الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الثَّالِثُ: حُكمُ إقامةِ الإمامِ التَّعزيرَ


يَجِبُ على الإمامِ إقامةُ التَّعزيرِ فيما شُرِعَ التَّأديبُ فيه، سَواءٌ كان حَقًّا للهِ أو لآدَميٍّ [2157] يَجِبُ التَّعزيرُ في حَقِّ الآدَميِّ إذا طَلَبَه المَجنيُّ عليه. يُنظر: ((حاشية ابن عابدين)) (4/ 66)، ((منح الجليل)) لعليش (9/355)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/364). إلَّا إذا رَأى الإمامُ أنَّ في تَركِ التَّأديبِ مَصلَحةً، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ [2158] ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/ 45 - 49)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/ 66 - 74). ، والمالِكيَّةِ [2159] ((مواهب الجليل)) للحطاب (6/ 320)، ((منح الجليل)) لعليش (9/355). ، والحَنابِلةِ [2160] ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (7/ 423)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/364)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/122). ، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك [2161] قال الزَّيلَعيُّ: (وهو -أي التَّعزيرُ- مَشروعٌ بالكِتابِ والسُّنَّةِ وإجماعِ الأُمَّةِ، قال اللهُ تعالى: واضربوهن [النساء: 34] الآية، وقال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ «لا تَرفَعْ عَصاك عن أهلِك» ورُوِيَ أنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ «عَزَّرَ رَجُلًا قال لغَيرِه: يا مُخَنَّثُ، وحَبَسَ رَجُلًا بالتُّهمةِ» واجتَمَعَتِ الأُمَّةُ على وُجوبِه في كَبيرةٍ لا توجِبُ الحَدَّ أو جِنايةٍ لا توجِبُ الحَدَّ). ((تبيين الحقائق)) (3/207). .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ المَعصيةَ تَفتَقِرُ إلى ما يَمنَعُ مِن فِعلِها، فإذا لم يَجِبْ فيها حَدٌّ ولا كَفَّارةٌ وجَبَ أن يُشرَعَ فيها التَّعزيرُ لتَحقيقِ المانِعِ مِن فِعلِها [2162] ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (7/423). .
ثانيًا: لأنَّه زَجرٌ مَشروعٌ لحَقِّ اللهِ تعالى، فوجَبَ، كالحَدِّ [2163] ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (7/423). .
مطلبٌ: هَل يَضمَنُ الإمامُ إذا عَزَّرَ فماتَ المُعَزَّرُ؟
إذا عَزَّرَ الإمامُ فيما شُرِعَ فيه التَّعزيرُ فماتَ المُعَزَّرُ، لم يَجِبْ ضَمانُه، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ [2164] ((الهداية)) للمرغيناني (2/361)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/53). ، والمالِكيَّةِ [2165] يَشتَرِطُ المالِكيَّةُ لعَدَمِ الضَّمانِ أن يَفعَلَ مَعَ ظَنِّ السَّلامةِ. ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (4/355)، ((منح الجليل)) لعليش (9/358). ، والحَنابِلةِ [2166] يَرى الحَنابِلةُ أنَّه إن أسرَف في التَّأديبِ -بأن زادَ فوقَ المُعتادِ، أو زادَ على ما يَحصُلُ به المَقصودُ، أو ضَرب مَن لا عَقلَ له مِن صَبيٍّ غَيرِ مُمَيِّزٍ وغَيرِه، كَمَجنونٍ ومَعتوهٍ- ضَمِنَ. ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (7/ 281). ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 16). ، ووجهٌ للشَّافِعيَّةِ [2167] يَشتَرِطُ القائِلونَ بهذا الوَجهِ أن يَكونَ التَّعزيرُ لحَقِّ الآدَميِّ. ((فتح العزيز بشرح الوجيز)) للرافعي (11/296)، ((روضة الطالبين)) للنووي (10/177).  .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ الوُلاةَ مَأمورونَ بالتَّأديبِ والتَّعزيرِ، فتَضمينُهم ما سَرى إليه التَّعزيرُ مَعَ أمرِهم به تَكليفٌ بما لا يُطاقُ [2168] يُنظر: ((منح الجليل)) لعليش (9/358). .
ثانيًا: أنَّه فعَلَ ما فعَلَ بأمرِ الشَّارِعِ، وفِعلُ المَأمورِ لا يَتَقَيَّدُ بشَرطِ السَّلامةِ [2169] يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/53).  .
ثالِثًا: قياسُ التَّعزيرِ على الحَدِّ في عَدَمِ الضَّمانِ بجامِعِ كَونِهما مِنَ المَأمورِ به شَرعًا، وما ترَتَّب على المَأمورِ غَيرُ مَضمونٍ [2170] يُنظر: ((فتح العزيز بشرح الوجيز)) للرافعي (11/296)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 16). .

انظر أيضا: