الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ السَّادِسُ: نِصابُ الشَّهادةِ في الحُقوقِ غَيرِ الأموالِ


نِصابُ الشَّهادةِ في الحُقوقِ غَيرِ الماليَّةِ شاهِدانِ رَجُلانِ [1167]، وذلك مِثلُ: النِّكاحِ، والطَّلاقِ، والرَّجعةِ، والرِّدَّةِ، والجَرحِ والتَّعديلِ، والمَوتِ، والإعسارِ، والوكالةِ، والوِصايةِ، والشَّهادةِ على شَهادةٍ. يُنظر: ((منهاج الطالبين)) للنووي (ص: 347).           ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: المالِكيَّةِ [1168] ((التاج والإكليل)) للمواق (8/ 209)، ((منح الجليل)) لعليش (8/ 449، 450). ، والشَّافِعيَّةِ [1169] ((منهاج الطالبين)) للنووي (ص: 347)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/442). ، والحَنابِلةِ [1170] ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (8/ 331)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 433). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: من الكتابِ
1- قَولُه تعالى: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ [البقرة: 282] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
رَتَّبَ اللهُ الشَّهاداتِ بحِكمَتِه في الحُقوقِ الماليَّةِ والبَدَنيَّةِ والحُدودِ، فجَعَلَها في كُلِّ فنٍّ شَهيدَينِ، إلَّا في الزِّنا؛ فإنَّه قَرَنَ ثُبوتَها بأربَعةِ شُهَداءَ تَأكيدًا في السَّترِ [1171] يُنظر: ((أحكام القرآن)) لابن العربي (1/ 271). .
2- قَولُه تعالى: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطلاق: 2] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللهَ أشهَدَ في الرَّجعةِ رَجُلَينِ عَدلَينِ، والباقي يُقاسُ عليها [1172] يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 434). .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عَن عَبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه قال: ((مَن حَلَفَ على يَمينٍ يَستَحِقُّ بها مالًا لَقيَ اللهَ وهو عليه غَضبانُ، ثُمَّ أُنزِلَ اللهُ تَصديقَ ذلك: إنَّ الذينَ يَشتَرونَ بعَهدِ اللهِ وأيمانِهم ثَمَنًا قَليلًا أولَئِكَ لا خَلاقَ لَهم في الآخِرةِ ولا يُكَلِّمُهمُ اللهُ ولا يَنظُرُ إليهم يَومَ القيامةِ ولا يُزَكِّيهم ولَهم عَذابٌ أليمٌ [آل عمران: 77] ، ثُمَّ إنَّ الأشعَثَ بنَ قَيسٍ خَرَجَ إلينا فقال: ما يُحَدِّثُكُم أبو عَبدِ الرَّحمَنِ؟ فحَدَّثناه بما قال، فقال: صَدَقَ، لَفيَّ أُنزِلَت، كانَ بَيني وبَينَ رَجُلٍ خُصومةٌ في شَيءٍ، فاختَصَمنا إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: شاهِداكَ أو يَمينُه...)) الحديثَ [1173] أخرجه البخاري (2669، 2670)، واللفظ له، ومسلم (138). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
قَولُه: (شاهِداكَ أو يَمينُهـ) لَم يَخُصَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُدَّعيَ مالٍ دونَ مُدَّعي دَمٍ أو غَيرِه، بَلِ الواجِبُ أن يُحمَلَ قَولُه على العُمومِ [1174] يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (8/ 54). .
2- عَن عُمارةَ بنِ خُزَيمةَ، أنَّ عَمَّه حَدَّثَه -وهو مِن أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ابتاعَ فرَسًا مِن أعرابيٍّ، فاستَتبَعَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليَقضيَه ثَمَنَ فرَسِه، فأسرَعَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المَشيَ وأبطَأ الأعرابيُّ، فطَفِقَ رِجالٌ يَعتَرِضونَ الأعرابيَّ، فيُساوِمونَه بالفَرَسِ ولا يَشعُرونَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ابتاعَه، فنادى الأعرابيُّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: إن كُنتَ مُبتاعًا هذا الفَرَسَ وإلَّا بعتُه، فقامَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَ سَمِعَ نِداءَ الأعرابيِّ، فقال: أو ليس قدِ ابتَعتُه مِنكَ؟ فقال الأعرابيُّ: لا، واللهِ ما بعتُكَه، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «بَلى، قدِ ابتَعتُه مِنكَ» فطَفِقَ الأعرابيُّ يَقولُ: هَلُمَّ شَهيدًا، فقال خُزَيمةُ بنُ ثابِتٍ: أنا أشهَدُ أنَّكَ قد بايَعتَه، فأقبَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على خُزَيمةَ فقال: «بمَ تَشهَدُ؟»، فقال: بتَصديقِكَ يا رَسولَ اللهِ، فجَعَلَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شَهادةَ خُزَيمةَ بشَهادةِ رَجُلَينِ)) [1175] أخرجه أبو داود (3607)، واللفظ له، والنسائي (4647)، وأحمد (21883). صَحَّحه محمد ابن عبد الهادي في ((تنقيح تحقيق التعليق)) (3/545)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (7/462)، وابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (2/18)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3607)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1527)، وصَحَّح إسنادَه الحاكم في ((المستدرك)) (2220)، وابن كثير في ((تحفة الطالب)) (248)، وأحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/341)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (3607). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّ هذا الحَديثُ على اشتِراطِ العَدَدِ في الشُّهودِ، فلَو جازَت شَهادةُ رَجُلٍ واحِدٍ لَم يَكُن لخُزَيمةَ بنِ ثابِتٍ رَضيَ اللهُ عنه فضلٌ في شَهادَتِه، وقد جَعَلَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شَهادَتَه شَهادةَ رَجُلَينِ، وخَصَّه بذلك [1176] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (16/219). .
ثالثًا: أنَّ هذا النَّوعَ مِنَ الشَّهاداتِ ليس في مالٍ ولا في أمرٍ يُقصَدُ به المالُ، فلا يُقبَلُ فيه إلَّا شَهادةُ رَجُلَينِ؛ قياسًا على العُقوباتِ [1177] يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 434). .

انظر أيضا: