الموسوعة الحديثية


- أتى رجلٌ ابنَ عَبَّاسٍ فقال: بلَغَنا أنَّك تذكُرُ سطِيحًا تزعُمُ أنَّ الله خَلَقه لم يخلُق مِن بنِي آدَمَ شيئًا يُشبِهه؟ قال: قال: نعم، إِنَّ اللهَ خَلَق سطِيحًا الغسَّانِيَّ لحمًا على وَضَمٍ، ولم يكُن فِيهِ عظمٌ ولا عَصَبٌ إِلَّا الجُمجُمةُ والكفَّانِ، وكان يُطوى مِن رِجليهِ إِلى تَرقُوَتِه كما يُطوى الثَّوبُ، ولم يكُن فِيهِ شيءٌ يتحرَّكُ إِلَّا لِسانُه، فلمَّا أراد الخُرُوجَ إِلى مكَّة حُمِل على وضمِه فأُتِي بِهِ مكَّة، فخرج إِليه أربعةٌ مِن قُريشٍ: عبدُ شمسٍ وهاشِمٌ ابنا عبدِ منافِ بنِ قُصيٍّ، والأحوصُ بنُ فِهرٍ، وعقِيلُ بنُ أبِي وقَّاصٍّ، فانتموا إِلى غيرِ نسبِهِم. وقالُوا: نحنُ أُناسٌ من جُمَحَ أتيناك، بلغنا قُدُومُك فرأينا أنَّ إِتيانَنا إِيَّاك حقٌّ لك واجِبٌ علينا، وأهدى إِليهِ قِيلٌ صفِيحةً هِندِيَّةً وصعدةً رُدينِيَّةً، فوُضعِت على بابِ البيتِ الحرامِ لينظُرُوا أَهَل يراها سَطِيحٌ أم لا. فقال: يا عَقِيلُ ناوِلنِي يَدَك فناوله يدَه، فقال: يا عَقِيلُ، والعالِمِ الخفِيَّة، والغافِرِ الخطِيَّة، والذِّمَّةِ الوفِيَّة، والكعبةِ المبنِيَّة، إِنَّك لجاءٍ بِالهدِيَّة؛ الصَّفِيحةِ الهِندِيَّة، والصَّعدةِ الرُّدينِيَّة. قالُوا: صَدَقْتَ يا سَطِيحُ، فقال: والآتِي بِالفَرَح، وقَوسِ قُزَح، وسائِرِ الفَرَح، واللَّطِيمِ المُنبطِح، والنَّخلِ والرُّطبِ والبَلَح، إِنَّ الغُراب حيثُ مرَّ سَنَح، فأخبر أنَّ القوم ليسُوا من جُمَح، وأنَّ نسَبَهم مِن قُريشٍ ذِي البِطَح، قالُوا: صدَقْتَ يا سطِيحُ، نحنُ أهلُ البيتِ الحرامِ أتيناك لِنزُورَك لِما بلَغَنا مِن عِلمِك، فأخبِرنا عمَّا يكُونُ فِي زمانِنا هذا وما يكُونُ بَعدَه، فلعلَّ أن يكُون عِندَك فِي ذلِك عِلمٌ. قال: الآن صدقتُم، خُذُوا مِنِّي ومِن إِلهامِ اللهِ إِيَّاي، أنتُم يا مَعشَرَ العَرَبِ فِي زمانِ الهَرَمِ، سواءٌ بصائِرُكُم وبصائِرُ العَجَمِ، لا عِلمَ عِندكُم ولا فَهْمَ، وينشأُ مِن عقِبِكُم ذوُو فَهمٍ يطلُبُون أنواعُ العِلمِ، فيكسِرُون الصَّنَم ويبلُغُون الرَّدمَ ويقتُلُون العَجَم، يطلُبُون الغُنْمَ. قالُوا: يا سطِيحُ فمَن يكُونُ أُولئِك؟ فقال لهم: والبيتِ ذِي الأركانِ، والأمنِ والسُّكَّانِ، لينشؤُنَّ مِن عقِبِكُم وِلدانٌ يكسِرُون الأوثان ، ويُنكِرُون عِبادةَ الشَّيطانِ، ويُوحِّدُون الرَّحمن، وينشُرُون دِين الدَّيَّانِ، يُشرِفُون البُنيان، ويستفتُون الفِتيان. قالُوا: يا سطِيحُ، مِن نسلِ من يكُونُ أُولئِك؟ قال: وأشرفِ الأشرافِ، والمُفضِي لِلإِسرافِ، والمُزعزِعِ الأحقافِ، والمُضعِفِ الأضعافِ، لينشؤُنَّ الآلافُ مِن عبدِ شمسٍ وعبدِ منافٍ نُشُوءًا يكُونُ فِيهِ اختِلافٌ، قالُوا: يا سَوْءتاه يا سطِيحُ ممَّا تُخبِرُنا مِن العِلمِ بِأمرِهِم، ومِن أيِّ بلدٍ يخرُجُ أُولئِك؟ فقال: والباقِي الأبد، والبالِغِ الأَمَد، ليخرُجَنَّ من ذا البلد، فتًى يهدِي إِلى الرَّشَد ، يرفُضُ يغُوثَ والفِند، يبرأُ مِن عِبادةِ الضِّدَد، يعبُدُ ربًّا انفَرَد، ثُمَّ يتوفَّاه الله محمُودًا، مِن الأرضِ مفقُودًا، وفِي السَّماءِ مشهودًا، ثُمَّ يلِي أمْرَه الصِّدِّيق، إِذا قضى صَدَق، وفِي ردِّ الحُقُوقِ لا خَرِقٌ ولا نَزِق، ثُمَّ يلِي أمْرَه الحنِيف، مُجرِّبٌ غِطرِيف، ويترُكُ قولَ العنِيف، قد ضاف المضِيف، وأحكَمَ التَّحنِيف، ثُمَّ يلِي أمْرَه داعِيًا لِأمرِهِ مُجرِّبًا، فيجتمِعُ له جُمُوعًا وعُصَبًا، فيقتُلُونه نِقمةً عليه وغَضَبًا، فيُؤخذُ الشَّيخُ فيُذبحُ إِربًا، فيقُومُ بِهِ رِجالٌ خُطباءُ، ثُمَّ يلِي أمره النَّاصِرُ، يخلِطُ الرَّأي بِرأي النَّاكِر، يُظهِرُ فِي الأرضِ العساكِر، ثُمَّ يلِي بعده ابنُه يأخُذُ جمعه، ويقِلُّ حمدُه، ويأخُذُ المال، ويأكُلُ وحده ويُكثِرُ المال لِعقِبِه مِن بعدِهِ، ثُمَّ يلِي مِن بعدِهِ عِدَّةُ مُلُوك، لا شكَّ الدَّمُ فِيهِم مسفُوك، ثُمَّ يلِي من بعدِهِمُ الصُّعلُوك، يطوِيهِم كطيِّ الدُّرنُوك، ثُمَّ يلِي مِن بعدِهِ عُظهورٌ يُقصِي الخَلْقَ ويُدنِي مُضَر، يفتتِحُ الأرض افتِتاحًا مُنكرًا، ثُمَّ يلِي قَصِيرُ القامة، بِظهرِه علامة، يمُوتُ موتًا وسلامة، ثُمَّ يلِي قلِيلًا باكِر، يترُكُ المُلْك بائِر، ثُمَّ يلِي أخُوه بِسُنَّتِهِ سابِر، يختصُّ بِالأموالِ والمنابِر، ثُمَّ يلِي مِن بعدِهِ أهوْجَ، صاحِبُ دُنيا ونعِيمٍ مُخلِج، يتشاورُه مُعاشِرُه وذوُوه، ينهضُون إِليهِ يخلعُونه بِأخذِ المُلكِ ويقتُلُونه، ثُمَّ يلِي أمره مِن بعدِهِ السَّابِع، يترُكُ المُلك محلًّا ضائِع، بنُوه فِي مُلكِهِ كالمُشوَّهِ جائِع، عِند ذلِك يطمعُ فِي المُلكِ كُلُّ عُريان، ويلِي أمْرَه اللَّهفانُ، يُرضِي نِزارًا جَمعُ قَحْطان، إِذا التقيا بِدِمشق جمعان، بين بُنيان ولُبنان، يُصنَّفُ اليمنُ يومئِذٍ صِنفان؛ صِنفُ المسرَّةِ، وصِنفُ المخذُولِ، لا ترى إِلَّا حِباءً محلُول، وأسِيرًا مغلُول، بين القِرابِ والخُيُول، عِند ذلِك تُخربُ المنازِل، وتُسلبُ الأرامِل ، وتُسقِطُ الحوامِل، وتظهرُ الزَّلازِل، وتطلُبُ الخِلافةُ وائِل، فتغضبُ نِزار، فتُدنِي العبِيدَ والأشرار، وتُقصِي الأمثالَ والأخيار، وتغلُو الأسعارُ، فِي صَفَرِ الأصفار، يغُلُّ كُلُّ جبَّارٍ مِنه، ثُمَّ يسِيرُون إِلى خَنادِق، وإِنَّها ذاتُ أشعارٍ وأشجار، تصُدُّ له الأنهار، ويهزِمُهم أوَّلَ النَّهار، تَظهَرُ الأخيار، فلا ينفعُهم نومٌ ولا قرار، حتَّى يدخُل مِصرًا مِن الأمصار، فيُدرِكه القضاءُ والأقدار. ثُمَّ يجِيءُ الرُّماة، تلُفُّ مُشاة، لِقتلِ الكُماة، وأسرِ الحُماة، ومَهلِكِ الغُواة، هنالِك يُدركُ فِي أعلى المِياه، ثُمَّ يبُورُ الدِّينُ وتُقلبُ الأُمُور، وتُكفرُ الزَّبُور، وتُقطعُ الجُسُور، فلا يُفلِتُ إِلَّا من كان فِي جزائِرِ البُحُور، ثُمَّ تبُورُ الحُبُوب، وتظهرُ الأعارِيب، ليس فِيهِم مُعِيب، على أهلِ الفُسُوقِ والرِّيب، فِي زمانٍ عصِيب، لو كان لِلقومِ حياءٌ، وما تُغنِي المُنى. قالُوا: ثُمَّ ماذا يا سطِيحُ؟ قال: ثُمَّ يظهرُ رجُلٌ من أهلِ اليمن، كالشَّطَنِ، يُذهِبُ اللهُ على رأسِهِ الفِتَن.

أصول الحديث:


دلائل النبوة - أبو نعيم الأصبهاني (ص122)
: 69 - حدثنا سليمان بن أحمد، إملاء قال: ثنا أبو عبد الملك أحمد بن إبراهيم القرشي الدمشقي قال: ثنا سليمان بن عبد الرحمن بن بنت شرحبيل، ثنا إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن أبي عمرو السيباني، عن عبد الله بن الديلمي، قال: أتى رجل ابن عباس، فقال: " بلغنا أنك تذكر سطيحا، وتزعم أن الله خلقه، لم يخلق من ولد آدم عليه السلام شيئا يشبهه؟ قال: نعم، إن الله خلق سطيحا الغساني لحما على وضم -، الوضم: شرائح من جريد النخل -، وكان يحمل على وضمه، فيؤتى به حيث يشاء، ولم يكن فيه عظم، ولا عصب إلا الجمجمة، والكفان، وكان يطوى من رجليه إلى ترقوته، كما يطوى الثوب، فلم يكن فيه شيء يتحرك، إلا لسانه، فلما أراد الخروج إلى مكة حمل على وضمه، فأتي به مكة، فخرج إليه أربعة من قريش: عبد شمس وهاشم ابنا عبد مناف بن قصي، ‌والأحوص ‌بن ‌فهر، وعقيل بن أبي وقاص، انتموا إلى غير نسبهم، فقالوا: نحن أناس من جمح أتيناك، بلغنا قدومك، فرأينا أن زياراتنا إياك حق لك، واجب علينا، فأهدى إليه عقيل صفيحة هندية، وصعدة ردينية، فوضعت على باب البيت الحرام؛ لينظروا، هل يراها سطيح أم لا؟ فقال: يا عقيل، ناولني يدك، فناوله يده، فقال: يا عقيل، والعالم الخفية، والغافر الخطية، والذمة الوفية، والكعبة المبنية، إنك لجائي بالهدية، الصفيحة الهندية، والصعدة الردينية، قالوا: صدقت يا سطيح، فقال سطيح: وآلات بالفرح، وقوس قزح، وسائر القرح، واللطيم المنبطح، والنخل، والرطب، والبلح، إن الغراب حيث مر سنح، فأخبر أن القوم ليسوا من جمح، وإن نسبهم في قريش ذي البطح، قالوا: صدقت يا سطيح، نحن أهل البيت الحرام، أتيناك لنزورك لما بلغنا من علمك، فأخبرنا عما يكون في زماننا هذا، وما يكون بعده، لعل أن يكون عندك في ذلك علم، قال: الآن صدقتم، خذوا مني من إلهام الله إياي، وأنتم يا معشر العرب في زمان الهرم، فتبينوا بصائركم، وبصيرة العجم، لا علم عندكم، ولا فهم، وينشأ من عقبكم ذوو فهم، يطلبون أنواع العلم، فيكسرون الصنم، ويتبعون الردم، ويقتلون العجم، يطلبون الغنم، قالوا: يا سطيح، ممن يكون أولئك؟ فقال لهم: والبيت ذي الأركان، والأمن، والسكان، لينشون من عقبكم ولدان، يكسرون الأوثان، وينكرون عبادة الشيطان، ويوحدون الرحمن، وينشرون دين الديان، يشرفون البنيان، ويقتنون القيان، قالوا: يا سطيح، من نسل من يكون أولئك؟ قال: وأشرف أشراف، والمفضي لإسراف، والمزعزع للأخفاف، والمضعف للأضعاف، لينشون الآلاف، من بني عبد شمس، وعبد مناف، نشوا يكون فيه اختلاف، قالوا: يا سوأتاه يا سطيح، مما تخبر من العلم بأمرها، ومن أي بلد يخرج أولئك؟ قال: والباقي الأبد، والبالغ الأمد، ليخرجن من ذي البلد، فتى يهدي إلى الرشد، يرفض يغوث، والفند، يبرأ عن عبادة الضدد، يعبد ربا انفرد، ثم يتوفاه محمودا، من الأرض مفقودا، في السماء مشهودا، ثم يلي أمره الصديق، إذا قضى صدق، وفي رد الحقوق لا خرق ولا نزق، ثم يلي أمره الحنيف، مجرب غطريف، ويترك قول العنيف، قد ضاف المضيف، وأكرم التحنيف، ثم يلي أمره داعيا لأمره مجربا، فيجتمع له جموعا ، وعصبا، فيقتلونه نقمة، وغضبا، فيؤخذ الشيخ، فيذبح إربا، فيقوم به رجال خطباء، ثم يلي أمره الناصر، يخلط الرأي برأي الناكر، يظهر في الأرض الفساد، ثم يلي بعده ابنه يأخذ جمعه، ويقل حمده، ويأخذ المال، ويأكله وحده، ويكنز المال لعقبه من بعده، ثم يلي من بعده عدة الملوك، لا شك الدم فيهم مسفوك. وذكر القصة "