الموسوعة الفقهية

المَسألةُ الثَّالِثةُ: لَفظُ الشَّهادةِ


اختَلَفَ العُلَماءُ في اشتِراطِ لَفظِ الشَّهادةِ، على قَولَينِ:
القَولُ الأوَّلُ: يُشتَرَطُ لَفظُ الشَّهادةِ مِنَ الشَّاهِدِ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ [1102] ((المبسوط)) للسرخسي (16/251)، ((الهداية)) للمرغيناني (3/117). ، والشَّافِعيَّةِ [1103] ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (10/273)، ((حاشية قليوبي)) (4/319). ، والحَنابِلةِ [1104] ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/404)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/611). ، وقولٌ عندَ المالِكيَّةِ [1105] ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (4/165). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: من الكتابِ
1- قَولُه تعالى: تعالى: وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ للَّهِ [الطلاق: 2] .
2- قَولُه تعالى: وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ [البقرة: 282] .
3- قَولُه تعالى: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ [البقرة: 282] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الأمرَ في هذه الآياتِ جاءَ بهذه اللفظةِ [1106] يُنظر: ((البناية)) للعيني (9/113).
ثانيًا: أنَّ الشَّهادةَ مَصدَرُ شَهِدَ يَشهَدُ شَهادةً، فلا بُدَّ مِنَ الإتيانِ بفِعلِها المُشتَقِّ منها [1107] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (10/195). .
ثالثًا: أنَّ في الشَّهادةِ مَعنًى لا يَحصُلُ في غَيرِها مِنَ اللَّفظاتِ، بدَليلِ أنَّها تُستَعمَلُ في اليَمينِ، فيُقالُ: أشهَدُ باللهِ؛ ولهذا تُستَعمَلُ في اللِّعانِ، ولا يَحصُلُ ذلك مِن غَيرِها [1108] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (10/195). .
رابِعًا: أنَّ لَفظَ الشَّهادةِ أبلَغُ في الظُّهورِ [1109] يُنظر: ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (10/273). .
القَولُ الثَّاني: لا يُشتَرَطُ لَفظُ الشَّهادةِ، وهو مَذهَبُ المالِكيَّةِ -في الأظهَرِ- [1110] ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (4/165)، ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (4/238). ، وروايةٌ عِندَ الحَنابِلةِ [1111] ((الإنصاف)) للمرداوي (12/108، 109). ، واختاره ابنُ حَزمٍ [1112] قال ابنُ حَزمٍ: (إن قال الشَّاهِدُ للقاضي: أنا أُخبِرُكَ، أو أنا أقولُ لَكَ، أو أنا أُعلِمُكَ، أو لَم يَقُلْ: أنا أشهَدُ؛ فكُلُّ ذلك سَواءٌ، وكُلُّ ذلك شَهادةٌ تامَّةٌ فرضٌ على الحاكِمِ الحُكمُ بها؛ لأنَّه لَم يَأتِ قُرآنٌ ولا سُنَّةٌ ولا قَولُ صاحِبٍ ولا قياسٌ ولا مَعقولٌ بالفَرقِ بَينَ شَيءٍ مِن ذلك). ((المحلى)) (8/535). ، وابنُ تَيميَّةَ [1113] قال ابنُ تيميَّةَ: (لا يُشتَرَطُ في أداءِ الشَّهادةِ لَفظةُ أشهَدُ، وهو مُقتَضى قَولِ أحمَدَ...، ولا أعلَمُ نَصًّا يُخالِفُ هذا، ولا يُعرَفُ عَن صَحابيٍّ ولا تابِعيٍّ اشتِراطُ لَفظِ الشَّهادةِ، ولا يُعتَبَرُ في أداءِ الشَّهادةِ). ((الفتاوى الكبرى)) (5/577، 578). ، وابنُ القَيِّمِ [1114] قال ابنُ القَيِّمِ: (في القِصَّةِ دَليلٌ على مَسألةٍ أُخرى، وهيَ أنَّه لا يُشتَرَطُ في الشَّهادةِ التَّلَفُّظُ بلَفظِ "أشهَدُ"، وهذا أصَحُّ الرِّواياتِ عَن أحمَدَ في الدَّليلِ، وإن كانَ الأشهَرُ عِندَ أصحابِه الاشتِراطَ، وهيَ مَذهَبُ مالِكٍ. قال شَيخُنا: ولا يُعرَفُ عَن أحَدٍ مِنَ الصَّحابةِ والتَّابِعينَ اشتِراطُ لَفظِ الشَّهادةِ). ((زاد المعاد)) (3/431). ويُنظر: ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (4/1370 – 1373). ، والشَّوكانيُّ [1115] قال الشَّوكانيُّ: (المُرادُ بالشَّهادةِ الإخبارُ بما يَعلَمُه الشَّاهِدُ عِندَ التَّحاكُمِ إلى الحاكِمِ بأيِّ لَفظٍ كانَ، وعَلى أيِّ صِفةٍ وقَعَ، ولا يُعتَبَرُ إلَّا أن يَأتيَ بكَلامٍ مَفهومٍ يَفهَمُه سامِعُه، فإذا قال مَثَلًا: رَأيتُ كَذا وكَذا، أو سَمِعتُ كَذا وكَذا، فهذه شَهادةٌ شَرعيَّةٌ). ((السيل الجرار)) (ص: 772). ، وابنُ عُثَيمين [1116] قال ابنُ عُثَيمينَ: (وقيلَ: إنَّ الشَّهادةَ إخبارُ الإنسانِ بما يَعلَمُه مُطلَقًا، سَواءٌ ‌بِلَفظِ ‌أشهَدُ أو بدونِه؛ ولهذا لَمَّا قيلَ للإمامِ أحمَدَ رَحِمَه اللهُ: إنَّ عَليَّ بنَ المَدينيِّ -فيما أظُنُّ- يَقولُ: أقولُ: إنَّ العَشَرةَ بالجَنَّةِ، ولا أشهَدُ، قال: إذا قال ذلك فقد شَهِدَ، فالصَّحيحُ أنَّ الشَّهادةَ أن يُخبِرَ الإنسانُ بما يَعلَمُه، سَواءٌ ‌بِلَفظِ ‌أشهَدُ أو بغَيرِهـ). ((الشرح الممتع)) (15/389). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: من الكتابِ
قَولُه تعالى: قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ [الأنعام: 150] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه مَعلومٌ قَطعًا أنَّه لَم يُنكِرْ عليهم إلَّا مُجَرَّدَ قَولِهم: إنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا، ولَم يَخُصَّ الإنكارَ بقَولِ مَن قال: نَشهَدُ أنَّ اللهَ تعالى حَرَّمَه، ولا نَهى رَسولَه أن يَتَلَفَّظَ بالشَّهادةِ على التَّحريمِ، بَل هو نَهيٌ له أن يَقولَ: إنَّ اللهَ حَرَّمَه [1117] ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (4/55). .
ثانيًا: أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كانَ يَدفَعُ كُتُبَه إلى رُسُلِه يُنفِذونَها إلى المَكتوبِ إليه، ولَم يَقُلْ لأحَدٍ مِنهم: أُشهِدُكَ أنَّ هذا كِتابي، وكانَ الرَّسولُ يَدفَعُ كِتابَه إلى المُرسَلِ إليه ولا يَقولُ: أشهَدُ أنَّ هذا كِتابُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا يَقولُ: أشهَدَني على ما فيه، ولَو سُئِلَ الشَّهادةَ لَشَهِدَ [1118] ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (4/54). .
ثالثًا: أنَّه لَم يَأتِ قُرآنٌ ولا سُنَّةٌ ولا قَولُ صاحِبٍ ولا قياسٌ ولا مَعقولٌ باشتِراطِ لَفظِ الشَّهادةِ [1119] يُنظر: ((المحلى)) لابن حزم (8/535)، ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (5/578). .

انظر أيضا: