الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: نِصابُ الشَّهادةِ على الزِّنا


نِصابُ الشَّهادةِ على الزِّنا أربَعةُ رِجالٍ عُدولٍ، ولا تَصِحُّ شَهادةُ النِّساءِ، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [1125] ((تبيين الحقائق) للزيلعي (4/208). ويُنظر: ((درر الحكام شرح غرر الأحكام)) (2/ 371). ، والمالِكيَّةِ [1126] ((التاج والإكليل)) للمواق (8/ 394)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/ 323). ، والشَّافِعيَّةِ [1127] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (10/ 246)، ((نهاية المحتاج)) الرملي (8/ 310).    ، والحَنابِلةِ [1128] ((المبدع في شرح المقنع)) لابن مفلح (7/ 395)، ((الإنصاف)) للمرداوي (12/ 78). ، وحُكي الإجماعُ على ذلك [1129] قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (فأجمَعَ العُلَماءُ أنَّ البَيِّنةَ في الزِّنا أربَعةُ شُهَداءَ رِجالٌ عُدولٌ يَشهَدونَ بالصَّريحِ مِنَ الزِّنا لا بالكِنايةِ، وبالرُّؤيةِ كَذلك، والمُعايَنةِ). ((الاستذكار)) (7/ 485). وقال البَيهَقيُّ: (لَم أعلَمْ أحَدًا مِن أهلِ العِلمِ خالَفَ في أن لا يَجوزَ في الزِّنا إلَّا الرِّجالُ). ((معرفة السنن والآثار)) (7/ 378).  وقال ابنُ العَرَبيِّ: (قَولُه تعالى: فاستَشهِدوا عليهنَّ أربَعةً مِنكُم: قَولُه تعالى: مِنكُم المُرادُ به هاهُنا الذُّكورُ دونَ الإناثِ؛ لأنَّه سُبحانَه ذَكَرَ أوَّلًا مِن نِسائِكُم ثُمَّ قال: مِنكُم، فاقتَضى ذلك أن يَكونَ الشَّاهِدُ غَيرَ المَشهودِ عليه، ولا خِلافَ في ذلك بَينَ الأُمَّةِ). ((أحكام القرآن)) (4/ 360). وقال ابنُ رُشدٍ الحَفيدُ: (فإنَّ المُسلِمينَ اتَّفَقوا على أنَّه لا يَثبُتُ الزِّنا بأقَلَّ مِن أربَعةِ عُدولٍ ذُكورٍ). ((بداية المجتهد)) (2/ 381). وقال ابنُ قُدامةَ: (... "أن يَكونوا رِجالًا كُلُّهم ولا تُقبَلُ فيه شَهادةُ النِّساءِ بحالٍ، ولا نَعلَمُ فيه خِلافًا... ولا خِلافَ في أنَّ الأربَعةَ إذا كانَ بَعضُهم نِساءً أنَّه لا يُكتَفى بهم"). ((المغني)) (9/ 64). وقال القُرطُبيُّ عِندَ تَفسيرِ قَولِه تعالى: والَّلاتي يَأتينَ الفاحِشةَ مِن نِسائِكُم فاستَشهِدوا عليهنَّ أربَعةً مِنكُم: (ولا بُدَّ أن يَكونَ الشُّهودُ ذُكورًا؛ لقَولِه: مِنكُم ولا خِلافَ فيه بَينَ الأُمَّةِ). ((تفسير القرطبي)) (5/ 84). وقال النَّوويُّ: (أجمَعوا على أنَّ البَيِّنةَ أربَعةُ شُهَداءَ ذُكورٍ عُدولٍ ... ولا يُقبَلُ دونَ الأربَعةِ). ((شرح صحيح مسلم)) (11/ 192). وقال ابنُ القَيِّمِ: (الحُكمُ بأربَعةِ رِجالٍ أحرارٍ، وذلك في حَدِّ الزِّنا واللِّواطِ، أمَّا الزِّنا فبالنَّصِّ والإجماعِ). ((الطرق الحكمية)) (137). وقال المَرداويُّ: (فلا يُقبَلُ فيه إلَّا شَهادةُ أربَعةِ رِجالٍ أحرارٍ بلا نِزاعٍ). ((الإنصاف)) (12/ 78). وقال الشَّوكانيُّ في بَيانِ بَيِّنةِ الزِّنا: (أي: شَهادةُ أربَعةِ شُهودٍ ذُكورٍ بالإجماعِ). ((نيل الأوطار)) (7/ 126). وخالف في ذلك: عَطاءٌ، وحَمَّادٌ، وابنُ حَزمٍ، قال ابنُ قُدامةَ: (الشَّرطُ الثَّاني: أن يَكونوا رِجالًا كُلُّهم، ولا تُقبَلُ فيه شَهادةُ النِّساءِ بحالٍ، ولا نَعلمُ فيه خِلافًا إلَّا شَيئًا يُروى عن عَطاءٍ وحَمَّادٍ أنَّه يُقبَلُ فيه ثَلاثةُ رِجالٍ وامرَأتانِ، وهو شُذوذٌ لا يُعَوَّلُ عليه؛ لأنَّ لفظَ الأربَعةِ اسمٌ لعَدَدِ المَذكورينَ). ((المغني)) (9/ 69). ويُنظر: ((المحلى)) لابن حزم (8/ 476)، ((البناية شرح الهداية)) للعيني (9/ 105).   .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: من الكتابِ
1 - قَولُ اللهِ تعالى: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ [النساء: 15] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه سُبحانَه ذَكَرَ أوَّلًا مِن نِسائِكُم فجَعَلَ المَشهودَ عليه مِنَ الإناثِ، ثُمَّ قال: مِنكُم أي: مِنَ الرِّجالِ؛ لأنَّ الآيةَ تَقتَضي أن يَكونَ الشَّاهِدُ غَيرَ المَشهودِ عليه [1130] يُنظر: (أحكام القرآن)) لابن العربي (1/ 460)، ((تفسير القرطبي)) (5/ 84)، ((المغني)) لابن قدامة (10/ 169).         .
2- قَولُ اللهِ تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور: 4] .
3 - قَولُ اللهِ تعالى: لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النور: 13] .
وَجهُ الدَّلالةِ من الآياتِ:
الآياتُ دَليلٌ لإثباتِ حَدِّ الزِّنا بالشَّهادةِ، ولَفظُ أربَعةٍ نَصٌّ في العَدَدِ والذُّكورةِ [1131] يُنظر: ((المحلى)) لابن حزم ((8/ 476). ((البحر الرائق)) لابن نجيم (7/ 60). .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عَن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ سَعدَ بنَ عُبادةَ قال: ((يا رَسولَ اللهِ، إن وجَدتُ مَعَ امرَأتي رَجُلًا أأُمهِلُه حَتَّى آتيَ بأربَعةِ شُهَداءَ؟ قال: نَعَم)) [1132] أخرجه مسلم (1498). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
قَولُه: "حَتَّى آتيَ بأربَعةِ شُهَداءَ" دَليلٌ على أنَّ مِن شُروطِ حَدِّ الزِّنا أن يَكونَ الشُّهودُ أربَعةَ رِجالٍ [1133] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (9/ 69). .
ثالثًا: لأنَّ في شَهادَتِهنَّ شُبهةً؛ لتَطَرُّقِ الضَّلالِ إليهنَّ، قال اللهُ تعالى: أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى [البقرة: 282] ، والحُدودُ تُدرَأُ بالشُّبُهاتِ [1134] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (9/ 69). .

انظر أيضا: