الموسوعة الفقهية

المَسألةُ الثَّانيةُ: تَقييدُ القاضي بمَذهَبٍ مُعَيَّنٍ


لا يَصِحُّ تَقييدُ القاضي بمَذهَبٍ مُعَيَّنٍ يُخالِفُ اجتِهادَه.
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: من الكتابِ
قَولُه تعالى: ‌فَٱحۡكُم ‌بَيۡنَ ‌ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّ [ص: 26] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّت هذه الآيةُ على وُجوبِ الحُكمِ بالحَقِّ، والحَقُّ ما دَلَّ عليه الدَّليلُ، وذلك لا يَتَقَيَّدُ بمَذهَبٍ مُعَيَّنٍ [227] يُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (3/379). .
ثانيًا: من الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك [228] الأصلُ في هذه المَسألةِ أنَّها مِن مَسائِلِ الإجماعِ، أمَّا ما حَصَلَ في عِباراتِ الفُقَهاءِ مِمَّا قد يُفهَمُ مِنهُ القَدحُ في هذا الإجماعِ فهو راجِعٌ إلى سَبَبَينِ: الأوَّلُ: أنَّ جُمهورَ الفُقَهاءِ يَشتَرِطونَ لصِحَّةِ القَضاءِ أن يَكونَ القاضي مِن أهلِ الاجتِهادِ، فكَثيرٌ مِنهُم لا يَتَكَلَّمُ إلَّا عَنِ القاضي المُجتَهِدِ، فيَختَصُّ الإجماعُ بالمُجتَهِدِ فقَط. الثَّاني: لَمَّا تَعَذَّرَ الأخذُ بشَرطِ الاجتِهادِ وجازَت وِلايةُ المُقَلِّدِ اضطِرارًا، نَشَأ خِلافٌ بَينَ الفُقَهاءِ في هذه المَسألةِ، وهو مُتَوجِّهٌ للمُقَلِّدِ دونَ المُجتَهِدِ. يُنظر: ((حاشية ابن عابدين)) (5/407، 408)، ((تبصرة الحكام)) لابن فرحون (1/24، 65)، ((كفاية النبيهـ)) لابن الرفعة (18/86)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (6/463). : ابنُ حَزمٍ [229] قال ابنُ حَزمٍ: (اتَّفَقوا أنَّه لا يَحِلُّ لقاضٍ ولا لمُفتٍ تَقليدُ رَجُلٍ بعَينِه بَعدَ مَوتِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلا يَحكُمُ ولا يُفتي إلَّا بقَولِه، وسَواءٌ كانَ ذلك الرَّجُلُ قديمًا أو حَديثًا). ((مراتب الإجماع)) (ص: 50). ، وابنُ قُدامةَ [230] قال ابنُ قُدامةَ: (لا يَجوزُ أن يُقَلَّدَ القَضاءُ لواحِدٍ على أن يَحكُمَ بمَذهَبٍ بعَينِه. وهذا مَذهَبُ الشَّافِعيِّ، ولَم أعلَمْ فيه خِلافًا). ((المغني)) (10/93). ، وبُرهانُ الدِّينِ ابنُ مُفلِحٍ [231] قال بُرهانُ الدِّينِ ابنُ مُفلِحٍ: (لا يَجوزُ أن يُقَلَّدَ القَضاءُ لواحِدٍ على أن يَحكُمَ بمَذهَبٍ بعَينِه، لا نَعلَمُ فيه خِلافًا). ((المبدع)) (8/149). .

انظر أيضا: