موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ الثاني: شروطُ الحالِ


للحالِ شُروطٌ يجِبُ توفُّرُها، وهي:
الأوَّلُ: التنكيرُ: لَمَّا غلب على النَّكِرة الاشتقاقُ، ومجيءُ صاحبها معْرِفةً، وجَبَ في الحالِ التَّنكيرُ؛ لئلَّا يَشتبِهَ بالنَّعتِ، واحترازًا من الزِّيادةِ بلا فائدةٍ؛ فإنَّ الحالَ يؤدِّي غَرَضَه وهو نكرةٌ؛ فلهذا لم يَجُزْ تعريفُه.
تَقولُ: جاء الولدُ سعيدًا، استيقظ الفلاحُ نشيطًا، انطلق اللاعِبُ مُسرِعًا. فكلٌّ من (سعيدًا، نشيطًا، مسرعًا) أحوالٌ منصوبةٌ جاءت نكرةً.
وقد سُمع عن العَرَبِ مجيءُ الحالِ مُقترنةً بـ(أل)، كقَولِهم: دخلوا الأولَ فالأوَّلَ، وأرسلها العِراكَ، وجاؤوا الجَمَّاءَ الغفيرَ.
وأوَّلها جمهورُ النُّحاةِ على أنها مُؤَوَّلة بالنَّكِرة؛ فأصلها: دخلوا مُرَتَّبينَ، وأرسلها مُتعارِكةً. وأصلُ المثالِ الثَّالِثِ حَذفُ (أل)؛ فقد ورد عنهم جاؤوا جَمَّاءً غَفيرًا يُنظَر: ((شرح ألفية ابن مالك)) لابن الناظم (ص: 230)، ((التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل)) لأبي حيان (9/ 30). .
الثاني: أن تكوَن منتَقِلةً غالبًا
بمعنى: أن تكونَ غيرَ ثابتةٍ، أي: طارئةً، تكونُ في صاحِبِها حالَ حُدوثِ الفِعْل، ثمَّ لا تَلبَثُ أن تزولَ بزَوالِ الفِعْل؛ كقَولِك: جاء أحمدُ غاضبًا، وركض عليٌّ سريعًا؛ فكلُّ هذه الأحوالِ عارِضةٌ مُنتَقِلةٌ؛ فغَضَبُ أحمدُ سيزولُ، وسرعةُ عليٍّ ستتوقَّفُ.
والحالُ هنا على نوعينِ بحسَبِ أنواعِ الحالِ، كما يأتي بيانُه؛ فإن كانت الحالُ مؤكِّدةً جاز أن يكون الحالُ ثابتًا لا يتغيَّرُ؛ كقَولِه تعالى: وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ [البقرة: 91] ؛ فالحالُ هنا جاءت مؤكِّدةً لكَونِ القرآنِ هو كلامَ اللهِ حقًّا؛ فلهذا لا يتغيَّرُ حالُ القرآنِ من كونِه حقًّا ومُصَدِّقًا للكُتُبِ السَّابقةِ، ومِثْلُه قولُك: دعوتُ اللهَ سميعًا؛ فإنَّ الحالَ مُلازمةٌ ثابتةٌ، وصِفةُ السَّمعِ ثابتةٌ لله تعالى بالكتابِ والسُّنَّةِ.
ويجوزُ في الحالِ كذلك أن يكونَ ثابتًا إذا كان عامِلُه دالًّا على تجدُّدِ صاحِبِها، كقَولِه تعالى: وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا [النساء: 28] ، وقَولِنا: خلق اللهُ الزَّرافةَ يَدَيها أطوَلَ مِن رِجلَيها؛ فإنَّ خَلْقَ الإنسانِ على تلك الصورة متجَدِّدٌ دائمًا، وكذلك خَلقُ الزَّرافةِ على ذلك الشَّكلِ.
ولا يجوزُ في غير تلك الصُّوَرِ أن تكونَ الحالُ ثابتةً، بل يجب كونُها مُنتقِلةً يُنظَر: ((ارتشاف الضَّرَب من لسان العرب)) لأبي حيان الأندلسي (3/ 1561)، ((توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك)) للمرادي (2/ 694). .
الثَّالثُ: أن تكونَ مُشتقَّةً غالبًا
وهذا تابعٌ للشَّرطِ الذي قبله؛ فإنَّه لَمَّا كان أكثَرُ مجيءِ الحالِ منتقِلةً، استوجب ذلك أن يكون أكثَرُ ما تجيء عليه أن تكونَ مُشتقَّةً؛ لأنَّ الاشتقاقَ أكثَرُ في الدَّلالةِ على الوَصفِ من الجامِدِ.
ولأنَّ الحالَ تَدُلُّ على هيئةٍ وصاحِبِها، والأكثَرُ فيما يدُلُّ على هيئةٍ وصاحِبِها أن يكونَ مُشتَقًّا، ككريمٍ وضارب، وعابس ومُتَجَهِّم، ومبتَسِم وباكٍ، ومذعور ومَسرور... يُنظَر: ((شرح التسهيل)) لابن مالك (2/ 322)، ((شرح ألفية ابن مالك)) لابن الناظم (ص: 228). .
على أنَّ الحال قد تأتي جامدةً كذلك، وهي على نوعينِ:
الأوَّلُ: أن تكونَ جامدةً مؤوَّلةً بالمشْتَقِّ، وذلك في ثلاثِ مَسائِلَ:
1- في التشبيهِ، مِثْلُ: كَرَّ عليٌّ أسدًا، أي: شُجاعًا، وبَدَت الجاريةُ قَمَرًا، أي: جميلةً مُضيئةً.
(كَرَّ) فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على الفَتحِ.
(عليٌّ) فاعِلٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
(أسدًا) حالٌ جامِدةٌ مُؤَوَّلةٌ بمشتَقٍّ، تقديرُها: شجاعًا، وهي منصوبةٌ، وعَلامةُ نَصبِها الفَتحةُ الظَّاهِرةُ.
2- ما دَلَّ على المُفاعَلةِ، مِثلُ: بِعتُه يدًا بِيَدٍ، أي: متقابضَيْنِ، وكلمَّتْه فَاهُ إلى فِيَّ، أي: مُتَشَافِهَين.
بِعتُه: فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِه بتاء الفاعِل، والتاء: ضَميرٌ مَبْنيٌّ في مَحَلِّ رَفعٍ فاعِلٌ، والهاءُ ضَميرٌ مَبْنيٌّ في مَحَلِّ نَصبٍ مَفعولٌ به.
يدًا: حالٌ منصوبةٌ، وعَلامةُ نَصبِها الفَتحةُ الظَّاهِرةُ.
بيَدٍ: الباءُ حَرفُ جَرٍّ، يدٍ: اسمٌ مَجرورٌ بالباء، وعَلامةُ جَرِّه الكَسْرةُ الظَّاهِرةُ.
3- أن تدُلَّ على ترتيبٍ. تَقولُ: ادخلوا رجُلًا رجلًا، أو: رَجُلين رجُلَينِ، أي: مُرَتَّبينَ.
الثاني: أن تكونَ جامدةً غيرَ مُؤَوَّلةٍ بالمشتَقِّ، وتقَعُ في سَبعِ مَسائِلَ:
1- أن تكون موصوفةً، وتُسمَّى حالًا مُوَطِّئةً، مِثلُ قَولِه تعالى: فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا [مريم: 17] ؛ فالحالُ هنا (بشرًا)، وقد جاء موصوفًا بالمشتَقِّ، وإنما سُمِّيت موطِّئةً؛ لأنَّها تمهِّدُ للنَّعتِ بَعْدَها.
2- أن تدُلُّ على سِعرٍ، نَحْوُ: بِعتُه مُدًّا بكذا.
3- أن تكونَ عَدَدًا، نَحْوُ: قوله تعالى: فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً [الأعراف: 142] .
4- أن تكونَ في طَوْرِ التفضيلِ، أي: أن تدُلَّ الحالُ على أن صاحِبَها في طَورٍ وحالٍ من أحوالِه مُفَضَّلٌ وزائدٌ على نَفْسِه أو غيرِه في حالةٍ أخرى. تَقولُ: هذا بُسرًا أفضَلُ منه رُطَبًا.
هذا: اسمُ إشارةٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ رَفعٍ مُبتَدَأٌ.
بسرًا: حالٌ منصوبةٌ، وعَلامةُ نَصبِه الفتحةُ.
أفضلُ: خَبَرٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّة.
منه: الجارُّ والمجرورُ متعلِّقٌ بالخَبَر (أفضَلُ).
رُطَبًا: حالٌ منصوبةٌ، وعَلامةُ نَصبِها الفَتحةُ الظَّاهِرةُ.
والمرادُ: أنَّ للتَّمْرِ أطوارًا مختَلِفةً، وهو في طَوْرِ البُسرِ مُفضَّلٌ على نَفْسِه في طَوْرِ الرُّطَبِ.
5- أن تكونَ نوعًا لصاحِبِ الحالِ؛ كقَولِك: هذا مالُك ذَهَبًا.
6- أن تكون فرعًا لصاحِبِ الحالِ؛ كقَولِه تعالى: وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا [الأعراف: 74] ، وقولك: هذا حديدُك خاتَمًا؛ فالبيوتُ فَرعٌ عن الجبالِ، والخاتمُ فَرعٌ عن الحديدِ.
7- أن تكونَ أصلًا لصاحِبِ الحالِ؛ كقَولِك: هذا خاتَمُك حديدًا، ومنه قَولُه تعالى: قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا [الإسراء: 61] يُنظَر: ((أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك)) لابن هشام (2/ 252)، ((شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في النحو)) لخالد الأزهري (1/ 574). .

انظر أيضا: