المطلب السَّادِس: سُنَّة الجُمُعةِ
الفَرْعُ الأول: الصلاة إلى خروج الإمام للخطبةيُستحبُّ التطوُّعُ بالصلاة يومَ الجُمعةِ إلى خروج الإمام للخطبة، وذلك باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة
: الحنفية
، والمالكيَّة
، والشافعيَّة
والحنابِلَة
.
الأَدِلَّةُأوَّلًا: من السُّنَّة1- عن سلمانَ الفارسيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((مَن اغتَسَل يومَ الجُمعةِ، وتَطهَّرَ بما استطاعَ من طُهرٍ، ثم ادَّهن أو مسَّ مِن طِيب، ثم راح فلمْ يُفرِّقْ بين اثنينِ، فصلَّى ما كُتِبَ له، ثم إذا خرَجَ الإمامُ أَنصتَ، غُفِرَ له ما بينه وبين الجُمُعةِ الأُخرى ))
.
وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ الحديثَ يدلُّ على فَضلِ الصلاةِ قبلَ الجُمعةِ من غيرِ تقديرٍ للصَّلاةِ؛ فيكون أقلُّ ذلك رَكعتينِ، والزيادةُ عليهما بحسَبِ التيسيرِ
.
2- عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((مَن اغتسَلَ ثم أَتى الجُمُعةَ، فصلَّى ما قُدِّرَ له، ثم أَنصتَ حتى يَفرغَ من خُطبته، ثم يُصلِّي معه، غُفِرَ له ما بينه وبين الجُمُعةِ الأخرى، وفضلَ ثلاثةِ أيَّام ))
.
وجه الدلالة: قوله:
((فصلَّى ما قُدِّر لهـ)) يدلُّ على أنَّ الصلاة قبل الجمعة لا حدَّ لها
.
ثانيًا: من الآثار1- عن
ابنِ شِهابٍ، عن ثَعلبةَ بن أبي مالكٍ القُرضيِّ: (أنَّه أخبره أنَّهم كانوا في زمانِ عُمرَ بنِ الخَطَّابِ يُصلُّونَ يومَ الجُمُعةِ حتى يخرجَ عمرُ، فإذا خرَجَ عُمرُ وجلَس على المنبرِ وأذَّنَ المؤذِّنون، قَال ثعلبةُ: جَلَسْنا نتحدَّث، فإذا سكَتَ المؤذِّنونَ وقام عُمرُ يَخطُبُ، أَنصَتْنا فلم يتكلَّمْ منَّا أحدٌ)
.
2- عن نافعٍ قال:
((كان ابنُ عُمرَ يُطيل الصلاةَ قبل الجُمُعة، ويُصلِّي بعدَها ركعتينِ في بيتِه، ويُحدِّثُ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَفعَلُ ذلك))
.
ثالثًا: جَرَيانُ العَمَلِ عليهجرَى عملُ المسلمينَ على التطوُّعِ إلى خروجِ الإمامِ
.
الفَرْعُ الثَّاني: وقتِ الزوالِ يومَ الجُمُعةِوقت الزوال يوم الجمعة ليس بوقتِ نهيٍ، وهذا مذهبُ المالكيَّة
، والأصحُّ في مذهبِ الشافعيَّة
، وهو قولُ
أبي يُوسفَ من الحنفيَّة
، وهو وجهٌ عند الحنابلةِ
، وقولُ طائفةٍ من السَّلفِ
، واختارَه
ابنُ تيميَّة
، و
ابن القيِّم
، و
الصنعانيُّ
، و
ابنُ باز
.
الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة عن سلمانَ الفارسيِّ، قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لا يَغتسلُ رجلٌ يومَ الجُمُعةِ، ويتطهَّرُ ما استطاعَ مِن طُهر، ويَدَّهِنُ من دُهْنه، أو يمسُّ مِن طِيب بيتِه، ثم يخرُج فلا يُفرِّقُ بين اثنينِ، ثم يُصلِّي ما كُتِبَ له، ثم يُنصِتُ إذا تَكلَّم الإمامُ، إلَّا غُفِرَ له ما بينه وبين الجُمُعةِ الأخرى ))
.
وَجْهُ الدَّلالَةِ:الحديثُ فيه مشروعية الصلاةِ، وأنَّ المانعَ منها خروجُ الإمامِ لا انتصافُ النَّهارِ
.
ثانيًا: من الآثار(أنَّ الناس كانوا في زمَن عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْه يُصلُّون يومَ الجُمُعةِ حتى يخرُجَ عُمرُ)
.
وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ الصحابة كانوا يُصلُّون وقتَ الزوال؛ لأنَّهم كانوا يُصلُّون إلى خروجِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، وكان عمرُ لا يَخرُجُ إلَّا بعد وقتِ الزوالِ، وهذا لا يكونُ إلَّا توقيفًا؛ فيكون مخصِّصًا لعمومِ النهيِ عن الصلاةِ في ذلك الوقت
.
ثالثًا: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم استحبَّ التبكيرَ إليها ثم رغَّب في الصلاة إلى خُروجِ الإمامِ من غيرِ استثناءٍ
.
رابعًا: لأنَّ الناسَ يكونون في المسجدِ تحتَ السُّقوفِ، ولا يَشعُرونَ بوقت الزَّوالِ، ولا يُمكنهم أنْ يَخرجوا ويتخطَّوْا رقابَ الناس؛ لكي ينظروا إلى الشمسِ لعدمِ مشروعيَّةِ ذلك
.
خامسًا: جريانُ العملِ عليه؛ فعَمَلُ المسلمينَ في جميعِ الأقطارِ على ذلِك
.
الفَرْعُ الثَّالِث: هل للجُمُعةِ سُنَّةٌ راتبةٌ قبليَّةٌ؟ ليس لصلاةِ الجُمعةِ سُنَّةٌ راتبةٌ قبليَّة، وهذا مذهبُ المالكيَّة
، والحنابلة
، وعليه جماهيرُ الأمَّة
، وهو اختيارُ
ابنِ تيميَّة
، و
ابن القيِّم
، و
ابنِ حجرٍ العسقلانيِّ
الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّةعنِ
ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما، قال: (صليتُ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سجدتينِ قبلَ الظُّهرِ، وسجدتينِ بعد المغربِ، وسجدتينِ بعدَ العِشاءِ، وسجدتينِ بعدَ الجُمُعةِ)
وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّه لم يذكر لها سُنَّة إلَّا بعدَها؛ فدلَّ على أنَّه لا سُنَّة قبلَها
ثانيًا: أنَّ المرادَ من الصَّلاةِ المسنونة أنَّها منقولةٌ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قولًا وفعلًا، والصلاة قبل الجُمُعة لم يأتِ منها شيءٌ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يدلُّ على أنَّه سُنَّة، ولا يجوزُ القياسُ في شرعيَّة الصلواتِ
ثالثًا: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يخرج من بيته يومَ الجُمُعة فيصعَدُ مِنبَرَه ثم يؤذِّنُ المؤذنُ، فإذا فرغ أخذَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في خُطبتِه، ولو كان للجُمُعةِ سُنَّةٌ قَبْلَها لأمَرَهم بعدَ الأذانِ بصلاةِ السُّنَّة، وفعَلَها هو صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولم يكُن في زمنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم غيرُ هذا الأذانِ الذي بين يدي الخَطيبِ
رابعًا: لو كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي في بيتِه قبلَ خُروجِه إلى الجُمُعة لضُبِط ذلك، كما ضُبِطتْ صلاتُه بعدَها، وكما ضُبِطتْ صلاتُه قبل الظُّهر، ولنَقَل ذلك أزواجُه رَضِيَ اللهُ عَنْهنَّ، كما نقَلْنَ سائرَ صلواته في بيتِه ليلًا ونهارًا، وكيفيَّة تهجُّده وقِيامة بالليل، وحيث لم يُنقَلْ شيءٌ من ذلك، فالأصلُ عدمُه، ودلَّ على أنه لم يقعْ، وأنَّه غيرُ مشروعٍ
خامسًا: أنَّ السُّنَّة الراتبة إنْ كانت بعدَ دخول الوقت فلا يصحُّ؛ لأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يخرجُ إذا زالتِ الشمسُ فيشتغِلُ بالخُطبةِ، ثم بصلاةِ الجُمُعة، وإنْ كان المرادُ قبلَ دخولِ الوقتِ، فذلك مطلَقُ نافلةٍ لا صلاةٌ راتبةٌ
الفَرْعُ الرابع: سُنَّةُ الجُمُعةِ البَعديَّة اختَلف أهلُ العِلمِ في عددِ ركَعاتِ سُنَّةِ الجُمُعةِ البَعديَّة على ثلاثةِ أقوال:
القول الأوّل: أنَّ سُنَّة الجُمعةِ البعديَّة أربعُ ركَعات، وهذا مذهبُ الحنفيَّة
، والشافعيَّة
، وبه قالتْ طائفةٌ من السَّلَف
، واختارَه ابنُ المنذرِ
، و
الصنعانيُّ
الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة عن سُهيلٍ، عن أبيه، عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال:
((مَن كان منكم مصلِّيًا بعدَ الجُمُعةِ، فليصلِّ أربعًا))، وفي رواية: قال سُهيلٌ:
((فإنْ عجِل بكَ شيءٌ فصلِّ ركعتينِ في المسجِدِ، وركعتينِ إذا رجعتَ ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَرَ بالأربعِ؛ فدلَّ على أنَّها أفضلُ من الركعتينِ
القول الثاني: أنَّه مُخيَّرٌ بين أن يُصلِّي ركعتينِ أو أربعًا، وهذا روايةٌ عن
أحمدَ
، وهو قولُ
ابنِ باز
، و
الألبانيِّ
؛ وذلك جمعًا بين حديثِ أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((مَن كان منكم مُصلِّيًا بعدَ الجُمُعةِ، فليصلِّ أربعًا))
، وبينَ حديثِ
ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما:
((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كانَ لا يُصلِّي بعدَ الجمُعةِ حتى يَنصَرِفَ، فيُصلِّي ركعتَينِ ))
القول الثالث: إنْ صلَّى في المسجدِ صلَّى أربعًا، وإنْ صلَّى في بيته صلَّى ركعتينِ، وهو قولُ
إسحاقَ بنِ راهَويهِ
، واختاره
ابنُ تيميَّة
، و
ابنُ القيِّمِ
، وبه أفتت اللَّجنة الدَّائمة
وذلك جمعًا بين حَديثي أبي هُرَيرَة و
ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهم؛ فحديثُ
ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما نصَّ فيه أنه كان يُصلِّي الركعتينِ في بيتِه، وحديثُ أبي هُرَيرَة رضي الله في الصَّلاةِ أربعًا يُحمل على الصلاةِ في المسجد؛ جمعًا بين الحديثين