الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الثَّاني: مَشروعيَّةُ التَّعزيرِ


يُشرَعُ التَّعزيرُ في كُلِّ مَعصيةٍ أو جِنايةٍ لا حَدَّ فيها.
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ الكتابِ
قَولُه تعالى: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء: 34] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللَّهَ سُبحانَه وتعالى أباحَ الضَّربَ عِندَ نُشوزِ النِّساءِ، فكان فيه التَّنبيهُ على التَّعزيرِ [2149] يُنظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/ 191)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (8/19). .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ رَجُلًا مِن مُزَينةَ أتى رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رَسولَ اللهِ، كَيف تَرى في حَريسةِ الجَبَلِ؟ فقال: هيَ ومِثلُه والنَّكالُ، وليس في شَيءٍ مِنَ الماشيةِ قَطعٌ إلَّا فيما آواه المُراحُ، فبَلَغَ ثَمَنَ المِجَنِّ، ففيه قَطعُ اليَدِ، وما لم يَبلُغْ ثَمَنَ المِجَنِّ ففيه غَرامةُ مِثلَيه، وجَلَداتُ نَكالٍ)) [2150] أخرجه من طرق: النسائي (4959) واللفظ له، وابن ماجه (2596)، وأحمد (6683). حَسَّنه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (4959)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (6683)، وصَحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (10/162). .      
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جَعَلَ في سَرِقةِ التَّمرِ إذا كان دونَ نِصابٍ غُرمَ مِثلِه وجَلَداتِ نَكالٍ [2151] يُنظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/ 191). .
ثالثًا: مِنَ الآثارِ
سُئِلَ عليٌّ عن قَولِ الرَّجُلِ للرَّجُلِ: يا فاجِرُ، يا خَبيثُ، يا فاسِقُ، قال: (هنَّ فواحِشُ، فيهن تَعزيرٌ، وليس فيهنَّ حَدٌّ) [2152] أخرجه ابن الجعد في ((المسند)) (2236). حَسَّنه الألباني في ((إرواء الغليل)) (2393). ورُويَ بلَفظ: عن عَبدِ المَلِكِ بنِ عُمَيرٍ، عن أصحابِه، عن عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه في الرَّجُلِ يَقولُ للرَّجُلِ: يا خَبُيث، يا فاسِقُ. قال: ليس عليه حَدٌّ مَعلومٌ، يُعَزِّرُ الوالي بما رَأى أخرجه البَيهَقيُّ (17234). جَوَّد إسنادَه الألبانيُّ في ((إرواء الغليل)) (8/54). .
رابِعًا: مِنَ الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ تَيميَّةَ [2153] قال ابنُ تَيميَّةَ: (أجمَعَ العُلَماءُ على أنَّ التَّعزيرَ مَشروعٌ في كُلِّ مَعصيةٍ لا حَدَّ فيها ولا كَفَّارةَ). ((مجموع الفتاوى)) (30/ 39). ، والزَّيلَعيُّ [2154] قال الزَّيلَعيُّ: (اجتَمَعَتِ الأُمَّةُ على وُجوبِه في كَبيرةٍ لا توجِبُ الحَدَّ، أو جِنايةٍ لا توجِبُ الحَدَّ). ((تبيين الحقائق)) (3/ 207). ، وابنُ القَيِّمِ [2155] قال ابنُ القَيِّمِ: (اتَّفقَ العُلَماءُ على أنَّ التَّعزيرَ مَشروعٌ في كُلِّ مَعصيةٍ ليس فيها حَدٌّ). ((الطرق الحكمية)) (ص: 93).  .
خامِسًا: أنَّ المَعصيةَ تَفتَقِرُ إلى ما يَمنَعُ مِن فِعلِها، فإذا لم يَجِبْ فيها حَدٌّ ولا كَفَّارةٌ وجَبَ أن يُشرَعَ فيها التَّعزيرُ لتَحقيقِ المانِعِ مِن فِعلِها [2156] يُنظر: ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (7/ 423). .

انظر أيضا: