الموسوعة الحديثية


- عن سَلْمانَ يحدِّثُ كيفَ كانَ أوَّلُ إسلامهِ أنَّهُ كانَ من رامَهُرْمُزَ وكانَ لهُ أخٌ أكبرُ منهُ غنيٌّ وكانَ سَلْمانُ فقيرًا في كَنَفِ أَخيهِ وأنَّ ابنَ دِهْقَانِهَا كانَ صاحبًا لهُ وكان يختلِفُ معهُ إلى مُعلِّمٍ لهم وأنَّهُ كانَ يختلِفُ ذلكَ الغلامُ إلى عُبَّادٍ منَ النَّصارى في كهفٍ لهم فسألهُ سَلْمانُ أن يذهبَ بهِ معهُ إليهم فقالَ لهُ إنَّكَ غلامٌ وأخشى أن تنُمَّ عليهم فيقتلَهمْ أبي فالتزمَ لهُ أن لا يكونَ منهُ شيءٌ يكرههُ فذهبَ معهُ فإذا هم ستَّةٌ أو سبعةٌ كأنَّ الرُّوحَ قد خرجت منهم منَ العبادةِ يصومونَ النَّهارَ ويقومونَ اللَّيلَ يأكلونَ الشَّجرَ وما وجدوا فذكر عنهم أنَّهم يؤمِنونَ بالرُّسلِ المتقدِّمينَ وأنَّ عيسى عبدُ اللَّهِ ورسولهُ وابنُ أَمَتهِ أيَّدهُ بالمعجزاتِ وقالوا لهُ يا غلامُ إنَّ لكَ ربًّا وإنَّ لكَ معادًا وإنَّ بينَ يديكَ جنَّةً ونارًا وإنَّ هؤلاءِ القومَ الَّذينَ يعبدونَ النِّيرانَ أهلُ كفرٍ وضلالةٍ لا يرضى اللَّهُ بما يصنعونَ وليسوا على دينهِ ثمَّ جعلَ يتردَّدُ معَ ذلكَ الغلامِ إليهم ثمَّ لزِمهم سَلْمانُ بالكلِّيَّةِ ثمَّ أجلاهم ملكُ تلكَ البلادِ وهوَ أبو ذلكَ الغلامِ الَّذي صحِبهُ سلمانُ إليهم عن أرضِهِ واحتبسَ الملكُ ابنَهُ عندهُ وعرضَ سلمانُ دينَهم على أخيهِ الَّذي هوَ أكبرُ منهُ فقالَ إنِّي مشتغلٌ بنفسي في طلبِ المعيشةِ فارتحَلَ معهم سلمانُ حتَّى دخلوا كنيسةَ الموصِلِ فسلَّمَ عليهم أهلُها ثمَّ أرادوا أن يتركوني عندهم فأبَيْتُ إلَّا صحِبتهم فخرجوا حتَّى أتَوا واديًا بينَ جبالٍ فتحدَّرَ إليهم رهبانُ تلكَ النَّاحيةِ يسلِّمونَ عليهم واجتمعوا إليهم وجعلوا يسألونهم عن غيبتِهم عنهم ويسألونَهم عنِّي فيثنونَ عليَّ خيرًا وجاءَ رجلٌ معظَّمٌ فيهم فخطبهم فأثنى على اللَّهِ بما هوَ أهلهُ وذكر الرُّسلَ وما أُيِّدوا بهِ وذكر عيسى ابنَ مريمَ وأنَّهُ كانَ عبدَ اللَّهِ ورسولَهُ وأمرهم بالخيرِ ونهاهم عنِ الشَّرِّ ثمَّ لمَّا أرادوا الانصرافَ تبِعهُ سلْمانُ ولزمهُ قالَ فكانَ يصومُ النَّهارَ ويقومُ اللَّيلَ منَ الأحدِ إلى الأحدِ فيخرجُ إليهم ويعظهم ويأمرهم وينهاهم فمكثَ على ذلكَ مدَّةً طويلةً ثمَّ أرادَ أن يزورَ بيتَ المقدسِ فصحبهُ سَلْمانُ إليهِ قالَ فكانَ فيما يمشي يلتفتُ إليَّ ويقبلُ عليَّ فيعظني ويخبرني أنَّ لي ربًّا وأنَّ بينَ يدَيَّ جنَّةً ونارًا وحسابًا ويعلِّمُني ويذكِّرُني نحوَ ما كانَ يذكِّرُ القومَ يومَ الأحدِ قالَ فيما يقولُ لي يا سلمانُ إنَّ اللَّهَ سوفَ يبعثُ رسولًا اسمهُ أحمدُ يخرجُ من تِهامَةَ يأكلُ الهديَّةَ ولا يأكلُ الصَّدقةَ بينَ كتفيهِ خاتَمُ النُّبوَّةِ وهذا زمانُهُ الَّذي يخرجُ فيهِ قد تقارب فأمَّا أنا فإنِّي شيخٌ كبيرٌ ولا أحسبُنِي أدرِكُهُ فإن أدركتَهُ أنتَ فصدِّقهُ واتَّبعْهُ قلتُ لهُ وإن أمرني بتركِ دينِكَ وما أنتَ عليهِ قالَ وإن أمركَ فإنَّ الحقَّ فيما يجيءُ بهِ ورِضَى الرَّحمنِ فيما قالَ ثمَّ ذكرَ قدومَهُما إلى بيتِ المقدِسِ وأنَّ صاحبَهُ صلَّى فيهِ هاهُنا وهاهُنا ثمَّ نامَ وقد أوصاهُ أنَّهُ إذا بلغَ الظِّلُّ مكانَ كذا أن يوقِظَهُ فتركهُ سلمانُ حينًا آخرَ أزْيَدَ ممَّا قالَ ليستريحَ فلمَّا استيقظَ ذكرَ اللَّهَ ولامَ سلمانَ على تركِ ما أمرهُ مِن ذلكَ ثمَّ خرجا من بيتِ المقدسِ فسألهُ مقعدٌ فقالَ يا عبدَ اللَّهِ سألتُكَ حينَ وصلتَ فلم تعطِني شيئًا وها أنا أسألُكَ فنظرَ فلم يجدْ أحدًا فأخذَ بيدهِ وقالَ قم بسمِ اللَّهِ فقامَ وليسَ بهِ بأسٌ ولا قَلَبَةٌ كأنَّما نُشِطَ من عِقالٍ فقالَ لي يا عبدَ اللَّهِ احمِل عليَّ متاعي حتَّى أذهبَ إلى أهلي فأبشِّرَهم فاشتغلتُ بهِ ثمَّ أدركتُ الرَّجلَ فلم ألحقهُ ولم أدْرِ أينَ ذهبَ وكلَّما سألتُ عنهُ قومًا قالوا أمامَكَ حتَّى لقِيَني ركبٌ منَ العربِ من بني كلبٍ فسألتهم فلمَّا سمعوا لغتي أناخَ رجلٌ منهم بعيرَهُ فحملني خلفَهُ حتَّى أتوا بي بلادَهم فباعوني فاشترتْني امرأةٌ منَ الأنصارِ فجعلَتْني في حائطٍ لها وقدِمَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ثمَّ ذكرَ ذَهابهُ إليهِ بالصَّدقةِ والهديَّةِ ليستعلمَ ما قال صاحبَهُ ثمَّ تطلَّبَ النَّظرَ إلى خاتمَِ النُّبوَّةِ فلمَّا رآهُ آمنَ مِن ساعتِهِ وأخبرَ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ خبرَهُ الَّذي جَرى لهُ قال فأمرَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أبا بكرٍ الصِّدِّيقَ فاشتراهُ من سيِّدتهِ فأعتقهُ ثمَّ قال سألتُهُ يومًا عن دينِ النَّصارَى فقالَ لا خيرَ فيهم قالَ فوقعَ في نفسي من أولئكَ الَّذينَ صحِبتُهم ومن ذلكَ الرَّجلِ الصَّالحِ الَّذي كانَ معيَ ببيتِ المقدسِ فدخلني من ذلكَ أمرٌ عظيمٌ حتَّى أنزلَ اللَّهُ على رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} فدعانِي رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فجئتُ وأنا خائِفٌ فجلستُ بينَ يديهِ فقرأَ بسمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} الآياتِ ثمَّ قالَ يا سلمانُ أولئِكَ الَّذينَ كنتَ معهم وصاحبُكَ لم يكونوا نصارَى كانوا مسلمينَ فقلتُ يا رسولَ اللَّهِ والَّذي بعثكَ بالحقِّ لهوَ أمرني باتِّباعِكَ فقلتُ لهُ فإنْ أمرني بتركِ دينكَ وما أنتَ عليهِ قالَ نعَمْ فاترُكهُ فإنَّ الحقَّ وما يُرضِي اللَّهَ فيما يأمرُكَ
خلاصة حكم المحدث : فيه غرابة كثيرة وطريق محمد بن إسحاق أقوى إسنادا وأحسن اقتصاصا وأقرب إلى ما رواه البخاري
الراوي : سلمان الفارسي | المحدث : ابن كثير | المصدر : البداية والنهاية الصفحة أو الرقم : 2/292
التخريج : أخرجه البخاري (3947) مختصرا والحاكم (6543) والبيهقي في ((دلائل النبوة)) (2/ 82) بنحوه.
التصنيف الموضوعي: عقيدة - كرامات الأولياء فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - خاتم النبوة في ظهره فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - صفة النبي وأمته في كتب أهل الكتاب مناقب وفضائل - سلمان الفارسي فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - خصائصه صلى الله عليه وسلم
|أصول الحديث

أصول الحديث:


صحيح البخاري (5/ 71)
3947 - حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان، عن عوف، عن أبي عثمان، قال: سمعت سلمان رضي الله عنه، يقول: أنا من رام هرمز

المستدرك على الصحيحين للحاكم (3/ 692)
6543 - حدثنا أبو الفضل الحسن بن يعقوب بن يوسف العدل، من أصل كتابه، ثنا أبو بكر يحيى بن أبي طالب ببغداد، ثنا علي بن عاصم، ثنا حاتم بن أبي صغيرة، عن سماك بن حرب، عن زيد بن صوحان، أن رجلين من أهل الكوفة كانا صديقين لزيد بن صوحان أتياه ليكلم لهما سلمان أن يحدثهما حديثه كيف كان إسلامه فأقبلا معه حتى لقوا سلمان، وهو بالمدائن أميرا عليها، وإذا هو على كرسي قاعد، وإذا خوص بين يديه وهو يسفه، قالا: فسلمنا وقعدنا، فقال له زيد: يا أبا عبد الله، إن هذين لي صديقان ولهما أخ، وقد أحبا أن يسمعا حديثك كيف كان بدء إسلامك؟ قال: فقال سلمان: كنت يتيما من رام هرمز، وكان ابن دهقان رام هرمز يختلف إلى معلم يعلمه، فلزمته لأكون في كنفه، وكان لي أخ أكبر مني وكان مستغنيا بنفسه، وكنت غلاما قصيرا، وكان إذا قام من مجلسه تفرق من يحفظهم، فإذا تفرقوا خرج فيضع بثوبه، ثم صعد الجبل، وكان يفعل ذلك غير مرة متنكرا، قال: فقلت له: إنك تفعل كذا وكذا، فلم لا تذهب بي معك؟ قال: أنت غلام، وأخاف أن يظهر منك شيء، قال: قلت: لا تخف، قال: فإن في هذا الجبل قوما في برطيلهم لهم عبادة، ولهم صلاح يذكرون الله تعالى، ويذكرون الآخرة، ويزعموننا عبدة النيران، وعبدة الأوثان، وأنا على دينهم، قال: قلت فاذهب بي معك إليهم، قال: لا أقدر على ذلك حتى أستأمرهم، وأنا أخاف أن يظهر منك شيء، فيعلم أبي فيقتل القوم فيكون هلاكهم على يدي، قال: قلت: لن يظهر مني ذلك، فاستأمرهم، فأتاهم، فقال: غلام عندي يتيم فأحب أن يأتيكم ويسمع كلامكم، قالوا: إن كنت تثق به، قال: أرجو أن لا يجيء منه إلا ما أحب، قالوا: فجيء به، فقال لي: لقد استأذنت في أن تجيء معي، فإذا كانت الساعة التي رأيتني أخرج فيها فأتني، ولا يعلم بك أحد، فإن أبي إن علم بهم قتلهم، قال: فلما كانت الساعة التي يخرج تبعته فصعدنا الجبل، فانتهينا إليهم، فإذا هم في برطيلهم قال علي: وأراه، قال: وهم ستة أو سبعة، قال:، وكأن الروح قد خرج منهم من العبادة يصومون النهار، ويقومون الليل، ويأكلون عند السحر، ما وجدوا، فقعدنا إليهم، فأثنى الدهقان على حبر، فتكلموا، فحمدوا الله، وأثنوا عليه، وذكروا من مضى من الرسل والأنبياء حتى خلصوا إلى ذكر عيسى بن مريم عليهما السلام، فقالوا: بعث الله تعالى عيسى عليه السلام رسولا وسخر له ما كان يفعل من إحياء الموتى، وخلق الطير، وإبراء الأكمه، والأبرص، والأعمى، فكفر به قوم وتبعه قوم، وإنما كان عبد الله ورسوله ابتلى به خلقه، قال: وقالوا قبل ذلك: يا غلام، إن لك لربا، وإن لك معادا، وإن بين يديك جنة ونارا، إليهما تصيرون، وإن هؤلاء القوم الذين يعبدون النيران أهل كفر وضلالة لا يرضى الله ما يصنعون وليسوا على دين، فلما حضرت الساعة التي ينصرف فيها الغلام انصرف وانصرفت معه، ثم غدونا إليهم فقالوا مثل ذلك وأحسن، ولزمتهم فقالوا لي يا سلمان: إنك غلام، وإنك لا تستطيع أن تصنع كما نصنع فصل ونم وكل واشرب، قال: فاطلع الملك على صنيع ابنه فركب في الخيل حتى أتاهم في برطيلهم، فقال: يا هؤلاء، قد جاورتموني فأحسنت جواركم، ولم تروا مني سوءا فعمدتم إلى ابني فأفسدتموه علي قد أجلتكم ثلاثا، فإن قدرت عليكم بعد ثلاث أحرقت عليكم برطيلكم هذا، فالحقوا ببلادكم، فإني أكره أن يكون مني إليكم سوء، قالوا: نعم، ما تعمدنا مساءتك، ولا أردنا إلا الخير، فكف ابنه عن إتيانهم. فقلت له: اتق الله، فإنك تعرف أن هذا الدين دين الله، وأن أباك ونحن على غير دين إنما هم عبدة النار لا يعبدون الله، فلا تبع آخرتك بدين غيرك، قال: يا سلمان، هو كما تقول: وإنما أتخلف عن القوم بغيا عليهم إن تبعت القوم طلبني أبي في الجبل وقد خرج في إتياني إياهم حتى طردهم، وقد أعرف أن الحق في أيديهم فأتيتهم في اليوم الذي أرادوا أن يرتحلوا فيه، فقالوا: يا سلمان: قد كنا نحذر مكان ما رأيت فاتق الله تعالى واعلم أن الدين ما أوصيناك به، وأن هؤلاء عبدة النيران لا يعرفون الله تعالى ولا يذكرونه، فلا يخدعنك أحد عن دينك قلت: ما أنا بمفارقكم، قالوا: أنت لا تقدر أن تكون معنا نحن نصوم النهار، ونقوم الليل ونأكل عند السحر ما أصبنا وأنت لا تستطيع ذلك ، قال: فقلت: لا أفارقكم، قالوا: أنت أعلم وقد أعلمناك حالنا، فإذا أتيت خذ مقدار حمل يكون معك شيء تأكله، فإنك لا تستطيع ما نستطيع بحق قال: ففعلت ولقينا أخي فعرضت عليه، ثم أتيتهم يمشون وأمشي معهم فرزق الله السلامة حتى قدمنا الموصل فأتينا بيعة بالموصل، فلما دخلوا احتفوا بهم وقالوا: أين كنتم؟ قالوا: كنا في بلاد لا يذكرون الله تعالى فيها عبدة النيران، وكنا نعبد الله فطردونا، فقالوا: ما هذا الغلام؟ فطفقوا يثنون علي، وقالوا: صحبنا من تلك البلاد فلم نر منه إلا خيرا، قال سلمان فوالله: إنهم لكذلك إذا طلع عليهم رجل من كهف جبل، قال: فجاء حتى سلم وجلس فحفوا به وعظموه أصحابي الذين كنت معهم وأحدقوا به، فقال: أين كنتم؟ فأخبروه، فقال: ما هذا الغلام معكم؟ فأثنوا علي خيرا وأخبروه بإتباعي إياهم، ولم أر مثل إعظامهم إياه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر من أرسل من رسله وأنبيائه وما لقوا، وما صنع به وذكر " مولد عيسى بن مريم عليه السلام، وأنه ولد بغير ذكر فبعثه الله عز وجل رسولا، وأحيا على يديه الموتى، وأنه يخلق من الطين كهيئة الطير، فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأنزل عليه الإنجيل وعلمه التوراة، وبعثه رسولا إلى بني إسرائيل فكفر به قوم وآمن به قوم، وذكر بعض ما لقي عيسى ابن مريم، وأنه كان عبد الله أنعم الله عليه فشكر ذلك له ورضي الله عنه حتى قبضه الله عز وجل وهو يعظهم ويقول: اتقوا الله والزموا ما جاء به عيسى عليه الصلاة والسلام، ولا تخالفوا فيخالف بكم، ثم قال: من أراد أن يأخذ من هذا شيئا، فليأخذ فجعل الرجل يقوم فيأخذ الجرة من الماء والطعام فقام أصحابي الذين جئت معهم فسلموا عليه وعظموه وقال لهم: الزموا هذا الدين وإياكم أن تفرقوا واستوصوا بهذا الغلام خيرا، وقال لي: يا غلام هذا دين الله الذي تسمعني أقوله وما سواه الكفر، قال: قلت: ما أنا بمفارقك، قال: إنك لا تستطيع أن تكون معي إني لا أخرج من كهفي هذا إلا كل يوم أحد، ولا تقدر على الكينونة معي، قال: وأقبل على أصحابه، فقالوا: يا غلام، إنك لا تستطيع أن تكون معه، قلت: ما أنا بمفارقك، قال له أصحابه: يا فلان، إن هذا غلام ويخاف عليه، فقال لي: أنت أعلم، قلت: فإني لا أفارقك، فبكى أصحابي الأولون الذين كنت معهم عند فراقهم إياي، فقال: يا غلام، خذ من هذا الطعام ما ترى أنه يكفيك إلى الأحد الآخر، وخذ من الماء ما تكتفي به، ففعلت فما رأيته نائما ولا طاعما إلا راكعا وساجدا إلى الأحد الآخر، فلما أصبحنا، قال لي: خذ جرتك هذه وانطلق فخرجت معه أتبعه حتى انتهينا إلى الصخرة، وإذا هم قد خرجوا من تلك الجبال ينتظرون خروجه فقعدوا وعاد في حديثه نحو المرة الأولى، فقال: الزموا هذا الدين ولا تفرقوا، واذكروا الله واعلموا أن عيسى ابن مريم عليهما الصلاة والسلام كان عبد الله تعالى أنعم الله عليه، ثم ذكرني ، فقالوا له: يا فلان كيف وجدت هذا الغلام؟ فأثنى علي، وقال خيرا: فحمدوا الله تعالى، وإذا خبز كثير، وماء كثير فأخذوا وجعل الرجل يأخذ ما يكتفي به، وفعلت فتفرقوا في تلك الجبال ورجع إلى كهفه ورجعت معه فلبثنا ما شاء الله يخرج في كل يوم أحد، ويخرجون معه ويحفون به ويوصيهم بما كان يوصيهم به فخرج في أحد، فلما اجتمعوا حمد الله تعالى ووعظهم وقال: مثل ما كان يقول لهم، ثم قال لهم آخر ذلك: يا هؤلاء إنه قد كبر سني، ورق عظمي، وقرب أجلي، وأنه لا عهد لي بهذا البيت منذ كذا وكذا، ولا بد من إتيانه فاستوصوا بهذا الغلام خيرا، فإني رأيته لا بأس به، قال: فجزع القوم فما رأيت مثل جزعهم، وقالوا: يا فلان، أنت كبير فأنت وحدك، ولا نأمن من أن يصيبك شيء يساعدك أحوج ما كنا إليك، قال: لا تراجعوني، لا بد من اتباعه، ولكن استوصوا بهذا الغلام خيرا وافعلوا وافعلوا، قال: فقلت: ما أنا بمفارقك، قال: يا سلمان قد رأيت حالي وما كنت عليه وليس هذا كذلك أنا أمشي أصوم النهار وأقوم الليل، ولا أستطيع أن أحمل معي زادا ولا غيره وأنت لا تقدر على هذا قلت ما أنا بمفارقك، قال: أنت أعلم، قال: فقالوا: يا فلان، فإنا نخاف على هذا الغلام، قال: فهو أعلم قد أعلمته الحال وقد رأى ما كان قبل هذا قلت: لا أفارقك، قال: فبكوا وودعوه وقال لهم: اتقوا الله وكونوا على ما أوصيتكم به فإن أعش فعلي أرجع إليكم، وإن مت فإن الله حي لا يموت فسلم عليهم وخرج وخرجت معه، وقال لي: أحمل معك من هذا الخبز شيئا تأكله فخرج وخرجت معه يمشي واتبعته يذكر الله تعالى ولا يلتفت ولا يقف على شيء حتى إذا أمسينا، قال: يا سلمان، صل أنت ونم وكل واشرب ثم قام وهو يصلي حتى انتهينا إلى بيت المقدس، وكان لا يرفع طرفه إلى السماء حتى أتينا إلى باب المسجد، وإذا على الباب مقعد، فقال: يا عبد الله، قد ترى حالي فتصدق علي بشيء فلم يلتفت إليه ودخل المسجد ودخلت معه فجعل يتبع أمكنة من المسجد فصلى فيها، فقال: يا سلمان إني لم أنم منذ كذا وكذا ولم أجد طعم النوم، فإن فعلت أن توقظني إذا بلغ الظل مكان كذا وكذا نمت، فإني أحب أن أنام في هذا المسجد وإلا لم أنم، قال: قلت فإني أفعل، قال: فإذا بلغ الظل مكان كذا وكذا فأيقظني إذا غلبتني عيني فنام فقلت في نفسي: هذا لم ينم مذ كذا وكذا وقد رأيت بعض ذلك لأدعنه ينام حتى يشتفي من النوم، قال: وكان فيما يمشي وأنا معه يقبل علي فيعظني ويخبرني أن لي ربا وأن بين يدي جنة ونارا وحسابا ويعلمني ويذكرني نحو ما يذكر القوم يوم الأحد حتى قال فيما يقول: يا سلمان إن الله عز وجل سوف يبعث رسولا اسمه أحمد يخرج بتهمة - وكان رجلا أعجميا لا يحسن القول - علامته أنه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم وهذا زمانه الذي يخرج فيه قد تقارب فأما أنا فإني شيخ كبير ولا أحسبني أدركه فإن أدركته أنت فصدقه واتبعه، قال: قلت وإن أمرني بترك دينك وما أنت عليه، قال: اتركه فإن الحق فيما يأمر به ورضي الرحمن فيما قال: فلم يمض إلا يسيرا حتى استيقظ فزعا يذكر الله تعالى، فقال لي: يا سلمان، مضى الفيء من هذا المكان ولم أذكر أين ما كنت جعلت على نفسك، قال: أخبرتني أنك لم تنم منذ كذا وكذا وقد رأيت بعض ذلك فأحببت أن تشتفي من النوم فحمد الله تعالى وقام فخرج وتبعته فمر بالمقعد، فقال المقعد: يا عبد الله دخلت فسألتك فلم تعطني وخرجت فسألتك فلم تعطني فقام ينظر هل يرى أحدا فلم يره فدنا منه فقال له: ناولني يدك فناوله، فقال: بسم الله فقام كأنه أنشط من عقال صحيحا لا عيب به فخلا عن بعده، فانطلق ذاهبا فكان لا يلوي على أحد ولا يقوم عليه ، فقال لي المقعد: يا غلام احمل علي ثيابي حتى أنطلق فأسير إلى أهلي فحملت عليه ثيابه وانطلق لا يلوي علي فخرجت في إثره أطلبه، فكلما سألت عنه قالوا: أمامك حتى لقيني ركب من كلب، فسألتهم: فلما سمعوا الفتى أناخ رجل منهم لي بعيره فحملني خلفه حتى أتوا بلادهم فباعوني فاشترتني امرأة من الأنصار فجعلتني في حائط بها وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرت به فأخذت شيئا من تمر حائطي فجعلته على شيء، ثم أتيته فوجدت عنده ناسا، وإذا أبو بكر أقرب الناس إليه فوضعته بين يديه، وقال ما هذا؟ قلت: صدقة، قال للقوم: كلوا، ولم يأكل ، ثم لبثت ما شاء الله، ثم أخذت مثل ذلك فجعلت على شيء، ثم أتيته فوجدت عنده ناسا، وإذا أبو بكر أقرب القوم منه فوضعته بين يديه، فقال لي: ما هذا؟ قلت: هدية، قال: بسم الله، وأكل وأكل القوم قلت: في نفسي هذه من آياته كان صاحبي رجلا أعجمي لم يحسن أن، يقول: تهامة، فقال: تهمة وقال: اسمه أحمد فدرت خلفه ففطن بي فأرخى ثوبا فإذا الخاتم في ناحية كتفه الأيسر فتبينته، ثم درت حتى جلست بين يديه فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، فقال: من أنت قلت مملوك، قال: فحدثته حديثي وحديث الرجل الذي كنت معه وما أمرني به، قال: لمن أنت؟ قلت: لامرأة من الأنصار جعلتني في حائط لها، قال: يا أبا بكر، قال: لبيك، قال: اشتره فاشتراني أبو بكر رضي الله عنه فأعتقني فلبثت ما شاء الله أن ألبث فسلمت عليه وقعدت بين يديه فقلت: يا رسول الله ما تقول في دين النصارى، قال: لا خير فيهم ولا في دينهم فدخلني أمر عظيم فقلت: في نفسي هذا الذي كنت معه ورأيت ما رأيته ثم رأيته أخذ بيد المقعد فأقامه الله على يديه وقال: لا خير في هؤلاء، ولا في دينهم فانصرفت وفي نفسي ما شاء الله، فأنزل الله عز وجل على النبي صلى الله عليه وسلم {ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون} [[المائدة: 82]] إلى آخر الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: علي بسلمان ، فأتى الرسول وأنا خائف فجئت حتى قعدت بين يديه " فقرأ بسم الله الرحمن {ذلك بأن منهم قسيسين، ورهبانا، وأنهم لا يستكبرون} [[المائدة: 82]] إلى آخر الآية يا سلمان إن أولئك الذين كنت معهم وصاحبك لم يكونوا نصارى، إنما كانوا مسلمين " فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لهو الذي أمرني باتباعك، فقلت له: وإن أمرني بترك دينك وما أنت عليه، قال: فاتركه، فإن الحق وما يجب فيما يأمرك به قال الحاكم رحمه الله تعالى: هذا حديث صحيح عال في ذكر إسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه، ولم يخرجاه. وقد روي عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن سلمان من وجه صحيح بغير هذه السياقة فلم أجد من إخراجه بدا لما في الروايتين من الخلاف في المتن والزيادة والنقصان تلخيص الذهبي: - بل مجمع على ضعفه

دلائل النبوة للبيهقي مخرجا (2/ 82)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ رحمه الله في زيادات الفوائد قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: حدثنا يحيى بن أبي طالب قال: حدثنا علي بن عاصم قال: أخبرنا حاتم بن أبي صغيرة، عن سماك بن حرب، عن زيد بن صوحان أن رجلين من أهل الكوفة كانا صديقين لزيد بن صوحان، أتياه أن يكلم لهما سلمان أن يحدثهما بحديثه كيف كان أول إسلامه؟ فأقبلا معه حتى لقوا سلمان وهو بالمدائن، أميرا عليها، وإذا هو على كرسي قاعد، وإذا خوص بين يديه وهو يشقه. قالا: فسلمنا وقعدنا، فقال له زيد: يا أبا عبد الله، إن هذين لي صديقان، ولهما إخاء، وقد أحبا أن يسمعا حديثك كيف كان أول إسلامك؟ قال: فقال سلمان: كنت يتيما من رامهرمز، وكان ابن دهقان رامهرمز يختلف إلى معلم يعلمه، فلزمته لأكون في كنفه , وكان لي أخ أكبر مني، وكان مستغنيا في نفسه، وكنت غلاما فقيرا، فكان إذا قام من مجلسه تفرق من يحفظه، فإذا تفرقوا خرج فتقنع بثوبه، ثم يصعد الجبل، فكان يفعل ذلك غير مرة متنكرا قال: فقلت: أما إنك تفعل كذا وكذا، فلم لا تذهب بي معك؟ قال: أنت غلام، وأخاف أن يظهر منك شيء قال: قلت: لا تخف. قال: فإن في هذا الجبل قوما في برطيل لهم عبادة ولهم صلاح، يذكرون الله تعالى، ويذكرون الآخرة، ويزعمون أنا عبدة النيران، وعبدة الأوثان، وأنا على غير دين، قلت: فاذهب بي معك إليهم. قال: لا أقدر على ذلك حتى أستأمرهم، وأنا أخاف أن يظهر منك شيء فيعلم أبي، فيقتل القوم، فيجري هلاكهم على يدي. قال: قلت: لم يظهر مني ذلك. فاستأمرهم، فأتاهم، فقال: عندي غلام يتيم فأحب أن يأتيكم ويسمع كلامكم، قالوا: إن كنت تثق به، قال: أرجو أن لا يجيء منه إلا ما أحب. قالوا: فجئ به. فقال لي: قد استأذنت القوم أن تجيء معي، فإذا كانت الساعة التي رأيتني أخرج فيها فأتني، ولا يعلم بك أحد، فإن أبي إن علم بهم قتلهم. قال: فلما كانت الساعة التي يخرج تبعته، فصعد الجبل، فانتهينا فيه إليهم. فإذا هم في برطيلهم قال علي: وأراه قال: هم ستة أو سبعة قال: وكأن الروح قد خرجت منهم من العبادة يصومون النهار، ويقومون الليل، يأكلون الشجر وما وجدوا. فقعدنا إليهم، فأثنى ابن الدهقان علي خيرا. فتكلموا فحمدوا الله، وأثنوا عليه، وذكروا من مضى من الرسل والأنبياء حتى خلصوا إلى عيسى ابن مريم، فقالوا: بعثه الله، وولد لغير ذكر، بعثه الله رسولا، وسخر له ما كان يفعل من إحياء الموتى، وخلق الطير، وإبراء الأعمى والأبرص، فكفر به قوم، وتبعه قوم، وإنما كان عبد الله ورسوله ابتلى به خلقه قال: وقالوا قبل ذلك: يا غلام، إن لك ربا، وإن لك معادا، وإن بين يديك جنة ونارا إليهما تصير، وإن هؤلاء القوم الذين يعبدون النيران أهل كفر وضلالة، فلا يرضى الله تعالى بما يصنعون، وليسوا على دين. فلما حضرت الساعة التي ينصرف فيها الغلام انصرف. وانصرفت معه , ثم غدونا إليهم فقالوا: مثل ذلك وأحسن. ولزمتهم فقالوا لي: يا سلمان إنك غلام، وإنك لا تستطيع أن تصنع ما نصنع، فصل، ونم، وكل، واشرب قال: فاطلع الملك على صنيع ابنه، فركب في الخيل، ثم أتاهم في برطيلهم فقال: يا هؤلاء، قد جاورتموني فأحسنت جواركم، ولم تروا مني سوءا فعمدتم إلى ابني فأفسدتموه علي، قد أجلتكم ثلاثا، فإن قدرت عليكم بعد ثلاث أحرقت عليكم برطيلكم هذا، فالحقوا ببلادكم، فإني أكره أن يكون مني إليكم سوء، قالوا: نعم , ما تعمدنا مساءتك، ولا أردنا إلا الخير. فكف ابنه عن إتيانهم، فقلت له: اتق الله، فإنك تعرف أن هذا الدين دين الله، وإن أباك ونحن على غير دين، إنما هم عبدة النيران لا يعرفون الله، فلا تبع آخرتك بدنيا غيرك قال: يا سلمان، هو كما تقول، وإنما أتخلف عن القوم بقيا عليهم: إن تبعت القوم طلبني أبي في الخيل، وقد جزع من إتياني إياهم حتى طردهم، وقد أعرف أن الحق في أيديهم، وقلت: أنت أعلم , ثم لقيت أخي فعرضت عليه. فقال: أنا مشتغل بنفسي في طلب المعيشة , فأتيتهم في اليوم الذي أرادوا أن يرتحلوا فيه، فقالوا: يا سلمان، قد كنا نحذر فكان ما رأيت. اتق الله، واعلم أن الدين ما أوصيناك به، وأن هؤلاء عبدة النيران لا يعرفون الله ولا يذكرونه، فلا يخدعنك أحد عن ذلك، قلت: ما أنا بمفارقكم، قالوا: إنك لا تقدر أن تكون معنا نحن نصوم النهار، ونقوم الليل، ونأكل الشجر وما أصبنا، وأنت لا تستطيع ذلك. قال: قلت: لا أفارقكم. قالوا: أنت أعلم، قد أعلمناك حالنا، فإذا أتيت فاطلب حذاء يكون معك، واحمل معك شيئا تأكله فإنك لن تستطيع ما نستطيع نحن. قال: ففعلت، ولقيت أخي فعرضت عليه، فأبى، فأتيتهم فتحملوا فكانوا يمشون وأمشي معهم، فرزق الله السلامة حتى قدمنا الموصل، فأتينا بيعة بالموصل، فلما دخلوا حفوا بهم وقالوا: أين كنتم؟ قالوا: كنا في بلاد لا يذكرون الله تعالى، بها عبدة النيران فطردونا، فقدمنا عليكم. فلما كان بعد قالوا: يا سلمان إن ههنا قوما في هذه الجبال هم أهل دين، وإنا نريد لقاءهم. فكن أنت ههنا مع هؤلاء فإنهم أهل دين وسترى منهم ما تحب. قلت: ما أنا بمفارقكم. قال: وأوصوا بي أهل البيعة، فقال أهل البيعة: أقم معنا يا غلام، فإنه لا يعجزك شيء يسعنا. قال: قلت: ما أنا بمفارقكم، فخرجوا وأنا معهم، فأصبحنا بين جبال فإذا صخرة وماء كثير في جرار وخبز كثير، فقعدنا عند الصخرة، فلما طلعت الشمس خرجوا من بين تلك الجبال، يخرج رجل رجل من مكانه، كأن الأرواح انتزعت منهم حتى كثروا فرحبوا بهم وحفوا، وقالوا: أين كنتم , لم نركم؟ قالوا: كنا في بلاد لا يذكرون اسم الله تعالى، فيها عبدة النيران، وكنا نعبد الله تعالى فطردونا. فقالوا: ما هذا الغلام؟ قال: فطفقوا يثنون علي، وقالوا: صحبنا من تلك البلاد، فلم نر منه إلا خيرا. قال: فوالله إنهم لكذا، إذ طلع عليهم رجل من كهف، رجل طوال، فجاء حتى سلم وجلس، فحفوا به وعظموه أصحابي الذين كنت معهم، وأحدقوا به، فقال لهم: أين كنتم؟ فأخبروه قال: ما هذا الغلام معكم؟ فأثنوا علي خيرا، وأخبروه باتباعي إياهم، ولم أر مثل إعظامهم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر من أرسل الله تعالى من رسله وأنبيائه، وما لقوا وما صنع بهم حتى ذكر مولد عيسى ابن مريم وأنه ولد لغير ذكر، فبعثه رسولا، وأجرى على يديه إحياء الموتى وإبراء الأعمى والأبرص، وأنه يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله. وأنزل عليه الإنجيل، وعلمه التوراة، وبعثه رسولا إلى بني إسرائيل، فكفر به قوم، وآمن به قوم. وذكر بعض ما لقي عيسى ابن مريم، وأنه لما كان عبدا أنعم الله عليه، فشكر ذلك له، ورضي عنه حتى قبضه الله تعالى. وهو يعظهم ويقول: اتقوا الله، والزموا ما جاء به عيسى عليه السلام، ولا تخالفوا فيخالف بكم، ثم قال: من أراد أن يأخذ من هذا شيئا فليأخذ، فجعل الرجل يقوم فيأخذ الجرة من الماء والطعام والشيء، فقام إليه أصحابي الذين جئت معهم فسلموا عليه وعظموه، فقال لهم: الزموا هذا الدين، وإياكم أن تفرقوا، واستوصوا بهذا الغلام خيرا. فقال لي: يا غلام، هذا دين الله الذي تسمعني أقوله، وما سواه هو الكفر. قال: قلت: ما أفارقك. قال: لا إنك لا تستطيع أن تكون معي، إني لا أخرج من كهفي هذا إلا كل يوم أحد، ولا تقدر على الكينونة معي. قال: وأقبل علي أصحابه، فقالوا: يا غلام، إنك لا تستطيع أن تكون معه. قلت: ما أنا بمفارقك. قال: يا غلام، فإني أعلمك الآن أني أدخل هذا الكهف، ولا أخرج منه إلا الأحد الآخر، فأنت أعلم، قلت: ما أنا بمفارقك قال له أصحابه: يا أبا فلان، هذا غلام ويخاف عليه قال: قال لي: أنت أعلم، قلت: إني لا أفارقك فبكى أصحابي الأولون الذين كنت معهم عند فراقهم إياي، فقال: خذ من هذا الطعام ما ترى أنه يكفيك إلى الأحد الآخر، وخذ من هذا الماء ما تكتفي به. ففعلت وتفرقوا، وذهب كل إنسان إلى مكانه الذي يكون فيه، وتبعته حتى دخل الكهف في الجبل، وقال: ضع ما معك وكل واشرب. وقام يصلي، فقمت خلفه أصلي قال: فانفتل إلي، وقال: إنك لا تستطيع هذا، ولكن صل ونم، وكل واشرب. ففعلت فما رأيته نائما ولا طاعما، إلا راكعا وساجدا إلى الأحد الآخر. فلما أصبحنا قال: خذ جرتك هذه وانطلق. فخرجت معه أتبعه حتى انتهينا إلى الصخرة، وإذا هم قد خرجوا من تلك الجبال، واجتمعوا إلى الصخرة ينتظرون خروجه، فقعدوا وعاد في حديثه نحو المرة الأولى، فقال: الزموا هذا الدين ولا تفرقوا، واتقوا الله واعلموا أن عيسى ابن مريم كان عبدا لله أنعم الله عليه , ثم ذكرني. فقالوا له: يا أبا فلان، كيف وجدت هذا الغلام؟ فأثنى علي، وقال خيرا، فحمدوا الله تعالى، وإذا خبز كثير وماء، فأخذوا وجعل الرجل يأخذ بقدر ما يكتفي به. ففعلت. وتفرقوا في تلك الجبال ورجع إلى كهفه، ورجعت معه. فلبث ما شاء الله يخرج في كل يوم أحد، فيخرجون معه فيحفون به ويوصيهم بما كان يوصيهم به، فخرج في أحد، فلما اجتمعوا حمد الله ووعظهم، وقال مثل ما كان يقول لهم، ثم قال لهم آخر ذلك: يا هؤلاء، إنه قد كبر سني، ورق عظمي، واقترب أجلي، وإنه لا عهد لي بهذا البيت منذ كذا ولا بد من إتيانه، فاستوصوا بهذا الغلام خيرا، وإني رأيته لا بأس به. قال: فجزع القوم فما رأيت مثل جزعهم، وقالوا: يا أبا فلان أنت كبير، وأنت وحدك، ولا نأمن أن يصيبك الشيء، ولسنا أحوج ما كنا إليك. قال: لا تراجعوني، لا بد لي من إتيانه، ولكن استوصوا بهذا الغلام خيرا، وافعلوا وافعلوا. قال: قلت: ما أنا بمفارقك قال: يا سلمان، قد رأيت حالي وما كنت عليه، وليس هذا كذلك، إنما أمشي، أصوم النهار، وأقوم الليل، ولا أستطيع أن أحمل معي زادا، ولا غيره، ولا تقدر على هذا. قال: قلت: ما أنا بمفارقك. قال: أنت أعلم. قالوا: يا أبا فلان، إنا نخاف على هذا الغلام. قال: هو أعلم، قد أعلمته الحال، وقد رأى ما كان قبل هذا. فقلت: لا أفارقك. قال: فبكوا وودعوه، وقال لهم: اتقوا الله، وكونوا على ما أوصيتكم به، فإن أعش فلعلي أرجع إليكم، وإن أمت فإن الله حي لا يموت. فسلم عليهم وخرج وخرجت معه، وقال لي: احمل معك هذا الخبز شيئا تأكله. فخرج وخرجت معه يمشي وأتبعه، يذكر الله ولا يلتفت، ولا يقف على شيء حتى إذا أمسى قال: يا سلمان، صل أنت ونم، وكل واشرب , ثم قام وهو يصلي، إلى أن انتهينا إلى بيت المقدس، وكان لا يرفع طرفه إلى السماء إذا أمسى حتى انتهينا إلى بيت المقدس، وإذا على الباب مقعد قال: يا عبد الله، قد ترى حالي، فتصدق علي بشيء، فلم يلتفت إليه، ودخل المسجد، ودخلت