المطلب الأول: ما يجِبُ على المرأةِ سَترُه أمام الأجنبيِّ
يجِبُ على المرأةِ سَترُ بدَنِها كُلِّه أمامَ الرجُلِ الأجنبيِّ، بما في ذلك الوجهُ والكَفَّانِ
، وهو مذهبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة
، والأظهَرُ مِن مذهَبِ الشافعيَّة
والصَّحيحُ مِن مذهَبِ الحنابلةِ
، وهو قولُ جمعٍ مِن عُلَماءِ المالكيَّة
وغيرِهم
، وحُكِيَ فيه اتِّفاقُ المُسلِمينَ
الأدلَّةُ: أولًا: من الكتابِ 1- قولُه تعالى:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب: 59] وَجهُ الدَّلالةِ: في قولِه تعالى:
يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ دَلالةٌ على أنَّ المرأةَ مأمورةٌ بسَترِ وَجهِها وجميعِ بدِنها عن الأجنبيِّينَ، فلا تدَعْ شيئًا منه مكشوفًا
2- قوله تعالى:
وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب: 53] وَجهُ الدَّلالةِ:قولُه تعالى:
فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أي: مِن وراءِ سِترٍ
، فهذا أمرٌ عامٌّ، ولا يختَصُّ بأمَّهاتِ المُؤمِنينَ
، وفيه دَلالةٌ على احتجابِ جميعِ بدنِ المرأةِ عن الرجالِ الأجانبِ
3- قَولُه تعالى:
وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [النور: 31] أوجُهُ الدَّلالةِ:1- قولُه تعالى:
وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا أمَرَ بسَترِ كُلِّ الجسَدِ، ورَفَع الحرَجَ عمَّا لا تقوى المرأةُ على إخفائِه، كثيابِها
2- إذا كانت المرأةُ مَنهيَّةً عن الضَّربِ بالأرجُلِ؛ خَوفًا مِن افتِتانِ الرَّجُلِ بما يُسمَعُ مِن صَوتِ خَلْخالِها ونَحوِه، فكيف بكَشفِ الوَجهِ
؟!
ثانيًا: مِن السُّنَّة1- عن
عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((المرأةُ عَورةٌ))
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ وَصفَ المرأةِ بكَونِها عَورةً يدُلُّ على لُزومِ سَترِ كُلِّ جَسَدِها، ومنه الوجهُ والكَفَّان
2- عن
ابنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عنهما، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((لا تَنْتقِبِ المرأةُ المحرِمَةُ، ولا تَلبَسِ القُفَّازَينِ ))
وَجهُ الدَّلالةِ:دلَّ الحديثُ على أنَّ النِّقابَ والقُفَّازينِ كانا معروفَينِ في النِّساءِ، وذلك يقتضي سَترَ وُجوهِهنِّ وأيديهنَّ في غيرِ إحرامٍ
3- عن
عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها- في قِصَّة الإفكِ- (... وكان صَفوانُ ابنُ المُعَطَّلِ السُّلَميُّ ثمَّ الذَّكوانيُّ مِن وَراءِ الجَيشِ، فأصبحَ عند مَنزلي، فرأى سوادَ إنسانٍ نائمٍ، فأتاني، وكان يراني قبل الحِجابِ)
وفي روايةٍ: (فخَمَّرْتُ وجهي بجِلبابي)
وَجهُ الدَّلالةِ:قولُ
عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها: (فخَمَّرتُ وجهي بجِلبابي) و(وكان يراني قبل الحِجابِ) فيه دليلٌ على أنَّ النِّساءَ بعد نزولِ آيةِ الحِجابِ مأموراتٌ بسَترِ الوَجهِ
4- عن
أنسٍ رضِيَ اللهُ عنه- في قِصَّةِ زَواجِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن
صِفيَّةَ رَضِيَ الله عنها-:
((فقال المُسلِمونَ: إحدى أمهَّاتِ المُؤمِنينَ، أو مِمَّا مَلَكَت يمينُه، فقالوا: إنْ حَجَبَها فهي من أمهَّاتِ المُؤمِنينَ، وإن لم يَحجُبْها فهي ممَّا مَلَكت يمينُه، فلمَّا ارتحَلَ وطَّأ لها خَلْفَه، ومَدَّ الحِجابَ بينها وبين النَّاسِ ))
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ستَرَ وَجْهَها وجميعَ بدَنِها، ولا يختَصُّ ذلك بأمهَّاتِ المُؤمِنينَ، فقَولُهم: (إنْ حَجَبَها فهي من أمهَّاتِ المُؤمِنينَ، وإن لم يَحجُبْها فهي ممَّا ملكت يمينُهـ) عُلِمَ منه أنَّ ما ملكت أيمانُهم لم يكونوا يَحجُبونَهنَّ كحَجْبِ الحرائِرِ، وأنَّ آيةَ الحِجابِ خاصَّةٌ بالحرائِرِ دون الإماءِ
ثالثًا: من الآثارِ1- عن
عُروةَ، عن
عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: (يرحَمُ اللهُ نِساءَ المُهاجِراتِ الأُوَلَ؛ لَمَّا أنزَلَ الله:
وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ شَقَقْنَ مُروطَهُنَّ فاختَمَرْنَ بها
)
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ قَولها: (فاختَمَرْنَ) أي: غَطَّينَ وُجوهَهنَّ
2- وعن فاطِمةَ بنتِ المُنذِرِ عن
أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ رَضِيَ الله عنهما، قالت: (كُنَّا نغَطِّي وُجوهَنا مِن الرِّجالِ، وكُنَّا نَمتَشِطُ قَبلَ ذلك في الإحرامِ)
وَجهُ الدَّلالةِ:قولُها: (كُنَّا نغطِّي وُجوهَنا مِن الرِّجالِ) فيه دليلٌ على وجوبِ سَترِ المرأةِ وَجهَها عن غيرِ المحارِمِ، ولو كانت في حالِ الإحرامِ