَهُ فأخبركَ أعلمُ منكَ بذلك قلتُ : أجل وأَوْلَى. فلمَّا سار موسى بأهلِهِ كان من أمرِ النارِ والعصا ويدِهِ ما قَصَّ اللهُ عليك في القرآنِ، فشكا إلى اللهِ تعالى ما يَتَخَوَّفُ من آلِ فرعونَ في القتيلِ وعُقْدَةِ لسانِهِ، فإنَّهُ كان في لسانِهِ عُقْدَةً تمنعُهُ من كثيرٍ من الكلامِ، وسأل ربهُ أن يُعِينَهُ بأخيهِ هارونَ يكونُ لهُ رِدْءًا ويتكلَّمُ عنهُ بكثيرٍ مما لا يُفْصِحُ بهِ لسانُهُ، فآتاهُ اللهُ سُؤْلَهُ وحلَّ عقدةً من لسانِهِ وأوحى اللهُ إلى هارونَ وأَمَرَهُ أن يلقاهُ، فاندفع موسى بعصاهُ حتى لَقِيَ هارونَ عليهما السلامُ فانطلقا جميعًا إلى فرعونَ فأقاما على بابِهِ حينًا لا يُؤْذَنُ لهما، ثم أُذِنَ لهما بعد حجابٍ شديدٍ فقالا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ قال : فمن ربكما ؟ فأخبرَهُ بالذي قَصَّ اللهُ عليكَ في القرآنِ، قال : فما تريدانِ ؟ وذَكَّرَهُ القتيلَ فاعتذرَ بما قد سمعتَ، قال : أريدً أن تُؤْمِنَ باللهِ وتُرْسِلَ معيَ بني إسرائيلَ، فأَبَى عليهِ وقال ائْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فألقى عصاهُ فإذا هي حيَّةٌ تسعى عظيمةٌ فاغِرَةٌ فاها مسرعةٌ إلى فرعونَ ، فلمَّا رآها قاصدةً إليهِ خافها فاقتحمَ عن سريرِهِ واستغاثَ بموسى أن يَكُفَّهَا عنهُ ففعلَ، ثم أخرج يدَهُ من جيبِهِ فرآها بيضاءَ من غيرِ سوءٍ يعني من غيرِ بَرَصٍ ثم رَدَّهَا فعادت إلى لونها الأولِ، فاستشار الملأَ حولَهُ فيما رأى، فقالوا لهُ : هَذَانِ سَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى يعني مُلْكَهُمْ الذي هم فيهِ والعيشِ، وأَبَوْا على موسى أن يُعْطُوهُ شيئًا ممَّا طلبَ، وقالوا لهُ : اجمعْ لهما السحرةَ فإنَّهم بأرضكَ كثيرٌ حتى تَغْلِبَ بسحركَ سحرهما، فأرسلَ إلى المدائنِ فحُشِرَ لهُ كلُّ ساحرٍ متعالمٍ، فلمَّا أَتَوْا فرعونَ قالوا : بم يعملُ هذا الساحرُ ؟ قالوا : يعمل بالحَيَّاتِ، قالوا : فلا واللهِ ما أَحَدٌ في الأرضِ يعملُ بالسحرِ بالحَيَّاتِ والحبالِ والعِصِيِّ الذي نعملُ، وما أَجْرُنَا إن نحنُ غَلَبْنَا ؟ قال لهم : أنتم أقاربي وخاصَّتي، وأنا صانعٌ إليكم كلَّ شيٍء أحببتم، فتواعدوا يومَ الزينةِ وأنْ يُحْشَرَ الناسُ ضحىً، قال سعيدُ بنُ جبيرٍ : فحدَّثني ابنُ عباسٍ أنَّ يومَ الزينةَ الذي أظهرَ اللهُ فيهِ موسى على فرعونَ والسحرةَ هو يومُ عاشوراءَ. فلمَّا اجتمعوا في صعيدٍ واحدٍ قال الناسُ بعضهم لبعضٍ : انطلقوا فلنحضر هذا الأمرَ لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ يعنون موسى وهارونَ استهزاءً بهما، فقالوا : يا موسى لقدرتهم بسحرهم إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ، قَالَ: بَلْ أَلْقُوا فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ فرأى موسى من سحرهم ما أوجسَ في نفسِهِ خيفةً، فأوحى اللهُ إليهِ أن أَلْقِ عصاكَ، فلمَّا ألقاها صارت ثعبانًا عظيمةً فاغِرَةً فاها، فجعلتِ العِصِيُّ تلتبسُ بالحبالِ حتى صارت جَزَرًا إلى الثعبانِ، تدخلُ فيهِ، حتى ما أبقت عصًا ولا حبالًا إلا ابتلعتْهُ، فلمَّا عرفتِ السحرةُ ذلك قالوا، لو كان هذا سحرًا لم يبلغ من سحرنا كلَّ هذا، ولكنَّهُ أمرٌ من اللهِ عزَّ وجلَّ، آمَنَّا باللهِ وبما جاء بهِ موسى، ونتوبُ إلى اللهِ ممَّا كُنَّا عليهِ، فكسرَ اللهُ ظهرَ فرعونَ في ذلك الموطنِ وأشياعِهِ، وظَهَرَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ وامرأةُ فرعونَ بارزةٌ متبذلةٌ تدعو اللهَ بالنصرِ لموسى على فرعونَ وأشياعِهِ، فمن رآها من آلِ فرعونَ ظنَّ أنَّها إنما ابتُذِلَتْ للشفقةِ على فرعونَ وأشياعِهِ، وإنَّما كان حزنها وهَمُّها لموسى. فلمَّا طال مُكْثُ موسى بمواعيدِ فرعونَ الكاذبةِ، كلَّما جاء بآيةٍ وعدَهُ عندها أن يُرْسِلَ معهُ بني إسرائيلَ، فإذا مَضَتْ أخلفَ موعدَهُ وقال : هل يستطيعُ ربكَ أن يصنعَ غيرَ هذا ؟ فأرسلَ اللهُ على قومِهِ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقَمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ، كلُّ ذلك يشكو إلى موسى ويطلبُ إليهِ أن يَكُفَّها عنهُ، ويُوَاثِقُهُ على أن يُرْسِلَ معهُ بني إسرائيلَ، فإذا كَفَّ ذلك عنهُ أخلفَ موعدَهُ، ونكث عهدَهُ. حتى أمرَ اللهُ موسى بالخروجِ بقومِهِ فخرج بهم ليلًا، فلمَّا أصبح فرعونُ ورأى أنهم قد مَضَوْا أَرْسَلَ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ، فتبعَهُ بجنودٍ عظيمةٍ كثيرةٍ، وأوحى اللهُ إلى البحرِ : إذا ضربكَ عبدي موسى بعصاهُ فانفلِقْ اثنتيْ عشرةَ فِرْقَةً، حتى يجوزَ موسى ومن معهُ، ثم التَقِ على من بَقِيَ بعد من فرعونَ وأشياعِهِ. فنسيَ موسى أن يضربَ البحرَ بالعصا وانتهى إلى البحرِ ولهُ قصيفٌ، مخافةَ أن يضربَهُ موسى بعصاهُ وهو غافلٌ فيصيرُ عاصيًا للهِ. فلمَّا تراءى الجَمْعَانِ وتقاربا قال أصحابُ موسى : إِنَّا لَمُدْرَكُونَ، افعلْ ما أمركَ بهِ ربكَ، فإنَّهُ لم يَكْذِبْ ولم تَكْذِبْ. قال : وعدني أن إذا أتيتُ البحرَ انْفَرَقَ اثنتيْ عشرةَ فِرْقَةً، حتى أُجَاوِزُهُ : ثم ذكر بعد ذلك العصا فضرب البحرَ بعصاهُ حين دنا أوائلُ جُنْدِ فرعونَ من أواخرِ جُنْدِ موسى، فانفرقَ البحرُ كما أمرَهُ ربهُ وكما وعد موسى فلمَّا أن جاز موسى وأصحابُهُ كلُّهم البحرَ، ودخل فرعونُ وأصحابُهُ، التقى عليهم البحرُ كما أُمِرَ فلمَّا جاوزَ موسى البحرَ قال أصحابُهُ : إنَّا نخافُ أن لا يكون فرعونُ غَرِقَ ولا نُؤْمِنُ بهلاكِهِ. فدعا ربهُ فأخرجَهُ لهُ ببدنِهِ حتى استيقنوا بهلاكِهِ. ثم مَرُّوا بعد ذلك عَلَى قَوْمٍ يَعْكِفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ قد رأيتم من العِبَرِ وسمعتم ما يكفيكم ومضى. فأنزلهم موسى منزلًا وقال : أطيعوا هارونَ فإني قد استخلفتُهُ عليكم، فإني ذاهبٌ إلى ربي. وأَجَّلَهُمْ ثلاثينَ يومًا أن يرجعَ إليهم فيها، فلمَّا أتى ربهُ وأرادَ أن يُكَلِّمَهُ في ثلاثينَ يومًا وقد صامهُنَّ ليلهُنَّ ونهارهُنَّ، وكَرِهَ أن يُكَلِّمَ ربهُ وريحُ فيهِ، ريحُ فمِ الصائمِ، فتناولَ موسى من نباتِ الأرضِ شيئًا فمضغَهُ، فقال لهُ ربهُ حين أتاهُ : لم أفطرتَ ؟ وهو أعلمُ بالذي كان : قال : يا ربِّ، إني كرهتُ أن أُكَلِّمَكَ إلا وفَمِي طَيِّبُ الرِّيحِ. قال : أوما علمتَ يا موسى أنَّ رِيحَ فمِ الصائمِ أطيبُ من ريحِ المِسْكِ، ارجع فصُمْ عشرًا ثم ائتني. ففعل موسى عليهِ السلامُ ما أُمِرَ بهِ، فلمَّا رأى قومُ موسى أنَّهُ لم يرجع إليهم في الأَجَلِ، ساءهم ذلك : وكان هارونُ قد خطبهم وقال : إنَّكم قد خرجتم من مصرَ، ولقومِ فرعونَ عندكم عَوَارِيَ وودائعُ، ولكم فيهم مثلُ ذلك ولا ممسكيهِ لأنفسنا، فحفرَ حفيرًا، وأمر كلَّ قومٍ عندهم من ذلك من متاعٍ أو حِلْيَةٍ أن يقذفوهُ في ذلك الحفيرِ، ثم أوقدَ عليهِ النارَ فأحرقَهُ، فقال : لا يكونُ لنا ولا لهم. وكان السامريُّ من قومٍ يعبدونَ البقرَ، جيرانٌ لبني إسرائيلَ، ولم يكن من بني إسرائيلَ، فاحتملَ مع موسى وبني إسرائيلَ حينَ احتملوا، فقضى لهُ أن رأى أَثَرًا فقبضَ منهُ قبضةً، فمرَّ بهارونَ، فقال لهُ هارونُ عليهِ السلامُ : يا سامريُّ، ألا تُلْقِي ما في يدكَ ؟ وهو قابضٌ عليهِ، لا يراهُ أحدٌ طُوَالَ ذلكَ، فقال : هذهِ قبضةٌ من أَثَرِ الرسولِ الذي جاوزَ بكمُ البحرَ، ولا أُلْقِيهَا لشيٍء إلا أن تدعو اللهَ إذا ألقيتُهَا أن يكونَ ما أُريدُ. فألقاها، ودعا لهُ هارونُ، فقال : أُريدُ أن يكونَ عِجْلًا. فاجتمعَ ما كان في الحفيرةِ من متاعٍ أو حِلْيَةٍ أو نحاسٍ أو حديدٍ، فصار عِجْلَا أجوفَ ، ليس فيهِ روحٌ، ولهُ خُوَارٌ قال ابنُ عباسٍ : لا واللهِ، ما كان لهُ صوتٌ قطُّ، إنَّما كانت الريحُ تدخُلُ في دُبُرِهِ وتخرجُ من فيهِ، فكان ذلك الصوتَ من ذلكَ. فتفرَّقَ بنو إسرائيلَ فِرَقًا، فقالت فِرْقَةٌ : يا سامريُّ، ما هذا ؟ وأنتَ أعلمُ بهِ. قال : هذا ربكم، ولكن موسى أَضَلَّ الطريقَ. وقالت فِرْقَةٌ : لا نُكَذِّبُ بهذا حتى يرجعَ إلينا موسى، فإن كان ربنا لم نكن ضَيَّعْنَاهُ وعجزنا فيهِ حين رأيناهُ، وإن لم يكن ربنا فإنَّا نَتَّبِعُ قولَ موسى، وقالت فِرْقَةٌ : هذا عملُ الشيطانِ، وليس بربنا ولا نُؤْمِنُ بهِ ولا نُصَدِّقُ، وأُشْرِبَ فِرْقَةٌ في قلوبهم الصدقَ بما قال السامريُّ في العِجْلِ، وأعلنوا التكذيبَ بهِ، فقال لهم هارونُ : يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ، وَإِنَّ رَبَّكَمُ الرَّحْمَنُ. قالوا : فما بالُ موسى وعدنا ثلاثينَ يومًا ثم أخلفنا ؟ هذهِ أربعونَ يومًا قد مضتْ ؟ وقال سفهاؤهم : أخطأَ ربُّهُ فهو يطلبُهُ ويَتْبَعُهُ. فلمَّا كلَّمَ اللهُ موسى وقال لهُ ما قال : أَخْبَرَهُ بما لَقِيَ قومُهُ من بعدِهِ، فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا فقال لهم ما سمعتم في القرآنِ، وأخذ برأسِ أخيهِ يَجُرُّهُ إليهِ، وألقى الألواحَ من الغضبِ، ثم إنَّهُ عذرَ أخاهُ بعذرِهِ، واستغفرَ لهُ، وانصرفَ إلى السامريِّ فقال لهُ : ما حملكَ على ما صنعتَ ؟ قال : قَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ، وفطنتُ لها وعميتْ عليكم، فقذفتها وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا، ولو كان إلهًا لم يُخْلَصْ إلى ذلك منهُ، فاستيقنَ بنو إسرائيلَ بالفتنةِ، واغتُبِطَ الذين كان رأيهم فيهِ مثلَ رأي هارونَ، فقالوا لجماعتهم : يا موسى، سَلْ لنا ربكَ أن يفتحَ لنا بابَ توبةٍ نصنعها، فيُكَفِّرْ عنَّا ما عملنا. فاختارَ موسى قومَهُ سبعينَ رجلًا لذلك، لا يَأْلُو الخيرَ، خيارَ بني إسرائيلَ، ومن لم يُشْرِكْ في العِجْلِ، فانطلقَ بهم يسألُ لهمُ التوبةَ، فرجفتْ بهمُ الأرضَ، فاستحيا نبيُّ اللهِ من قومِهِ ومن وفدِهِ حين فُعِلَ بهم ما فُعِلَ، فقال : ربِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا وفيهم من كان اطَّلَعَ اللهُ منهُ على ما أُشْرِبَ قلبُهُ من حُبِّ العِجْلِ وإيمانٍ بهِ فلذلك رجفتْ بهمُ الأرضُ فقال : رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ فقال : يا ربِّ سألتُكَ التوبةَ لقومي، فقلتَ : إنَّ رحمتي كتبتُهَا لقومٍ غيرِ قومي فليتَكَ أَخَّرْتَنِي حتى تُخْرِجَنِي في أُمَّةِ ذلك الرجلِ المرحومةِ، فقال لهُ : إنَّ توبتهم أن يَقْتُلَ كلُّ رجلٍ منهم من لَقِيَ من والدٍ وولدٍ فيقتلُهُ بالسيفِ ولا يُبَالِي من قتلَ في ذلك الموطنِ وتاب أولئكَ الذين كان خَفِيَ على موسى وهارونَ واطَّلَعَ اللهُ من ذنوبهم فاعترفوا بها وفعلوا ما أُمِرُوا وغفرَ اللهُ للقاتلِ والمقتولِ. ثم سار بهم موسى عليهِ السلامُ مُتَوَجِّهًا نحوَ الأرضِ المقدسةِ، وأخذ الألواحَ بعد ما سكتَ عنهُ الغضبُ فأمرهم بالذي أُمِرَ بهِ أن يُبَلِّغَهُمْ من الوظائفِ، فثَقُلَ ذلك عليهم وأَبَوْا أن يُقِرُّوا بها، فنَتَقَ اللهُ عليهمُ الجبلَ كأنَّهُ ظُلَّةٌ ودنا منهم حتى خافوا أن يقعَ عليهم فأَخَذُوا الكتابَ بأيمانهم وهم مُصْغُونَ ينظرونَ إلى الجبلِ والكتابُ بأيديهم، وهم من وراءِ الجبلِ مخافةَ أن يقعَ عليهم، ثم مَضَوْا حتى أَتَوْا الأرضَ المقدسةَ فوجدوا مدينةً فيها قومٌ جَبَّارُونَ خَلْقُهُمْ خَلْقٌ مُنْكَرٌ، وذكروا من ثمارهم أمرًا عجيبًا من عِظَمِهَا، فقالوا : يا موسى إنَّ فيها قومًا جَبَّارِينَ لا طاقةَ لنا بهم، ولا ندخلها ماداموا فيها، فإن يخرجوا منها فإنَّا داخلونَ، قال رجلانِ من الذينَ يخافونَ قيل ليزيدٍ : هكذا قرأَهُ ؟ قال : نعم، من الجَبَّارِينَ آمَنَّا بموسى، وخرجا إليهِ فقالوا : نحنُ أعلمُ بقومنا إن كنتم إنَّما تخافونَ ما رأيتم من أجسامهم وعددهم فإنَّهم لا قلوبَ لهم ولا مَنَعَةَ عندهم فادخلوا عليهمُ البابَ فإذا دخلتموهُ فإنَّكم غالبونَ، ويقولُ أُناسٌ : إنَّهم من قومِ موسى، فقال الذينَ يخافونَ بنو إسرائيلَ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ فأغضبوا موسى فدعا عليهم وسمَّاهم فاسقينَ، ولم يَدْعُ عليهم قبلَ ذلك، لِمَا رأى منهم المعصيةَ وإساءتهم حتى كان يومئذٍ، فاستجاب اللهُ لهُ وسمَّاهم كما سمَّاهم فاسقينَ، فحرَّمَهَا عليهم أربعينَ سَنَةً يتيهونَ في الأرضِ، يُصْبِحُونَ كلَّ يومٍ فيسيرونَ ليس لهم قرارٌ ثم ظَلَّلَ عليهمُ الغمامَ في التِّيهِ وأنزلَ عليهمُ المَنَّ والسلوى وجعل لهم ثيابًا لا تَبْلَى ولا تَتَّسِخُ، وجعل بين ظهرانيهم حَجَرًا مُرَبَّعًا وأمرَ موسى فضربَهُ بعصاهُ فانفجرتْ منهُ اثنتا عشرةَ عينًا في كلِّ ناحيةٍ ثلاثُ أعينٍ، وأعلمَ كلَّ سِبْطٍ عَيْنُهُمُ التي يشربونَ منها فلا يرتحلونَ من مَنْقَلَةٍ إلا وجدوا ذلك الحَجَرَ معهم بالمكانِ الذي كان فيهِ بالأمسِ
خلاصة حكم المحدث : موقوف وكأنه تلقاه ابن عباس رضي الله عنه مما أبيح نقله من الإسرائيليات عن كعب الأحبار أو غيره
الراوي : سعيد بن جبير | المحدث : ابن كثير | المصدر : تفسير القرآن العظيم
الصفحة أو الرقم : 5/279 التخريج : أخرجه الطبري في ((جامع البيان)) (16/ 64)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (8302) بلفظه مطولا..
التصنيف الموضوعي: أنبياء - معجزات أنبياء - موسى أنبياء - هارون تفسير آيات - سورة القصص تفسير آيات - سورة طه
| أحاديث مشابهة |أصول الحديث

13 - لما كان ليلةَ أسريَ برسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى بيتِ المقدسِ، أتاهُ جبريلُ بدابّةٍ فوقَ الحمارِ ودون البغلِ، حملهُ جبريلُ عليها، ينتهي خُفُّها حيثُ ينتهي طرفُها، فلما بلغَ بيتَ المقدسِ وبلغَ المكانَ الذي يقالُ لهُ بابُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم أتى إلى الحجرِ الذي ثمّةَ، فغمزهُ جبريل بأصبعهِ فثقبهُ، ثم ربطها. ثم صعدَ فلما استويا في صرحةِ المسجدِ، قال جبريلُ : يا محمد، هل سألتَ ربكَ أن يريكَ الحورَ العينِ ؟ فقال : نعم. فقال : فانطلقْ إلى أولئكَ النسوةِ، فسلّمْ عليهنَّ وهنَّ جلوسٌ عن يسارِ الصخرةِ، قال : فأتيتهنّ فسلمتُ عليهنَّ، فرددنَ عليَّ السلامَ، فقلتُ : من أنتنَّ ؟ فقلنَ : نحنُ خيراتٌ حسانٌ، نساءُ قومٍ أبرارٌ، نُقّوا فلم يدرَنُوا. وأقاموا فلم يَظْعَنُوا، وخُلّدوا فلم يموتُوا. قال : ثم انصرفتُ، فلم ألبثْ إلا يسيرا حتى اجتمعَ ناسٌ كثيرٌ، ثم أذنَ مؤذنٌ، وأقيمتِ الصلاةُ قال : فقمنَا صفوفا ننتظرُ من يؤمُّنا. فأخذَ بيدِي جبريلُ عليهِ السلامُ، فقدّمنِي فصليتُ بهِم، فلما انصرفتُ قال جبريلُ : يا محمد، أتدرِي من صلى خلفكَ ؟ قال : قلتُ : لا. قال : صلى خلفكَ كل نبيّ بعثهُ اللهُ عز وجلَ. قال : ثم أخذَ بيدي جبريلُ فصعدَ بي إلى السماءِ، فلما انتهينَا إلى البابِ استفتحَ فقالوا : من أنتَ ؟ قال : أنا جبريلُ. قالوا : ومن معكَ ؟ قال : محمدٌ. قالوا : وقد بُعِثَ ؟ قال : نعم. قال : ففتحوا لهُ وقالوا : مرحبا بكَ وبمن معكَ. قال : فلما استوى على ظهرها إذا فيها آدمُ،، فقال لي جبريل : يا محمدُ، ألا تُسلِّمْ على أبيكَ آدمُ ؟ قال : قلتُ : بلى. فأتيتهُ فسلمتُ عليهِ، فردَّ عليَّ وقال : مرحبا بابني والنبي الصالح. قال : ثم عرجَ بي إلى السماءِ الثانيةِ فاستفتحَ، قالوا : من أنتَ ؟ قال : جبريلُ. قالوا : ومن معكَ ؟ قال : محمدٌ. قالوا : وقد بُعِثَ ؟ قال : نعم. ففتحوا له وقالوا : مرحبا بكَ وبمنْ معكَ. فإذا فيها عيسى وابنُ خالتهِ يحيى عليهما السلامُ. قال : ثم عرجَ بي إلى السماءِ الثالثةِ فاستفتحَ قالوا : من أنتَ ؟ قال : جبريلُ : قالوا : ومن معكَ ؟ قال : محمدٌ. قالوا : وقد بُعِثَ ؟ قال : نعم : ففتحوا وقالوا : مرحبا بكَ وبمن معكَ. فإذا فيها يوسفُ عليهِ السلامُ، ثم عرجَ بي إلى السماءِ الرابعةِ فاستفتحَ، قالوا : من أنتَ ؟ قال : جبريلُ، قالوا : ومن معكَ ؟ قال : محمدٌ. قالوا : وقد بُعِثَ ؟ قال : نعم. ففتحوا لهُ وقالوا : مرحبا بكَ وبمن معكَ ؟ فإذا فيها إدريسُ عليهِ السلامُ قال : فعرجَ بي إلى السماءِ الخامسةِ فاستفتحَ، قالوا : من أنتَ ؟ قال : جبريلُ : قالوا : ومن معكَ ؟ قال : محمدٌ. قالوا : وقد بُعِثَ ؟ قال : نعم. ففتحُوا وقالوا : مرحبا بكَ وبمن معكَ. فإذا فيها هارونُ عليهِ السلامُ. قال : ثم عرجَ بي إلى السماءِ السادسةِ فاستفتحَ، قالوا : من أنتَ ؟ قال : جبريلُ. قالوا : ومن معكَ ؟ قال : محمدٌ. قالوا : وقد بُعِثَ ؟ قال : نعم. ففتحوا وقالوا : مرحبا بك وبمن معكَ. فإذا فيها موسى عليهِ السلامُ. ثم عرجَ بي إلى السماءِ السابعةِ، فاستفتحَ جبريلُ، فقالوا : من أنتَ ؟ قال : جبريلُ. قالوا : ومن معكَ ؟ قال : محمدٌ. قالوا : وقد بُعِثَ إليهِ ؟ قال : نعم. ففتحوا له وقالوا : مرحبا بكَ وبمن معكَ، فإذا فيها إبراهيمُ عليهِ السلامُ. فقال جبريل : يا محمدُ، ألا تُسلّمْ على أبيكَ إبراهيمَ ؟ قال : قلت : بلى. فأتيتهُ فسلّمتُ عليهِ، فردَّ عليَّ السلامَ، وقال : مرحبا بكَ يا بنيَّ، والنبي الصالح. ثم انطلقَ بي على ظهرِ السماءِ السابعةِ حتى انتهى بي إلى نهرٍ عليهِ خيامُ الياقوتِ واللؤلؤِ والزبرجدِ، وعليه طيرٌ خضرٌ، أنعمُ طيرٍ رأيتُ. فقلتُ : يا جبريلُ، إن هذا الطيرَ لناعمٌ ؟ قال : يا محمدُ، آكلهُ أنعمُ منهُ، ثم قال : يا محمدُ أتدري أي نهرٍ هذا ؟ قال : قلتُ : لا. قال : هذا الكوثرُ الذي أعطاكَ اللهُ إياهُ. فإذا فيهِ آنيةٌ من الذهبِ والفضةِ، يجرِي على رضراضٍ من الياقوتِ والزمردِ، ماؤهُ أشدُّ بياضا من اللبنِ. قال : فأخذتُ منهُ آنيةً من الذهبِ، فاغترفتُ من ذلكَ الماءِ فشرِبتُ، فإذا هو أحلَى من العسلِ، وأشدُّ رائحةً من المسكِ. ثم انطلقَ بي حتى انتهيتُ إلى الشجرةِ، فغشيتنِي سحابةٌ فيها من كل لونٍ، فرفضنِي جبريلُ، وخررتُ ساجدا للهِ عز وجلَ، فقال اللهُ لي : يا محمدُ، إني يومَ خلقتُ السماواتِ والأرضَ فرضتُ عليكَ وعلى أمتكَ خمسينَ صلاةً، فقُمْ بها أنتَ وأمتكَ. قال : ثم انجلتْ عني السحابةُ وأخذَ بيدي جبريلُ، فانصرفتُ سريعا فأتيتُ على إبراهيمَ فلم يقلْ لي شيئا، ثم أتيتُ على موسى، فقال : ما صنعتَ يا محمدُ ؟ فقلتُ فرضَ ربي عليَّ وعلى أمتِي خمسينَ صلاةً. قال : فلنْ تستطيعَها أنتَ ولا أمتكَ، فارجعْ إلى ربكَ فاسألَهُ أن يخفِّفَ عنكَ. فرجعتُ سريعا حتى انتهيتُ إلى الشجرةِ، فغشيتنِي السحابةُ، ورفضنِي جبريلُ، وخررتُ ساجدا، وقلت : ربِّ، إنك فرضتَ عليّ وعلى أمتي خمسينَ صلاةً، ولن أستطيعها أنا ولا أمتِي، فخففْ عنا، قال : قد وضعتُ عنكُم عشرا. قال : ثم انجلتْ عني السحابةُ، وأخذَ بيدي جبريلُ وانصرفتُ سريعا، حتى أتيتُ على إبراهيمَ فلم يقلْ لي شيئا، ثم أتيتُ على موسى فقال لي : ما صنعتَ يا محمدُ ؟ فقلتُ : وضعَ ربي عني عشرا. فقال : أربعونَ صلاةً : لن تستطيعها أنتَ ولا أمتكَ، فارجعْ إلى ربكَ فاسألهُ أن يُخفّفَ عنكُم فذكرَ الحديث كذلكَ إلى خمسِ صلواتٍ، وخمسٌ بخمسينَ ثم أمرهُ موسى أن يرجعَ فيسألَ التخفيفَ، فقلتُ إني قد استحييتُ منهُ تعالى. قال : ثم انحدرَ، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لجبريل : مالي لم آتِ على سماءٍ إلا رحبوا بِي وضحِكوا إليَّ غيرَ رجلٍ واحدٍ، فسلمتُ عليهِ فردّ علي السلام فرحبَ بي ولم يضحكْ إليّ، قال : يا محمدُ، ذاكَ مالكٌ خازنُ جهنمَ لم يضحكْ منذُ خُلِقَ، ولو ضحكَ إلى أحدٍ لضحكَ إليكَ قال : ثم ركبَ منصرفا، فبينا هو في بعضِ طريقهِ مرَّ بعيرٍ لقريشٍ تحملُ طعاما، منها جملٌ عليهِ غرارتانِ : غرارةٌ سوداءُ، وغرارةٌ بيضاءُ، فلما حاذَى بالعيرِ نفرتْ منه واستدارتْ، وصُرِعَ ذلكَ البعيرُ وانكسرَ. ثم إنهُ مضى فأصبحَ، فأخبرَ عما كانَ، فلما سمعَ المشركونَ قولهُ أتوا أبا بكرٍ فقالوا : يا أبا بكرٍ، هل لكَ في صاحبكَ ؟ يُخبرُ أنه أتى في ليلتهِ هذهِ مسيرةُ شهرٍ، ثم رجعَ في ليلتهِ. فقال أبو بكرٍ رضي اللهُ عنهُ : إن كانَ قالهُ فقد صدقَ، وإنا لنصدقهُ فيما هو أبعدُ من هذا، نصدقهُ على خبرِ السماءِ. فقال المشركونَ لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ما علامةُ ما تقولُ ؟ قال : مررتُ بعيرٍ لقريشٍ، وهي في مكانِ كذا وكذا، فنفرتْ العيرُ منا واستدارتْ، وفيها بعيرٌ عليهِ غرارتانِ : غرارةٌ سوداءُ، وغرارةٌ بيضاءُ، فصُرِعَ فانكسرَ. فلما قدمتِ العيرُ سألوهُم، فأخبروهُم الخبرَ على مثلِ ما حدثهُم النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلكَ سُمّيَ أبو بكرٍ : الصديقُ وسألوهُ وقالوا : هل كانَ معكَ فيمن حضرَ موسى وعيسى ؟ قال : نعم. قالوا : فصفهُم. قال : نعم، أما موسى فرجلٌ آدمُ، كأنه من رجالِ أزدِ عمانَ، وأما عيسى فرجلُ ربعةٌ ، سبطٌ، تعلوهٌ حمرةٌ، كأنما يتحادرُ من شعرهِ الجمانُ
خلاصة حكم المحدث : فيه غرائب عجيبة
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : ابن كثير | المصدر : تفسير القرآن العظيم
الصفحة أو الرقم : 5/11 التخريج : أخرجه ابن أبي حاتم كما في ((تفسير القرآن)) لابن كثير (5/12)
التصنيف الموضوعي: خلق - البراق جنة - نهر الكوثر صلاة - صلاة ليلة المعراج فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - الإسراء والمعراج فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - عظم قدر النبي صلى الله عليه وسلم
| أحاديث مشابهة |أصول الحديث

14 - ُ عن أبي هريرةَ أو غيره شكّ أبو جعفرُ في قولِ اللهِ عز وجل : { سُبْحَانَ الّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيلًا مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ، لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } قال : جاءَ جبريلُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعهُ ميكائيلُ، فقال جبريلُ لميكائيلَ : ائتنِي بطستٍ من ماءِ زمزمَ، كيْما أُطهرَ قلبهُ وأشرحَ له صدرهُ، قال : فشقَّ عنه بطنهُ، فغسلهُ ثلاثَ مراتٍ. واختلفَ إليهِ ميكائيلُ بثلاثِ طساسٍ من ماءِ زمزمَ فشرحَ صدرهَ ونزعَ ما كان فيهِ من غِلٍّ، وملأه حلما وعلما، وإيمانا ويقينا وإسلاما، وختمَ بين كتفيهِ بخاتمِ النبوةِ ثم أتاهُ بفرسٍ فحُمِلَ عليهِ، كلُّ خطوةٍ منهُ مُنتهى بصرهِ أو أَقصَى بصرهِ قال : فسارَ وسارَ معهُ جبريلُ عليهما السلام، قال : فأَتى على قومٍ يزرعونَ في يومٍ ويحصدونَ في يومٍ، كلما حصدوا عادَ كما كانَ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا جبريلُ، ما هذا ؟ قال : هؤلاءِ المُجاهدونَ في سبيلِ اللهِ، تُضاعفُ لهُم الحسنةُ بسبعمائةِ ضعفٍ، وما أنفقوا من شيء فهو يُخْلِفُه، وهو خيرُ الرازِقينَ ثم أتَى على قومٍ ترضخُ رؤوسهُم بالصخرِ، كلما رضختْ عادتْ كما كانتْ، ولا يُفتّرُ عنهم من ذلكَ شيء فقال : ما هؤلاءِ يا جبريلُ ؟ قال : هؤلاءِ الذينَ تتثاقلُ رؤوسهُم عن الصلاةِ المكتوبة ِ. ثم أَتَى على قومٍ على أقبالهٍم رِقاعٌ وعلى أدبارهِم رِقاعٌ، يسرحُونَ كما تسرحُ الإبلُ والنعم، ويأكلونَ الضريعَ والزقومَ ورضفَ جهنمَ وحجارتُها، قال : ما هؤلاءِ يا جبريلُ ؟ قال : هؤلاءِ الذين لا يؤدُّونَ صدقاتِ أموالهِم، وما ظلمهُم اللهُ شيئا، وما الله بظلّامٍ للعبِيدِ. ثم أَتى على قَوْمٍ بينَ أيديهم لحمٌ نضيجٌ في قدرٍ، ولحمٌ آخرُ نيىء في قدرٍ خبيثٍ، فجعلوا يأكلونَ من النيّىءِ الخبيثِ ويدعونَ النضيجَ الطيبَ، فقال : ما هؤلاءِ يا جبريلُ ؟ فقال : هذا الرجلُ من أمتكَ، تكونُ عندهُ المرأَةُ الحلال الطيبُ، فيأتي امرأةً خبيثةً فيبيتُ عندها حتى يصبِحَ، والمرأَةُ تقومُ من عندِ زوجها حلالا طيّبا، فتأتِي رجلا خبيثا فتبيتُ معهُ حتى تصبحَ. قال : ثم أتى على خشبةٍ على الطريقِ، لا يمرُّ بها ثوبٌ إلا شقتهُ، ولا شيء إلا خرقتهُ، قال : ما هذا يا جبريلُ ؟ قال : هذا مثل أقوامٍ من أمتكَ، يقعدونَ على الطريقِ يقطعونهُ، ثم تلا : { وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوْعِدُونَ } قال : ثم أتى على رجلٍ قد جمعَ حزمةَ حطبٍ عظيمةٍ لا يستطيعُ حملهُا، وهو يزيدُ عليها، فقال : ما هذا يا جبريلُ ؟ فقال : هذا الرجلُ من أمتكَ يكون عليهِ أماناتُ الناسِ لا يقدرُ على أدائها، وهو يريدُ أن يحملَ عليها. ثم أتى على قومٍ تُقرضُ ألسنتهُم وشفاهُم بمقارِيضَ من حديدٍ، كلما قُرضتْ عادت كما كانتْ، لا يُفتّر عنهم من ذلكَ شيء، قال : ما هؤلاء يا جبريلُ ؟ قال : هؤلاءِ خطباءُ الفتنةِ. ثم أتى على جحرٍ صغيرٍ يخرجُ منه ثورٌ عظيمٌ، فجعل الثورُ يريدُ أن يرجعَ من حيثُ خرجَ، فلا يستطيعُ، فقال : ما هذا يا جبريلُ ؟ فقال : هذا الرجلُ يتكلّمُ بالكلمةِ العظيمةِ، ثم يندمُ عليها فلا يستطيعُ أن يردها. ثم أتى على وادٍ فوجدَ ريحا طيّبة بارِدةً، وريُْحُ مسكٍ، وسمعَ صوتا، فقال : يا جبريلُ، ما هذه الريحُ الطيبةُ الباردةُ ؟ وما هذا المسكُ ؟ وما هذا الصوتُ ؟ قال : هذا صوتُ الجنةِ، تقول : يا رب، آتنِي ما وعدتَني فقد كثَّرتْ غرفِي، وإستبرقي وحريرِي وسُندسِي، وعبقَريّي ولُؤلؤي ومُرجاني، وفضَّتي وذهبِي، وأكوابي وصحافي، وأباريقي ومراكبي، وعسلي ومائي وخمري ولبني فآتني ما وعدتني. فقال : لكِ كل مسلمٍ ومسلمةٍ، ومؤمنٍ ومؤمنةٍ، ومن أمنَ بي وبرسُلِي وعملَ صالحا ولم يشركْ بي، ولم يتخذْ من دوني أندادا. ومن خشيني فهو آمنٌ، ومن سألني أعطيتُهُ، ومن أقرضَنِي جزيتهُ، ومن توكلَ علي كفيتُهُ، إني أنا اللهُ، لا إله إلا أنا، لا أُخلفُ الميعادَ، وقد أفلحَ المؤمنونَ وتباركَ اللهُ أحسنُ الخالقينَ. قالتْ : قد رضيتُ. قال : ثم أتى على وادٍ فسمعَ صوتا منكرا، ووجدَ ريحا منتنةً ، فقال : ما هذهِ الريحُ يا جبريلُ ؟ وما هذا الصوتِ ؟ فقال : هذا صوتُ جهنمَ، تقول : يا رب، آتني ما وعدتني، فقد كثرتْ سلاسِلِي وأغلالي، وسعيري وحميمي، وضريعي، وغَسّاقي وعذابي، وقد بعدُ قَعْرِي واشتدَّ حَرّي، فآتني كل ما وعدتني. فقال : لكِ كل مشركٍ ومشركةٍ، وكافرٍ وكافرةٍ، وكل خبيثٍ وخبيثةٍ وكل جبّارٍ لا يؤمنُ بيومِ الحسابِ. قالت : قد رضيتُ. قال : ثم سارَ حتى أتى بيتَ المقدسِ، فنزل فربطَ فرسهُ إلى صخرةٍ، ثم دخلَ فصلى مع الملائكةِ، فلما قضيتُ الصلاةَ قالوا : يا جبريلُ، من هذا معكَ ؟ قال : محمد صلى الله عليه وسلم. قالوا : أوقدْ أرسلَ محمد ؟ قال : نعم. قالوا : حيّاهُ الله من أخٍ ومن خليفةٍ، فنعمَ الأخُ ونعمَ الخليفةُ، ونعمَ المجيء جاء. قال : ثم لقي أرواحَ الأنبياءِ، فأثنوا على ربهم، فقال إبراهيمُ : الحمدُ للهِ الذي اتخذني خليلا، وأعطاني مُلكا عظيما، وجعلني أمّةً قانتا يُؤْتَمُّ بي، وأنْقَذَنِي من النار، وجعلها عليّ بردا وسلاما. ثم إن موسى عليه السلام أثنى على ربهِ عز وجلَ فقال : الحمدُ للهِ الذي كلمني تكليما، وجعلَ هلاكَ آل فرعونَ ونجاةَ بني إسرائيلَ على يديَّ، وجعلَ من أمتي قوما يهدُونَ بالحقِّ وبه يعدِلونَ. ثم إن داود عليه السلام أثنى على ربهِ فقال : الحمدُ للهِ الذي جعل لي ملكا عظيما، وعلّمني الزبورَ، وألانَ لي الحديدَ، وسخَّرَ لي الجبالَ يُسبّحنَ والطيرَ، وأعطاني الحكمةَ وفصْلَ الخِطَابِ. ثم إن سليمان عليه السلام أثنى على ربه فقال : الحمدُ للهِ الذي سخّرَ لي الرياحَ، وسخرَ لي الشياطينَ يعملونَ لي ما شئتُ من محاريبَ وتماثيلَ، وجفانٍ كالجوابِ وقدُورٍ راسياتٍ، وعلّمني مَنْطِقَ الطيرِ، وآتاني من كل شيءٍ فضلا، وسخرَ لي جنودَ الشياطينِ والإنسِ والطيرِ، وفضلني على كثيرٍ من عبادهِ المؤمنينَ، وآتاني ملكا عظيما لا ينبغي لأحدٍ من بعدي، وجعل ملكي ملكا طيبا ليسَ فيه حسابٌ. ثم إن عيسى عليه السلام أثنى على ربه عز وجل فقال : الحمدُ للهِ الذي جعلني كلمتهُ، وجعل مثلي مثلُ آدمَ، خلقهَ من ترابٍ ثم قال له : كنْ فيكونَ، وعلمني الكتابَ والحكمةَ والتوراةَ والإنجيلَ، وجعلني أَخلُقُ من الطينِ كهيئةِ الطيرِ فأنفخُ فيهِ فيكون طيرا بإذنِ اللهِ، وجعلني أبْرئُ الأكمهَ والأبرصَ وأحيي الموتَى بإذنهِ، ورفعني وطهرني، وأعاذني وأمي من الشيطانِ الرجيمِ، فلم يكن للشيطانِ علينا سبيلٌ. قال : ثم إنَّ محمدا صلى الله عليه وسلم أثنى على ربه عز وجل فقال : فكلكم أثنى على ربِّهِ، وإنني مثنٍ على ربي فقال : الحمدُ للهِ الذي أرسلني رحمةً للعالمينَ، وكافة للناس بشيرا ونذيرا، وأنزلَ عليّ الفرقانَ فيه بيانٌ لكل شيءٍ، وجعل أمتي خيرَ أمةٍ أخرجتْ للناسِ، وجعل أمتي أمةً وسطا، وجعل أمتي هم الأولينَ وهم الآخرينَ، وشرحَ لي صدري، ووضعَ عني وِزْرِي، ورفعَ لي ذِكْري، وجعلني فاتحا وخاتما. فقال إبراهيم : بهذا فضلكم محمدٌ صلى الله عليه وسلم. قال أبو جعفر الرازي : خاتِمُ النبوة فاتِحُ بالشفاعةِ يومَ القيامةِ. ثم أتي بآنيةٍ ثلاثةٍ مغطاةٌ أفواهها، فأتي بإناءٍ منها فيه ماءٌ فقيل : اشربْ. فشربَ منه يسيرا، ثم دفعَ إليه إناءٌ آخرَ فيه لبنٌ، فقيل له : اشربْ فشربَ منه حتى رُوِيَ. ثم دفعَ إليهِ إناءٍ آخر فيه خمرٌ فقيل له : اشربْ. فقال : لا أُريدُهُ قد رويتُ. فقال له جبريل : أما إنها ستحَرّمُ على أمتكَ، ولو شربتَ منها لم يتبعكَ من أمتك إلا قليلٌ. قال : ثم صعدَ بهِ إلى السماءِ فاستفتحَ، فقيلَ له : من هذا يا جبريلُ ؟ فقال : محمد. قالوا : أوقدْ أرسلَ ؟ قال : نعم. قالوا : حيّاهُ اللهُ من أخٍ ومن خَليفَةٍ، فنِعْم الأخُ ونِعَْمَ الخليفةُ، ونعم المجيءُ جاءَ، فدخل فإذا هو برجلٍ تامِّ الخلقِ، لم ينقصْ من خلقهِ شيء كما ينقصْ من خلقِ الناسِ، عن يمينهِ بابٌ يخرجُ منه ريحٌ طيبةٌ، وعن شمالهِ بابٌ يخرجُ منه ريحٌ خبيثةٌ، إذا نظر إلى البابَ الذي عن يمينهِ ضحكَ واستبشرَ، وإذا نظرَ إلى البابِ الذي عن يسارهِ بكى وحزنَ، فقلتُ : يا جبريلُ، من هذا الشيخُ التامُّ الخلقِ الذي لم ينقصْ من خلقهِ شيء ؟ وما هذان البابانِ ؟ فقال : هذا أبوكَ آدمُ، وهذا البابِ الذي عن يمينهِ بابُ الجنةِ، إذا نظرَ إلى من يدخلُ من ذريتهِ ضحك واستبشرَ، والباب الذي عن شمالهِ بابُ جهنمَ، إذا نظرَ إلى من يدخلهُ من ذريتهِ بكى وحزنَ. ثم صعدَ به جبريلُ إلى السماءِ الثانيةِ فاستفتحَ، فقيلَ : من هذا معكَ ؟ فقال : محمدٌ رسولُ اللهِ. قالوا : أو قدْ أرسلَ محمدٌ ؟ قال : نعم. قالوا : حياهُ اللهُ من أخٍ ومن خليفةٍ، فلنعمَ الأخُ ولنعمَ الخليفةُ، ونِعْمَ المجيءُ جاءَ. قال : فدخلَ، فإذا هو بشابينِ فقال : يا جبريلُ، من هذانِ الشابانِ ؟ قال : هذا عيسى بن مريمَ، ويحيى بن زكريا، ابنا الخالةِ عليهما السلامُ. قال : فصعدَ بهِ إلى السماءِ الثالثةِ فاستفتحَ، فقالوا من هذا ؟ قال : جبريلُ. قالوا : ومن معك ؟ قال : محمدٌ. قالوا : أو قدْ أرسلَ ؟ قال : نعم. قالوا : حياهُ اللهُ من أخٍ ومن خليفةٍ، فنعمَ الأخُ ونعمَ الخليفةُ، ونعمَ المجيءُ جاءَ. قال : فدخلَ فإذا هو برجلٍ قد فُضِّلَ على الناسِ في الحُسْنِ، كما فضلَ القمرُ ليلةَ البدرِ على سائرِ الكواكبِ، قال : من هذا يا جبريلُ الذي فُضِّلَ على الناسِ في الحُسْنِ ؟ قال : هذا أخوكَ يُوسُفُ عليهِ السلامُ. قال : ثم صعدَ بهِ إلى السماءِ الرابعةِ فاستفتحَ، فقالوا : من هذا ؟ قال : جبريلُ، قالوا : ومن معكَ ؟ قال : محمدٌ، قالوا : أوقدْ أرسلَ ؟ قال : نعم. قالوا : حياهُ اللهُ من أخٍ ومنْ خليفةٍ، فنعمَ الأخُ ونعمَ الخليفةُ، ونعمَ المجيءُ جاءَ قال : فدخل، فإذا هو برجلٍ، قال : من هذا يا جبريلُ ؟ قال : هذا إدْريسُ، رفعهُ اللهُ مكانا عليّا. ثم صعدَ بهِ إلى السماءِ الخامسةِ فاستفتحَ، فقالوا : من هذا ؟ قال : جبريلُ. قالوا : ومن معكَ ؟ قال : محمدٌ، قالوا أوقدْ أرسلَ ؟ قال : نعم. قالوا : حياهُ اللهُ من أخٍ ومن خليفةٍ، فنعمَ الأخُ ونعمَ الخليفةُ، ونعمَ المجيءُ جاءَ. ثم دخل فإذا هو برجلٍ جالسٍ وحولهُ قومٌ يقصُ عليهِم، قال : من هذا يا جبريلُ ؟ ومن هؤلاءِ حولهُ ؟ قال : هذا هارُونُ المُحبّبُ في قومهِ، وهؤلاءِ بنو إسرائيلَ. ثم صعدَ به إلى السماءِ السادسةِ فاستَفتحَ، قيل : من هذا ؟ قال : جبريلُ. قالوا ومن معكَ ؟ قال : محمدٌ، قالوا : أوقد أرسلَ ؟ قال : نعم. قالوا : حياهُ اللهُ من أخٍ ومن خليفةٍ، فنعمَ الأخُ ونعمَ الخليفةُ، ونعمَ المجيءُ، فإذا هو برجلٍ جالسٍ، فجاوزهُ فبكى الرجلُ، فقال : يا جبريلُ، من هذا ؟ قال : موسى. قال : فما بالهُ يبْكِي ؟ قال : زعمَ بنو إسرائيلَ أني أكرمُ بني آدمَ على اللهِ عز وجل، وهذا رجلٌ من بني آدمَ قد خلفَنِي في دنيا، وأنا في أخرى، فلو أنه بنفسهِ لم أُبَالِ، ولكن مع كل نبي أمتهِ. قال : ثم صعدَ بهِ إلى السماءِ السابعةِ فاستفتح، فقيلَ لهُ : من هذا ؟ قال : جبريلُ. قيل : ومن معكَ ؟ قال : محمدٌ. قالوا : أوقدْ أرسلَ ؟ قال : نعم. قالوا : حياهُ اللهُ من أخٍ ومن خليفةٍ، فنعمَ الأخُ ونعمَ الخليفةُ، ونعمَ المجيءُ جاءَ. قال : فدخل، فإذا هو برجلٍ أشْمَطَ جالسٌ عند بابَ الجنةِ على كرسِيّ، وعندهُ قومٌ جلوسٌ بيضُ الوجوهِ أمثالُ القراطيسِ، وقومٌ في ألوانهِم شيء، فقامَ هؤلاءِ الذين في ألوانهِم شيء فدخلوا نهرا فاغْتسلوا فيهِ فخرجوا وقد خَلُصَ من ألوانهِم شيء، ثم دخلوا نهرا آخر فاغتسلوا فيهِ، فخرجوا وقد خَلُصَ من ألوانهم شيءٌ، ثم دخلوا نهرا آخر فاغتسلوا فيه، فخرجوا وقد خَلُصَتْ ألوانهم فصارتْ مثل ألوانِ أصحابهم، فجاءوا فجلسوا إلى أصحابهم، فقال : يا جبريلُ، من هذا الأشمطُ ؟ ثم من هؤلاءِ البيضُ الوجوهِ ؟ ومن هؤلاءِ الذين في ألوانهم شيء وما هذهِ الأنهارُ التي دخلوا فيها فجاءوا وقد صفتْ ألوانهم ؟ قال : هذا أبوكَ إبراهيمُ، أولُ من شمّطَ على الأرضِ، وأما هؤلاء البيضِ الوجوهِ فقوم لم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ. وأما هؤلاءِ الذينَ في ألوانهم شيء، فقومٌ خلطوا عملا صالحا وآخرَ سيئا، فتابوا فتابَ اللهٌ عليهم، وأما الأنهارٌ فأولها رحمةُ اللهِ، والثاني نعمةُ اللهِ، والثالثُ سقاهم ربهم شرابا طهورا. قال : ثم انتهى إلى السدرةِ فقيل له : هذهِ السدرةُ ينْتَهِي إليها كلّ أحدٍ خلا من أمتكَ على سنتكَ.. فإذا هي شجرة يخرج من أصلها أنهارٌ من ماءٍ غير آسِنٍ ، وأنهارٌ من لبنٍ لم يتغيَّرْ طعمُهُ، وأنهارٌ من خمرٍ لذَّةٍ للشاربينَ، وأنهارٌ من عسلٍ مُصفَّى، وهي شجرةٌ يسيرُ الراكبُ في ظلها سبعينَ عاما لا يقطعها، والورقةُ منها مُغطَّيةٌ للأُمةِ كلها، قال : فغشيها نورُ الخلّاقِ عز وجل، وغشيَتها الملائكةُ أمثالَ الغِرْبانِ حين يقعنَ على الشجرةِ، قال : فكلّمهُ تعالى عند ذلكَ، قالَ له : سلْ، قال : إنكَ اتخذتَ إبراهيمَ خليلا، وأعطيتهُ ملكا عظيما، وكلمتَ موسى تكليما، وأعطيتَ داودَ ملكا عظيما، وألنتَ له الحديدَ، وسخرتَ له الجبالَ، وأعطيتَ سليمانَ ملكا، وسخرتَ له الجنَّ والإنسَ والشياطينَ، وسخرتَ له الرياحَ، وأعطيتهَ ملكا عظيما لا ينبغي لأحدٍ من بعدهِ. وعلمَّتَ عيسى التوراةَ والإنجيلَ، وجعلتهُ يُبرئُ الأكمهَ والأبرصَ ويحيي الموتَى بإذنكَ، وأعذتهُ وأمهُ من الشيطانِ الرجيم، فلم يكنْ للشيطانِ عليهما سبيلٌ. فقال له ربهُ عز وجلَ : وقد اتخذتُكَ خليلا وهو مكتوبٌ في التوراةِ : حبيبُ الرحمنِ وأرسلتكَ إلى الناسِ كافّة بشيرا ونذيرا، وشرحتُ لكَ صدركَ، ووضعتُ عنكَ وزركَ، ورفعتُ لك ذكركَ، فلا أُذْكَر إلا ذُكِرْتَ معي، وجعلتُ أمتكَ خيرُ أمةٍ أخرجتْ للناسِ، وجعلتُ أمتكَ أمةً وسطا، وجعلتُ أمتكَ هم الأولينَ والآخرينَ، وجعلتُ أمتكَ لا تجوزُ لهم خطبةٌ حتى يشهدوا أنكَ عبدي ورسولي، وجعلتُ من أمتكَ أقواما قلوبهُم أناجيلهُم، وجعلتكَ أولَ النبيينَ خلقا وآخرهُم بعثا، وأولهُم يقضى لهُ. وأعطيتكَ سبعا من المثاني لم يعطها نبي قبلكَ، وأعطيتكَ خواتيمَ سورةِ البقرةِ من كنزٍ تحتَ العرشِ لم أعطِها نبيا قبلكَ، وأعطيتكَ الكوثرَ، وأعطيتكَ ثمانيةَ أسهمٍ : الإسلامُ، والهجرةُ، والجهادُ، والصدقةُ، والصلاةُ، وصومُ رمضانَ، والأمرُ بالمعروفِ، والنهيُ عن المنكرِ. وجعلتكَ فاتحا وخاتما. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فضَّلنِي ربي بستٍّ : أعطاني فواتحِ الكلامِ وخواتيمهَ، وجوامعَ الحديثِ، وأرسلني إلى الناسِ كافةً بشيرا ونذيرا. وقذفَ في قلوبِ عدوي الرعبَ من مسيرةِ شهرٍ، وأُحِلّتْ لي الغنائمَ ولم تُحلّ لأحدٍ قبلي، وجُعِلَتْ لي الأرض كلها طهورا ومسجدا. قال : وفرضَ عليهِ خمسينَ صلاةً. فلما رجعَ إلى موسى قال : بمَ أُمِرْتَ يا محمدُ ؟ قال : بخمسينَ صلاةً. قال : ارجعْ إلى ربكَ فاسألهُ التخفيفَ، فإن أمتكَ أضعفُ الأممِ فقد لقيتُ من بني إسرائيلَ شِدّةً، قال : فرجعَ النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربهِ عز وجل فسألهُ التخفيفَ، فوضعَ عنه عشرا. ثم رجعَ إلى موسى فقال : بكم أمرتَ ؟ قال : بأربعينَ. قال ارجع إلى ربكَ فاسألهُ التخفيفَ، فإن أمتكَ أضعفُ الأمم ِ، وقد لقيتُ من بني إسرائيلَ شدةً قال : فرجعَ النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربهِ فسألهُ التخفيفَ، فوضعَ عنه عشرا، فرجع إلى موسى فقال : بكم أمرتَ ؟ قال : أمرتُ بثلاثينَ. فقال له موسى : ارجع إلى ربكَ فاسألهُ التخفيفَ فإن أمتكَ أضعفُ الأممِ وقد لقيتُ من بني إسرائيلَ شدةً قال : فرجعَ إلى ربهِ فسألهَ التخفيفَ، فوضعَ عنه عشرا. فرجعَ إلى موسى فقال. بكم أمرتَ ؟ قال : أمرتُ بعشرينَ. قال : ارجع إلى ربكَ فاسألهُ التخفيفَ، فإن أمتكَ أضعفُ الأممِ، وقد لقيتُ من بني إسرائيلَ شدةً. قال : فرجعَ إلى ربهِ فسألهَ التخفيفَ، فوضعَ عنه عشرا. فرجعَ إلى موسى فقال : بكم أمرتَ ؟ قال : أمرتُ بعشرٍ. قال : ارجع إلى ربكَ فاسألهُ التخفيفَ، فإن أمتكَ أضعفُ الأممِ، وقد لقيتُ من بني إسرائيلَ شدةً. قال : فرجعَ على حياءٍ إلى ربهِ، فسألهُ التخفيفَ فوضع عنه خمسا. فرجع إلى موسى فقال : بكم أمرتَ ؟ قال : بخَمْسٍ. فقال : ارجع إلى ربكَ فاسألهُ التخفيفَ، فإن أمتكَ أضعفُ الأممِ، وقد لقيتُ من بني إسرائيلَ شدةً، قال : قد رجعتُ إلى ربي حتى استحييْتُ، فما أنا راجعٌ إليهِ. قيل : أما إنكَ كما صبرتَ نفسكَ على خمسِ صلواتٍ، فإنهنّ يُجزينَ عنكَ خمسينَ صلاة، فإن كل حسنةٍ بعشرِ أمثالها، قال : فرضي محمدٌ صلى الله عليه وسلم كل الرضا، قال : وكانَ موسى عليه السلام من أشدهم عليهِ حين مرَّ بهِ، وخيرهِم لهُ حين رجعَ إليهِ
خلاصة حكم المحدث : فيها غرابة ، [ فيه ] أبو جعفر الرازي ضعفه غير واحد
الراوي : أبو هريرة أو غيره | المحدث : ابن كثير | المصدر : تفسير القرآن العظيم
الصفحة أو الرقم : 5/31 التخريج : أخرجه الطبري في ((التفسير)) (14/424) واللفظ له، وأخرجه البزار (9518)، وابن أبي حاتم في ((التفسير)) (13521) باختلاف يسير من حديث أبي هريرة
التصنيف الموضوعي: أنبياء - خصائص وفضائل تفسير آيات - سورة الإسراء صلاة - صفة الصلاة التي فرضت بعد المعراج فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - الإسراء والمعراج فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - خصائصه صلى الله عليه وسلم
| الصحيح البديل | أحاديث مشابهة |أصول الحديث