معه. فجعل يتتبع أمكنة من المسجد يصلي فيها , ثم قال: يا سلمان، إني لم أنم منذ كذا وكذا، ولم أجد طعم نوم، فإن أنت جعلت لي أن توقظني إذا بلغ الظل مكان كذا وكذا نمت، فإني أحب أن أنام في هذا المسجد وإلا لم أنم. قال: فإني أفعل قال: فانظر إذا بلغ الظل مكان كذا وكذا، فأيقظني إذا غلبتني عيني. فنام فقلت في نفسي: هذا لم ينم منذ كذا وكذا، وقد رأيت بعض ذلك، لأدعنه ينام حتى يشفى من النوم. وكان فيما يمشي، وأنا معه، يقبل علي فيعظني ويخبرني أن لي ربا، وأن بين يدي جنة ونارا وحسابا، ويعلمني ويذكرني نحو ما كان يذكر القوم يوم الأحد حتى قال فيما يقول لي: يا سلمان، إن الله تعالى، سوف يبعث رسولا اسمه أحمد، يخرج بتهامة وكان رجلا أعجميا لا يحسن أن يقول تهامة ولا محمدا. علامته أنه يأكل الهدية. ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم، وهذا زمانه الذي يخرج فيه فقد تقارب، فأما أنا فشيخ كبير ولا أحسبني أدركه، فإن أدركته أنت فصدقه واتبعه. قلت: وإن أمرني بترك دينك وما أنت عليه؟ قال: وإن أمرك، فإن الحق فيما يجيء به، ورضا الرحمن فيما قال. قال : فلم يمض إلا يسيرا حتى استيقظ فزعا يذكر الله، فقال: يا سلمان مضى الفيء من هذا المكان، ولم أذكر الله، أين ما جعلت لي على نفسك؟ قال: قلت: أخبرتني أنك لم تنم منذ كذا وكذا، وقد رأيت بعض ذلك، فأحببت أن تستشفى من النوم. فحمد الله وقام فخرج، فتبعته فمر بالمقعد، فقال المقعد: يا عبد الله دخلت فسألتك فلم تعطني، وخرجت فسألتك فلم تعطني. فقام ينظر هل يرى أحدا فلم يره، فدنا منه فقال: ناولني يدك فناوله، فقال: قم باسم الله فقام، كأنه نشط من عقال صحيحا لا عيب فيه فخلاه عن يده فانطلق ذاهبا، وكان لا يلوي على أحد، ولا يقوم عليه، فقال لي المقعد: يا غلام احمل علي ثيابي حتى أنطلق وأبشر أهلي. فحملت عليه ثيابه، وانطلق لا يلوي علي، فخرجت في إثره أطلبه، وكلما سألت عنه قالوا: أمامك حتى لقيني الركب من كلب فسألتهم، فلما سمعوا لغتي أناخ رجل منهم بعيره فحملني خلفه حتى أتوا بي بلادهم. قال: فباعوني، فاشترتني امرأة من الأنصار، فجعلتني في حائط لها. وقد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرت به، فأخذت شيئا من تمر حائطي فجعلته على شيء، ثم أتيته فوجدت عنده أناسا، وإذا أبو بكر أقرب القوم منه، فوضعته بين يديه، فقال: ما هذا؟ قلت: صدقة قال للقوم: كلوا، ولم يأكل هو. ثم لبثت ما شاء الله، ثم أخذت مثل ذلك فجعلته على شيء، ثم أتيته فوجدت عنده أناسا، وإذا أبو بكر أقرب القوم منه، فوضعته بين يديه فقال: ما هذا؟ قلت: هدية. قال: بسم الله . فأكل وأكل القوم. قال: قلت في نفسي: هذه من آياته كان صاحبي رجل أعجمي لم يحسن أن يقول: تهامة قال: تهمة. وقال: أحمد. فدرت خلفه، ففطن لي فأرخى ثوبه فإذا الخاتم في ناحية كتفه الأيسر فتبينته، ثم درت حتى جلست بين يديه فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله قال: من أنت؟ قلت: مملوك. فحدثته حديثي وحديث الرجل الذي كنت معه، وما أمرني به قال: لمن أنت؟ قلت: لامرأة من الأنصار جعلتني في حائط لها. قال: يا أبا بكر قال: لبيك. قال: اشتره. فاشتراني أبو بكر فأعتقني، فلبثت ما شاء الله أن ألبث، ثم أتيته فسلمت عليه، وقعدت بين يديه فقلت: يا رسول الله، ما تقول في دين النصارى؟ قال: لا خير فيهم، ولا في دينهم. فدخلني أمر عظيم، فقلت في نفسي: هذا الذي كنت معه ورأيت منه ما رأيت، ثم رأيته أخذ بيد المقعد، فأقامه الله على يده، لا خير في هؤلاء ولا في دينهم. فانصرفت وفي نفسي ما شاء الله، فأنزل الله على النبي: {ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون} [[المائدة: 82]] إلى آخر الآية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: علي سلمان. فأتاني الرسول فدعاني وأنا خائف، فجئت حتى قعدت بين يديه، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم. {ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون} [[المائدة: 82]] إلى آخر الآيات. فقال يا سلمان: أولئك الذين كنت معهم وصاحبك لم يكونوا نصارى، إنما كانوا مسلمين فقلت: يا رسول الله، فوالذي بعثك بالحق، لهو أمرني باتباعك؛ فقلت له: وإن أمرني بترك دينك وما أنت عليه فأتركه؟ قال : نعم , فاتركه؛ فإن الحق وما يحب الله فيما يأمرك به