المبحث الثاني: السُّننُ التابعةُ للفرائِض (السُّنن الرَّواتب)
تمهيد: المقصود بالسُّننِ الرَّواتبِ وأوقاتها وعددها
أوَّلًا: المقصودُ بالسُّننِ الرَّواتبِ
السُّننُ الرَّواتبُ هي السُّننُ التابعةُ للفرائضِ ينظر: ((حاشية ابن عابدين)) (2/60)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (1/318)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/220)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/422). .
ثانيًا: أوقاتُ السُّننِ الرَّواتب وعَدَدُها
السُّننُ الرَّواتِبُ على قِسمينِ:
1- الرَّاتِبةُ القبليَّة
يَدخُلُ وقتُها بدخولِ وقتِ الفريضةِ قال ابنُ عُثيمين: (السنة الراتبة القبليَّة التي تكون قبل الصلاة لا بدَّ أن تكون بعد دخول الوقت؛ لأنَّها راتبةٌ لصلاة لا تصحُّ إلا بعد دخول الوقت، فلو فرض أنَّ الإنسان صلاها قبل دخول الوقت ظانًّا أنَّ الوقت قد دخل ثم تبيَّن أنه لم يدخُلْ، فليعدْها وتكون الأولى نافلةً نفلًا مطلقًا لا راتبة) ((لقاء الباب المفتوح)) (رقم اللقاء: 15). ، وهذا نصَّ عليه الجمهور: المالكيَّة قال العدويُّ: ("قوله: وكذلك يتأكّد التنفُّل قبل الظهر"، أي: بعد دخول وقتها، وقبل فِعلها) ((حاشية العدوي على شرح مختصر خليل للخرشي)) (2/3). ، والشافعيَّة ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/224)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (2/236). الشافعيَّة قالوا: يخرج وقتُ السنة القبليَّة بخروج وقتِ الفرض، والوقت الاختياري لها قبل الفرض، ولو فعَلها بعد الفرض يكون أداءً. ، والحنابلة ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (2/18)، وينظر: ((الكافي)) لابن قدامة (1/238)، الحنابلة قالوا: ينتهي وقتُها بفعل المكتوبة، فإنْ فاتته سُنَّةُ الظهر قبل المكتوبة قضاها بعدَ الفرض. .
2- الرَّاتبةُ البَعديَّة
يَدخُلُ وقتُها بفِعلِ الفريضةِ، ويخرجُ بخروجِ وقتِها؛ نصَّ على هذا الشافعيَّةُ ((روضة الطالبين)) للنووي (1/337)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/224). ، والحنابلةُ ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (2/18)، وينظر: ((الكافي)) لابن قدامة (1/238). ، واختاره ابنُ عُثيمين قال ابن عثيمين: (والسُّنة البَعديَّة يبتدئ وقتها بانتهاء الصلاة، وينتهي بخروج الوقت) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/270). .
ثالثًا: عددُ السُّنَنِ الرَّواتبِ
السُّنن الرواتب اثنتَا عَشرةَ ركعةً: ركعتانِ قبل الفجر، وأربعٌ قبل الظهر ورَكعتانِ بعدَها، وركعتانِ بعد المغربِ، وركعتانِ بعد العِشاءِ، وهذا مذهبُ الحنفيَّة ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 145)، وينظر: ((الاختيار لتعليل المختار)) لابن مودود الموصلي (1/65). ، ووجهٌ عند الشَّافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (1/327)، وينظر: ((الشرح الكبير)) للرافعي (4/214). ، وهو اختيارُ ابنِ تيميَّة قال ابن تيمية: (ومن السُّنن الراتبة قبل الظُّهر أربع، وهو مذهبُ أبي حنيفة رحمه الله تعالى). ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 428). ، وابنِ باز قال ابن باز: (القاعدة: أنَّ مَن حفِظ حُجَّةٌ على مَن لم يحفظْ، وبذلك استقرَّت الرواتبُ اثنتي عشرة ركعة: أربعًا قبل الظهر، وثِنتين بعدها، وثِنتين بعد المغرب، وثِنتين بعد العشاء، وثِنتين قبل صلاة الصبح). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/281). ، وابنِ عُثَيمين قال ابن عثيمين: (القول الصحيح: أنَّ الرواتب اثنتَا عشرةَ ركعةً: ركعتان قبل الفجر، وأربع قبل الظهر بسلامين، وركعتانِ بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العِشاء). ((الشرح الممتع)) (4/69). .
الأدلة مِن السُّنَّة:
1- عن عَمرِو بن أوسٍ، قال: حدَّثَني عنبسةُ بنُ أبي سُفيانَ في مرضِه الذي ماتَ فيه بحديثٍ يتسارُّ إليه، قال: سمعتُ أمَّ حَبيبةَ تقول: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: ((مَن صلَّى اثنتي عشرةَ ركعةً في يومٍ وليلةٍ بُني له بهنَّ بيتٌ في الجنة، قالتْ أمُّ حَبيبة: فما تركتهنَّ منذُ سمعتهنَّ مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) وقال عَنبسةُ: فما تركتهنَّ منذُ سمعتهنَّ مِن أمِّ حَبيبةَ، وقال عمرُو بنُ أوسٍ: ما تركتهنَّ منذُ سمعتهنَّ من عَنبسةَ، وقال النُّعمانُ بن سالمٍ: ما تركتهنَّ منذ سمعتهنَّ من عمرو بن أوسٍ رواه مسلم (728). .
2- عن عبدِ اللهِ بن شَقيقٍ رحمه الله، قال: سألتُ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها عن صلاةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ عن تطوُّعه؟ فقالت: ((كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي في بيتِه قبلَ الظهرِ أربعًا، ثم يخرُج فيُصلِّي بالنَّاس ثمَّ يدخُل فيُصلِّي ركعتَين، وكان يُصلِّي بالناسِ المغربَ ثم يدخُل فيُصلي ركعتَين، ويُصلِّي بالناس العِشاءَ ويَدخُلُ بيتي فيُصلِّي رَكعتينِ... وكان إذا طلَع الفجرُ صلَّى ركعتين)) [3268] رواه مسلم (730). .