الموسوعة الفقهية

المطلب الثاني: ما يجبُ على المرأةِ سَترُه أمام محارِمِها


يجِبُ على المرأةِ أمامَ مَحارِمِها أن تَستُرَ جميعَ بدَنِها سوى ما يظهَرُ منها غالبًا، كالرَّقبةِ، والشَّعرِ، والقَدَمينِ، ونحوِ ذلك [58] يتساهلُ بعضُ النِّساءِ في كَشفِ نُحُورِهنَّ وسِيقانِهنَّ، ورُبَّما أكثَر من ذلك أمامَ المحارِمِ، وهذا خطأٌ، خاصَّةً إذا كانت شابَّةً، وكان مَحرَمُها شابًّا، ويَحرُمُ ذلك إذا خُشِيَت الفِتنةُ. ، وهو مذهَبُ المالكيَّة [59] ((مواهب الجليل)) للحَطَّاب (2/182)، ((الشَّرحُ الكبير)) للدَّردير (1/214). ، والحنابلةِ [60] ((كشَّاف القناع)) للبُهُوتي (5/11)، ويُنظر: ((المُغْني)) لابن قُدامَةَ (7/99). ، ووجهٌ عند الشَّافعيَّة [61] ((البيان في مذهب الإمام الشافعي)) للعمرانيِّ (9/129)، ((مغني المحتاج)) للشِّربيني (3/129).
الأدلَّةُ:
أولًا: من الكِتابِ
قال الله تعالى: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور: 31]
وَجهُ الدَّلالةِ:
في الآيةِ دَليلٌ على إباحةِ إبداءِ الزِّينةِ للزَّوجِ ولِمَن ذُكِرَ معه من الآباءِ وغَيرِهم، ومعلومٌ أنَّ المُرادَ بإبداءِ الزِّينةِ مَوضِعُ الزِّينةِ، وهو الوجهُ واليدُ والذِّراعُ... فاقتضى ذلك إباحةَ النَّظَرِ للمَذكورينَ في الآيةِ إلى هذه المواضِعِ لا غيرُ [62] ((أحكامُ القرآن)) للجصَّاص (3/409).
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
عن عائِشةَ رضي الله عنها، قالت: ((جاءت سَهلةُ بنتُ سُهَيلِ بنِ عَمرٍو القُرَشيِّ ثمَّ العامري، وهي امرأةُ أبي حُذَيفةَ، فقالت: يا رسولَ اللهِ، إنَّا كُنَّا نرى سالِمًا ولدًا، فكان يأوي معي ومع أبي حُذَيفةَ في بيتٍ واحدٍ، ويراني فُضْلًا- أي: يراني مُتَبَذِّلةً في ثيابِ مِهنتي- وقد أنزل اللهُ عزَّ وجَلَّ فيهم ما قد عَلِمتَ، فكيف ترى فيه؟ فقال لها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أرضِعيه، فأرضَعَتْه خمسَ رَضَعاتٍ، فكان بمنزلةِ وَلَدِها مِنَ الرَّضاعةِ )) [63] أخرجه أبو داودَ (2061) واللَّفظُ له، والنَّسائي في ((السُّنَن الكبرى)) (5449)، وأحمد (25650). قال ابنُ حزم في ((المحلَّى)) (15/10): في غايةِ الصِّحَّةِ، وقال ابنُ العربيِّ في ((عارضة الأحوذي)) (3/80): لا غُبارَ عليه، قَوِيٌّ، وصحَّحه ابنُ القَطَّان في ((إحكام النَّظر)) (314)، وصحَّح إسنادَه ابن حَجَر في ((فتح الباري)) (9/53)، وصَحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سُنن أبي داود)) (2061). والحديثُ أصلُه في الصحيحينِ أخرَجَه البُخاريُّ (5088)، ومسلمٌ (1453).
وَجهُ الدَّلالةِ:
الحديثُ فيه دليلٌ على أنَّ سَهلةَ كانت تُظهِرُ مِن جسَدِها أمامَ سالمٍ ما يَظهَرُ غالبًا، لِقَولِها: ((يراني فُضْلًا)) أي: في ثِيابِ البِذْلةِ التي لا تَستُرُ أطرافَها [64] ((المُغْني)) لابنِ قُدامَةَ (7/98).
ثالثًا: لأنَّ التحَرُّزَ مِن الذي يَظهَرُ غالبًا لا يُمكِنُ، فأُبيحَ كالوجهِ، وما لا يَظهَرُ غالبًا لا يُباحُ؛ لأنَّ الحاجةَ لا تدعو إلى نَظَرِه، ولا تُؤمَنُ معه الشَّهوةُ ومُواقعةُ المحظورِ [65] ((المُغْني)) لابنِ قُدامَةَ (7/98).

انظر أيضا: