المَطلَبُ السابع: حُكمُ قَضاءِ السُّننِ الرَّواتبِ
الفرعُ الأوَّل: حُكمُ قضاءِ السُّنن الرَّواتبِ في غيرِ وقتِ النَّهييُشرَعُ قضاءُ السُّننِ الرَّواتبِ في غيرِ وقتِ النَّهيِ وهذا مذهبُ الشافعيَّة
، والحنابلة
، وقوَّاه
ابنُ تيميَّة
، واختارَه ابنُ القيِّم
، و
ابنُ عُثيمين
الأدلَّة: أوَّلًا: من السُّنَّة1- عن
أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((مَن نسِيَ صلاةً، أو نامَ عنها، فكفَّارتُها أن يُصلِّيها إذا ذكَرَها ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ عمومَ الحديثِ يدلُّ على مشروعيَّة قضاءِ الصَّلاةِ إذا نسِيَها أو نامَ عنها، سواءٌ كانتْ فريضةً أو راتبةً
2- حديثُ أبي قَتادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، وفيه:
((... استيقظَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والشمسُ في ظهره... ثم أذَّن بلالٌ بالصلاة، فصلَّى رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ركعتين، ثم صلَّى الغداةَ، فصنَع كما كان يَصنَعُ كلَّ يومٍ ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّه قضى سُنَّةَ الفجر، وصنَعَ كما كان يَصنَعُ كلَّ يوم
3- عن كُرَيب مولى ابنِ عبَّاس، حدَّثه أنَّ ابن عبَّاس، وعبد الرحمن بن أَزهرَ، والمِسْوَر بن مَخْرَمَةَ، أرسلوا إلى
عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، فقالوا: اقرأ عليها السَّلام منا جميعًا، وسلْها عن الركعتين بعدَ العصر، وإنَّا أُخبِرْنا أنَّكِ تُصلِّيها، وقدْ بلَغَنا أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهَى عنها، قال ابنُ عباس: وكنتُ أضربُ مع عمرَ الناسَ عنهما، قال كُريبٌ: فدخلتُ عليها وبلَّغْتُها ما أرسلوني، فقالت: سلْ
أمَّ سلمة، فأخبرتُهم فردُّوني إلى
أمِّ سلمةَ بمِثل ما أَرسلوني إلى
عائشةَ، فقالت
أمُّ سلمة:
((سمعتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَنهى عنهما، وإنَّه صلَّى العصرَ، ثم دخَلَ عليَّ وعندي نِسوةٌ من بَني حرام من الأنصار، فصلَّاهما، فأرسلتُ إليه الخادمَ، فقلتُ: قُومِي إلى جنبِه، فقولي: تقولُ أمُّ سلمةَ: يا رسولَ الله، ألم أسمَعْكَ تَنهى عن هاتينِ الركعتينِ؟ فأراك تُصلِّيهما، فإنْ أشارَ بيده فاستأخِري، ففعلتِ الجاريةُ، فأشار بيدِه فاستأخرتْ عنه، فلمَّا انصرف، قال: يا بِنتَ أبي أُميَّة، سألتِ عن الركعتينِ بعدَ العصرِ، إنَّه أتاني أناسٌ مِن عبدِ القيسِ بالإسلامِ من قومِهم، فشَغَلوني عن الركعتينِ اللَّتينِ بعدَ الظهرِ، فهُما هاتانِ ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قضى ركعتَي سُنَّة الظهر بعدَ العصر لَمَّا شُغِل عنهما؛ فالحديثُ نصٌّ في قضاءِ الرَّواتب
ثانيًا: أنَّ الرَّواتبَ مؤقَّتة بوقتٍ، فلم تسقطْ بفواتِ الوقتِ إلى غيرِ بدلٍ، كالفرائضِ
الفَرْعُ الثَّاني: قضاءُ السُّننِ الرَّواتبِ في أوقاتِ النَّهي اختلف القائلونَ بمشروعيَّة قضاءِ السُّننِ الرَّاتبة
في قضائِها في أوقاتِ النهيِ على أقوالٍ، المشهورُ منها قولان:
القولُ الأوَّل: أنَّ السُّننَ الرواتبَ تُقضى في الأوقاتِ المنهيِّ عنها، وهو مذهبُ الشافعيَّة
، وروايةٌ عن
أحمدَ
، وهو اختيارُ
ابنِ تيميَّة
الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة1- عن
أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((مَن نسِي صلاةً فليصلِّها إذا ذكَرَها، لا كفَّارة لها إلَّا ذلك ))
وفي رواية:
((مَن نسِي صلاة، أو نام عنْها فكفَّارتُها أن يُصلِّيها إذا ذكَرَها ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ هذا أمرٌ بقضاء الفائتة إذا ذُكِرت، وهو عامٌّ يَشمَلُ وقتَ النَّهي، وغيره
2- عن
أمِّ سلمةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها لَمَّا رأتِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي بعدَ العصرِ أرسلتْ إليه الجاريةَ، وقالتْ: قُومي بجنبِه قولي له: تقولُ لكَ
أمُّ سَلمةَ: يا رسولَ الله، سمعتُك تَنهى عن هاتينِ، وأراكَ تُصلِّيهما! فإنْ أشارَ بيدِه فاستأخري عنْه، ففعلتِ الجاريةُ، فأشار بيدِه فاستأخرَتْ عنه، فلمَّا انصرَفَ، قال:
((يا بِنتَ أبي أُميَّة، سألتِ عن الركعتينِ بعدَ العصرِ، وإنَّه أتاني ناسٌ من عبد القَيسِ فشَغَلوني عن الركعتينِ اللَّتين بعدَ الظهر، فهي هاتانِ ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ فيه قضاءَ النَّافلةِ في وقْت النَّهي، مع إمكانِ قَضائِها في غيرِ ذلك الوقتِ
3- عن أبي سَلمةَ بنِ عبد الرحمن بنِ عوفٍ: أنَّه سأل
عائشةَ عن السجدتينِ اللَّتينِ كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّيهما بعدَ العصر؟ فقالت:
((كان يُصلِّيهما قبل العصر، ثم إنَّه شُغِلَ عنهما أو نسيهما، فصلَّاهما بعدَ العصرِ ))
4- عن
عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قالت: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لا تَتحَرَّوا طلوعَ الشَّمسِ ولا غُروبَها فتُصلُّوا عندَ ذلك ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ النهيَ عن الصلاةِ في هذه الأوقاتِ إنما هو لِمَن يَتحرَّى الصلاةَ فيها، ومَن قضى الرواتبَ فإنَّه لم يتحرَّ الصلاةَ فيها، وإنَّما صلَّى لسببِ تدارُكِ ما فاته من السُّنن
ثانيًا: أنَّ النهي كان لسدِّ ذَريعةِ الشِّركِ، وذوات الأسبابِ فيها مصلحةٌ راجحةٌ، والفاعل يفعلُها لأجْلِ السببِ، لا يَفعلها مطلقًا؛ فتمتنعُ فيه المشابهةُ
ثالثًا: ولأنَّها صلاةٌ لها وقتٌ راتبٌ؛ فوجب أنْ لا تسقُطَ بفواتِ وقتِها كالفرائضِ
القول الثاني: أنَّ السُّنَنَ الرَّواتبَ لا تُقضَى في الأوقاتِ المنهيِّ عنها، وهو مذهبُ الحنابلةِ
الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة1- عن ابنِ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهما، قال:
((شهِدَ عندي رجالٌ مَرضيُّون، وأرضاهم عندي عُمرُ: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهى عن الصَّلاةِ بعدَ الصبحِ حتَّى تشرقَ الشَّمسُ، وبعدَ العصْر حتى تَغرُبَ ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ الحديثَ دلَّ بعمومِه على النَّهي عن الصلاةِ في هذِه الأوقاتِ
2- عن أبي قَتادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال:
((... فكان أوَّلَ مَن استيقظَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والشمسُ في ظَهرِه، قال: فقُمنا فزِعينَ، ثم قال: ارْكَبوا، فركِبْنا فسِرْنا حتى إذا ارتفعتِ الشمسُ نزَل، ثم دعا بمِيضأةٍ
كانت معي فيها شيءٌ من ماء، قال: فتوضَّأ منها وضوءًا دون وضوءٍ، قال: وبقِي فيها شيءٌ من ماءٍ، ثم قال لأبي قَتادَةَ: احفظْ علينا مِيضأتَك، فسيكون لها نبأٌ، ثم أذَّن بلالٌ بالصَّلاة، فصلَّى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ركعتينِ، ثم صلَّى الغداةَ، فصَنَع كما كان يَصنَعُ كلَّ يومٍ... ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخَّرَ القضاءَ عن وقتِ النَّهيِ
ثانيًا: أنَّ النَّهيَ عن الصَّلاةِ في هذه الأوقاتِ للتحريم، والأمرَ لقضاءِ ما فاتَ من السُّنَنِ للنَّدبِ، وترْكُ المحرَّمِ أَوْلى مِن فِعلِ المندوبِ
ثالثًا: ولأنَّها صلاةُ نافلةٍ؛ فوجَبَ أن تَسقُطَ بفواتِ وقتِها، كالكسوف والخسوف