الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الأوَّلُ: أن يَكونَ المَقذوفُ عَفيفًا


يُشتَرَطُ لإقامةِ الحَدِّ على القاذِفِ [895] قال القُرطُبيُّ: (للقَذفِ شُروطٌ عِندَ العُلَماءِ تِسعةٌ: شَرطانِ في القاذِفِ، وهما العَقلُ والبُلوغُ؛ لأنَّهما أصلَا التَّكليفِ؛ إذِ التَّكليفُ ساقِطٌ دونَهما. وشَرطانِ في الشَّيءِ المَقذوفِ به، وهو أن يَقذِفَه بوَطءٍ يَلزَمُه فيه الحَدُّ، وهو الزِّنا واللِّواطُ، أو يَنفيه مِن أبيه دونَ سائِرِ المَعاصي. وخَمسةٌ في المَقذوفِ، وهيَ العَقلُ، والبُلوغُ، والإسلامُ، والحُرِّيَّةُ، والعِفَّة عنِ الفاحِشةِ التي رُميَ بها، كان عَفيفًا مِن غَيرِها أم لا). ((تفسير القرطبي)) (12/ 173). أن يَكونَ المَقذوفُ عَفيفًا عنِ الزِّنا [896] بأن يَكونَ عَفيفًا عنِ الزِّنا، بمَعنى: أنَّه لم يَزْنِ قَبلَ ذلك، ولم يُحَدَّ في زِنًا. .
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ الكتابِ
1- قال تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور: 4] .
 وَجهُ الدَّلالةِ:
قَيَّدَتِ الآيةُ لحَدِّ القَذفِ أن تَكونَ المَقذوفةُ مِنَ المُحصَناتِ، وهنَّ العَفيفاتُ [897] يُنظر: ((نهاية المحتاج)) للرملي (7/ 437).  .
2- قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور: 23] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللَّهَ تعالى ذَمَّ القَذفَ في حَقِّ المُحصَناتِ الغافِلاتِ، أي: العَفيفاتِ، وهذا يَدُلُّ على أنَّ قَذفَ غَيرِ العَفيفةِ لا يَدخُلُ في الوعيدِ، ولا يَجِبُ به الحَدُّ [898] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/ 40- 41). .
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ العَرَبيِّ [899] قال ابنُ العَرَبيِّ: (وأمَّا شَرطُ العِفَّةِ فلِأنَّ المَعَرَّةَ لاحِقةٌ به، والحُرمةُ ذاهبةٌ، وهيَ مُرادةٌ هاهنا إجماعًا). ((أحكام القرآن)) (3/287). ، وابنُ رُشدٍ الحَفيدُ [900] قال ابنُ رُشدٍ الحَفيدُ: (وأمَّا المَقذوفُ فاتَّفقوا على أنَّ مِن شَرطِه أن يَجتَمِعَ فيه خَمسةُ أوصافٍ، وهيَ: البُلوغُ، والحُرِّيَّةُ، والعَفافُ، والإسلامُ، وأن يَكونَ مَعَه آلةُ الزِّنا، فإنِ انخَرَمَ مِن هذه الأوصافِ وَصفٌ لم يَجِبِ الحَدُّ). ((بداية المجتهد)) (2/ 362). ، وابنُ قُدامةَ [901] قال ابنُ قُدامةَ: (وشَرائِطُ الإحصانِ الذي يَجِبُ الحَدُّ بقَذفِ صاحِبِه، خَمسةٌ: العَقلُ، والحُرِّيَّةُ، والإسلامُ، والعِفَّةُ عنِ الزِّنا، وأن يَكونَ كَبيرًا يُجامِعُ مِثلُه، وبِه يَقولُ جَماعةُ العُلَماءِ قديمًا وحَديثًا، سِوى ما رُويَ عن داودَ أنَّه أوجَبَ الحَدَّ على قاذِفِ العَبدِ). ((المغني)) (9/ 83). ، وبَهاءُ الدِّينِ المَقدِسيُّ [902] قال بَهاءُ الدِّينِ المَقدسيُّ: (والمُحصَنُ مَن وُجِدَت فيه خَمسُ شَرائِطَ: أن يَكونَ حُرًّا، مُسلِمًا، عاقِلًا، بالِغًا، عَفيفًا، وهذا إجماعٌ). ((العدة شرح العمدة)) (599). ، والعَينيُّ [903] قال العَينيُّ: (أن يَكونَ المَقذوفُ حُرًّا، عاقِلًا، بالِغًا، مُسلِمًا، عَفيفًا عن فِعلِ الزِّنا، هذا باتِّفاقِ العُلَماءِ). ((البناية شرح الهداية)) (6/ 364). .
ثالِثًا: أنَّ الحَدَّ إنَّما يَجِبُ لدَفعِ العارِ عنِ المَقذوفِ، ومَن لا عِفَّةَ لَه عنِ الزِّنا لا يَلحَقُه العارُ بالقَذفِ بالزِّنا [904] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/ 41).  .

انظر أيضا: