الموسوعة الفقهية

المَسألةُ الأولى: الأُصولُ التي يَقضي بها القاضي


يَجِبُ على القاضي أن يَحكُمَ بالكِتابِ والسُّنَّةِ والإجماعِ [221] هذه هي الأُصولُ التي يَجِبُ الحُكمُ بها في الجُملةِ، أمَّا ما تَفَرَّعَ عَنها كالقياسِ والاستِحسانِ وغَيرِها، فقد وقَعَ الخِلافُ في اعتِبارِها أدِلَّةً عِندَ الفُقَهاءِ والأُصوليِّينَ. ، والحُكمُ الذي يُخالِفُ هذه الأُصولَ حُكمٌ مَردودٌ يَجِبُ نَقضُه.
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: من الكتابِ
1- قَولُه تعالى: ‌يَٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلۡنَٰكَ خَلِيفَةً فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱحۡكُمْ بَيۡنَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ ٱلۡهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَاب شَدِيدُۢ بِمَا نَسُواْ يَوۡمَ ٱلۡحِسَابِ [ص: 26] .
2- قَولُه تعالى: ‌فَإِنْ ‌جَآءُوكَ فَٱحۡكُمْ بَيۡنَهُمۡ أَوۡ أَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡۖ وَإِن تُعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيۡـٔٗاۖ وَإِنۡ حَكَمۡتَ فَٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ [المائدة: 42] .
3- قَولُه تعالى: وَأَنِ ٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ وَٱحۡذَرۡهُمۡ أَن يَفۡتِنُوكَ عَنۢ بَعۡضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَ [المائدة: 49] .
4- قَولُه تعالى: ‌وَإِذَا ‌حَكَمۡتُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُواْ بِٱلۡعَدۡلِ [النساء: 58] .
5- قَولُه تعالى: ‌مَّن ‌يُطِعِ ‌ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَ [النساء: 80] .
6- قَولُه تعالى: ‌فَلَا ‌وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ [النساء: 65] .
7- قَولُه تعالى: ‌فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور: 63] .
وَجهُ الدَّلالةِ من الآياتِ:
دَلَّت هذه الآياتُ على وُجوبِ الحُكمِ بالعَدلِ، والعَدلُ يَتَحَقَّقُ باتِّباعِ حُكمِ اللهِ تَعالى المُنَزَّلِ في كِتابِه وسُنَّةِ نَبيِّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ فإنَّ اللهَ تَعالى أمَرَ بطاعَتِه، وجَعَلَ سُنَّتَه مِن دينِه، ووضَعَها مَوضِعَ الإبانةِ عَن كِتابِه، فليس للقاضي أن يَحكُمَ بما يُخالِفُ الكِتابَ والسُّنَّةَ [222] يُنظر: ((الأم)) للشافعي (7/98). .
ثانيًا: من الإجماعِ:
نَقَلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ حَزمٍ [223] قال ابنُ حَزمٍ: (اتَّفَقوا أنَّ مَن ولَّاه الإمامُ القُرَشيُّ الواجِبُ طاعَتُه الأحكامَ، فإنَّ أحكامَه إذا وافَقَ الحَقَّ نافِذةٌ، على أنَّه إن حَكَمَ بما يُخالِفُ الإجماعَ فإنَّ حُكمَه مَردودٌ...، واتَّفَقوا على وُجوبِ الحُكمِ بالقُرآنِ والسُّنَّةِ والإجماعِ، واتَّفَقوا أنَّ مَن حَكَمَ بغَيرِ هذه الثَّلاثةِ أوِ القياسِ أوِ الاستِحسانِ أو قَولِ صاحِبٍ لا مُخالِفَ له مِنهُم، أو قَولِ تابِعٍ لا مُخالِفَ له مِنَ التَّابِعينَ ولا مِنَ الصَّحابةِ، أو قَولِ الأكثَرِ مِنَ الفُقَهاءِ؛ فقد حَكَمَ بباطِلٍ لا يَحِلُّ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 49، 50). ، وابنُ عَبدِ البَرِّ [224] قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (وأجمَعَ العُلَماءُ أنَّ الجَورَ البَيِّنَ والخَطَأَ الواضِحَ المُخالِفَ للإجماعِ والسُّنَّةِ الثَّابِتةِ المَشهورةِ التي لا مُعارِضَ لَها: مَردودٌ على كُلِّ مَن قَضى بهـ). ((التمهيد)) (9/91). ، وابنُ القَطَّانِ [225] قال ابنُ القَطَّانِ: (اتَّفَقوا على وُجوبِ القَضاءِ والحُكمِ بالكِتابِ والسُّنَّةِ والإجماعِ، واتَّفَقوا على أنَّ مَن حَكَمَ بغَيرِ هذه الثَّلاثِ، أوِ القياسِ أوِ الاستِحسانِ أو قَولِ صاحِبٍ لا مُخالِفَ له مِنهُم، أو قَولِ تابِعٍ لا مُخالِفَ له مِنَ التَّابِعينَ ولا الصَّحابةِ، أو قَولِ الأكثَرِ مِنَ الفُقَهاءِ؛ فقد حَكَمَ بباطِلٍ لا يَحِلُّ. واتَّفَقوا أنَّ مَن قَضى بما يُخالِفُ الإجماعَ كائِنًا مَن كانَ أنَّ قَضاءَه مَردودٌ...، واتَّفَقَ أهلُ العِلمِ جَميعًا على أنَّ الواجِبَ على كُلِّ حاكِمٍ رُفِعَ إليه حُكمٌ قد خالَفَ الكِتابَ والسُّنَّةَ والاتِّفاقَ أن يُبطِلَه ولا يُجيزَهـ). ((الإقناع)) (2/143-146). ، وابنُ تَيميَّةَ [226] قال ابنُ تيميَّةَ: (إذ كانَ المُسلِمونَ مُتَّفِقينَ على أنَّه لا يَجوزُ لمُسلِمٍ أن يَحكُمَ بَينَ أحَدٍ إلَّا بما أنزَلَ اللهُ في القُرآنِ). ((منهاج السنة)) (5/508).  وقال أيضًا: (ولهذا اتَّفَقَ العُلَماءُ أنَّ حُكمَ الحاكِمِ العادِلِ إذا خالَفَ نَصًّا أو إجماعًا لم يَعلَمْه، فهو مَنقوضٌ). ((مجموع الفتاوى)) (31/39). .

انظر أيضا: